ذكرى حريق الأقصى مرت بلا ذكرى
محمد فاروق الإمام
[email protected]
لقد أنستنا الحرائق المندلعة في شرق
العالم الإسلامي ومغربه.. من جاكرتا وحتى بيدوا في جنوب الصومال.. أنستنا هذه
الحرائق التي طالت الحجر والشجر والبشر والهواء ما فعلته قطعان المستوطنين اليهود
قبل أربعين سنة.. وبالتحديد يوم 21 من شهر آب عام 1969 عندما أقدم مستوطن حاقد على
إحراق المسجد الأقصى، وأتى الحريق على جزء كبير من منبر (المجاهد نور الدين زنكي)
الذي كان رمزاً من رموز الإسلام وشاهداً على عظمة المسلمين الذين حرروا بيت المقدس
والأقصى من أسر الاحتلال الصليبي بعد نحو مئة عام على تدنيس أكفانه.
إن ذكرى هذا اليوم الأسود تمر علينا في
هذه الأيام ونحن نتخبط في مستنقع الاقتتال والصراعات والغزو والاحتلال.. وما أشبه
اليوم بالأمس.. إنها إرهاصات انعتاق الإسلام من القمقم الذي حُبس فيه منذ أن تم هدم
دولة الخلافة العثمانية، حامية المسلمين وحافظة بيضة الدين، ومنذ إعلان أتاتورك
إسقاط الخلافة الإسلامية في اسطنبول ونحن نتجرع الذل والهوان، وفقدان أعز مقدساتنا
في الأرض المباركة فلسطين، مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه.. فلسطين
البلد الوحيد الذي لم يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من الحجاز بعد نزول الوحي إلا
إليه.
لقد قيل قديماً: (إذا أردت أن تعرف حال
الأمة الإسلامية فانظر حال بيت المقدس) أي فلسطين وهي محط أنظار العالم أجمع ومن كل
الديانات والأعراق واللغات.. وقد أدرك الغرب مدى أهمية القدس وفلسطين، وتم الاعتقاد
الجازم لديهم أن: من يسيطر على فلسطين فقد ساد العالم.. وقد أكد على ذلك قائدين
عسكريين غربيين.. فهذا الجنرال الإنكليزي اللنبي يقول عند دخوله القدس على رأس
جيوشه: (الآن انتهت الحروب الصليبية)، وهذا الجنرال الفرنسي غورو يقول أمام قبر
صلاح الدين عندما دخل دمشق: (ها قد عدنا يا صلاح الدين).. وبعد 83 سنة أفصح بوش عن
نواياه الصليبية تجاه المسلمين فأعلن صراحة عند غزوه لأفغانستان والعراق: (إن حربنا
مع المسلمين حرباً صليبية ولابد من الانتصار عليهم وسحقهم).
لقد عرف السلطان عبد الحميد الثاني بحس
المؤمن ما ينويه الغرب تجاه فلسطين، وقد دفع بالصهيوني هرتزل ليعرض على السلطان
رشوة – كانت الدولة العثمانية أحوج ما تكون إليها – مقابل السماح بإقامة وطن قومي
لليهود في فلسطين، وكانت الدولة العثمانية تتآكل وعقدها ينفرط لضعفها وتكالب الأمم
عليها.. ورغم كل ذلك أبى السلطان المؤمن أن يلوث عهده بقطع مثل هذا العهد مع هرتزل،
فطرده من قصره قائلاً: (إن فلسطين ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، وإذا
مزقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن. أما وأنا
حي، فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة
العثمانية. من الممكن أن تُقطّع أجسادنا ميتة، وليس من الممكن أن تشرّح ونحن على
قيد الحياة).. وفعل الشريف الحسين بن علي نفس الشيء عندما عرض عليه لورنس السماح
لليهود بإقامة وطن لهم في فلسطين مقابل عرشه، ولكنه آثر التضحية بملك الحجاز وقبل
النفي إلى قبرص على أن يلوث يده بالتوقيع على مثل هذا الطلب.
وأقول في هذه الذكرى.. ذكرى إحراق
المسجد الأقصى: على رسلكم يا دعاة السلام مع أعداء السلام وقتلة الأنبياء والمفسدين
في الأرض.. ففلسطين لا يدوم على أرضها ظالم قاهر ولا مستبد غاشم.. اقرؤوا التاريخ
قبل تدبيج اتفاقيات السلام أو طرحها.. ففلسطين هي قاهرة الغزاة والمحتلين، فعلى
أرضها كانت نهاية الدولة الرومانية الشرقية في معركة اليرموك، وكان نهاية الغزو
الصليبي في حطين، ونهاية الاجتياح المغولي في عين جالوت، وأمام أسوار عكا تحطمت
أحلام نابليون، ومنها إنشاء الله سيكون نهاية الإفساد اليهودي والصهيوني المعاصر،
تحقيقاً لنبوءة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث دعا عندما غزت موجات الجراد المدينة
المنورة أن يصرفه عنهم إلى بيت المقدس، فقال الصحابة: يا رسول الله إنه إذاً
يؤذيهم، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا يعمّر فيها ظالم)).. يعني في بيت المقدس
وأكناف بيت المقدس.