رسائل الإصلاح-20
رسائل الإصلاح
(20)
الشائعات
دراسة وتحليل
د. موسى الإبراهيم
أولاً: معنى الشائعة:
قال في المعجم الوسيط: الإشاعة الخبر ينتشر غير متثبت منه. والشائعة: الخبر ينتشر لا تثبت فيه.
ثانياً: الوقت الذي تكثر فيه الشائعات:
تكثر الشائعات في أوقات ومناسبات كثيرة منها:
1- في أوقات الفراغ:
فعندما لا يجد بعض الناس ما يشتغل به يشغل نفسه بتلقي الأخبار ونشرها دون تثبت.
2- عند الأحداث المستجدة:
وهنا تكثر عادة الأقاويل والتحاليل ويقول من شاء ما شاء وينتشر ذلك.
3- عند المحن والشدائد:
في هذا الوقت تضعف نفوس كثيرة وتهتز أمام المحنة وتنطلق الألسنة بدون حدود وبدون ضوابط.
4- عند الهزائم والتراجع في المواقف:
وهنا يحاول الناس التعرف على أسباب الهزيمة فتكثر الأقاويل وتتلقف الآذان ما يقال ويذاع وكثير مما يسمع وبدون تأكد ولا تثبت.
5- عند النصر أو الشهرة لفكرة ما أو لشخص ما:
وعندها تنطلق الألسنة بالمديح الذي كثيراً ما يتجاوز حده وكثيراً ما ينسب للظافر من الخير ما لا يفعله بل وما لا يؤمن به أحياناً.
6- في أجواء الخلاف:
في مثل هذه الأجواء ينشط أهل الأهواء والمرجفون لتمييع المواقف واستغلال الخلاف لتوسيع الشقة بين الأطراف المختلفة كما يحاول كل طرف في الخلاف – إلا ما عصم الله – أن يتلقف خبراً يؤيد به موقفه ويضعف به موقف الآخرين وتتقبل النفس في مثل هذه الأجواء كثيراً من الأخبار والشائعات دون أدنى تثبت.
7- في أجواء الظلم والاستبداد:
وهنا يحاول الناس أن ينفسوا عن ضيقهم وكبتهم فتوجد الشائعات وتنتشر في الخفاء – غالباً – ويعسر التثبت في أجواء الظلم في كثير من الأخبار والأقاويل التي يتناقلها الناس.
8- في أوقات ضعف القيادات والإرادات:
فعندما تكون القيادة المشرفة على عمل ما ضعيفة تتسيب الأمور وتتشتت الآراء وتكثر الأقاويل ويشعر كل أحد – أو أكثر الناس – أن من حقه أن يقول بل وأن يسمع له فيكثر اللغط وتزداد الشائعات في صفوف الناس وتصعب السيطرة عليها ما لم يتغير الحال وتوجد القيادة الحكيمة القوية.
9- عند قوم في دينهم رقة:
وهنا لا يسأل الإنسان نفسه عن أقواله ومواقفه ولا يخاف من حساب الله على ذرب لسانه فتنتشر الإشاعات وغيرها مما لا ينبغي أن يوجد في المجتمع الإسلامي الملتزم بأخلاقه.
10- في المجتمعات البدائية المتخلفة:
ومثل هذه المجتمعات تصدق كل ما يقال وتذيعه كخبر جديد لم تسمع به من قبل ولعلها تحاول النهوض والتحضر بمثل ذلك.
ثالثاً: موقف المسلم من الشائعات:
بعد أن عرفنا معنى الشائعة والأوقات التي تكثر فيها لا بد من أن نتعرف على موقف المسلم من الشائعات سواء في ذلك سماعها أو نقلها وتحليلها والاستفادة منها. وأحاول هنا أن أعرض لهذه المواقف بإيجاز سريع.
1- موقف المسلم من سماع الشائعة ونقلها:
إن المسلم الحق ينطلق في جميع مواقفه من أصالة إسلامه وآداب دينه ومن الموازين الإسلامية الثابتة في كتاب الله تعالى وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم وبناءً على ذلك فعلى المسلم أن يراعي في موضوع الشائعات الآداب التالية:
أ- الإعراض عن اللغو من الكلام:
قال الله تعالى: ((والذين لا يشهدون الزور وإذ مروا باللغو مروا كراماً)). وقال تعالى: ((وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين)).
ولا شك أن الشائعات من لغو الكلام الذي لا يليق بالمسلم الإصغاء إليه والسكوت عليه فضلاً عن نشره وإذاعته بين الناس.
ب- الثبت من الأخبار قبل قبولها:
قال الله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)).
فالفاسق خبره مرفوض. وكذلك مجهول الحال الذي لا يعلم فسقه ولا عدالته، فلا يجوز الأخذ بخبره حتى يتبين حاله وتعرف حقيقته وإن أكثر الشائعات تتناقل بين الناس ويروج لها دون التثبت من مصدرها بل ودون النظر إلى قائلها فتجد الناس يتحدثون بسَمِعْتُ كذا وكذا ولو سألتهم من الذي قال هذا؟ وعمن نقله؟ ومن هو صاحب الخبر الأول في القضية؟ لو فعل المسلم هذا وتساءل مجرد تساؤل عن هذه الأمور المبدئية لتبدد كثير من الشائعات أو لوقف على اليقين مما يقال وعندها ينتهي الإشكال.
الموقف الصحيح من تجريح الثقات:
الحقيقة أن هذا أمر يجب الوقوف عنده ومعرفة وجه الصواب فيه لأنه من قبله يؤتى كثير من الدعاة فضلاً عن العامة وفي هذا الموقف كم زلت أقدام وكم حدثت مآسٍ وكم دمرت دعوات ورجال.
والحق في هذا الأمر – والله أعلم – أنه لا يقبل تجريح المسلم الذي عرفت عدالته وصدقه بمجرد ما يسمع كلام يجرحه ولو كان هذا الجرح من مسلم عدل صادق بل لا بد من التأكد والتثبت في مثل هذا الحال فقد يكون الناقد مخطئاً إن لم يكن كاذباً أما الإسراع إلى التصديق والطعن وبناء المواقف وإشاعة القيل والقال دون تريث ولا تثبت فهذا لا يصلح ولا يلق بالمسلم العدل الفطن فضلاً عن الدعاة والقادة في الدعوات.
إننا لو فعلنا هذا وتثبتنا مما نسمع ومما يقال لضاقت الفجوة بيننا وقل الخلاف في تصوراتنا وتوثقت الروابط وخذل الشيطان واندحر كيده.
ج- عدم إذاعة الخبر قبل التثبت منه:
وهذا أدب مهم من آداب المسلم قال الله تعالى: ((ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً)) وقال صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع". وفي الحكم المأثورة: لا تسمع كل ما يقال ولا تقل كل ما سمعت.
2- تطويق الشائعات والقضاء عليها:
ويكون ذلك باتباع الوسائل التالية:
أ- رد الشائعة إلى أولي الأمر والرأي:
قال الله تعالى: ((وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً)) -النساء 83-.
ب- إشغال الفراغ:
إن على المسلم أن يشغل وقته بما ينفع من أمور الدين والدنيا وعلى الجماعة المسلمة أن تشغل شبابها وجنودها كذلك وتقضي على وقت فراغهم وعندها فلن يبقى متسع لتلقف الشائعات وإذاعتها.
ج- توسيع الشورى والحزم في القيادة:
وهذا أدب إسلامي عظيم وعلى الجماعة المسلمة أن تعطيه حقه ودوره العملي فيوم تشعر القاعدة أن رأيها محترم وأن الشورى تأخذ مداها وأبعادها وأن الفرد المسلم يقول الرأي الذي يراه بمنتهى الحرية والأدب فعندها لن يشعر بالحاجة إلى التناجي والكلمات الخافتة التي تتبنى الشائعات المغرضة سماعاً وإذاعةً. ويوم تحزم قيادة العمل الإسلامي أمرها وتثبت قدرتها على استيعاب جنودها ووضع كل فرد في مكانه المناسب عند ذلك لن يبقى دور لأهل الإرجاف ولا لأهل الشائعات بإذن الله.
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.