ثمرة التربية في العالم الغربي العلماني
ثمرة التربية في العالم الغربي العلماني
تأليف: د.عدنان علي رضا النحوي
إنَّ التربية في التاريخ البشري ، حين نستعرضها منذ العصور البدائية حتى عصرنا الحاضر ، نلاحظ أنها تقوم على أساس المعتقدات في المجتمع والعادات والتقاليد . ونجد أن الشرك والوثنيّة والانحراف كان طابع كثير من المجتمعات وصفاته المميّزة له ، باستثناء التي جاء فيها الأنبياء والمرسلون إلى أقوامهم بدين الله الحقّ ، حتى خُتِموا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم :
( ولقد بعثنا في كلِّ أمّةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم مَنْ حقَّت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذِّبين)
[ النحل : 36]
( ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكنّ رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكلِّ شيءٍ عليما )
[ الأحزاب : 40]
ولقد برزت الوثنيّة بروزاً ظاهراً في شعوب متعدّدة بالرغم من جهد الرسل والأنبياء لحكمة يريدها الله . والوثنيّة اليونانية من أبرز هذه الوثنيَّات التي امتدَّ أثرها حتى اليوم .
أخذ الرومان عن اليونان أدبهم الوثني وفكرهم الوثني واتبعوه اتباع تقليد يشبه التقديس . ولمَّا جاءت النصرانيّة إلى أوروبَّا أيام الرومان اصطدمت بالوثنيّة الرومانيّة اليونانيّة ، وصبرت قرابة ثلاثة قرون . فلمَّا تمَّ التفاهم مع الإمبراطور الروماني قسطنطين ، كانت النصرانية قد تنازلت من خلال ذلك عن بعض مبادئها، وتأثَّرت بالوثنيّة اليونانية ، وأُقِرَّ التصوّر الثلاثي في مؤتمر " نيقية " سنة (325م) .
وظهرت الكنيسة الكاثوليكية تحمل بعض عادات الوثنية من لباس ومصطلحات وشعائر لا أصل لها في الدين الذي جاء به عيسى عليه السلام من عند الله ، دين الإسلام .
واصطدمت كذلك مع السلطة الزمنية ، وأذلّت الملوك واصطدمت مع النشاط العلميّ ، ومع العلماء ، وأحرقت بعضهم أحياء . فكان من أثر ذلك كلّه نفور كثير من الناس من الدين ، وإقبالهم على الدنيا ، وتلمُّس الفكر والفلسفة والأدب فيها . فظهرت الوثنية في مظاهر كثيرة من الحياة الغربيّة ، وأخذ يزداد إقبال الناس على التصوّرات الوثنيّة اليونانيّة والرومانيّة ، وما تفرَّع عنهما من أدب وفكر وفلسفة ، وتصورات في المجتمع والحكم ، حتى ظهرت العَلمانيَّة secularism والعِلْمانيَّة Scientism ، وسيطرتا على العالم الغربي فكراً وأدباً ونظاماً اجتماعيَّاً وفلسفة حكم ، وامتدَّ تأثير ذلك على مناطق كثيرة من العالم، من خلال شعارات وزخارف مغرية كالحريَّة " المتفلّتة " ، والديمقراطية والحداثة وغير ذلك من شعارات يَهْدُرُ بها إعلام قويٌّ تسانده قوى عسكريّة واقتصاديّة وأدبيّة ، تُخْفي في داخلها حقيقة أطماعها وعُدْوانها وفتنتها .
على ضوء ذلك قامت نظرية التربية والتعليم في العالم الغربي على أُسس العَلمانيّة والعِلْمانيّة التي اتخذت لنفسها أوثاناً تعبدها من دون الله ، أهمها ما يلي :
أولاً : العقل البشري ، الذي أرادت أن تفهم من خلاله الكون كله .عقل محدود يعمل في زمن محدود ومكان محدود ، يحاول أن يفهم كوناً لا نعلم نهاية حدوده . العقل البشري الذي تصوروا أنه مُكْتَفٍ بنفسه ، ليس بحاجة إلى قوى خارجة عنه .
ثانياً : العلم البشري الذي بلغوه ، وما شعروا أنه نعمة منَّ الله عليهم بها، وابتلاء منه لهم .
ثالثاً : علماؤهم الذين أصبح قولهم الحكم الفصل ، وهم على خلاف كبير فيما بينهم كما كانت آلهة اليونان المزعومة في صراع وخلاف .
رابعاً : المصالح الماديّة الدنيوية التي تمثّل عندهم الوثن الأكبر ، تُسخّرُ لخدمته الأوثان الأخرى كلّها : من أدب وعلم وعقل واقتصاد وسياسة وغير ذلك .
وظهر أدب الأطفال في أوروبا في عصور مبكرة . فقد كتب الأديب الفرنسي " لافونتين 1621-1695م" قصص الأطفال خرافات على لسان الحيوان، وجاء بعده " جان جاك روسو " في كتابه ( إميل ) ، و" لامارتين " ، وهانز كريستان ، وشارلز بيرو وغيرهم .(1)
إذن ظهرت نظريات التربية ونظريات أدب الأطفال في الغرب في وقت مبكر من العصور الحديثة ، وبرز فيها علماء . فماذا كانت ثمرة ذلك ؟!
غاب عن هذه النظريات التربوية والأدبية الإيمان والتوحيد ، ولم يعد لهما دور في بناء الإنسان وتربيته ، ولا في سياسته واقتصاده ، ولا في تنظيم المجتمع والدولة . وانتشرت نظريات إلحادية واضحة في العالم الشيوعي من خلال نظريَّتي المادية الجدلية والمادية التاريخية ، وانتشرت فتنة أُخرى تقترب من الإلحاد في المجتمع الغربي من خلال النظرية الرأسماليَّة وزُخرف فتنتها .
فلنحكم بصورة عامة على نظريات التربية هذه من خلال نتائجها بعد ممارستها مدة طويلة . فالنتائج هي خير ما يحكم على النظريّة في معظم الأحيان. وحتى ندرك النتائج فحسبنا أن نستمع لنيكسون ( رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية ) وهو يعطي حقائق عن مجتمعهم ونتائج مدارسهم :
" اتخذ التعليم الأمريكي مساراً حلزونيّاً هابطاً لسنين عديدة ، وانحدرت مستويات المطالعة لحد كبير لدى تلاميذ جميع المراحل . واكتشف استطلاع حديث عن عدم قدرة تسعين مليون شخص على القراءة دون أخطاء ، وفشل ما يقرب من 25% من الأمريكان في التخرّج من المدارس الثانوية . فإن أرادت مدارس أمريكا الحكوميّة أداء دورها فعليها أن تكوّن أماكن متحضّرة للتعلّم بدلاً من أن تكوّن أماكن رماية ، ولا بدّ من إشاعة روح الانضباط في الصفوف ……، ومما يزيد الطين بلّة قيام كثير إن لم يكن جميع مدارسنا على نحو متفاقم بإفساد الثقة …، وذلك كان جزءاً لا يتجزّأ من دواعي الانهيار الكبير الذي حدث في الستينيات . وفي المدارس كان الانهيار مدمّراً لأن الضرر الذي نشأ عن فشل المدارس غالباً ما يكون طويل الأمد …"(2)
" كم هي جوفاء تلك الفكرة التي تعزو فشل مدارسنا إلى قلّة إنفاقنا عليها . فأمريكا أنفقت سنة (1990م) ما يقارب من ( 5247) دولار أمريكي على كلّ طالب ، أي ضعفي ما أنفق عام (1960م) ، وأكثر ما أنفقته أية دولة ديمقراطية صناعيَّة أخرى . وتوالت الدراسات تكشف تخلف طلبة أمريكا وراء بقيّة طلبة العالم في العلوم والرياضيات "(3)
" أمست مدينة نيويورك في عديد من الاعتبارات نموذجاً للإخفاق الليبرالي، وليس أدل على ذلك من مدارس المدينة التي كانت يوماً ما بين الأفضل في أمريكا كلّها "(4)
"إننا لن نستطيع إعادة مدارسنا إلى المستويات المرجوّة حتى يريد الآباء والمجتمع ذلك ، حتى نعود إلى المبادئ القديمة … فمن يترك مسؤولية أبنائه من الآباء ليلقيها على عاتق المدارس وحدها فإنّه يتخلَّى عن مسؤوليته …"
لقد انغمس طلبتها في تعاطي المخدرات وحمل الخناجر والأسلحة في الصفوف . وممارسة القتل والاعتداء في داخل المدارس .ثمَّ يتابع نيكسون حديثه فيقول عن قضايا المجتمع والرفاهية والفقر :(5)
" فمنذ إعلان الحرب على الفقر عام ( 1964م ) صرفت أمريكا 3.5 بليون دولار على مساعدة الفقراء ، وعند تعديل هذا الرقم مراعاة للتضخم نجده يتجاوز نفقات الحرب العالمية الثانية … ومع ذلك تردَّت الأحوال التي سعوا إلى تحسينها كما يقول مونيهان ، فيما تصاعدت المشكلات المتعلقة بالجريمة والأطفال غير الشرعيين إلى مستويات مخيفة . إن الفقر أحد أعراض تفسخنا المدني ، والتعفّن الذي أصاب مدننا روحيٌّ أخلاقي ثقافيٌّ سلوكي ، وهو الذي يسبب الفقر والجريمة وإساءة استخدام المرافق العامة . وليس هناك من شيء أكبر مسؤوليّة عن تفسّخ مدننا من نظامنا الفاسد عديم الأخلاق اللاإنساني … من تقديم المكافأة لإنجاب الأطفال غير الشرعيين ، وتهميش الشعور بالالتزام ، وتشجيع الآباء على التخلّي عن أبنائهم ، وبالتالي التقليل من شأن الأسرة المستقرّة . وما أبرزت طبقة المجرمين إلا من إفرازات ذلك النظام ـ سيما التشجيع الواسع للجهل وإطلاق العنان للمراهقين العزَّاب بإنجاب أطفال وهم لا يملكون الوسائل ولا السعة على تربيتهم . يشير " مواري " أنَّ 30% من مجموع الأطفال المولودين في أمريكا عام ( 1991م) غير شرعيين . وفي صفوف السود كانت النسبة 68% ، بينما تجاوزت النسبة في معظم مناطق المدن الداخلية 80% " .
ويتحدث عن الجريمة في أمريكا فيقول :(6)
" … حتى أصبحت شوارعنا ومنازلنا ساحة لنشاط العابثين العشوائية . فقد قُتِل ستة أشخاص في " زيل رود " بمسدس رجل أكل الحقد قلبه . واختُطفتْ " بولي كلاس " البالغة (12) عاماً من غرفة نومها ثمّ قُتِلتْ … ولم يعدْ ثمّة حرمة لأيّ كائن في أيّ مكان … وأخذت نسبة جرائم العنف تزداد منذ الستينات بنسبة 650% .وفي عام 1992م رصدت الشرطة 14 مليون جريمة … إن المشكلة الأولى تكمن في التآكل الاجتماعي الذي يخلق المجرمين في المقام الأول: انهيار القيم ، انعدام روح الانضباط ، وغياب أيِّ إحساس بالحقّ والباطل من نفوس كثير من الشباب ، وخاصة القاطنين في الأحياء الفقيرة التعيسة في المدن الداخليّة التي هي المفاقس المولّدة للعنف المجنون … إن عزو الجريمة إلى الفقر أمر خاطئ وساذج فكريَّاً … لا يعتقد أحد أن مضرمي الحرائق عمداً والناهبين والسفّاحين والمشاغبين يفعلون ذلك لأنهم فقراء ، إنما هم يفعلون ذلك لأنهم فاسدون متعفّنو التربية … يقول " إيريك هوفر " : لو كان الفقر حقَّاً هو الدافع الرئيس للجرائم لما احتوى التاريخ على شيء سوى الجريمة لأن معظم الشعوب عاشت في هاوية الفقر طيلة التاريخ … " إنّ الحقيقة القاسية مفادها أن العديد من هؤلاء الشباب الأمريكان ضلَّ الأملُ طريقَه إلى قلوبهم من الناحية العمليّة . إن الجسر المنهار يجوز إصلاحه ، والبناية المهترئة يمكن ترميمها ، إلا النفس البشريّة هي التي تأبى الإصلاحات العابرة المقتضبة " .
والجنس الإباحي والجريمة سلعتان رائجتان تجمع هوليود وغيرها من ورائهما الأرباح . ثم يعرض خطر المخدّرات وانتشارها وما سببته من جرائم وفساد حتى امتدَّ ذلك إلى بعض المسؤولين فغرقوا في المخدرات والفواحش …
ثمَّ يتحدّث عن انهيار الأسرة ونتائج ذلك ، مما نشعر بأهميته لولا الإطالة التي تخرجنا عن موضوع البحث .
وفي أوروبا ليس الوضع أفضل . إنهم يسمّون لندن مدينة الجريمة لكثرة ما يحدث فيها من جرائم . الفساد الخُلقي ممتدّ في المجتمع كلّه .
هذا كلّه قد يهون أمام الجرائم الدولية التي ترتكبها هذه الدول ، أمام عمليات إبادة الشعوب ، ونهب الثروات ، وإشعال الحروب ، ونشر الفتنة والفساد في الأرض كلّها في حماية ما يسمّونه بالنظام العالمي وحيناً آخر بالعولمة .
أين آثار ونتائج حشد النظريات التربوية وعلم النفس التربوي خلاف ما قدّمت من فساد وفتنة للفرد والمجتمع والدولة والساحة الدولية كلّها .
حسبنا اليوم أن نطّلع على الصحافة اليومية والأسبوعية العامة ، لنقرأ في كلّ يوم أخباراً واسعة عن فتنة الجنس وامتداد الجرائم والمخدرات ، وفساد الحكم بالرشاوي والسرقات في معظم دول الغرب . اغتصاب فتيات لم يتجاوزن الثانية عشرة ، الاعتداء على البيوت ، الشوارع غير آمنة ، الفنادق غير آمنة ، والمساكن غير آمنة . الإنسان لا يعرف الأمن بالرغم من وجود ما يسمّى " مجلس الأمن " .
ومما نشرته الصحف البريطانية أن الحكومة البريطانية تريد تنظيف الأكشاك الهاتفية من بطاقات الجنس التي تضعها الساقطات للساقطين ، عليها أرقام هواتفهنَّ وصور مثيرة .
نودُّ أن نقول للحكومة البريطانية إنَّ هذا الإجراء لا يفيد أبداً ، ما دام الزنا واللواط مباحين قانوناً ، وما دام الجنس يمارس علانية في الأماكن العامة حتى لم يعد حرمة لشيء أبداً .
نودُّ أن نقول للغرب كلّه ولمن يتبعه إنه لا فائدة من هذه الإجراءات ما دامت " نظريات التربية " مادية المنطق ، حيوانية المسيرة ، وما دام الجنس يلتهب في المدارس ، في الفصول ، في الساحات ، وما دام الجنس والمعاشرة الجنسيّة تعلَّم في المدارس ، وما دامت الفتيات المراهقات يعرضن كل مفاتنهنَّ رخيصة للمراهقين وغير المراهقين ، حتى صرت تسمع القصص الذي هو أغرب من الخيال . أين التربية وأين نظرياتها ؟!
وكذلك فإن شعوب كلّ بلد في الغرب تعلَّموا من النظريات التربوية أن الهدف من التربية إنشاء المواطن الذي يضع الدنيا فوق الآخرة ، ويضع بلده فوق بلاد العالم ، ويضع نفسه ومصلحته فوق مصالح البشر ، فلن يلتقي الناس إلا على مصالح دنيوية يتنافسونها منافسة صراعات وحروب ، يذهب ضحيّتها الضعفاء والفقراء الذين أصبحوا تبعاً للمجرمين في الأرض ، يدعمون جرائمهم ويؤيدون عدوانهم وينصرون باطلهم لا يجمعهم إلا الدنيا التي تضمّ التابع والمتبوع ، الضعيف والمستكبر فماذا ينتظرون أن تكون النتائج ؟!
ماذا ينتظرون أن تكون النتائج إذا كانت النظريات التربوية تدعو بإلحاح إلى إلغاء الغيب والدار الآخرة والإيمان بالله ، إلى إلغائه من المناهج التربوية وإلغائه من العقول والقلوب ، أو إهماله ونسيانه حتى لا يكون له أثر في تربية أو تعليم ، أو سياسة أو اقتصاد ؟!
إن النظريات الغربية تستغلّ كلّ شيء حتى الأدب والفكر والفلسفة والتربية لتأمين مصالح المجرمين في الأرض ، فتصبح هذه النظرياتُ نظريات أُناسٍ مخدَّرين ومخدِّرين ، ليبنوا الإنسان الحيوان الذي يأكل ويشرب ويمارس الجنس والجريمة . والحيوانات تأكل وتشرب وتمارس الجنس ، ولكن هذا الإنسان جعل معنى الحضارة هو تهذيب أسلوب الأكل والشرب والجنس واللباس والمسكن وسائر المظاهر المادية التي لا تختلف عمّا عند الحيوان إلا بالأسلوب ، أو بأن الحيوان يكون أحياناً أكثر حضارة من الإنسان وأكثر رحمة وعدلاً .
إنه مجتمع الضعيف والقوي ، والتابع والمتبوع ، والذليل والمستكبر الذين جمعتهم الشهوات ، فرضي هذا بأقل القليل أو بالحرمان ، ورغب ذاك بأكثر من التخمة .
بعد هذا الاستعراض عن نتائج التربية في أمريكا يعرضها رئيسها ، نودّ أن نسأل سؤالاً هاماً : إنَّ معظم مجرمي العالم الكبار اليوم ، قد تربّوا في أحضان هذه النظريات وهم أطفال وأخذوا من الرعاية والتوجيه ما لم ينلْهُ غيرهم ، فماذا بَنَتْ تلك النظريات التربوية في نفوسهم وهم أطفال ، وكيف تفجّروا اليوم إجراماً ووحشيّةً ، وكذباً وخِداعاً ، وفتنةً وفساداً ؟!
ولا يقف الأمر عند الكبار فحسب ، فهؤلاء الكبار من خلال النظام الديمقراطي استطاعوا أن يُسخّروا طاقات المجتمع الفكرية والأدبيّة والعلمية لصالحهم وصالح هؤلاء . فكيف أمكن ذلك ؟!
والسؤال الآخر : أين الخلل ؟! لا نشكّ أن هناك خللاً كبيراً مدمّراً . وينكشف لنا هول الخلل والتذمّر عندما نرى إحصائيات ضحايا الحروب في العالم الغربي ، كما يلي :(7)
الجرحى |
القتلى |
التاريخ |
الحرب |
17.954900 |
15.000.000 |
1914-1918 |
الحرب العالمية الأولى |
16.924000 |
55.000.000 |
1937-1947 |
الحرب العالمية الثانية |
ـ |
9.000.000 |
1917-1922 |
الحرب الأهلية الروسية |
ـ |
20.000.000 |
1924-1953 |
ضحايا حكم استالين في الاتحاد السوفيتي |
ـ |
23.000.000 |
1926-1938 |
ضحايا الموت جوعاً |
فإذا أضيف إلى هذه الأرقام ملايين الضحايا في ناجازاكي وهيروشيما والحروب والثورات في رواندا وكونغو وأفغانستان والعراق وأمريكا الجنوبية وغيرها لبلغت الأرقام صورة مفزعة خيالية ، يسأل المرء أمامها لأي هدف نبيل قُدّمت هذه الضحايا ؟!
إنَّه الصراع على المصالح الماديّة الدنيوية ، تُسْحق فيه جميع مبادئ التربية والأدب وأدب الأطفال . وتأمل كم من الأطفال أبيدوا في هذا الصراع ، وكم من الأمهات ، وكم من الآباء ، وكم من المدارس دمّرت والمباني سويّت في الأرض . الذين أثاروا هذه الحروب ما هي مبادئ التربية التي تعلّموها ، ما هي المجتمعات التي قذفتهم ليقودوا عشرات الملايين من الناس إلى هلاكها ؟! وماذا أرادوا من وراء هذه الحروب التي أثاروها ؟
فما قيمة أدب الأطفال في أجواء مجنونة الشهوات والمصالح ؟!
نعم ! لقد أثمرت التربية في الجامعات خاصة بأن أوجدت علماء في ميادين مختلفة ، اخترقوا الفضاء ، وأقاموا ناطحات السحاب ، وصنعوا السيارات الفخمة ، والعلاجات الهامة ، وغير ذلك ، مما طُحِنَ تحت عجلات الحروب فأضاعت من خلق الله ظلماً وعدواناً أضعاف أضعاف ما يمكن أن تشفيه العلاجات، وجلبت من الشقاء أضعاف أضعاف ما وفرته العمائر والسيارات في الغرب ، وهذه هي ثمارها !
ومن أخطر القضايا التي يجابهها المجتمع الأمريكي بصورة خاصة ، والمجتمعات العلمانية بصورة عامة هي خطف الأطفال . لقد تكوّنت عدّة مراكز لمعالجة هذه الجريمة المروّعة ، ومنها : " المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلّين : National center for missing and exploited children " : " NCMEC " .
لقد أصبحت قضيّة خطف الأطفال قضيّة منتشرة بشكل مريع في معظم أنحاء العالم . والخطف قد يكون من قبل " بعض الأقرباء : Family abduction" ، أو من خارج العائلة بالقوة أو بالإغراء ، أو بهروب الأطفال من بيوتهم ، من آبائهم وأمهاتهم ، ويُسْتَغَلُّ الأطفال المخطوفون جنسيّاً ويُقتل بعضهم . ونتائج محاولة استعادة الأطفال ليست كبيرة . وقد أُجريت عدّة دراسات حول هذه القضيّة . ومن هذه المراكز : NISMART " " :
" National Inside Studies of Missing , Abducted , Run away and thrown away Children ".
المركز الذي أصدر تقريراً سنة( 1999م) ، وتقريراً آخر سنة ( 2002م) . وموجز الإحصائيات التي نشرت عن أحداث سنة (1999م) ، نوجزها بما يلي :
الأطفال المخطوفون : 797.500 طفل .
الأطفال المخطوفون من أفراد خارج الأسرة : 58.200 طفل .
الأطفال المخطوفون من قبل أقربائهم : 203.900 طفل .
الأطفال المخطوفون مدة طويلة : 115 طفلاً .
أما نسبة قتل الأطفال فهي أقل . ولكن الإحصائيات بيَّنت أنَّ 74% من حوادث القتل تتمُّ في الساعات الثلاث الأولى .
هذه إشارة سريعة لإحدى مشكلات الطفل في العالم الغربي العلماني . وهناك مشكلات أخرى نتجت كلُّها عن انحلال الأسرة في المجتمعات العلمانية ، وانصراف الأم إلى دنيا العمل ، وانصراف الأب كذلك ، مما جعل أجواء الأسرة لا تستطيع أن تقوم بأيِّ دور حقيقيّ لتربية الأطفال ، أو لإعطائهم الأدب الذي يحتاجونه ، ولو قصّة قصيرة شعبيّة ، أو لمسة حنان .(8)
هذه مجرّد إشارة سريعة لمجتمع قدّم أعظم تطوّرات العلم والصناعة وسخّرها لبناء الجريمة في بلاده وفي العالم أجمع ، دون أن يحول أدب الأطفال الذي بدأ عندهم مبكراً دون انتشار الجريمة ضدَّ الأطفال وضدّ الإنسان .
لقد أصبح الغرب في ميادين " الإنسانيّة " عالَمَ شعارات لا رصيد لها في واقع الحياة : حقوق الإنسان ، عيد الأم ، مؤسسات الطفولة ، الديمقراطيّة ، وكثير غير ذلك ، شعارات تُخفي أسوأ ما عرفته البشريّة من جرائم في جميع ميادين الحياة ، جرائم ضدّ الإنسان والأمومة والطفولة والمجتمعات البشريّة كلّها .
لا بدّ من وقفة لنقارن بين تربية الإسلام للطفل والكبير وبين تربية العلمانية السائدة في الغرب ! لا بدَّ أن نقارن بين النماذج البشريّة التي قدّمها الإسلام والنماذج البشريّة التي قدّمتها العلمانيّة ، بين نماذج مدرسة النبوّة الخاتمة الخالدة وبين نماذج مدارس المجرمين في الأرض .
إنَّ هذه المقارنة تكشف لنا الجانب المهمّ من تربية أدب الأطفال الإسلامي وتربية الإسلام كلَّه للإنسان ، وعظمة هذه التربية وحاجة البشريّة لها .
والمؤسف اليوم أن يطلع الغرب علينا يدعو إلى علمانيّته وديمقراطيّته وما يزعم من حريّة تحت هول المجازر والدماء والأشلاء ، يدعو إلى ذلك المسلمين ، بينما كان واجب المسلمين أن ينهضوا جميعاً ليبلّغوا الغرب عظمة الإسلام وإشراقة الحقّ ! أين المسلمون اليومَ حملةُ أعظم رسالة في الحياة ؟!
(1) د. علي الحديدي : في أدب الأطفال : ( ص : 64-87) .
(2) ريتشارد نيكسون : ماذا وراء السلام ، ص : (229) .
(3) ريتشارد نيكسون : ماذا وراء السلام ، ص : (230) .
(4) المصدر السابق : ص : ( 230-231) .
(5) المصدر السابق : ص : ( 235-239) .
6) ريتشارد نيكسون : ماذا وراء السلام ، ص : (2340-245) .
(7) سليمان مصلح أبو عزب : موسوعة العالم ، الدوحة ـ 1988م ، ص : ( 12-14) . وموقع : www.gogle.com:world war death count.
(8) الشبكة الإلكترونية : CNN .