الثورة السورية بين الأمس واليوم
الثورة السورية بين الأمس واليوم
رؤية سوسيو ـ تاريخية
د. محمد أحمد الزعبي
أولاً : ثورة آذار 2011 ، الأسباب البعيدة والقريبة
1. لابد من الإشارة بداية ، إلى أنني وفي إطار إعدادي لهذه الرؤية ، ، قد واجهت مع نفسي صعوبة منهجية ، تتعلق ، من جهة ، بعمومية وتداخل الموضوعات المتعلقة بهذه الرؤية ، ومن جهة أخرى ، بأني قد سبق وكتبت ونشرت حول أزمة الثورة السورية ، التي لم تبدأ عملياً اليوم ، ولكنها بدأت منذ عام 2011 ، وبالتالي فإن ماسأقدمه هنا يمكن أن يتداخل ويتقاطع بعضه مع ما بعض ماسبق أن نشرناه ، وهو ما نعتبره أمراً طبيعياً .
2 . إن مقولة " ليس من رأى كمن سمع " المعروفة ، إنما تحيلنا عملياًّ إلى إشكالية الفارق الجوهري بين من يتلقى الضربات ، وبين من يحصيها فقط ، وهو مايدفعنا إلى القول : لايمكن لمنظّر أن " يفتي " نيابة عن ممارس ، ولالشبعان نيابة عن جائع ، ولا لطفل فقد عائلته ، نيابة عن أخر يعيش في حضن أبويه ، ولا لمن اغتصبت ابنته أو زوجته نيابة عن أخر لم ير مثل هذه المأساة . ولا لقاطن تحت سقف نيابة عن أخر يعيش تحت غيمة ماطرة ، مانعنيه هنا ، هو أنه علينا ألاّ نستغرب تردد سكان الخنادق ، في قبول فتاوي سكان الفنادق من الأفندية والمثقفين ، الأمر الذي يمكن أن ينطبق على مقالنا هذا أيضاً .
3 . يتساءل البعض عن مدى صوابية توصيفنا للحراك الشعبي الذي أعقب حادثة البوعزيزي والذي بدأ بتونس ثم امتد إلى مصر وليبيا واليمن وسورية والعراق بـ " ثورات " الربيع العربي ، وهل الأصوب هو توصيفها بـ " الانتفاضات " بدل الثورات ؟ .
إنه بالعودة إلى الجذر اللغوي لمفهوم كل من الثورة والانتفاضة في المراجع اللغوية ، لايقع المرء على كبير فرق بين هذين المفهومين بل إن هذه المراجع تفسر كل منهما بالآخر ، أو توردهما كمترادفين ، ولكن بعض المراجع السوسيولوجية أشارت إلى وجود فرقين أساسيين بينهما ، يتعلقان بدرجة شمولية مضمون كل منهما ، سواء أفقياً أو عموديّاً . إذ بينما يكون التمرد محدوداً ( الشعب يريد تصحيح المسار )، تكون الثورة ، من جهة ، شاملة لمعظم الفئات والطبقات الشعبية إن لم يكن كلها ، وتكون مطالبها ، من جهة أخرى ، جذرية وكلية ( الشعب يريد إسقاط النظام ) ، وبتعبير أخر ، فإن الانتفاضة تكتفي بالتغيير الكمّي ، في حين تهدف الثورة إلى التغيير النوعي . وإذا ماطبقنا هذا المعيار على الحالة السورية ، فيمكننا القول ، أن الحراك الشعبي في سورية ضد نظام عائلة الأسد الديكتاتوري عام 2011، قد بدأ كانتفضة ثم تطوّر إلى ثورة ,
4 . تقف وراء أية ظاهرة إجتماعية ( والثورة ظاهرة إجتماعية ) سلسلة سببية مترابطة ومتداخلة جدليّاً ، بحيث ينبثق فيها اللاحق عن السابق ، وعادة ماتكون هذه الأسباب متفاوتة الدور والأهمية ، ذلك أن بعضها قريب وبعضها بعيد ، بعضها جوهري وبعضها عرضي ، بعضها مباشر وبعضها غير مباشر ، بعضها هام وبعضها أقل أهمية ، بعضها ظاهروبعضها مستتر ،...الخ ، وذلك حسب ظروف الزمان والمكان ، وبالتالي حسب الظروف الاجتماعية والثقافية المتعلقة والمحيطة بهذه الظاهرة .
5. إن أبرز محطات / حلقات السلسلة السببية التي تقف وراء ثورة آذار 2011 ، والتي أدّت إلى تحول التراكمات التاريخية ( الكميّة ) التي كان أخرها حادثة أطفال درعا ، إلى ثورة شعبية " نوعية " عارمة ،على مستوى الوطن كله ، هي بصورة أساسية :
+ حلقات تعود إلى النصف الأول من القرن العشرين ، سايكس ـ بيكو ، وعد بلفور ،
الانتداب الفرنسي على سورية ( 1920 ـ 1946 ) ، ثورة 1925 على هذا
الانتداب ، هزيمة الجيوش العربية عام 1948 وقيام دولة الكيان الصهيوني
+ حلقات تعود إلى المرحلة الاستقلالية ( بعد 1946 ) ولا سيما بروز دور الجيش
على الساحة السياسية السورية ، والمناخ السياسي الديموقراطي ( نسبياً ) الذي
عاشته سورية في هذه المرحلة ، بعد سقوط حكم أديب الشيشكلي عام 1954 ،
+ حلقات تعود إلى مرحلتي الوحدة ( 1958 ـ 1961 ) والانفصال ( 1961 ـ 1963)
+ حلقات تعود إلى المرحلة من 1963 إلى 1970 ولاسيما ، أحداث 18 تموز 1963
وأحداث حماه الأولى 1964 ، وحركة 23 شباط 1966 ،
+ حرب حزيران 1967 واستيلاء إسرائيل على هضبة الجولان ،
+ الإشكالية المتعلقة ببلاغ سقوط القنيطرة رقم 66 ،
+ الصراعات الحزبية بين قيادة 23حركة شباط 66 وحافظ الأسد ، والتي انتهت
باستيلاء حافظ على السلطة عام 1970 ، وانكشاف الوجه الطائفي لحركته
( التصحيحية !! ) ،
6. مرحلة حكم عائلة الأسد أو أم المراحل :
لقد وصل حافظ الأسد ومجموعته إلى السلطة في سورية عام 1970 ، عبر توجه مزدوج : الانضمام إلى حزب البعث ، والالتحاق بالجيش ، وبحسب باتريك سيل في كتابه الأسد ( الطبعة الحادية عشرة ، بيروت 2010 ) فإن النواة الأساسية لما عرف لاحقاً ب " اللجنة العسكرية " التي قامت بانقلاب / ثورة 8/3/1963 قد تشكلت في القاهرة عام 1959 . يقول سل " كانت بداية اللجنة متواضعة حقاً ، لم يكن فيها سوى
خمسة ضباط : النقيبان الأسد والجندي ، الرائدان جديد والمير ، والمقدم محمد عمران ، كان أول عمل قاموا به ، هو أنهم أقسموا على السرية ... وكانوا مشتركين في غريزة قديمة هي غريزة الكتمان التقية التي تتصف بها مجتمعات الأقليات المضطهدة
في الشرق الأوسط ...وكانت خليّتهم في عزلتها أشبه ماتكون بالمحفل الماسوني " (ص107 ). ويقول سيل في الصفحة 23 من الكتاب " وعندما سئل رئيس بلدية
القرداحة عن أسماء الأسر القبلية في قريته أجاب : ليس لدينا قبائل ولا عوائل هنا ،
بل نحن جميعاً في عائلة البعث بقيادة حافظ الأسد " (!!) .
إن مثل هذا الفهم الطائفي المؤسف لحزب البعث العربي الاشتراكي ، لايسمح ـ إطلاقاً ـ بمماهاة حزب البعث بنظام عائلة الأسد . إن حزب البعث ، لم يكن واقعياً بالنسبة لحافظ الأسد ومجموعته العسكرية سوى حصان طروادة ، الذي استخدموه لإخفاء عورتهم الطائفية .ولاسيما بعد أن تخلص بالقتل وبالسجن وبالكذب والخداع من كل من يقف في وجهه من العسكريين والمدنيين ،
هذا ويمكن أن نقسم مرحلة حكم عائلة الأسد إلى قسمين أساسيين : مرحلة الأب التي امتدت من عام 1970 وحتى وفاته عام 2000، ومرحلة الإبن ( الوريث ) التي بدأت عام 2000 وماتزال مستمرة حتى اليوم ( 3/5/ 2014 ) . لقد كان انقلاب الأب على شركائه في حركة 23 شباط 1966 ،(مجموعة صلاح جديد) وتفرده بالسلطة عام 1970، وتنفيذه لمجزرة سجن تدمر 1980، ومجازرمحافظات حلب وإدلب وحماة ( مابين 1980 و 1982 ) المعروفة أبرز الممارسات الدموية القذرة التي ورثها لابنه بشار . ولقد افتتح بشار عهده الجديد بخديعة الديموقراطية وفتح باب حرية التعبير الذي كان مغلقاً بزمن أبيه ، وذلك فيما أوحى به كذباً في " خطاب القسم " ،. وهكذا اندلعت شرارة ربيع دمشق الأول بإنشاء المنتديات السياسية غير الرسمية التي أخذت تعقد لتشجيع الحوارات المفتوحة بين جميع الأطراف للقضايا السياسية وقضايا المجتمع المدني ،وقد كان أشهر هذه المنتديات منتدى الحوارالوطني الذي أنشأه رياض سيف ، ومنتدى الأتاسي الذي أنشأته سهير جمال الأتاسي . لقد كانت مطالب المشاركين في هذه الحوارات الأساسية والتي ورد ت في ما سمي بيان الـ 99 (سمبتمبر 2000) ولاحقاً في بيان الـ 1000( يناير 2001 ) هي بصورة أساسية : التعددية السياسية والفكرية ، ورفع حالة الطوارئ ، وسيادة القانون ، واستقلال القضاء ( أي لم يكن بينها تغيير النظام ).
لم يدم شهر العسل هذا طويلاً ، إذ سرعان ماقلب بشار لهذه المعارضة السلمية والمشروعة ظهرالمجن، وأغلق منتدياتها ( بصورة خبيثة ومتدرجة ) ووضع ناشطيها الأساسيين في غياهب السجون ، وبعثت ( بضم الباء ) بهذا روح الأب ووحشيته من جديد ، (وكأنك يابو زيد ماغزيت ) .
ثانياً : الربيع العربي والغرب ،
لقد كانت هبَّة الربيع العربي ، التي افتتحها الشعب التونسي (17.12.2010) عندما حرق البوعزيزي نفسه، وهو مامثل شرارة ربيع تونس ، انفجاراً شعبياً كاملاً ،ضد أنظمة الحكم المستبدة والفاسدة التي نصبها ورعاها وحماها الغرب، منذ الحرب
العالمية الأولى( نستثني من ذلك نظامي جمال عبد الناصر في مصر وصدام حسين في بغداد )، وذلك لكي تنوب عنه في حماية مصالحه الاستراتيجية في" الشرق الأوسط "، ولاسيما النفط ( عصب الصناعة الغربية ) و إسرائيل ( الثكنة العسكرية الغربية في
فلسطين ) . لقد كانت الإشكالية التي واجهت الغرب ، في هذه الهبَّة الشعبية
، وشكَّلت له مأزقاً سياسياً وأخلاقياً على المستويين الداخلي والخارجي ، هي رفع
الجماهيرالشعبية المنتفضة في كل دول الربيع العربي ، لشعارات الديموقراطية
والتعددية والتداولية وحقوق الإنسان ، والتي من المفروض أنها نفس الشع
تمثل بنظر المنتفضين صلب وجوهر القيم والمبادئ السياسية الأورو ـ أمريكية . لقد انعكست هذه الإشكالية بصورة جلية على الخطاب السياسي والدبلوماسي الغربي ( أمريكا ،أوروبا ،روسيا ) ، وجعلته خطاباً بائساً ، لايعرف ( بضم الياء ) رأسه من ذنبه ، ولا صحيحه من كذبه ، وأصبح البحث عن مخارج تحفظ ماء الوجه ، وتوقف مد الربيع العربي ، وتعيد المياه إلى مرحلة ماقبل هذا الربيع ( مع بعض التعديلات ) ، هو الشغل الشاغل لوزارات الخارجية وخبرائها في هذه الدول . هذا ولم تكن تلك الاجتماعات الدورية لما بات معروفاً بـمجموعة "أصدقاء سورية "، وتقديم دعم رفع العتب إلى المعارضة من بعض الدول العربية والأجنبية ، سوى بعضاً من هذه المحاولات التي تسعى إلى احتواء ثورات الربيع العربي الشعبية، بأقل الخسائر الممكنة
ثالثاً : ثورة آذار 2011 ،
يطلق بعض الكتاب ، وبعض وسائل الإعلام العربية والعالمية ، على الحراك الشعبي الذي شهدته سورية في آذار إسم " ثورة 15 آذار " ، اعتماداً على عدد من الاعتصامات
والاحتجاجات التي نظمها بعض النشطاء في دمشق في شهري شباط وآذار 2011 طلبا للحريات المفقودة ، والتي كان أبرزها مظاهرة " سوق الحميدية " بتاريخ 15 /3/2011 التي دعا إليها عدد من النشطاء تحت إسم " يوم الغضب " وقام شبيحة الأسد بتفريقها بالقوة ، بينما يطلق عليها البعض إسم " ثورة 18/ آذار /2011 " اعتماداً على أن أول شهداء الثورة قد سقطوا في هذاليوم وفي اليوم التالي ( يوم التشييع ) في مدينة درعا ، وأن هؤلاء الشهداء ( الأربعة ) هم من يمثل الشرارة الحقيقية لانطلاقة الثورة السورية ، ويعطيها إسمها الفعلي . من جهتنا لن نتوقف طويلاً عند هذه الإشكالية ، فشهداء الثورة قد بلغوا اليوم قرابة ربع مليون شهيد ، ولافضل لمحافظة على أخرى في استمرار وفي صمود " ثورة آذار 2011 " ، فالكل أمام أسلحة بشارالأسد الصاروخية والكيماوية سواء .
وفيما يلي أبرز محطات هذه الثورة الثورة :
1. تيمناً بشعارات ثورتي تونس ومصر ، وبعد رحيل كل من بن علي وحسني مبارك ، كتب تلاميذ إحدى المدارس الابتدائية في مدينة درعا على جدران مدرستهم ، شعارات مناهضة لبشار الأسد ،( جاك الدور يادكتور) وذلك بتاريخ 27.02.2011 ، وسرعان ما تم اعتقالهم من قبل الأجهزة الأمنية في درعا ، وإرسالهم إلى أقبية التعذيب في دمشق .
2. حاول آباء هؤلاء التلاميذ الصغار، ومعهم العديد من أعيا ن المدينة التوسط لدى مدير فرع الأمن السياسي بدرعا (عاطف نجيب / أحد أفراد الأسرة الحاكمة ) ، للإفراج عن
هؤلاء الأطفال ، بيد أن ردة فعل هذا لمسؤول الأمني على مطالب هؤلاء الآباء والأعيان كانت استفزازية ، وغير أخلاقية ، وغير محتملة اجتماعيّاً ، الأمر الذي معه خرجت المظاهرات الشعبية " سلميّاً " في مدينة درعا ، فيما سمي بـ " جمعة الكرامة " يوم ( 18.03.2011 ) ، حيث جابهتها الأجهزة الأمنية الأسدية بالرصاص الحي الذي أوقع عدداً من الشهداء ، الذين كانوا الصاعق الذي فجر في الأيام والجمع التالية الثورة السورية ، بداية في محافظة درعا ، ونهاية في كافة أنحاء سورية . ( لقد وثق المغني السوري سميح شقير هذه الواقعة بأغنيته الرائعة والمعبرة " ياحيف ! " )
3. لقد أيقظ الرصاص الحي ، والتنامي اليومي لأعداد الشهداء ، في معظم المدن السورية التي تظاهرت تضامنا مع شهداء درعا ( نحن معاك للموت يادرعا ) شعبناالسوري من سباته الذي زاد على الأربعة عقود ، وأدرك أنه كان ضحية حقبة تاريخية سداها الدبابة والمدفع ، ولحمتها الكذب والتدليس والتضليل والتعتيم ، وآخراهتمامات " أسودها ! " هو مصلحة وحرية وكرامة المواطن ، ناهيك عن السكوت المطبق على احتلال اسرائيل لهضبة الجولان منذ عام 1967. نعم لقد اسيقظ المارد من سباته الطويل ، وقررألاّ يعود
إلى قمقمه قبل سقوط نظام عائلةالأسد الديكتاتوري المتواطئ ، والذي وصفه الثوار بـ
"الخائن"( اللي بيقتل شعبه خاين) .
إن مواجهة المظاهرات الشعبية السلمية ، بالرصاص الحي ، واستمرار السقوط اليومي لعشرات الشهداء في كافة أنحاء سورية ، وأكذوبة العصابات المسلحة قد دفع بشباب الثورة وقادتها إلى الارتفاع بسقف مطالبهم ، من الإفراج عن تلاميذ درعا ، ومطالبة النظام بالقيام بعدد من الإصلاحات السياسية ، إلى المطلب الذي بات لاحقاً على كل لسان " الشعب يريد إسقاط النظام " ، وقد طور بشار الأسد بدوره ردّه الوحشي على المتظاهرين السلميين ، وبالتالي على الثورة الشعبية ، بالانتقال من استخدام الرصاص الحي ، إلى البراميل الطيارة المتفجرة والصواريخ الروسية المدمّرة بعيدة المدى ، إلى أسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليّاً ( السلاح الكيماوي )، مستغلاًّ بذلك الصمت العربي والدولي ، ومستغلاًّ ضعف أداء المعارضة ، وانشغالها بصراعاتها الداخلية ، الناجمة عن ارتباطاتها الخارجية ، العربية والدولية .
4.إن بشار الأسد لم يعد بنظر أبناء الشعب السوري ، بعد كل ماصنعته يداه بهم يستحق حتى صفة "الرئيس" ، وإنما أصبح بنظرهم مجرد "رئيس عصابة "من الشبيحة ، ورثها عن أبيه . ونرى من جهتنا أنه إذا ماكان أبوه ( حافظ الأسد ) يفتقر إلى الشرعية ثلاث مرات ( مرة لأنه جاء على ظهر دبابة ، ومرة لأنه كذب على الشعب بخصوص ماسمّاه زوراً " الحركة التصحيحية " ، وثالثة لأنه دمر مدينة حماه وقتل عشرات الألوف من أبنائها عام 1982 ) ، فإن الإبن بشار قد أضاف إليها ثلاثة أخر هي : (وصوله إلى السلطة كأبيه عن طريق المؤسسة العسكرية ، وفضيحة تعديل الدستورعن طريق مجلس الدمى من أجل التوريث ، وأخيراً وليس آخراً مواجهته الدموية الفاشية والمشبوهة لثورة آذار 2011 الشعبية ، والتي اعترف بنفسه بمشروعية مطالبها ، والتي توشك اليوم على طي عامها الثالث .
5.. تعاني ثورة آذار السورية من وقوعها بين المطرقة والسندان ، والإشكالية التي يطرحها هذا التشبيه هي :
ــ إن المطرقة هنا هي ليست فقط نظام بشارالأسد وشبيحته ، وإنما هي أيضاً دول أو/ و عناصر خارجية أخرى ( روسيا ، إيران و حزب الله ، وقوات عراقية طائفية مختلفة ) تشارك مع هذه المطرقة ؟!. وإن الدول والقوى التي تمثل السندان الذي يسند ويساند هذه
المطرقة ، هي ليست فقط الدول الأجنبية ، وإنما أيضاً دول عربيىة وإسلامية مختلفة ومتعددة ، تساند إمّا بالفعل أو بالصمت هذه المطرقة ( نظام بشار الأسد ) على القيام بوظيفتها الدموية والهمجية ضد الشعب السوري . أمّا عنصر الشبّيحة فيتجسّد وفق تفسيرنا الخاص لهذا المفهوم ، في ما سأطلق عليه أسيجة الحكم السبعة والتي هي :
الشرعية الشكلية ،المرتكزة على مثلث : التطييف ، التضليل ،التزوير ،
الجيش العقائدي (!!) ، الأجهزة الأمنية السرية والعلنية ، الحرس الجمهوري ،
الحكومة ومؤسسات الدولة ، الرسمية وشبه الرسمية ( الاتحادات والنقابات المدجّنة )،
المرتزقة من شبيحة السيف وشبيحة القلم وشبيحة المال وشبيحة الدين وشبيحة السياسة،
التضليل الإعلامي والشعارات الكاذبة عن التصدي والممانعة ، ودعم المقاومة ،
6) حزب البعث ، الذي هو ــ تطبيقياً ــ ، وبمليونيه (!!) الإسم الحركي لحكم عائلة الأسد
7) الدعم الخارجي ، الظاهر والمستتر ، للنظام من قبل كل الذين يخشون أن يعود لسوريا
بعد سقوط نظام عائلة الأسد دورها القومي التقدمي المعروف ، وبالتالي أن يكون
البديل الديموقراطي لنظام الأسد ، قادراً على التفريق بين العدو والصديق .
6. لقد كانت تكلفة وقوع الثورة السورية بين المطرقة والسندان عالية جداًّ ، حيث طالت هذه التكلفة كلاًّ من البشر والشجر والحجر بل والحيوانات أيضاً ( مذبحة الحمير) ، ولكي لاأكرر الأرقام التي باتت معروفة للجميع ، أذكر فقط ماأورده تقرير الأمم المتحدة ( 22/08/ 2014 ) عن أن أرقام ضحايا النظام السوري ( عائلة الأسد ) قد بلغت حتى أفريل 2014 ( 191000 ) ضحية ( شهيد )، وهو مايعادل حسب منطوق التقرير الأممي أكثر من ضعف عدد الضحايا قبل عام واحد ، بل إن نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أردفت وهي تقدم التقرير أن رقم الـ 191000 هو أقل من الحقيقة . ويؤكد قول بيلاي الأخير هذا إحصاءات مركز دراسات الجمهورية الديموقراطية التابع للثورة السورية ، والتي تشير إلى أن عدد " جرائم النظام السوري من منتصف أذار 2011 ، وحتى 30 حزيران / يونيو 2014 " قد وصل إلى 234000 شهيد ،( 80 % منهم مدنيون ) ، بينهم 2450 فلسطينياً ، و15500 طفل ، و14600 امراة ، و19000 قضوا تحت التعذيب ".
وإذا كانت أرقام الضحايا متفاوتة زيادة و/ أو نقصاناً ، بين هذه الجهة أو تلك ، فلأن نظام بشار الأسد (وحماته المعروفون) كان طوال الأعوام الثلاثة التي أوشكت على الانقضاء من عمر الثورة ، يحمل البراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي بيد ، والكذب والتضليل الإعلامي ومحاولة حجب كل مايجري داخل سورية من انتهاكات ومذابح وجرائم ، ولاسيما مايتعلق بالأطفال والنساء ،عن الرأي العام العالمي ، باليد الأخرى.
رابعاً : أبرزمظاهر أزمة الثورة السورية ،
1. تعاني الثورة السورية داخلياً ، من تردد بعض الأقليات في الإلتحاق بالثورة ، وذلك نتيجة لتخويف بشار الأسد وأعوانه لها من إمكانية أن تأتي الديمقراطية التي تنادي بها الثورة، ببديل إسلامي ( الأكثرية ) يمكن ألاّ يتعامل معهم على أساس مبدأ " المواطنة " الذي يتساوى فيه الجميع أما م الدستور والقانون . ولاسيما بعد أن قدمت " داعش " النموذج المرعب عن الإسلام ، والذي لايمت برأينا للإسلام الذي يعرفه المسلم الحقيقي بصلة . إن كافة بيانات وأدبيات التيار الإسلامي المعتدل ،المنخرط في الثورة وفي المعارضة والتي أمكننا الاطلاع عليها ، تؤكد بصورة لالبس فيها ولا غموض ، على الالتزام بمبدأ المواطنة ، الذي يساوي بين جميع المواطنين أمام الدستور والقانون . بل إن أحد الأسباب الكامنة وراء قيام ثورات الربيع العربي كلها هو غياب الديموقراطية ومبدأ المواطنة في ظل أنظمة ماقبل هذا الربيع العربي ، فالمواطنة الحقّة لاتتناقض ( حسب فهمنا الخاص لمبادئ الإسلام ) لامع مبادئ الإسلام ولا مع شريعته .
إننا نذكّر هنا ، بأن المجتمعات البشرية كلها ، ومنها مجتمعنا السوري ، ليست كأسنان المشط ، ولكنها تطبيقيّاً كأصابع اليد، من حيث تفاوتها في الطول والعرض والحجم والوزن ، ولكنها تتضافر عملياً في تأدية وظيفة بيولوجية واحدة موحدة هي وظيفة اليد المعروفة للجميع ، والتي هي خاصية بشرية بصورة أساسية . إن مايعنيه هذا التشبيه من الناحية العملية ، هو أن كلاًّ من الأكثرية والأقلية ، لابد وأن يكون خاضعاً لحكم الدستور والقانون اللذين يساويان بين الجميع على أساس مبدأ المواطنة ،(اليد الواحدة) ، ولذلك فإنه من غير المقبول، أن تعلق بعض الأقليات ، موقفها من الثورة ، وبالتالي من صندوق الاقتراع ، على إقصاء الآخرين ، ( التيار الإسلامي المعتدل تحديداً )حتى في حالة الخلاف والاختلاف معهم سواء في التكتيك أو في الاسترتيجية. ولنا في قول الإمام الشافعي لمختلف معه في الرأي : ( إن رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب ) ، وأيضاً في قول فولتير لمختلف معه في الرأي أيضاً : ( إنني أخالفك الرأي ، ولكني مستعد أن أضحي بحياتي من أجل أن تقول رأيك بحرية ) أسوة حسنة .
إن كل من يرهن موافقته على الديموقراطية ، بهذا الشرط أو ذاك ، لايمكن أن يكون منطقيّاً وتطبيقيّاً ديموقراطياً حقيقياً ، ولا مناضلاً ثوريّاً ، ولا مؤمناً بحق الشعب في اختيار من يحكمه، إنه ببساطة إقصائي ،والإقصائية بكل صورها تعتبرــ بنظرنا ــ نقيضاً للديموقراطية ، بل إنها بصورة أو بأخرى شكل من أشكال الديكتاتورية .
2.. تعاني المعارضة السورية لنظام بشار الأسد ، سواء في إطار التحالف ، أو في إطار المجلس ، سواء في الداخل أو في الخارج ، سواء المعارضة المدنية أو العسكرية ، من خلل بنيوي ، ليس فقط في علاقاتها البينية ، وإنما أيضاً في علاقاتها الداخلية ( داخل المجموعة ذاتها ) ، مما أضعف فعالياتها ومواقفها سواء أمام النظام السوري الذي تعارضه ، أو أمام الرأي العام السوري والعربي والعالمي الذي من المفروض أنه يحتضنها ويقف إلى جانبها ضد النظام الذي تعارضه . وتعود الأسباب الأساسية لهذا الخلل البنيوي ـ من وجهة نظرنا ـ إلى :
ـــ الطابع التراكمي الكمي والكيفي لتشكل هذه المعارضة ، والذي بدأ بمرحلة الاستقلال الأولى، في ثلاثينات القرن الماضي ( الكتلة الوطنية ، وعصبة العمل القومي ) ثم استمرّ في مرحلة الاستقلال الثانية ، بعد 1946 ( جلاء الاستعمار الفرنسي ) ، وصولاً إلى حكم عائلة الأسد الذي بدأ رسميّاَ عام 1970، والذي ما يزال مستمرّاً حتى اليوم .
ـــ تسبب هذا الطابع التراكمي للمعارضة بوجود أزمة ثقة مزمنة بين مختلف أطراف وأجنحة هذه المعارضة ، ويرجع السبب في ذلك إلى أن بعض هذه الأطراف والأجنحة كان ذات يوم إما في السلطة ،أوجزءاً من السلطة ، ومارس إما بصورة مباشرة ، أو غير مباشرة اضهاد وإقصاء من كان معارضاً له آنذاك ، والذي هو الآن شريكه وزميله في معارضة نظام عائلة الأسد، وبالتالي فإن جميع أطراف وأجنحة هذه المعارضة تختزن في داخلها عدداً كبيراً من إشارات الاستفهام والتعجب والتوجس حيال بعضها بعضاً ، وبالتالي الخوف من أن تعود حليمة لعادتها القديمة بعد سقوط نظام عائلة الأسد ، أي في ( اليوم التالي the day after ) ،
ـــ التداخل بين بنية المجتمع وبنية الأحزاب السياسية التي تشكلت في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي ، الأمر الذي جعل من هذه الأحزاب ، وبالتالي من سلوك ممثليها في المعارضة ( سواء في المجلس أو في الإئتلاف ) انعكاسا بهذه الدرجة أو تلك ، من جهة ، للتركيب القبلي والعشائري والمذهبي والطائفي الغالب على المجتمع السوري ، ومن جهة أخرى ، لإشكالية الأقلية والأكثرية التي تعاني منها الثورة السورية اليوم ، هذا مع العلم أن الطابع الأقلياتي هو الطابع الغالب على الأحزاب العلمانية ، سواء على مستوى القيادات أوعلى مستوى القواعد ، وهو مايعتبر بنظرنا أمراً طبيعيّاً ومبرراً ، ذلك أن برامج هذه الأحزاب ، وأيديولوجياتها غالباً ما تشدد على مبدأ المواطنة الذي تتساوى فيه هذه الأقليات مع الأكثرية ، ولكن علمانية هذه الأحزاب غالباً ماتنطوي على ( وهذا أمر يؤسف له ) على جرثومة العداء للإسلام الذي هو دين الأكثرية الساحقة في المجتمع .
إن التفاف واتفاق كافة اطراف المعارضة السورية حول / على مبدا " المواطنة " إنما يمثل ـ من وجهة نظرنا ـ الطريق الأقصر والأسلم لانتصار ثورة الحرية والكرامة على نظام بشارالأسد الديكتاتوري الفاشي . ذلك أن مبدأ المواطنة ، يحول الطابع الديني لمفهوم الأقلية والأكثرية على شموليته ( إنما المؤمنون إخوة )إلى طابع سياسي أكثر شمولية ( إنما المواطنون إخوة ) محكوم ليس فقط بالتناقض بين هذه الأقليات ، وإنما بوحدتها أيضاً ( قانون وحدة وصراع المتضادات ) .
3. إن " الأقلية" بمختلف ألوانها وتسمياتها ( وفيما نعتبره قانوناً سوسيولوجياً ) ، إذا ماوصلت إلى السلطة ، بما هي أقلية ، وعن غير طريق الديموقراطية وصندوق الاقتراع ، فإنها لاتستطيع الاحتفاظ بهذه السلطة إلاّ بإلغاء الديموقراطية وصندوق الإقتراع ، وهو مايعتبر خرقاً واضحاً وصريحاً لمبدأ المساواة على أساس المواطنة ، وهو ماحدث ويحدث في سورية منذ الثامن من آذار عام 1963 بصورة عامة ، ومنذ عام 1970 على وجه الخصوص .
4. إن التداخل والتعارض بين العوامل الموضوعية والذاتية ، في عملية التغير الاجتماعي ، عادة مايترتب عليه تباين وتعارض في الرؤى السياسية والأيديولوجية سواء بين الأفراد أو بين الجماعات ، بما في ذلك بين الأكثرية والأقلية وداخل كل منهما ، وذلك بسبب التباين في زوايا النظر إلى الظواهر الاجتماعية ، الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى " التعددية " في الرؤى والمواقف ، وبالتالي الاجتهادات المتباينة ، المتعلقة بماضي وحاضرومستقبل الأمّة والثورة ، ولذلك فإن مانراه من " فوضى" البيانات والمؤتمرات والتصريحات والمواقف والأخطاء ، ينبغي ألاّ تخيفنا ، ولا سيما ، ان شعبنا وأن أحزابنا ، وبالتالي المعارضة قد عانت على مدى نصف قرن من الحكم الفردي الشمولى الذي لم يكن فيه مكان حتى للتنفس بحرية . إنه لأمر طبيعي ، أن نشهد مثل هذه الفوضى السياسية والفكرية والاجتماعية ، بل وأحياناً الأخلاقية ، بعد أن فتحت ثورة آذار المجيدة ، أمام الشعب السوري في الداخل والخارج أبواب تنفس الحرية على مصراعيها .
خامساً : المعارضة والمواقف المتباينة من النظام ،
1. تتكون المعارضة السورية لنظام عائلة الأسد ، من ستة تيارات هي : التيار الشعبي ، تيار الإسلام السياسي ، التيار القومي ، التيار اليساري ، التيار الليبرالي ، وتيار ثورة 15ــ 18 آذار.وهي تنقسم في موقفها من نظام بشار الأسد إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي:
قسم " الشعب يريد إسقاط النظام " وهو التيار السائد والغالب ، سواء في الداخل أو الخارج ، وهو يرفض الحوار مع النظام ولكنه مستعد للتفاوض معه فقط على رحيل بشاروإعادة السلطة لأصحابها الشرعيين( الشعب السوري )، قسم " الشعب يريد تصحيح المسار"، ولكن دون استبعاد الحوار والتعاون مع النظام ، من أجل أن يقوم النظام نفسه بإصلاحات سياسية ، تؤدي لاحقاً إلى إقامة مجتمع مدني ديموقراطي تعددي وتداولي ، أي تطبيقياً إلى سقوط نظام عائلة الأسد في نهاية المطاف ، وأخيراً قسم إصلاحي (مزدوج الولاء) يطالب بشار بأن يجري بنفسه إصلاحات سياسية تحول دون سقوط النظام بيد ( الآخرين !)، ولاسيما المتطرفين منهم ، بيد أن الحدود والأبواب مفتوحة بين هذه الأقسام الثلاثة ، وهي تسمح بالتنقل والتحرك من جماعة إلى آخرى بدون أية عوائق أو إشكالات ، ولا سيما أن لكلٍّ من هذه الأقسام الثلاثة ، ظاهر يتفق فيه مع الآخرين ، وباطن يحتفظ فيه لنفسه ، بل ويحاول إخفاءه عن الآخرين ، ولذلك فإن هذا الحراك بين الأقسام الثلاث ، لايؤثر كثيراً على الموقف الحقيقي لكل منها .
2. لقد كانت استراتيجية النظام ( عائلة الأسد ) ، هي جر الثورة السورية ، من جهة نحو التخلي عن طابعها السلمي واللجوء إلى العنف ( خطاب بشار الأول في 30/3/11 ، وأكذوبة العصابات المسلحة ) ومن جهة أخرى ، دفعها نحو الطائفية . حيث نشر شبيحته زوراً أن المتظاهرين يهتفون ( المسيحية عَ بيروت ، والعلوية عَ التابوت ) بيد أن وعي شباب الثورة وقادتها كانوا لتلك الاستراتيجية الخبيثة بالمرصاد ، حيث أخذت هتافات المتظاهربن تشدد أكثر فأكثر على سلمية الثورة ، وعلى وحدة الشعب ، وباءت أطروحات بشار وشبيحته عن " العصابات المسلحة " وعن " القاعدة " ، بالفشل الذريع ، بل وتحولت إلى نكتة للتسلية والضحك ، و عندما بدأت انشقاقات الجيش السوري الحر ، وكانت غالبية المنشقين من المسلمين السنة وتداخلت المعارضة المدنية مع المعارضة العسكرية ، وجد بشار الأسد ضالّته ، في استمرا ر الحديث الممجوج عن العصابات المسلحة ، ناسياً أو متناسياً ، أن العصابات المسلحة إن هي إلاّ تلك التي بلغت ضحا ياها تلك الأرقام المذهلة التي أوردناها أعلاه . إن الجندي أو ضابط الصف أو الضابط المنشق ، هو ـ برأينا ـ المواطن السوري الشريف الذي رفض إطلاق النار على أخيه وعلى أمه وأبيه ، إنه النقيض الحقيقي للعصابات المسلحة التي يطنطن بها كذباً وتدليساً بشار الأسد وأعوانه في الداخل والخارج ، على حد سواء . دون أن نغفل ــ بطبيعة الحال ـ الأخطاء المؤسفة التي اكتنفت الثورة ، قيادات وقواعد ، والتي وصلت في بعض الحالات حد التماهي مع الممارسات المدانة للنظام والتي قامت الثورة أساسا بسببها ،
3. لم يكن الهدف من المسرحية التي أُثيرت حول مؤتمر جنيف والتي كان
أبرز ممثليها بان كيمون ونبيل العربي كممثلين عن دول الفيتو الخمس ، هو حل الصراع الدموي بين النظام والمعارضة ، وإنما على العكس من ذلك تماماً ، هو استكشاف أشكال من التضليل السياسي ، سورياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً لإطالة هذا الصراع ماأمكن ، دون أن ينكشف دور هذه الدول الخمس ( دول الفيتو) في هذه الإطالة . ولهذا السبب ، لم نر أحداً يشد شعر رأسه أو يمزق ثيابه ، حزناً على وفاة المرحوم ( مؤتمر جنيف ) ، بمن فيهم الأخضر البراهيمي ، بل إن مارأيناه وما سمعناه من الدول العظمى المعنية وأتباعها هو " إنّا لجنيف وإنّا إليه راجعون " . إن ما يجب ألاّ يغيب عن عاقل فيما يتعلق بموضوع مؤتمر جنيف ، هو أنه ، لوكان المطلوب فعلاً هو حل الصراع الدموي بين المعارضة ونظام الأسد في هذا المؤتمر، لكان على " الدول العظمى " أن تفرض على بشار الأسد وقف عملياته الوحشية ( الطيران والصواريخ والبراميل) ضد المدنيين ، والإفراج عن المعتقلين والمعتقلات (بسبب علاقتهم بالحراك السلمي للثورة) ، كحد أدنى، قبل الذهاب إلى جنيف ، وذلك لكي يبدأ الحوار في جنيف حول المطالب الجوهرية للثورة ، وليس حول إطعام المحاصرين في حمص ، والإفراج عن بعض المعتقلات والمعتقلين ، والتي تعتبر من الأمور التي تدخل تحت مفهوم الحق المطلق للإنسان في الحياة ، وفي حرية
التعبيرعن رأيه ، وبالتالي فمن المفروض أنها لاتدخل في إطارأية مساومات سياسية .
4. إن رؤية بعض أطراف المعارضة ، في ضرورة الحوار مع النظام على طريق حل هذا الصراع الدموي، الذي دخل مرحلة الاستعصاء بالنسبة للطرفين ، إنما تنطوي برأينا على خللين أساسيين : الأول هو أن هذا الحوار واقعياً ذو بعد واحد ، وإن تمثيلية استعداد النظام للحوار مع بعض (!)أطراف المعارضة ، إن هو إلاّ نوع من التكتيك والمناورة الرخيصة ، التي ينبغي ألاّ تنطلي على أحد . إذ لو كان الأمر صحيحاً لظهر ذلك في مؤتمر جنيف ، الذي لم يلب النظام فيه مطلباً واحداً من مطالب المعارضة المشروعة ، بما في ذلك المطالب الإنسانية والأخلاقية (الإفراج عن النساء والأطفال) . نعم إن الحوار هو من أبجديات المصالحة الوطنية ، ولكن الحوار المجدي لابد وأن يكون بين طرفين مستعدين لسماع بعضهما بعضاً وهذا لايتأتى إلاّ إذا كان هذان المتحاوران متكافئي القوة (لاعدل إلاّ إن تعادلت القوى/أبو القاسم الشابي ) وهو أمر لم يكن متوفراً في مؤتمر جنيف . أما الخلل الثاني ، فيتمثل في أن المصالحة الوطنية تكون واردة فقط ،عندما تكون الثناقضات القائمة بين النظام والمعارضة هي من نوع التناقضات الثانوية وليس الرئيسية كما هي الحال مع نظام عائلة الأسد الطائفي الوراثي وغير الديموقراطي ، وخاصة بعد أن دمر معظم مدن وقرى سورية ، وقتل مئات الألوف وهجر الملايين . إنهما خللان جوهريان ، ولايستقيم معهما أي حوار مع مثل هذا النظام . إنني في الوقت الذي أؤكد فيه على ضرة احترام " الرأي الآخر " المختلف ، إلاّ أنني لاأستطيع أن أتسامح مع نظام همجي ، دونه همجية هولاكو ونيرون وموسوليني وهتلر، إنه نظام فاسد ومتعفّن من رأسه حتى أخمص قدميه ، والعضو الفاسد ينبغي أن يبتر قبل أن ينتشر فساده في كل أنحاء الجسم .
سادساً : إشكاليةالعلاقة بين العروبة و الإسلام ،
تجدر الإشارة فيما يتعلق بهذه الثلاثية إلى التداخل والتشابك بين كل من الانتماءات الكبيرة والانتماءات الصغيرة في المجتمعات . ففي سوريا مثلاً ، يتداخل الانتماء القومي العربي مع الانتماء الديني المسيحي ، ويتداخل الانتماء الديني الإسلامي مع الانتماء القومي الكردي والتركماني ، ويتداخل الانتماء الديني الكبير في كل من الدين الإسلامي والدين المسيحي مع الانتماءات الطائفية الصغيرة في كل من هاتين الديانتين . ولقد نجم عن هذه الشبكة المعقدة من التداخلات الاجتماعية ، إشكالية سياسية تداخلت فيها الانتماءات الكبيرة مع الانتماءات الفرعية ، ألا وهي إشكالية الأكثرية والأقلية التي سبقت الإشارة إليها ، والتي انعكست على مجمل الحياة السياسية في سورية منذ مطلع القرن الماضي وحتى هذه اللحظة ، والتي تجسدت بعد عام 1963 في الصراع بين معارضة يشكل العرب السنة عمودها الفقري ، ونظام أقلياتي تشكل الطائفة العلوية عموده الفقري ، أما مايكسو كل من هذين العمودين الفقريين من اللحم والدم والأعصاب وبقية مكونات الحياة ، فإنما يعود إلى كافة مكونات المجتمع السوري القومية والدينية والطائفية .
وهنا تجدر الإشارة أيضاً ، إلى أن طائفية " الأقليات " هي صناعة غربية بصورة أساسية وأن طائفية الأكثرية ( التي بدأت تظهر هذه الأيام )هي من صنع طائفية الأقليات ، ولاسيما طائفية الأقلية العلوية الحاكمة . إن كسر هذه الحلقة الطائفية المفرغة والخروج من شرنقتها يقتضي من كافة الأقليات ، وخاصة الأقلية العلوية ، أن يعرفوا أن سورية هي وطنهم ، وأن القومية العربية هي أمّهم ، وأن العرب المسلمين السنة هم أخوتهم في المواطنة ، وأن نظام عائلة الأسد الديكتاتوري الفاشي هو عدو كل
المواطنين الشرفاء من كل الطوائف ، والذين ينتمون جميعاً إلى " الوطن " قبل
انتمائهم إلى هذا الدين أو ذاك ، إلى هذه الطائفة أو تلك . وإن العروبة والإسلام
ومبدأ المواطنة، إنما تمثل المثلث الذهبي الذي يحمي ثورتنا ، ثورة الحرية
والكرامة، ثورة آذار2011 المجيدة ، من الانحراف ومن السقوط .
ختاماً : ،
وقعت بين يدي ، وفي إطار تحضيري لهذه المقالة ، رسالة مني إلى أحد طلابي يعود تاريخها إلى عام 1994 ، وكانت جواباً على سؤال له حول علاقتنا كعرب مع الغرب ، رأيت أن أقتطف منها بعض المقاطع التي ستكون موضوع هذه الفقرة الختامية ،
ــ إن مايجب أن نتعلمه نحن العرب والمسلمين من الغرب هو :
1) العلوم الطبيعية والدقيقة ،
2) التكنولوجيا والتصنيع المرتبط بتقدم هذه العلوم ،
3) رسوخ أسس المجتمع المدني ، ولا سيما : العلمانية و ضمورالولاءات التقليدية
( القبلية ، الطائفية ...الخ )و سيادة القانون المكتوب على الأعراف والتقاليد المرتبطة
بالمجتمع التقليدي ماقبل الصناعي .
ــ لقد أوقعنا الإعلام الغربي طوال القرن الماضي ، في فخ أكذوبة وجود تناقض جوهري بين كل من الإسلام والعروبة . والمطلوب اليوم تصحيح هذا الخلل التاريخي ، والنظر إلى ثنائية الإسلام والعروبة ، من زاوية التداخل والتكامل ، وليس من زاوية التعارض والتناقض ،
ـــ لقد بات العالم اليوم قرية واحدة ، مشرعة الأبواب لكل الأفكار والثقافات والتجارب والسلع ، ومالم نملك نحن العرب شيئاً خاصاً بنا نطرحه في سوق هذه القرية العالمية فسوف نظل عالة على الآخرين ، وتظل بالتالي صور الجياع والعراة وقطع الرؤوس
والرايات الوحيدة اللون ، في بلداننا من الأشياء التي تقدمها التلفزيونات الغربية كتسلية لمشاهديها ، قبل أن يأووا إلى فرشهم للنوم.