محاولة اغتيالٍ عربية

عصام سحمراني

[email protected]

هي فكرة واحدة أريد التحدث عنها. لكن وبما اني كاتب عربي ومن واجبي أن أصفّ الكلام وأرتبه وأبدع منه ألوانا وأهندس أشكالا تنافس معبد جوبيتير ومغارة جعيتا وعقل جبران خليل جبران بلا طائل كما المذكورين أعلاه، فها أنا أجمع بعض الكلام الذي سيجد طائلا، ولو أنه لا يضاهي عدد الكلمات الموجود في المقال، حين أورد فكرتي التي لا أريد التوسع بها لعرضها، فهي سخيفة إذا ما قرأتها للوهلة الأولى. لكن يمكن لكل شخص التفكير بها وحده والتوسع ما شاء وهو يحدل في عمله اليومي يكدح ويكدّ ويصوم وينام ويعود مرة اخرى إلى العمل، ويمكن للبائعين في الأسواق أن يمرروها لحظة بين أكوام البندورة والخيار والنعنع والبصل والبقلة وهم ينتظرون وينظرون في انحاء سوقهم باحثين بأصواتهم عن متسوقة تعدّ طبق الخضار اليومي من فتوش وتبولة وسلطة موسمية.

كم أحزن وكم أصاب بخيبة أمل عندما أقرأ أو أسمع خبرا عن فشل اغتيال أحد المسؤولين العرب. ليس معنى هذا أنني أفرح حين ينجح الإغتيال -حاشى وكلاّ- فالمصاب أكبر حينها وقد يطالني شخصيا أو عائلتي أو أحد أصحابي حين تطلق الإتهامات المبرمجة أو المتميزة بردود الفعل ضد طائفة معينة او حزب معين أو أفراد اختلف معهم المسؤول، الراحل إلى رحمة ربه، قبل يوم من ذلك على لعبة طاولة زهر. ولولا ذلك لكنت سعدت طبعا لكن الإحتياط واجب كما يقول المثال.

أما ما أتكلم عنه فهو استغرابي التام غير المرتبط بنشرات الأخبار؛ المخابراتية منها او الحكومية او المعارضة. إستغرابي كيف يمكن لمثل هذا الشخص -المسؤول طبعا- أن ينجو دائما ويصدر بعدها بيانا يعرب فيه عما يعرب من عدم رضوخ للتهديد يختلط بشجر مثمر يرمى بالحجارة لا بالفضلات البشرية والحيوانية فهو "الثريا وذان الشيب والهرم" على رأي المتنبي أفندي.

ينجو كل مرة وينتظر مجددا محاولة اغتيال أخرى ستبقى في عداد محاولات الإغتيال. بالمناسبة أمرر قاعدة منطقية سخيفة -سامحوني عليها- وهي أن الإغتيال إن لم يتم ويقتل المنوي اغتياله فهو "محاولة إغتيال" لا "محاولة إغتيال فاشلة".. فهما أمران لا ثالث لهما إما أن يُقتل ويورث فظاظته لنجله أو أخيه أو حفيده حتى بعد مقتل الإبن بدوره في ظروف غامضة قيل عنها إنها مرض، أو أن يبقى وتبقى لنا الفظاظة المعهودة ولو بعد جرح وحبوب أسبرين ومرهم لتشقق الشفاه و"طاسة رعبة" وجلسة مساج لا يهنأ لها البال إلا في إحدى الجزر الإسبانية.

ينجو معظم الأحيان إلى أن تتمكن منه قدرة إلهية أو بركات أميركية وفرنسية وسوفياتية وبريطانية وعربية حتى لإنتشالنا من بين يديه بإرساله إلى موت كتب له في الروزنامة السياسية عيدا وطنيا؛ حزنا أم فرحا، ونياشين رسمية وتكريمات شعبية من داخل الحدود وخارجها بحسب من يتسلم الحكم او المنصب بعده.

الأشد غرابة أن قنبلة صغيرة للغاية، لنقل إنها رمانة يدوية دفاعية، يمكنها أن تقتل وتجرح ما بين خمسة وعشرة أشخاص في سوق مزدحم وترعب المئات. طبعا هو مزدحم ببشر عاديين مثلك؛ بأبيك وأمك وأخيك وأختك وأولادهم العائدين من المدرسة في ساعة ظهر قائظة، وربما بصهرك الذي يعمل على المرفأ حمالا للبضائع تعب من الصيام وأراد التهرب من عمله اليوم ليعود إلى البيت وصودف له المرور هناك فالتقى بجدك الذي دعاه وهو يتناول من إحدى العربات تينا مجففا أن يساعده في التقاط الطري منها لأن الجد صائم ولا يمكنه اختبارها. وبين إقناع الصهر لجد زوجته بأنه صائم بدوره وعدم تصديق الجد لذلك لأنه يعلم أنه من المداومين على الخمرة تنفجر القنبلة دون ان يكمل الصهر قسمه: "والله العظيم صايم".

طبعا ينجو الكثيرون حينها لكننا لا نسمع عن مسؤولين قتلوا في التفجير. لماذا؟ لماذا يقتل الناس بقنبلة صغيرة لا تحتاج من أيّ كان إلاّ لإخراجها من خزانته ورميها وأراهن أنه لن يتم التقاطه حتى لأنه "تبع لتبعو" بينما يفشل اغتيال مسؤول ما؟ لا أريده أن يقتل لا لأنه شريف غير مرتش ولأنه مؤمن بالوطن لا بجيبه وجيوب أبنائه وأحفاده ولأنه يخاف على ثروات البلاد ولا يسرقها، لكنني ذكرت لماذا لا أريد له الموت ولو ان الأمر يحزنني ويصيبني بخيبة أمل لا أرتاح منها إلا على محاولة أخرى أو إغتيال. لا أريد له الموت لكنني لا أريد للمساكين المتجولين والمتسوقين والكادحين الموت أيضا.

كل ما هنالك أن المسؤول الفلاني يقتني حول مستعمرته وفيها وعلى محيط كيلومترات منها كتيبة شرطة وجيش ومخابرات مدججين بالأسلحة والاجهزة الكاشفة للمتفجرات ولنيّات البشر أيضا؛ اولئك الذين حين يمرون من هناك يكتمون البصقة في أفواههم خوفا من المكان وأهله ولو أن قلبهم وروحهم ينبضان بالتشجيع والحض على بصقها في وجه المسؤول وزلمه.

أما البشر العاديون فلا يتواجد غالب الأحيان في أحيائهم أكثر من شرطي بلدي واحد يحمل عصا ويتشارك مسدس "البَكر" مع زميل له بحسب النوبة، بالإضافة إلى درّاج من الأمن الداخلي يصرخ على هذا وذاك بين نوبتي الأكل من المطعم المخصص لفخامته وتسجيل المخالفات بحق العباد.

أذكر أن شركة المشروبات الغازية لدينا حين طرحت منح العطاشى هدايا من كرمها الملحوظ؛ سيارة بورش، ودراجات بي ام اكس، وألعاب، ومشروبات غازية كذلك، كانت تكتب على الغطاء غير الرابح: "شكرا جرب حظك مرة أخرى".

أكاد اجزم أن تلك الأغطية بالذات، التي لم أقرأ غيرها طوال فترة إدماني على المشروبات الغازية وأغطيتها، قد صنعت في بيت أحد أولئك المسؤولين.