حصان الإصلاح 2

حصان ( الإصلاح ) حمحمة أم حلم ؟

عبد الله زنجير * /سوريا

[email protected]

و .. لعل تحرير المصطلح ، يمثل الوسيلة الناجعة و الأولوية الأوضح لمشاريع التغيير و سنن التنمية ، سيما و أن أمتنا تضحي و تنفق و تهدر و تستطيب ، إذا لمست الصدق والصبر و النتيجة ، في ظل من مخاض الولادة و خوض الأمل . فمن هو ياترى المصلح الصالح ؟ وما المقصود تماما بالإصلاح أكان دينيا أو سياسيا ؟

قد ينادي أحدهم بالإصلاح و عمله إفساد ! ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) البقرة 12 ، و الأخسرون أعمالا هم الذين يظنون في حالات كثيرة أنهم يحسنون صنعا - كما حكى القرآن - إذن مناط أي إصلاح مستجاب و مستحب ، أن لا يزيد الطين بلة  ويفرق الدين و يجعلنا شيعا و جهالا نتصارع و نتقاتل ، يضرب بعضنا أعناق بعض . لهذا وجب التريث فعلا في متابعة ومعاينة ما يشذ عن عناوين المعلوم من الدين بالضرورة ، متمعنين معين شعيب ( إن أريد إلا الإصلاح مااستطعت و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب ) هود 88 ، حيث تتبلور الهوية الحقيقية للمصطلح و تستبين ملامحه الوقتية والدائمة على بصيرة و في جو مبدع مطمئن

الحنيفية

إن الحنيفية السمحة بالوصفة النبوية ، شكل غير مسبوق ولا معهود في مقارنة الأديان ، صفاء و تميزا و مقاييس ، فهي تستقطب النخب : فايس ، بوكاي ، كارليل ، لوبون ، إيرفنج ، كلاي ، غارودي ، هوفمان ، استيفن إلخ .. مثلما تستهوي الموضوعيين والمنطقيين والأحرار ، تجتذبهم بقواها الذاتية المؤهلة للجواب الشافي عن أي تساؤل آت في الغيب ( الميتافيزيك ) والشهادة ، والماضي والمصير ، بكل قيادة واقتدار . وهذه الشمولية المديدة المحكمة في الآفاق و الأنفس ، تفتح الباب واسعا واعدا لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، بأن يتذكر و يقدح و يكدح و يتأمل و يشتق و ينتزع و يواكب و يكتشف و يبتكر و يضحي ، معرفة و علما و حكمة و حنكة وسبقا في الحياة ( كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظورا ) الإسراء 20

فهذا الدين الخاتم بحنيفيته و خصائصه و أنواره ، لا يمكن أن يتأخر شروقه - وبالذات في عصرنا هذا - إلا بسبب من جمود الفكر و كلالة النهج و كسل العقل ومناعة الموروثات و توريث المتغيرات . و لننتبه بأن القرآن الكريم ، الكتاب الوحيد في العالم الذي يرجع مشكلات الإنسان و تخلفه ، إلى ذاته . مما يعني الدعوة الملحة المتواصلة المتواترة للمراجعة والتقويم ، واستنفار النقد للنفس و للبرامج و المفاهيم ، بغية الحق المتعدد فيما بينه ( حديث الصلاة في بني قريظة ) والمتحد صفا مرصوصا أمام الباطل والإلحاد والظلم . وإذ يتم استقراء و استبقاء الحنيفية تمكينا و مكانة  رياضية مستقرة و قولا فصلا ناجزا ، تتعزز وقتئذ مسارب الإصلاح المنتظر  وتتطبع خطوطه و خطواته ، كونه أحد مكونات و مقومات الفلسفة الراشدة و النظرية الرائدة التي لا تكذب أهلها شيئا

حصان الإصلاح

3

المضمار

إننا لو أردنا اختصار الإسلام بجملة واحدة - كما طلب مني قبطي ذات مرة - لقلنا : إنه التوحيد في الدين والعدل في الدنيا ، وجل ما عدا ذلك مصالح مرسلة لا تخرج عن هذين الهدفين الجليلين

وفي الدعوة النبوية والدولة المدنية في المدينة ، أمارات وأدلة شرعية و تشريعية لأقسام و قسمات هذا البيان تسهم ولاريب في تجسير الهوة وتأصيل الموضوع ، موضوع الإصلاح ، تارة في التدين والتعبد ونبذ البدع و إظهار الخير والتبشير به ، وتارة ثانية في السياسة والتقاضي والأحكام السلطانية وأنظمة الدول ومفاجآت الواقع . وهذه القضايا المتشعبة وأسئلتها البدهية المتعلقة بالمؤسسات والهياكل والتقنين ، قد تؤول لأهل الاختصاص والمفكرين وأصحاب الخبرات من المجتمع المدني ، و قد تكون من حكماء وعلماء الدين ، وربما تأتي من رموز السلطة التنفيذية شريطة وفرة قبولها عند المتلقي ، كما هو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في اجتهاداته و آرائه و فقهه المقاصدي الذي أقره عليه كبار الصحابة حينها ، كالسرقة عام الرمادة ، و سواد العراق بعد الفتح ، و سهم المؤلفة قلوبهم

وعلى العموم فإن الإصلاح بتدرجاته و درجاته وتنوعاته وأنواعه ، حق و مسؤولية وواجب مشترك مشرئب ، ولو من باب النصيحة لله و رسوله و أئمة المسلمين و عامتهم . وهذا مالم يفرغ منه عصر من عصور المسلمين ، فبقي رجال الإصلاح و هداته حلقات متواصلة متوالية متجددة ، رغم إغلاق الاجتهاد و تسطيحه .حتى أن ( الخوارج ) بشذوذهم الفكري و عبئهم و عبثهم ، لم تتم مقاتلتهم ماداموا في غرزهم لا يروعون الناس و لا يتجاوزون الحد ! و في حالات التراث المكتوب كانت تضاف الشروحات ومن ثم الحواشي ، وكذلك التعليقات على الحواشي ، والتعليقات على التعليقات ، ليس فقط لتأكيد النص الأصلي ، إنما في حالات كثيرة لنقده و مراجعته والإضافة إليه . فعلى مدار تاريخنا الديني و الحضاري و السياسي ، هل حظر تماما حصان الإصلاح في حظيرته ؟ لا ليس هذا

التغيير

بعد هذه العجالة نتساءل : كيف يبدأ الإصلاح ؟ القرآن الكريم يقول ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له و مالهم من دونه من وال ) الرعد 11

البداية تكون من النفس ، أفكارها ، مفاهيمها ، عاداتها ، تقاليدها ، موازينها ، مسلماتها ، محظوراتها إلخ إلخ  فما كان له صلة بالصحيح و الصريح أبقي عليه دون ادعاء باحتكار الحق ، كمفتاح للتعارف و التحاور والانفتاح ، وبالذات مع الآخر المماثل من أهل القبلة . ومن الملاحظ بأن الإنسان حين يدعو لفكرة أو موقف أو رأي ولا يلتزم هو بذلك ، يكون آمرا بالبر ناسيا نفسه كبعض بني إسرائيل ، ليس جديرا بالقدوة والأسوة كما أنه ليس كل ورم بسمن ! والإنسان في زمننا بات متورما و ضحية لثقافة التناقض السائدة ، ولا يصلح أن يكون قدوة مالم يفطن لذلك

و مما يعاب على كثير من النخب و الكتاب ، بعدهم عن فضيلة التواضع الذي كان سمة سيد الخلق ، تجعل الأعرابي يتساءل : أيكم محمد ؟! فكيف يهطل الغيث مع العجرفة والفوقية و التفيهق ؟ وكيف يمكن للكلمة الطيبة أن تؤتي أكلها ويسود ظلها مع القحل و الغلظة والقنوط ؟ إن من أبجديات الإصلاح و صلاحيته منظومة آداب رفيعة ، لابديل عنها ولابد منها لإدارة حوار الإقناع والإمتاع  لاالإفحام ، وهذه المنظومة أو بعضها قد تكون مرسبة لأنضر الحلول وأنضجها ، مع الأسف

 و للحديث تتمة .. إن شاء الله

              

*عضو رابطة أدباء الشام