الإسلام وفكرة حقوق الإنسان

الإسلام وفكرة حقوق الإنسان

الإنسان.. المخلوق الوحيد الذي نفخ الله فيه من روحه

 وجعل له السمع والبصر والفؤاد

نبيلة الخطيب

الإنسان ذلك المخلوق الذي تميز على سائر المخلوقات بميزات كثيرة، فهو المخلوق الوحيد الذي نفخ الله فيه من روحه، وجعل له السمع والبصر والفؤاد، وأوجد فيه سبحانه الإرادة، فهو قادر على أن يقول نعم وأن يقول لا، أن يفعل وأن لا يفعل، وهذه الخاصية ليست إلا في الإنسان:

(إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً)(1).

هذا من التكريم للإنسان فهو حر مختار، وأي فعل يقع منه على غير إرادة منه فهو فعل غير محاسب عليه ولا مؤاخذ:

(ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)(2).

(رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكْرهوا عليه).

ويقول تعالى على لسان الشيطان:

(وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن وعدتكم فاستجبتم لي)(3).

ولقد ميز الله تعالى الإنسان بالعلم ورفعه بذلك على سائر المخلوقات ومنها الملائكة:

(وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم)(4).

وهذا العلم الإنساني يزيد ولا ينقص:

(وقل رب زدني علماً)(5).

ومن تكريم أو تمييز الإنسان أن الله تعالى سخر له ما في السماوات وما في الأرض:

(وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار)(6).

وكل هذا جزء من التكريم لبني آدم:

(ولقد كرمنا بني آدم)(7).

ومن أعظم التكريم والتمييز أن خصه الله تعالى بالهدى والإيمان فجعل منه وفيه الأنبياء الذين يتلقون عن الله الهدى والنور كي لا يضل الإنسان ولا يشقى، ليعيش على هذا الكوكب حياة الطمأنينة والخير والأخوة والتراحم والتعاطف والإيثار.

لكن هذا الإنسان بكل هذه الامتيازات يبقى ضعيفاً:

(يريد الله أن يخفف عنكم، وخلق الإنسان ضعيفاً)(8).

وقد يقع عليه الظلم والعنت وانتهاك حقوقه من بني جنسه:

(إن الإنسان لظلوم كفار)(9).

وإنما يقع الظلم من الإنسان عندما يتجرد من المعاني الإنسانية الفطرية التي من أعظمها وأجلها حب الإنسان لأخيه الإنسان:

(لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه).

وعندما يفقد الإنسان الإحساس بأخيه الإنسان:

(واللهِ لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم).

وكذلك عندما يهبط إلى الأرض متثاقلاً إليها لا يهمه إلا خشاش الأرض يأكل ويتمتع فاقداً كل إحساس بمصاب الآخرين من بني جنسه إذا اشتكى منه عضو لا يتداعى له سائر الأعضاء بحمى ولا سهر، مشيع بالأنانية وحب الذات، لا يؤثر أخاه على نفسه بل يأكل نفسه هنيئاً مريئاً.

هذا الإنسان الضعيف الذي يطغى، ويعرض عن الحق وينأى بجانبه، الذي خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً، يحتاج حتى تنضبط حركته وتستقيم إرادته ولا يشتط في غلوائه، فيظلم نفسه التي بين جنبيه أولاً ثم نفسه الإنسانية، يحتاج إلى ضوابط وكوابح وترغيب وترهيب مع الإرشاد والتعليم والتربية، يحتاج إلى قوانين فيها كل ذلك تبين له حقوقه، وتوفرها له، وتبين له واجباته المنوطة به وتلزمه بها حتى يتحقق التوازن بين الأخذ والعطاء..

ومما يؤسف عليه أن الإنسان يطلب الحق الذي هو له بتهربه من الواجب الذي هو عليه وتأخذه الغفلة الشديدة عن الحقيقة أن الحق الذي يطلبه هو واجب على الآخرين تجاهه وأن الواجب الذي عليه هو حقوق الآخرين، فإذا لم يؤد الواجب لم يصله الحق.

وعندما قام الإنسان وأنشأ الجمعيات والمنظمات وسماها "حقوق الإنسان" لم يستطع أن يوضح المسألة آنفة الذكر، فظن الإنسان أن له حقاً يجب أن يصله وغفل عن أن عليه واجباً يجب أن يوصله.

أضرب مثلاً: فعندما يقطع الإسلام يد السارق فإنه بذلك يعطي حق الآخرين من الأمن على أموالهم أولاً ويمنع السارق في الوقت نفسه من القيام بالسرقة خوفاً على يده من القطع ثانياً، ويحمي السارق نفسه من أن يعتدي أحد عليه وعلى ماله هو.

فحكم القطع أعطى حق الأمن للناس جميعاً من خلال واجب تطبيق هذا الحكم وواجب كفاية الناس سكناً ومطعماً وتعليماً وعلاجاً، أرأيتم كيف تداخل الحق والواجب بشكل مدهش؟! والشاهد على نجاعة ونجاح هذا الحكم (المثال) لم تقطع خمس أيد طيلة ألف عام، فعندما لم يستطع الحاكم القيام بالواجب –كفاية الناس عام المجاعة (حق الأمن الغذائي) لم يعاقبهم على عدم القيام بواجب الأمانة، هذا مثال واحد بسيط على التلازم بين الحق والواجب والأمثلة أكثر من أن تحصى، ومن هنا إني أرى قصوراً أو عدم توفيق في مسمى حقوق الإنسان.

وهذا لا يعني الرفض أو تسميته بالبدعة أو الإحداث كما يرى البعض من المسلمين "إن فكرة حقوق الإنسان بتسميتها وفلسفتها ومضامينها المتداولة اليوم، هي فكرة غربية وثقافة غربية" ولكنها "تعد تطوراً إيجابياً نوعياً في تاريخ البشرية التواقة دوماً إلى عديد من الشعارات والنداءات والمكتسبات التي جاءت بها حركة حقوق الإنسان الحديثة." (أحمد الريسوثي، كتاب الأمة، عدد 87).

وهناك قد يرى أن الإسلام أسبق في إقرار حقوق الإنسان وذلك من خلال رؤيته أن "مقاصد الشريعة.. أساس لحقوق الإنسان" في هذا المختصر، فحفظ الدين يضمن حق التدين، وحفظ النفس يضمن حق الحياة، وحفظ العقل يضمن حق التفكير وحرية الرأي والتعبير، وحفظ العرض أو النسل يضمن حقوق الأسرة، وحفظ المال يضمن حق التملك (محمد الزميلي، كتاب الأمة، عدد 87).

ومن المسلمين من يرى أن حقوق الإنسان في الثقافة المعاصرة من مزايا العصر، ويدعو إلى الأخذ بها جملة برمتها.

وكما أن البعض كما ذكرت يجعل من فكرة حقوق الإنسان غربية وثقافة غربية فهناك من يقول: (ليس صحيحاً ليس مفهوم حقوق الإنسان غربياً خالصاً أو أنه غريب عن تاريخنا وثقافتنا، فإن حلف الفضول يمثل أحد معالم التطور التاريخي لحقوق الإنسان كما أنه ربما أول جمعية للدفاع عن هذه الحقوق (د. علي الدين هلال، في صحيفة أردنية يومية).

وكما ألمحت سابقاً فإن العقل البشري يظل قاصراً وضعيفاً وقد تتحكم فيه مصالح وانفعالات في ظرف ما وتحت مؤثرات معينة، وهذا لا يعني أن ينعدم الجهد البشري الإنساني من كل صواب أو خير أو حق أو إرادة وسعي لذلك، فلا إفراط ولا تفريط، الحكمة ضالة المؤمن وكما قال عليه الصلاة والسلام:

"نحن أولى بموسى منهم".

فهذا منهج في التعامل مع المنجز البشري، نأخذ الحق والصواب نحافظ عليه ونحفظه ونزيده حسناً وبهاء وجمالاً وننفي الخبث ولا بأس من التقاطع مع الآخرين بما يفيد الإنسانية.

من الظلم للإسلام أن يقارن بغيره ولكن بعض البيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

إن نظرة خاطفة تظهر كم أعطى الإسلام للإنسان وكيف يتعامل معه، فمن خصائص الإسلام الإنسانية أنه دين الإنسان والقرآن، وهو كتاب الإنسان، ولو تتبعنا ورود كلمة (الإنسان) في القرآن الكريم لوجدنا أنها تكررت ثلاثاً وستين مرة، وتكررت (بني آدم) ست مرات وكلمة (الناس) تكررت مائتين وأربعين مرة، وأن أول ما نزل على قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم سورة العلق ذكر فيها الإنسان مرتين:

(خلق الإنسان من علق.. علم الإنسان ما لم يعلم).

فالوجهة والخطاب للإنسان كونه إنساناً دون تمييز فخلقكم من نفس واحدة:

(وما أرسلناك إلا كافة للناس).

(كلكم لآدم وآدم من تراب).

"ليس لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى".

إنها الوحدة الإنسانية والنفس الواحدة:

(من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً).

فالإسلام يحترم الإنسان لأنه إنسان حرم إيقاع الظلم عليه بأي وسيلة وأي سبب:

"إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا" (حديث قدسي).

ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب مهما كان نوع أو جنس أو لون أو دين هذا الواقع عليه الظلم.

هذه النظرة للإنسان عند المسلمين دين وثقافة وإيمان وقيم، لا يجادلون فيها ولا يتجاوزونها.

أما من انتكست فطرتهم وارتكست طبيعتهم وأرضعوا الحقد والبغضاء والتعالي والاستكبار فإنهم لا يقيمون للمعنى الإنساني وزناً إذا كان الإنسان غير ذاتهم العنصرية:

(ليس علينا في الأميين سبيل).

(إنما أهلك من كان قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، فوالذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).

              

الهوامش:

(1) الإنسان: الآية 2

(2) البقرة: الآية 28

(3) إبراهيم: الآية 22

(4) البقرة: الآية 21

(5) طه: الآية 114

(6) إبراهيم: الآيتين 32، 33

(7) الإسراء: الآية 70

(8) النساء: الآية 28

(9) إبراهيم: الآية 34