أدب الخوارق والكرامات –دراسة منهجية-
أدب الخوارق والكرامات –دراسة منهجية-
د. جبر البيتاوي
تعتبر المنهجية مدخلا مهما في الدراسات الإنسانية، وغيرها. وتعالج هذه الدراسة إشكالية طرحها الدكتور متري بولس يقول فيها: "يعتبر الدّارسون -"تزفتين تودوروف" في كتابه "مدخل إلى الأدب العجائب- أول محاولة من نوعها لوضع نظرية عامة في الأدب الخارق، وقد وقف الّنقاد الغربيون منه موقف المقدّر لأهميته العملية والمنهجية".
وقد عرف تودوروف أدب الخوارق بأنه "علم يقوم على أساس بروز حدث يثير حيرة القارئ أو حيرة شخصيات الرواية، وهذا الحدث يخل بالقوانين التي تسير عالم الناس عادة" فالإنسان يعيش في عالم ألف نظامه، وفجأة يقع حدث يفقده الاطمئنان إلى واقع حياته، وعاداته".
أما مفهوم الخارق عند "اولفاريمان" فيرى "بأن البطل يشعر بشكل متواصل وجلاء بالتناقض بين العالمين، عالم الواقع وعالم العجائب، وهو بنفسه مدهش أمام الأشياء الخارقة التي تحيطه".
أما "كاستكس فعرض في كتابه" الحكاية الشعبية في فرنسا" مفهوم أدب الخوارق بقوله :" يتميز... العجائبي... بتدخل عنيف للسر الخفي في إطار الحياة الواقعية". أما "رودية كايو" في قلب العجائبي، فيقول: "إنما العجائب كله قطيعة أو تصدع للنظام المعترف به، واقتحام من اللامقبول لصميم الشرعية اليومية التي لا تتبدل".
وأورد تودوروف شخصيات خارقة في تحليله لكتاب "الشيطان العاشق" لجان بوتوكي: سلسلة من الوقائع خارج قوانين الطبيعة فالفونس فان وردن بطل وسارد الكتاب يعبر جبال سلسلة مورين،ا وعلى حين غرة يختفي خادمة موسو شيتو، ثم بعد ساعات يختفي الخادم لوبز أيضاً يؤكد أهالي البلدة أن المنطقة مسكونة بأرواح عائدة لعيان شنقا منذ عهد قريب، ويبلغ الفونس فندقاً مهجوراً ويتأهب للنوم، لكن عند أولى دقات منتصف الليل تدخل زنجية جميلة نصف عارية إلى غرفته وتدعوه ليتبعها، تمضيها به إلى قاعة تحت الأرض... ها هو ذا إذن، حدث فوق طبيعي أول فتاتان جميلتان جنيتان.
وأول أسئلة في طرح هذا الموضوع، أتؤمن بالخوارق؟ بما يخترق ثم يجتاز ما تدعوه خطأ حدود الطبيعة، كأن للطبيعية حدود. ويبدو من السؤال نفسه ان الخارق هو ما يخرق العادي وينقضي المألوف، ويخالف مقتضاه.
وعند المقارنة بين أدب الخوارق عند الغربيين وبين الخوارق والكرامات عند العرب والمسلمين, نجد أن العرب والمسلمين, هم أول من أبدعوا في هذا الجانب, وليس تودوروف.
فقد عرف أدب الخوارق عند العرب والمسلمين بـ المعجزات والكرامات، وعلم الغيب والكشف والإلهام الرباني والوحي الإلهي، ووضعوا له مناهج، وعدت من دعائم الإسلام، بل من أهم خصائص الإيمان قال تعالى: "الم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب" سورة البقرة، آية 16.
أما ظهور الكرامات على الأولياء فجائز عقلاً وواقع نقلاً، أما جوازه في العقل فلأنه ليس بمستحيل في قدرة الله تعالى، بل هو من قبيل الممكنات كظهور معجزات الأنبياء والرسل عليهم السلام.
أما ظهور الكرامات فقد أخبر الله تعالى عن مريم بقوله:"كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال: يا مريم أنى لك هذا قالت: هو من عند الله" سورة آل عمران: آية 37، وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء.
وكذلك إلهام أم موسى أمر معروف قصّه القرآن العظيم: "وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني، إنّا رادوه إليك، وجاعلوه من المرسلين" سورة القصص، آية7.
كذلك ما اخبره الله تعالى من العجائب على يد الحضر مع موسى عليه السلام في سورة الكهف: "فوجدا عبداً من عبادنا أتينه رحمة من عندنا وعلّمنه من لدنا علما" سورة الكهف، آية 65.
وكذلك قصة أهل الكهف والأعاجيب والخوارق التي ظهرت عليهم، كذلك ما ورد في سورة النمل قصة أصف بن برخيا مع موسى عليه السلام، من إحضاره لعرش بلقيس في قوله تعالى: "قال الذي عندها علم من الكتاب أنا أتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، فلما رآه مستقراً عنده، قال هذا من فضل ربي" سورة النمل، آية 40.
كما أن رسولنا محمد (ص) حدّث عن أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة, ثم انفرجت، وهو متفق عليه، وحديث الصحيحين المتفق على صحته أنه قال: يا سارية الجبل في حال خطبته في يوم الجمعة فبلغ صوته إلى سارية، وما جاء أن العلاء الحضرمي كان في غزوة ,فحال بين المسلمين وبين الموضع قطعة من البحر، فدعى الله سبحانه باسمه الأعظم ومشوا على الماء، وقول الرسول (ص) في صحيح مسلم: رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره.
وأخبار كرامات الأولياء عظيمة ومشهورة من كلام الموتى، فقد أورد اليافعي أخبرنا بعض أصحابنا الأخبار عن بعض الصالحين انه يأتي قبر والده في بعض الأوقات ويتحدث معه
وكذا وانغلاق البحر وجفافه، فقد روى القشيري في رسالته: كنا في مركب فمات رجل عليل كان معنا، فأخذنا في جهازه، وأردنا أن نلقيه في البحر، فصار البحر جافاً.
ومن الكرامات زوي وجه الأرض لهم من غير حركة منهم، والطيران في الهواء، والمشي على الماء، فروى بعضهم أنه كان في جامع طرسوس، فاشتاق إلى المسجد الحرام ،فادخل رأسه في جيبه,ثم أخرجه وهو في الحرم .
ونوع أخر من الكرامات، كلام الجمادات والحيوانات لهم. روى أبو الربيع المالقي أنه قال: قيّض الله تعالى لي طيراً في بعض الأسفار يبيت يسامرني، فكنت أسمعه الليل كله ينطق يا قدوس يا قدوس، فإذا أصبح صفق بجناحيه وقال: سبحان الرزاق وطار.
وقد أورد اليافعي في كتابه "روض الرياحين في حكايات الصالحين" حكايات عن خوارق وكرامات عظيمة.
وأورد الشيخ يوسف النبهاني في موسوعته "جامع كرامات الأولياء" حكايات وأخبار عجيبة عنهم، وغيرهم من المصادر والمؤلفات الكثيرة.
وصدرت حديثا عشرات الكتب ، تناولت هذا الموضوع منها: المسيح الدجال, لسعيد أيوب، والبيان النبوي, للدكتور فاروق الدسوقي، وكتاب هيرمجدون تأليف أمين جمال الدين، ويوم الغضب, للشيخ سفر الحوالي، والمهدي على الأبواب ,لعيسى داوود ,وغيرها.
وأخيرا ,فإنني أرى انه لا بد من التركيز, على فهم جانب مهم من تراثنا وثقافتنا، ز و التعرف الى طاقة الروح ,واستيعاب هذا العلم، فالإنسان يحيا بروحه وليس في جسده فقط. فنحن أمة عظيمة نملك من الطاقات والقدرات ما يجعلنا نثق بالله أننا على أعتاب فجر جديد.
*أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية
كلية الآداب /جامعة النجاح الوطنية _نابلس