الفرح يأتي من الشرق

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

فلنترك عالمنا العربي الإسلامي الحزين المسكون بالآلام والمحن ، والمتاعب والتخلف ، والطواغيت واللصوص ، ونرحل إلى المشرق حيث مطلع الشمس ، لنستمع إلى نغمات شجية تلخص حركة شعب يبحث عن مزيد من التقدم والرفاهية ، ومزيد من الحرية والاستقلال .

الشعب الياباني أجرى انتخابات شفافة في أواخر أغسطس 2009م ، أزاحت الحزب الحاكم الذي ظل متربعا على سدة الحكم خمسا وخمسين عاما ، مليئة بالإنجازات الحقيقية وليس الورقية والإنشائية ، ولكنه مع ذلك خسر أمام الحزب المعارض الذي وضع سقفا مرتفعا لآمال الشعب الياباني وطموحاته ، تصوروا الشعب الياباني الذي ينافس الولايات المتحدة في التقدم والرفاهية يرى نفسه في درجة أدني من الآخرين ؟ ويتطلع إلى تحقيق المزيد من الطموحات والآمال ؟

لقد اعتذر آسو ـ رئيس الوزراء المهزوم - في مؤتمر صحفي عقده عقب إخفاقه في الانتخابات ؛ عن الخسارة الفادحة لحزبه الحاكم ،‏ وقد أرجعها لفشله في معالجة المشكلات الاجتماعية المتفاقمة واتساع الفجوة بين دخول اليابانيين‏ ، مؤكدا تحمله مسئولية الهزيمة النكراء والأولي لحزبه الليبرالي منذ‏55‏ عاما‏.‏

وأضاف أنه اتخذ قرار حل مجلس النواب والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة في التوقيت المناسب‏ ،‏ لاسيما أنه كان منتظرا الإقدام علي مثل هذه الخطوة عقب توليه رئاسة الوزراء في سبتمبر الماضي‏.‏

وأكد آسو أنه لم يكن من الخطأ منح الأولوية لخطط التحفيز الاقتصادي في خضم أزمة مالية واقتصادية عالمية بدلا من الدعوة لانتخابات مبكرة‏,‏ وذلك في محاولة لتبرير تأخره في الدعوة إليها‏,‏ مما منح الحزب المعارض فرصة ثمينة لتدعيم قواعد شعبيته‏.‏

كما أكد أنه سيضمن إعادة بناء الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي سينتقل لمقاعد المعارضة للمرة الأولي منذ تأسيسه عام‏1955.

تصوروا الحاكم الياباني يستقيل ببساطة ، ولا يطعن في شرعية الانتخابات ، ويعتذر عن خسارته ، ويعترف بفشله في حل  المشكلات الاجتماعية المتفاقمة (؟)، واتساع الفجوة بين دخول اليابانيين (!) ، هل يعلم رئيس الوزراء الياباني المستقيل شيئا عن الفجوة بين أغلبية المصريين الساحقة وبين أقلية ضئيلة تتمتع بالمليارات والملايين ؟ إنه رئيس وزراء حالم لا يعيش في مصر .. ثم يعلن في فروسية ونبل أنه يتحمل مسئولية الهزيمة النكراء التي أطاحت بحزبه الليبرالي الديمقراطي عن عرشه لأول مرة منذ 55 عاما !

أرأيتم كيف يتعامل الحكام الذين لم يتعلموا الإسلام ، ولم يطالعوا الآية الكريمة : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان ،وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي .." ( النحل : 90  ) .

الحاكم الياباني المستقيل لم يلجا إلى تزوير الانتخابات ، أو منع الناخبين غير المؤيدين له من الوصول إلى صناديق التصويت ، أو منعهم من الترشيح أصلا، ولم يطلق على معارضيه كلاب جهنم للتشهير بهم وتجريحهم والنيل من أعراضهم .

الحاكم الياباني يفسر أسباب الهزيمة النكراء بوضوح ودون تلعثم ، أو استخدام لغة المجاز ، ويعد بأنه سيكافح من أجل إعادة بناء الحزب وسياسته.. هل يعترف حكام العرب والمسلمين بأخطائهم  بمثل هذه الشفافية ؟

لقد بدأت اليابان نهضتها الحديثة بعد ثمانية عقود من النهضة المصرية التي بدأها محمد على ، وخاضت حربين عالميتين خرجت منهما خاسرة ومدمرة ، وكانت أول دولة تصيبها القنابل الذرية بعد القصف الأميركي الهمجي في الحرب الثانية ، ولكنها نهضت وتفوقت ، وصارت اليوم رمزا للجدية والعمل والانضباط والتقدم ، بل صارت تناطح الدولة العظمى التي دمرتها ووضعت أنفها في الرغام !

لقد سادت حالة التفاؤل بين الأوساط اليابانية‏,‏ وقفزت أسعار الأسهم في بورصة طوكيو في رد فعل إيجابي علي فوز المعارضة‏,‏ حيث قفز مؤشر نيكي‏232,86‏ نقطة ليصل إلي‏10767‏ نقطة‏,‏ وهو أعلي مستوي له منذ مطلع العام الحالي‏,‏ كما ارتفع سعر صرف الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي الذي بيع عقب الفوزمباشرة بـ‏93,27‏ ين‏.‏

لقد وصف هاتوياما – زعيم المعارضة الفائز - الانتخابات بأنها ثورة من الناخبين علي الوضع القائم‏,‏ وأن الشعب الياباني سئم سياسات الحزب الحاكم ، وكان يطمح للتغيير‏،‏ وتعهد ـ في خطاب النصر الذي ألقاه عقب الفوز ـ بالإنصات لصوت الشعب‏ ، وألا يتم التعامل معه بتعال‏ ، مشيرا إلي أنه سيركز خلال الأيام القليلة التي تلي انتقال السلطة لحزبه بشكل سريع وسهل ‏، وأنه سيعكف علي إجراء مشاورات لاختيار أعضاء حكومته الجديدة‏ ،‏ وأن تركيزه ينصب في البداية  علي اختيار وزير المالية الجديد حيث إن حقيبة المالية تعد من أهم الحقائب الوزارية في اليابان‏,‏ ويكتسب المنصب أهمية متزايدة في ضوء الأزمة المالية العالمية الراهنة‏‏ ، كما تعهد زعيم المعارضة اليابانية الذي حقق فوزا كاسحا بإصلاح النظام الإداري وانتهاج سياسات أكثر استقلالا عن الخط الذي تتبعه الولايات المتحدة‏.‏

انظروا إلى الزعيم الذي يتحدث عن سأم الشعب الياباني .. ماذا لوعرف أن شعوب المسلمين تصرخ وتجأر بالصراخ من شدة الآلام والأوجاع التي صنعها المتخلفون الطغاة فأصابوا كبده بالفيروس الذي لا شفاء منه إلا بمعجزة إلهية ؟

انظروا إلى الزعيم الذي يعلن أنه سينصت لصوت الشعب ، ولن يتعالى عليه ، وسيصلح نظامه الإداري والاقتصادي ، وسينتهج سياسة أكثر استقلالا عن الولايات المتحدة .. من من آلهتنا العاجزة ينصت أو يتواضع أو لديه الرغبة في الإصلاح أو الاستقلال ؟ 

الشعب الياباني لا يملك عوامل التفوق الاقتصادي مثلما نملك ، ولكنه يملك الإرادة التي جعلته يعمل في إطار إنساني حقيقي يحقق لأبنائه جميعا الحرية والكرامة والعدل والمساواة ، فلا محظور ولا محظوظ ، ولا ابن الجارية وابن الهانم ، ولا انت عارف أنا مين ولا أنا ما ليش حد ، ثم إنه شعب يحافظ على ثقافته القومية ولا يفرط فيها مثلما يفعل الوزير الفنان الذي يحارب ثقافة بلاده ، ويقلب حقائق التاريخ ليكون الغازي المتوحش رسول ثقافة وبشير تقدم ؟ لقد كان شرط اليابان في معاهدة الاستسلام : الإبقاء على الإمبراطور رمز الثقافة القومية اليابانية  وبالتالي الحفاظ الصارم على اللغة اليابانية والتشدد في تعليمها ورعايتها وفرضها في كل مراحل التعليم وجعلها اللغة الأساسية في المقررات الدراسية !

هل أتاكم نبأ اللغة العربية ، وما تعانيه على يد أبنائها من الصفوة ، وغير الصفوة ؟

لقد أضاء الشعب الياباني الجزر اليابانية بالفرح الحقيقي حين أجري انتخابات حرة نزيهة على الحقيقة وليس على المجاز ، والسؤال هل يمكن أن نرى فيما تبقي من عمر شيئا كهذا الفرح على أرضنا العربية الإسلامية ؟

لست أدري !