أنفلونزا الخنازير بين شفافيتهم وضبابيتنا
الأنفلونزا بيننا وبينهم
أنفلونزا الخنازير بين شفافيتهم وضبابيتنا
ابتهال قدور
عملياً، وعالمياً، انطلقت حملة اللقاح ضد مرض "انفلونزا الخنازير" البداية كانت في الصين، ومع نهايات شهر نوفمبر ستكون الحملة قد غطت مختلف الدول،هذا ماتجود به التصريحات...
سرعة في التحرك على مستوى دولي، يحسد المواطن عليها!!
ولكن مارأى فيه البعض مجالا للحسد، رأى فيه البعض الآخر مجالا للشفقة.
هكذا تبدو أمور هذا العالم... من الطرف الى الطرف، ومن النقيض الى النقيض!!
ففي الغرب كما عندنا، تباينت الآراء والمواقف إزاء هذا المرض، فئة رأت فيه خطورة الوباء، وفئة هونت من شأنه.
فئة تصر على فرض اللقاح، وتشجع عليه، وتدافع عنه باستماتة، وفئة ترفضه، وتجعل منه "دواء أخطر من الداء" كما جاء على صفحات جريدة لوموند الفرنسيه.
هناك كما هنا، تشكلت لوبيات لمقاومة اللقاح ونشر التوعية بشأن أضراره، وآثاره ...
وتشكلت في المقابل لوبيات للتوعية بما يمكن أن يفعله الفيروس (h1n1) التي قد يكون قاتلا !
ولكن ولكي أكون منصفة، غير ضبابية، ولا بعيدة عن الدقة في طرحي أشير الى فرق بسيط بين مايحدث عندنا، ومايحدث عندهم في خضم هذه البلبلة الوبائية.
فرق بسيط، ولكنه البسيط الممتنع، الذي لم نستطع إلى الآن اتباع نهجه، ولم نتعلم بعد أن ننحو منحاه...
إنه الفرق بين ماهو علمي وماهو غوغائي عاطفي !!
ما يحدث عندنا
أن فريق التهوين من الوباء، و معارضي اللقاح أغرقونا برسائلهم الالكترونية...رسائل تحذرنا من خطة صهيونية أمريكية تهدف الى حقننا بمادة خطيرة لكي تحد من خصوبتنا، وتقلل عددنا كمسلمين وعرب على وجه الكرة الأرضية، وتجعل أبناءنا أغبياء محدودي القدرات الذهنية والجسدية!
وحذرتنا رسائلهم أيضا من أن هناك مافيا تسيطر على صناعة الأدوية، يسيرها رامسفيلد، وجورج بوش، وغيرهما من صناع الحروب في العالم...
وذكرت تلك التحذيرات، أن هذه المافيا هي التي تصنع الفيروس وتنشره ثم تعرض له اللقاح، لكي تبتزنا، وتسرق أموالنا، وتضحك على ذقون حكامنا وأنظمتنا الساذجة أو المتآمرة!
وأنا كمواطنة عربية لا أدعي البراءة الكاملة لنفسي من هذه الأفكار وهذه التخوفات، التي لا تخلو من حقائق، ولكنني أربأ بنفسي أن أقع تحت سيطرتها وهيمنتها التي ستجمد حركتي، وتحد من تفكيري، وتحيلني للاستسلام القسري لمؤامرات الآخر..
خاصة حين تكون هذه الأفكار غير قادرة على إرجاعنا الى دراسات علمية واضحة، أو إحصائيات دقيقة..
هذه الرسائل تلح لكي تغرس فينا فكرة أننا لكي نكون مواطنين صالحين، ومسلمين مخلصين لديننا، يجدر بنا أن ننقاد لكل مايصلنا إذا ما كان النص يحوي تهمة للصهاينة، والأمريكان وعلينا أن نحدد مواقفنا انطلاقاً من أوهام تسكن أدمغة البعض.
قد تكون هذه الأوهام أساسها الصحة، ولكن لماذا يصر البعض على أن يجرد مواقفنا من العلمية، لماذا تستهويهم الى حد بعيد فكرة الرمي بكل مصيبة الى المطبخ الصهيوني بدون أن يقدموا لنا الوصفات الواضحة والمعقولة، وبدون أن يدلوننا على وصفات عملية قادرة على تعبئتنا تعبئة نهضوية إيجابية، بدلا من أن يبعثوا إلينا بوصفات تعبؤنا تعبئة سلبية انهزامية؟!
مايحدث عندهم..
إن أولئك الذين عارضوا اللقاح في الغرب، قدموا أعذارهم وذيلوا اعتراضاتهم بحجج علمية، وأيدوها بدراسات وإحصائيات!
وهم ليسوا قلة، فقد وصلت أعدادهم النصف تقريبا في بعض المهن كما هو الحال في فرنسا حيث تشير الإحصائيات الى أن طبيبا من أصل اثنين يرفضون أن يتلقوا اللقاح، مما يعني نصف الأطباء تقريباً.
و26 في المئة فقط من الممرضين مستعدون لتلقي اللقاح،(حسب ما نشرته جريدة لو موند الفرنسية ليوم الخميس 24 سبتمبر)
وأشارت دراسة أخرى أجريت في "بريطانيا" في أغسطس 2009 أن ثلث الممرضين فقط مستعدين لتلقي اللقاح.
نفس الأمر أشارت اليه دراسة أجريت في "هونك كونك" حيث أعلن 48 بالمئة من الكادر الطبي رفضهم لتلقي اللقاح.
وأثبتت الدراسات أيضا أن هناك ارتباط واضح بين رفض اللقاح، والتخوف الضعيف جدا من الفيروس حيث أعلن 89 بالمئه من الأطباء اطمئنانهم أمام ما اعتبرته منظمة الصحة العالمية وباءاً.
هذا بينما أشارت دراسات أخرى إلى أن موقف الكادر الطبي ينطلق من مخاوف كثيره ناتجة عن طبيعة اللقاح ومايحويه من تركيبات تصنف خطيرة على الصحة.
وكإحصائية شملت مختلف فئات المجتمع في فرنسا مثلا عبر 30 بالمئة فقط من الشعب الفرنسي عن استعداده لتلقي اللقاح.
الكثير من الدراسات والاحصائيات وضعت بين يدي المواطن الغربي سهلت عليه اتخاذ موقف بشأن مايتوجب عليه القيام به في مواجهة هذا المرض المثير للجدل.
فهو حين يختار موقفاً يدرك لماذا اختار ذاك الموقف منطلقا من معلومات وأرقام غير تلك التي تصهين القضية وتؤمركها!
جميل أن نقرأ من بين أسباب الامتناع عن تلقي اللقاح مثلا:
عدم التأكد من آثاره الجانبية.
احتوائه على مواد قد تكون آثارها أشد فتكاً وضرراً من المرض نفسه.
إصرار شركات الأدوية المنتجة للقاح على حصولها من الدول المستفيدة على توقيع يبريء ذمتها، من أية آثار جانبية قد تظهر على من تم تلقيحه، مما يبرر التخوفات.
لابد من الشفافية..
عندما تضع الدول المعطيات العلمية أمام شعوبها، فهي تمنحهم بذلك القدرة على الاختيار المسؤول.
وعندما تطلعهم بشفافية على كل مايحيط باللقاح من سلبيات وإيجابيات ، فهي تبريء ذمتها وتضعهم أمام اختياراتهم..فهي فرصتها اليوم لكي تستعيد قيم الشفافية المفتقدة.
وعندما تقوم كوادرنا الطبية بمسؤولياتها بجدارة في كشف المخبوء فإنها ستكون على قدر الأمانة التي وضعت في أعناقهم.
ولكن مادام أمر البحث عن كل مايحيط بهذا الطاريء الصحي، في الكثير من بلداننا، محصوراً في جهود فردية، ومادام التوجه العام هو : "كل يبحث لنفسه" فإن هذه البلدان لن تستطيع أن تدعي أنها قد قامت بواجباتها كاملة.
لأنه ليس من المعقول أن يترك المواطن حائراً فإن استطاع أن يبحث ويتتبع أسرار هذا المرض وهذا اللقاح ، كوّن لنفسه موقفاً واضحاً، ومن لم يستطع البحث والتتبع وقع تحت أسر رسائل من صنف "أنشر ولك الأجر".
مسؤول غربي سَرّه التنسيق العالمي الذي يحدث بخصوص المرض، وصفه بأنه سابقة عالمية، ورأى فيه أول وباء عالمي يواجه في الوقت المناسب، بتنسيق دولي غير مسبوق، وأضاف بأن مايحدث هو "ديمقراطية صحية عالمية"!
ضرورة التوعية "باللقاح" ما له وما عليه..
وللحقيقة فنحن لا نستطيع ان نقول أننا واجهنا الوباء بعقلانية أو أننا تعاملنا معه بديموقراطية إذا لم تكن المعطيات واضحة أمام الجميع، بحيث يكون بمقدور كل فرد أن يختار مافيه مصلحته على أسس علمية واضحة، يختار هل يريد اللقاح أم لا, وعلى ماذا استند في قراره ذاك.
جيدة هي التوعية بطرق الوقاية التي تنشرها وزارات الصحة في بعض الدول عبر الوسائل الاعلامية - على الرغم مما حركته من جشع التجار الذين سارعوا في رفع أسعار المعقمات والمطهرات بينما يجدر بهم التصرف بعكس مايحدث انطلاقا من المسؤولية الوطنية والانسانية - ولكنها تظل غير كافية لانتشالنا من عبء الغموض الكبير الذي يلف اللقاح ومدى فاعليته، وحجم آثاره الجانبية، وموقف الهيئات الطبية منه ولماذا...
فنحن أمام حملة شاملة للقاح سيشمل جميع الفئات من الأجنة الى الشيوخ، القضية ليست سهلة، ولا بد من أن تتحدد مواقفنا بناءاً على معطيات علمية دقيقة، وليس انطلاقا من رسائل الكترونية غوغائية...
فهل من تجاوب!؟