الحضارة الإسلامية
و مد جسور الحوار الحضاري
سها شريِّف
مفهوم حوار الحضارات
الحضارة أسمى العلائق الإنسانية المتثاقفة بالعدالة و المبادىء الأخلاقية و الثقافية و الجمالية .. و هكذا تكون الحضارة هي الجهد الذي يقدمه مجتمع من المجتمعات لخدمة المجتمع البشري في جميع نواحي حياته المعنوية والمادية.
و الثقافة هي الجانب المعنوي للحضارة، أي أنها تمثل القيم الثابتة والمبادئ الراسخة التي تقوم عليها الحضارة، وهذا يعني أن الجوانب الروحية والأخلاقية للحضارة مأخوذة ومكتسبة من الثقافة، فتكون الحضارة أوسع من الثقافة "(1)
أما التعدد و التنوع الثقافي فهو سنة كونية و ضرورة اجتماعية و تاريخية و ضمان للنهوض الإنساني و لإرتقاء الحياة . فإذا سلمنا بوجود التعددية و بكونها " الطور الأرقى في سلم تقدم الإنسان "(2) فلابد من التسليم بوجود اختلافات و تناقضات و تباينات في الأراء و المعتقدات و المصالح و المرجعيات الإيديولوجية . و لقد أصبح الإقرار بالتنوع الثقافي و حمايته قانوناً دولياً فقد جاء في المادة الأولى من إعلان مبادىء التعاون الثقافي الدولي : أن لكل ثقافة كرامة و قيمة يجب احترامها و المحافظة عليها و إن من حق كل شعب و من واجبه أن ينمي ثقافته , و إن جميع الثقافات تشكل , بما فيها من تنوع خصيب و تأثير متبادل ,جزءاً من التراث الذي يشترك في ملكيته البشر جميعا.
و بما أن الحضارة لا يدركها إلا الوعي بالمتغيرات الجمالية و الرقي بالأفكار و الأخلاق فإن الحضارات لا تتصارع بل تتحاور و تتلاقى للإرتقاء بمفهوم الحضارة بعيداً عن الجنس و اللون و المكان .
و العالم غني بثقافات القارات الخمس و الحوار الحضاري هو الصيغة المثلى لتعايشها و انسجامها . فتاريخ البشر سلسلة من التنقلات تقودها في عصر ما حضارة ما . و هكذا كان الإنتقال من الحضارة الفرعونية و الآشورية و الفينيقية إلى الحضارة اليونانية ثم الرومانية فالعربية – الإسلامية و الآن الحداثة الغربية . و لقد كان التاريخ مرهوناً بتنوع الثقافات و تفاعلها و اختلاف آرائها .
والإنسان مدني بطبعه لذلك لا بد له بالإلتقاء بالثقافات الأخرى و الإحتكاك معها فيؤثر و يتأثر بثقافة الآخر مع المحافظة على خصوصيته . و بدل من صراع الحضارات يصبح حتميا علينا في هذا الوقت الذي يموج فيه العالم في كثير من التحديات, أن ننشد إلى الكشف عن مضامين ثقافية مشتركة بين ثقافات هذه الأمم فيأتي هنا أهمية الحوار في بناء الحضارة الإنسانية المشتركة و التعايش السلمي الغني بالثقافات المتنوعة و التقارب بين وجهات النظر المتباينة.
و يعني مصطلح حوار الحضارات التشاور و التفاعل الإجتماعي و الثقافي و السياسي و التعاطي الإيجابي و الموضوعي و الفعال و التبادل التكنولوجي بين الشعوب و القدرة على التعامل مع جميع الآراء الثقافية و الدينية و السياسية . و الشعوب بحاجة ماسة للتقارب و تبادل الأفكار و لحوار إنساني متحضر و لتتمكن من مواكبة ما يحيط بها من متغيرات . و لضمان نجاح الحوار و التعايش يجب تغيير الصورة المغلوطة التي وضعت من قبل البعض لتنميط الإنسان العربي و يجب توضيح حقيقة الثقافة العربية و الحضارة العربية و الإسلامية و أبعادها الإنسانية و التقدمية المتحضرة .
أهداف الحوار:
و من أهم أهداف الحوار إزالة أسباب الإختلاف و الخصومة و القضاء على الفردية و الإنغلاق و بث روح الشراكة بين الثقافات و البحث عن الحقيقة و القضاء على التعصب . و يهدف الحوار للبحث المشترك عن فن العيش معاً و هو الطريق للتعارف و التواصل و لتبادل المعرفة و للتفاعل و مواكبة التغييرات و الوصول للرقي و التطور المستمر في جميع المجالات و لتحاشي آثار الصدام المؤلمة و المدمرة وويلات الصراع .
أما القائم بالحوار فيجب أن يكون ناقلاً أميناً و مثقفاً ليوصل مفاهيم ثقافته و حضارته إلى الحضارة الأخرى . كما علينا تشجيع الباحثين في الثقافتين كي يسهموا في تصحيح صورة العرب و المسلمين في الغرب عامة .
شروط الحوار :
ولا يتحقق حوار الحضارات و لن ينجح و يستمر مالم يحقق شروطه و هي الإعتراف بالآخر و بوجوده و بحقه في هذا الوجود و الإعتراف بالتعددية والخصوصية و بحق الآخر بالمحافظة على خصوصيته. فالحوار يقتضي تقارباً بين المتحاورين .و تعزيز الثقة في الهوية الثقافية
و الشرط الثاني هو التبادل الحضاري . فلكل طرف الحق في الدفاع عن رأيه و مناقشته و التعبير عن نفسه . فقيمة الحوار في تعرف كل طرف على الآخر و فهمه , و تبادل الخبرة و المعرفة ووسائل النمو .
و الشرط الثالث هو الثقافة بين المتحاورين والبعد عن التعصب و السيطرة و الهيمنة.
جسور و قنوات الحوار :
و لتسهيل أمر الحوار بين الحضارات لابد من وجود وسائل و قنوات و طرق تفتح باب الحوار و تحقق هدفه و من هذه القنوات أيضا ً تدريس اللغة الأجنبية و أدابها و هو وسيلة هامة للحوار و التواصل الثقافي في حقول البحث المختلفة . و اللغة تساعد على فهم ثقافة الآخر و المحاورة معه و يتم إدراج التواصل الثقافي في عملية التعلم و التعليم و الأداب . فاللغة عامل هام للتقارب بين الشعوب فهي حاضنة للثقافة و هي وسيلة للتأثير في العقل و الشعور و أداة الإفهام و التعبير ووعاء العلوم .
فقد تم افتتاح ( المعهد الأوروبي العالي للدراسات العربية ) لما للغة العربية من دور في بناء جسور الحوار والعلاقات البناءة مع شعوب أوروبا والعالم.
كما ظهر الاهتمام باللغة العربية في افتتاح الدول الكبرى لفضائيات ناطقة بالعربية بالإضافة إلى الصحف و المجلات كما هو الحال في الولايات المتحدة و بريطانية و روسية و ألمانيا و رومانيا و هذا لدور هذه اللغة في مسيرة البشرية .
و هناك على سبيل المثال قسم اللغة العربية بجامعة بوخاريست خرج عدد كبير من الطلاب من جنسيات مختلفة . و أكثريتهم من الجنسية الرومانية . و اطلع هؤلاء على الثقافة العربية من خلال تعلمهم للغة العربية و اتضحت لهم ثقافتنا على صورتها الصحيحة , فقام عدد كبير من المتخرجين بترجمة الأعمال الأدبية العربية إلى الرومانية . كما ألفوا كتبا ً عن الحضارة العربية ووضعوا كتباً لتعلم اللغة العربية ووضعوا قواميس و نشروا مقالات و بحوث و أعطوا الوجه الحضاري للعرب . وتعتبر مصر أول دولة في افريقية و الشرق الأوسط افتتحت قسماً لتدريس اللغة الصينية في جامعاتها كما تم إنشاء قسم للغة العربية في الجامعات الصينية و مؤسسي القسم كانوا من الصينين الذين درسوا في أزهر مصر . و كذلك أقامت الصين أول مركز ثقافي لها في إفريقيا و الشرق الأوسط بالقاهرة . و مصر أول دولة عربية افتتحت مكاتب لأجهزتها الإعلامية في الصين .
فاللغة هي مفتاح الثقافة و لتعارف الأمم و إدراكها لحضارات و ثقافات و تفكير الشعوب الأخرى .
و بتعلم اللغة يأتي دور الترجمة باعتبارها وسيطاً ثقافياً للتواصل الثقافي و إثراء للثقافات الأخرى .و يقول الأستاذ (عبده عبود) في محاضرة ألقاها في جامعة بون عن أهمية الترجمات الأدبية في حوار الحضارات : " الأدب هو مرآة المعطيات الإجتماعية و الحضارية للشعب و المجتمع و الثقافة فعندما تترجم الأعمال الأدبية من لغة أجنبية يتمكن قارىء هذه اللغة من أخذ انطباع عن المعطيات الإجتماعية و الحضارية عن شعب أو أمة غريبة . والترجمة أهم قنوات الحوار بين الحضارات ."
فالترجمة وسيطاً ثقافياً تنقل الوجه الحضاري الصحيح للأمة . و تفتح باب فهم معارف و تاريخ و ثقافة الطرف الآخر و التفاعل و الحوار معه . و لقد عرفت الخبرات الأجنبية المتخصصة بالأدب العربي الغنى الحضاري للعرب و صححت الصورة المشوهة التي زرعها البعض . و ساهمت الترجمة في نقل تراثنا الحضاري و في نقل حضارتنا العربية إلى العالم الغربي و زادت الروابط بين عالمنا و العالم الغربي .
فمنذ القرن الثاني للهجرة , في عهد الخليفة المنصور تقدمت الآداب و ترجمت المؤلفات الهندية واليونانية في الفلسفة و العلوم و تعددت المكاتب التي احتوت نفيس الكتب .
و لقد ساهمت في السابق مدرسة هارون الرشيد للترجمة في نقل حضارة الإغريق إلى العربية . و من ثم نقله الأوروبيون إلى لغاتهم .
فمنذ القرن الثاني عشر الميلادي ترجمت أهم المؤلفات العربية إلى اللاتينية سواء في ميدان العلوم الاجتماعية، كمؤلفات الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد أو في ميدان العلوم والطب كمؤلفات ابن الهيثم وجابر بن حيان والرازي والزهراوي وابن سينا وغيرهم... وظلت هذه المؤلفات وغيرها عمدة الدراسات الجامعية في أوروبة حتى القرن السابع عشر الميلادي.
و كان للعرب المسلمون دورهم في ترجمة و نقل الحضارات الشرقية، كالهندية والفارسية في ميادين العلوم والآداب والفنون إلى العربية ومن العربية إلى اللاتينية.
و كانت الكتب العربية المترجمة مرجعا هاما لأوروبة حيث يقول الباحث الفرنسي( غوستاف لو بون ) " إن الكتب العربية المترجمة كانت المرجع الوحيد للتعليم في جامعات فرنسا على امتداد أكثر من خمسة قرون "
و لقد أنشأ ( رفاعة رافع الطهطاوي ) مدرسة الألسن عام 1835 و قدمت هذه المدرسة الكثير من الترجمات من الفرنسية للعربية و بالعكس و ماتزال هذه المدرسة حتى يومنا هذا .
وكما كانت الترجمة و سيطاً لفتح باب الحوار و التعايش السلمي في السابق و هي الآن أيضاً .
من أهم المترجمين العرب:
و في ثقافتنا العربية أسماء رائدة و فاعلة في الترجمة و الحوار الحضاري و بالكشف عن الثراء الإنساني و التاريخي و الحضاري للأدب و الفكر العربي . فمثلاً على سبيل المثال لا الحصر الشاعر و الروائي و المترجم العالمي ( منير مزيد) حيث صدرت له أول أنطولوجيا للشعر العربي المعاصر و هي إثبات لهوية الثقافة العربية و أصدرها بثلاث لغات العربية و الإنجليزية و الرومانية . و لقد قام الشاعر منير مزيد الأردني من أصل فلسطيني المقيم في رومانية بإعداد هذه الأنطولوجيا و ترجمها بالتعاون مع الباحث و المترجم المعروف على المستوى العالمي (ماريوس كيلارو) و اشترك معهم بالترجمة الدكتور (عبد الستار الأسدي )و مترجمون أكفاء . و كان الشاعر منير مزيد بترجماته رسولاً بين حضارتين . حيث كانت الترجمة للأنطولوجيا ترجمة لثقافة العرب و حضاراتهم و لم لم تكن ترجمة للغة وحدها .
كما أنجز الشاعر( منير مزيد) أنطولوجيا القصة العربية و حالياً و أنطولوجيا الشعر الروماني و تم كل ذلك بثلاث لغات لمد جسور التواصل و التفاهم بين الحضارتين العربية و الغربية .
كما أصدر الشاعر منير مزيد كتاب ( حكايا مدينتين ) بثلاث لغات العربية و الإنجليزية و الرومانية , و هو عبارة عن قصيدتين ( دمشق معلقة الحب ) و ( بوخارست مدينة الشعر الأبدية ) . كما قام بترجمة ديوان شعر لسفير باكستان في رومانيا (سونا الله) إلى العربية و بثلاث لغات. و للشاعر منير مزيد كثير من الترجمات لإغناء رؤية كل من الثقافتين بالطرف الآخر , و لفتح آفاق أوسع لحوار ثقافي و حضاري بين الشعوب , فيطلع الغرب على ثقافتنا العربية المليئة بالخير و العدالة و السلام و البعيدة عن العنصرية و الظلم و التي لا تتنكر للتراث و لا تغمض عينها عن متطلبات اليوم .
وعلى سبيل المثال أيضاً هناك أنطولوجيا أخرى باللغة الإنجليزية تضم 83 شاعرة لشعر النساء العربيات أعدتها الشاعرة الفلسطينية الأصل و الأميركية الجنسية ( نتالي حنظل ) . كشفت هذه الأنطولوجيا عن موضوعات متعلقة بالثقافة العربية ووضحت صورتها . . كما كانت الترجمة لثقافة النص و خصائصه الحضارية و ليس للغته و حدها و أكدت الشاعرة حنظل بأن الشاعرات العربيات شجعن رؤية المستقبل مع الحفاظ على التراث و توجهن صوب التراث العالمي و تفاعلن مع الغرب .
أما الشاعرة الرومانية (دانييلا روديكا فيرانسكو )المقيمة بين ثقافتين كتبت قصائد بالعربية و أخرى بالرومانية و ترجمتها إلى العربية و لها كتاب بالرومانية ( أجمل من نفرتاري ...... مصر عندي ) و عند تحضيرها للدكتوراة في اللسانيات العربية ,أقامت الشاعرة في مصر و سورية و الأردن لتجمع مادتها للدكتوارة و عايشت تلك الثقافات عن قرب و اندمجت و تفاعلت معها و لها ترجمات من الأدب العربي إلى الرومانية و هكذا نقلت الصورة الصحيحة لثقافتنا بعد أن اطلعت عليها و فهمتها بشكل صحيح كما شاركت في مؤتمر ( الترجمة و حوار الحضارات ) .
و على سبيل المثال أيضاً الشاعرة و الكاتبة الرومانية (ليندا ماريا ياروس )اختارت الترجمة للتعريف بالأدب الروماني في الخارج و بالأدب المكتوب بالفرنسية في رومانية , لتقرب الثقافتين الرومانية و الأوروبية و تقول بأن الترجمة حياة مشتركة في حلم الثقافات .
و كان لكتاب الدكتور عبد الغفار مكاوي ( ثورة الشعر الحديث ) أهمية كبرى في ترجمتة في معظم الدول الأوروبية . و لكن للأسف ما يترجمه العرب في الزمن الحاضر لا يتجاوز ثلاثة بالمئة من الإنتاج الفكري و الثقافي العالمي بالرغم من أن الترجمة سبيل التواصل و التلاقح بين الثقافات .
و هناك مؤسسات ثقافية تلعب دوراً فاعلاً في عملية الحوار بين الحضارات مثل – على سبيل المثال لا الحصر (مؤسسة المنصور الثقافية للحوار بين الحضارات) , تهدف لترسيخ منهج الحوار و إنماء الثقافة و الفكر. يديرها الأستاذ الدكتور( عبد الملك منصور حسن المصعبي ) و لقد قامت المؤسسة بترجمة و تعريب بعض المواد المختارة و نشرها في موقعها الإلكتروني .
و هناك مؤسسة ثقافية سويسرية – عربية تعد سنويا مهرجان المتنبي في سويسرا هو الفعالية الثقافية الأهم لحوار الحضارات كما عده فرع اليونسكو في سويسرا. وتتوسع لغاته بين العربية والألمانية والفرنسية والإيطالية والإنجليزية والإسبانية والتركية.
و هناك مؤسسة آرت جيت ( ( Art gate مركزها في رومانية . و رئيس هذه المؤسسة الأديب و الشاعر و المترجم العالمي (منير مزيد) . و تهدف مؤسسته إلى إنشاء جسور بين العالم الإسلامي و العالم الغربي للوصول لتفاهم مشترك بين الشعوب من خلال إيمانه بالتقاء الحضارات لا بتصادمها و أن الثقافة هي إرث إنساني للعالم أجمع من خلال التفاعل مع الثقافات الأخرى و لأجل إحداث نهضة ثقافية تتجاوز الإيديولوجيات . و شعار مؤسسة آرت جيت ( ثقافة إنسانية للجميع ) .
كما أن هناك أيضاً جمعية الترجمة و حوار الثقافات ( ATIDA ) تعقد مؤتمراتها السنوية لتعزيز التواصل الثقافي و الترجمة .و هناك الكثير الكثير مما لا يتسع ذكرهم الآن .
و الإحتكاك المباشر مابين الثقافات يسهل أمر الحوار فمثلاً قد تطرح عبر لغة الموسيقى .مثل مؤسسة ( بي أم جي ) و مؤسسها (باسل الغلاييني) , هدفت هذه المؤسسة إلى مد جسور الحوار الحضاري بين الغرب و الشرق عبر لغة الموسيقى فاقامت في العاصمة البريطانية برنامج ( الفارابي كونشرتو ) في 15/11/2008 حفلاً موسيقياً يضم عرب و أجانب من أجل تأسيس أرضية صلبة تستوعب التنوع الحضاري للموسيقين و العازفين العرب و الأجانب على حد سواء و لمد الجسور بين الشرق و الغرب .
و كذلك الاحتكاك بين الثقافات اللقاءات الأدبية و التواصل المباشر مع أهل الثقافة الأخرى يعمق الفهم الصحيح لهذه الثقافة و يجدد الأفكار و يخلق صلات قوية بين الشعوب . فمثلاً الشاعر ( بيوراسك ) من السويد أنجز كتاباً بعنوان ( الشرق و الجمال ) بعد أن زار بفضل صديق فلسطيني لبنان و الضفة الغربية في فلسطين و زار سورية و كشف مكامن الجمال في بلادنا و تعرف على ثقافتنا و غناها . و صورتها الرائعة و نقلها لبلاده .
ووصفت الإذاعة النمساوية سورية بأنها بلد نموذجي في التسامح بين الأديان و الحضارة الإنسانية المتواصلة .
كما وصف الصحفي المجري المعروف ( جولت مايور ) سورية , بعد أن زارها بأن سورية بلد التسامح و الإرث الثقافي و مهد الديانات السماوية .
و للهجرة دور كبير في نقل الثقافة للآخرين و لقد قال الشاعر العالمي منير مزيد في حوار معه لجريدة العرب الإسبوعي :" الشاعر الحديث الأصيل شاعر غزير الثقافة ذو امتدادات عميقة ووارث الحضارات كلها و ثقافات الأمم . فالهجرة تساعد الشاعر على اكتساب تلك الخبرة و التفاعل مع الآخرين و الإطلاع على ثقافتهم ..... و الهجرة خدمتني و خدمت تجربتي " (3)
فاستقطب بذلك الشاعر منير مزيد اهتمام المثقفين الرومان و استطاع أن يوصل صورة رائعة و مشرقة و حضارية عن الثقافة العربية والإنسان العربي و مد جسور التواصل بين الحضارتين العربية و الغربية و لقد قال عنه الباحث و الشاعر (ماريوس كيلارو) في إحدى مقالاته عندما قرأ شعر منير مزيد :
" إن لمنير رسالة كونية و هي نبذ الكراهية بين الديانات " و توضح ما قاله مقطع من قصيدة لمنير يقول فيها :
الحب ديني
و الشعر لغتي
و ما بيني و بين الله يخصني
فإلهي يتفهم عذاباتي
ولقد أكد ( ماريوس كيلاور) أنه في كل مرة يقرأ قصائد منير مزيد يزداد حبه للشرق العربي .
الحضارة الاسلامية :
وللحضارة الاسلامية دوراً اً كبيراً في في بناء الحضارة الأوروبية. فالحضارة الإسلامية هي :" ما قدمه المجتمع الإسلامي للمجتمع البشري من قيم ومبادئ، في الجوانب الروحية والأخلاقية، فضلاً عما قدمه من منجزات واكتشافات واختراعات في الجوانب التطبيقية والتنظيمية "(4)
كما اتسمت الحضارة العربية الإسلامية بالشمول و الواقعية و التوازن .و كان أثرها على الحضارة الغربية في ميدان العقيدة و الدين و في ميدان التشريع و العلوم التطبيقية و في ميدان اللغة و الأدب و الفلك و الكيمياء و الجغرافية و الفنون و العمارة و الرياضيات . مثل ابتكار نظام الترقيم والصفر والنظام العشري، ونظرية التطور قبل "داروين" بمئات السنين، والدورة الدموية الصغرى قبل "هارفي" بأربعة قرون، والجاذبية والعلاقة بين الثقل والسرعة والمسافة قبل نيوتن بقرون متطاولة، وقياس سرعة الضوء وتقدير زوايا الانعكاس والانكسار، وتقدير محيط الأرض، وتحديد أبعاد الأجرام السماوية، وابتكار الآلات الفلكية، واكتشاف أعالي البحار، ووضع أسس علم الكيمياء.
و في الفلسفة تأثرت أوروبا بابن سينا و الفارابي و ابن رشد و تم نقل كتب ابن رشد إلى اللاتينية . أما في مجال الجغرافية فقد استفاد الأوروبيون من كتاب (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ) لشمس الدين المقدسي و (معجم البلدان) لياقوت الحموي و ( مروح الذهب ) للمسعودي . كما استفادوا من كتب عبد الله الإدريسي . أما في الرياضيات فقد اوجد الخوارزمي علم الجبر و استفادوا منه , حتى أن كلمة جبر دخلت إلى لغتهم و استفادوا أيضاً من كتب أبو الوفا البوزجاني و نصير الدين الطوسي و ثابت بن قرة و الخازن البصري و ابن الهيثم و البيروتي و البتاني .
وفي علم الفلك هناك أسماء كثيرة أثرت على الحضارة الغربية نذكر منها رائد علم الفلك( اسحق نور الدين البطروجي )ولد في المغرب و عاش بالأندلس و كان له أثر عظيم في العلوم الفلكية في الغرب في القرن الثالث عشر . و هو فلكي و فيلسوف و من أهم مؤلفاته كتاب (الحياة ) و الذي ترجمه (ميشيل سكوت )إلى اللاتينية كما تمت ترجمته إلى العبرية في القرن السادس عشر .
و ما زالت أجزاء من كتاب (الزيج الكبير الحاكمي) الذي ألفه الفلكي ( ابن يونس أبو الحسن علي بن أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري)، سنة 1007 في عدد من المكتبات العالمية مثل اكسفورد، وباريس، والاسكريال، وبرلين، والقاهرة.
و يعتبر قسطنطين الإفريقي أول مترجم أدخل العلم الاسلامي إلى أوروبا و هو من أصل عربي وولد بتونس و عاش بجنوب ايطالية و لقد ترجم أكثر من أربعين كتاباً منها الكتاب الملكي لعلي
و يعتبر كتاب(التصريف لمن عجز عن التأليف) الذي ترجم إلى اللاتينية للطبيب أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي ((Abulcassis دائرة معارف طبية تقع في ثلاثين جزءاً، وتقول زغريد هونكه )عن هذا الجزء من الكتاب: وقد لعب القسم الثالث من هذا الكتاب دوراً هاماً في أوربا إذ وضع أسس الجراحة الأوربية، فقد كان لهذا لكتاب أثراً كبيراً في النهضة الأوربية على مدى خمسة قرون، حيث كان يدرس في جامعات أوروبا، كما كان الجراحون الأوربيون يرجعون إليه ويقتبسون منه.
و هكذا فقد انتشرت الثقافة العربية الإسلامية في العالم الغربي، ونهل علماء أوروبا من المصادر العربية الأصلية، ووجدوا أنها تراثٌ علميٌّ عظيمٌ. ويقول سيديو: "كان المسلمون في القرون الوسطى منفردين في العلم والفلسفة والفنون، وقد نشروهما أينما حلت أقدامهم، وتسربت منهم إلى أوروبا، فكانوا هم سبباً في نهضتها وارتقائها)".5)
"ويؤكد كثير من الباحثين أن "لوثر" في حركته الإصلاحية كان متأثراً بما قرأه عن العلماء المسلمين من آراء في العقيدة والوحي، وقد كانت الجامعات الأوروبية في عصره لا تزال تعتمد على كتب العلماء"(6)
و من أوائل الكتب التي ترجمت في عهد نابليون في مصر للفقه المالكي إلى الفرنسية ( كتاب الخليل ) الذي يعتبر نواة القانون المدني الفرنسي الذي جاء متشابهاً إلى حد كبير مع أحكام الفقه المالكي .
و مازال العرب المسلمون يساهمون في الإختراعات لغاية يومنا هذا نذكر منهم الدكتور اليمني (خالد عوض نشوان) و الذي حصل على الذهبية من هيئة كوندي العلمية المجرية عن اختراعه جهاز لتوسيع الأوعية الدموية الذي يمثل نقلة كبيرة في مجال الطب.
و هناك أيضا على سبيل المثال لا الحصر الدكتور السوري (علي بشير بطحة ) فقد اخترع جهاز يعالج تدفق البول الحالبي باستخدام الأمواج فوق الصوتية
كما أن هناك الدكتورة العاشقة للتراث العربي الاسلامي الباحثة السعودية ( حياة سندي )هي أول امرأة عربية تحصل على الدكتوراه في التقنية الحيوية من جامعة كامبردج العالمية، و ساهمت في اختراع مجس للموجات الصوتية والمغناطيسية يمكنه تحديد الدواء المطلوب لجسم الإنسان. و هذا الجهاز يكشف المراحل الأولى لمرض السكري
و نذكر أيضاً المهندس (محمود سمير فايد) و مشروعه العالمي البرمجة بدون كود الذي أحدث ثورة في عالم الكومبيوتر.
ولقد اتسعت الحضارة العربية الاسلامية لكل الشعوب و الأعراف و القوميات لإيمان المسلمين بالرسالات السماوية السابقة و تجاوزهم لما بينهم و بين باقي الأديان من اختلافات عقائدية و احترامهم لحرية التعبير و المعتقد و ايمانهم بالمجتمع التعددي الذي يحترم العقائد و الإنتماءات و يحقق العيش المشترك .
لذلك كان للإسلام دوراً في تعزيز الحوار بين الحضارات . فالدين الإسلامي هو المؤسس لثقافة الحوار و الإعتراف بالآخر فالحوار منهج قرآني و سنة نبوية تبعها الأنبياء في التواصل مع أقوامهم . و كان الحوار من أهم النوافذ التي أطل بها المسلمون على العالم .
فالرسول "محمداً صلى الله عليه وسلم جاء مصدقاً لما بين يديه من التوراة والإنجيل ومتمماً لمكارم الأخلاق، والقرآن الكريم مدرسة للحوار الصريح في مختلف مستويات الحوار (يا أيها الناس، يا أيها الذين آمنوا، يا أهل الكتاب، يا أيها الكافرون... إلخ)، بل إن القرآن الكريم يسمي الكفر ديناً (لكم دينكم ولي دين). وفي هذه التسمية احترام كبير لحرية الاعتقاد، و لقد خاطب الله نبيه قائلاً " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن "
و يقول الله تعالى في سورة الحجرات : "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم .إن الله عليم خبير "(7)
و التعارف هنا التفاعل المعرفي و التثاقف . و قد حاور الرسول محمد صلى الله عليه و سلم المشركين و كذلك جعفر بن أبي طالب رضي الله حاور النجاشي و أساقفته فآثر في النجاشي و حاشيته بقوة حجته و أبكاهم و أقنعهم بقضية المهاجرن
فعقيدة المسلم لا تكتمل إلا إذا آمن بالرسل جميعاً . و لا يعني الحوار بين الحضارات التنازل عن الثوابت الدينية و إنما يعني التعاون على ما فيه خير الإنسانية و حماية حقوق الإنسان التي جاءت بها كل الشرائع السماوية .
و لقد عاشت حضارة الإسلام في اسبانيا نحو ثمانية قرون و تلك الحضارة الإنسانية لم تزل بصماتها قائمة إلى الآن و كان اليهود المسيحون يعيشون في ظل حضارة الإسلام و الحكم الإسلامي . وهذا أكبر دليل على ان الحكم الإسلامي يتميز بالسماحة و احترام خصوصية الأمم الأخرى . ففي الأندلس عاشت اسبانية في سلام و أمان و أقر أهلها بأن العرب بارعون في فنون السلم كبراعتهم في فنون الحرب و تأسست جامعة قرطبة العظيمة و توارد إليها علماء الفرنجة يطلبون العلم عند علماء المسلمين . و من قاصيديها رجل ارتقى فيما بعد كرسي البابوية وهو ( سلفستر الثاني ) و كان قد تلقى في البداية العلم عند أساتذة عرب و أوصى في كتبه بدرس اللغة العربية .
و لقد كتب على برج جيرالدا في اشبيلية و هو منارة المسجد العظيم السابق ( مكرس للأبدية ) بفضل تداخل الثقافة العربية بالثقافات الأخرى من أجل الإستمرار و الديمومة . و كان ييتس يقول في حضور أصدقائه " وددت لو أرحل إلى الشرق فأعيش فيه و أدفن فيه , فالحكمة هناك "
فالمترجم الإيطالي (جيراد ) ترجم من العربية إلى اللاتينية . ولد في كريمونة في لومبارديا بإيطاليا عام 1114م وعندما حضر إلى طليطلة انبهر بما شاهده من تقدم عل أيدي المسلمين، فعكف على دراسة العربية ثم أخذ يترجم إلى اللاتينية ، ولذلك ترجم العديد من الكتب، منها: كتاب «القانون في الطب» لابن سينا، وكتاب «الحاوي» للرازي، والمقالة الثلاثين من كتاب «التصريف» للزهراوي.
أما في صقلية التي حكمها المسلمون من القرن الثالث إلى القرن الخامس الهجري، فقد انتشرت فيها مظاهر الحضارة الاسلامية . واستمرت العلاقات الثقافية بين المسلمين واهل صقلية بعد ذلك .كما وتبقي المساجد والاثار الاسلامية في الهند شاهدا على حضارة قديمة وعريقة اصبح معظم مبانيها ارثا تاريخيا بقيت صامدة رغم الظروف والتقلبات الدينية التي واجهتها الهند.
و يقول أول رئيس وزارء للهند بعد استقلالها ( جواهر لال نهرو ) :" فاقت أخلاق نبي الإسلام كل الحدود و نحن نعتبره قدوة لكل مصلح يود أن يسير بالعالم إلى سلام حقيقي ."
وعن طريق الحروب الصليبية التقى الغربيون بالمسلمين، فنقلوا عنهم نباتات عرفوها لأول مرة وتعلموا بعض الصناعات العربية مثل صناعة الورق والصابون
فالإسلام قائم على أساس من القيم الروحية الرفيعة و الإسلام دين حضا ري يعترف بأن التباين بين البشر سنة كونية و لقد أوصى الإسلام بمعاملة من يعيشون تحت سلطانه معاملة طيبة و حمى أموالهم و أعراضهم . فرسالة الإسلام رحمة حيث قال الله تعالى : " و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " (8)
فالإسلام استطاع أن يترك بصماته داخل أوروبا لتستفيد منه الثقافة والحضارة الغربية في مجالات عدة كانت السبب في التقدم والرقي الذي وصلت إليه اليوم.
و التلاقح بين الحضارات يتمخض عن مجتمع جديد تتدفق فيه ألوان الحضارة . فتتلاقى الشعوب و بانفتاحها تثري بعضها بعضاً طبعا مع المحافظة على الخصوصية و الإستفادة من تجارب الآخرين طالما الهدف خدمة الإنسانية .
من أهم المستشرقين و المؤرخين
و نشهد اليوم عدد من المؤتمرات و الدراسات التي تبحث عن تعزيز قيم التسامح و التعايش بين الشعوب و تدعوا للعودة لحوار الأديان
و هناك كثير من المستشرقين و المؤرخين الدارسين لثقافتنا العربية الإسلامية قد أشادوا بالحضارة الإسلامية .
و يقول ( أوغست كونت ) إن عبقرية الإسلام و قدرته الروحية لا يتناقضان البتة مع العقل كما هو الحال في الأديان الأخرى . بل و لا يتناقضان مع الفلسفة الوصفية نفسها ."(9)
و الكاتب المبدع (تولستوي ) اعترف بما في الثقافة العربية و التراث العربي من قيم إنسانية عالية و فكر راق و تعاطف مع أحاديث الرسول محمد صلى الله علية و سلم و ألف كتاباً اسماه ( حكم النبي محمد ) و نقله إلى العربية ( سليم قبعين ) و الكتاب ترجمة لأحاديث نبوية ترجمها تولستوي مع الإنجليزية إلى الروسية عن كتاب ألفه الكاتب الهندي ( عبد الله السهروري ) و نقل الأحاديث من العربية إلى الإنجليزية . و دفعه لهذا حسب رأيه تحامل جمعيات المبشرين في قازان على الدين الإسلامي و قدموا صورة مشوهة عن الثقافة العربية الإسلامية .
أما " شبرل" عميد كلية الحقوق بجامعة "فيينا"، فيقول في مؤتمر الحقوق سنة 1927 :
" إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) إليها ، إذ رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً؛ أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون ؛ لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة "(10).
أما الشاعرة الهندية (ساروجني ندو ) Sarojini Naidu فتقول عن الإسلام :
" يعتبر الإسلام أول الأديان مناديًا ومطبقاً للديمقراطية، وتبدأ هذه الديمقراطية في المسجد خمس مرات في اليوم الواحد عندما ينادى للصلاة، ويسجد القروي والملك جنب لجنب اعترافًا بأن الله أكبر.. ما أدهشني هو هذه الوحدة غير القابلة للتقسيم والتي جعلت من كل رجل بشكل تلقائي أخًا للآخر".
و يقول العلامة برتلي سانت هيلر الألماني مستشرق ألماني ولد في درسدن 1793 ـ 1884 في كتابه ( الشرقيون وعقائدهم) ) كان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة.)
في حديث لجريدة " ينج إنديا " YOUNG INDIA تكلم (مهاتما غاندي) فيه عن صفات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ) :
" أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة"
و كذلك الكاتب الروماني ( كريستيان تاماش ) الذي يكتب و يترجم بثمان لغات أجنبية ,قدم نظرة علمية عن الإنسان المسلم . و قال إن الإسلام لا يعني التطرف بل الإسلام يعني الثقافة و الحضارة و الحوار . و حاول كريستيان تاماش في كتاباته إبراز دور و أثر الحضارة الإسلامية في رقي الإنسانية . و في حفل عرض كتابه ( استراتيجيات التواصل مع القرآن ) حضر جمهور كبير من الرومانيين- الشعب المنفتح باتجاه الشعوب و الثقافات الأخرى – كما حضرحفل عرض الكتاب ممثلين من سفارات بعض الدول العربية و الإسلامية . و حضر أيضاً سفير المملكة العربية السعودية و الملحق الثقافي في السفارة السورية .
و هناك ايضاً مستشرقون درسوا عن قرب الحضارة العربية الإسلامية و حاولوا تقريب وجهات النظر بين العالم العربي الإسلامي و العالم الغربي . فمثلاً المستعرب الروماني و المترجم و الباحث ( جورج غريغوري ) قام بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الرومانية ’ كما نشر بحوثاً عن القرآن و الإسلام و عن اللهجات العربية في مجلات صادرة في كل من العراق و الأردن وبولونية و بريطانية العظمى و الولايات المتحدة الاميركية و ليبيا . و من تراجمه من اللغة العربية إلى اللغة الرومانية
- القرآن الكريم ( Coranul)
- الغزالي , مشكاة الأنوار ( Firidi Luminilor )
- ابن طفيل , حي بن يقظان (Hayy bin Yaqzan
- العين الداخلية – الألوهية في المنظور الإسلامي
Ochiul lăuntric – perspective islamice asupra divinităţii
اما الشاعرة الرومانية ( دانييلا روديكا فيرانسكو ) فقد أسست سلسلة خاصة تدعى ( المكتبة الإسلامية ) في إحدى دور النشر في بوخاريست و يعود الفضل الكامل في تأسيس هذه السلسلة إلى الباحث جورج غريغوري المتخصص في الدراسات القرآنية بجامعة بوخاريست . و أكدت الشاعرة دانييلا في حوار معها عن هذه السلسة : " إن الكتب الصادرة في السلسلة المعنية تخدم و تسهل دراسة الفكر و الإبداع الإسلامي في رومانية ." (11)
فبالإضافة إلى أنهم عرّفوا القارىء الروماني بأصحاب الفكر الديني و الاسلامي و الفلسفي في الإسلام ,و شرحوا أيضاً فكرة التصوف بالإسلام بسبب الإقبال الكبير على قراءة نصوص المتصوفين و السبب الأهم هو حسبما قالت الشاعرة دانييلا : " لأن التصوف بموجب فكره الروحي و الفكري و الفلسفي و عمق تساؤلاته جسراً قويا يقصر المسافة بين الثقافة الإسلامية و الثقافة الأوروبية و فضاءً خاصاً تلتقي فيه الاسئلة الكبرى حول الوجود الإلهي و الإنساني .........فالتجاوب الفكري بين ( سبينوزا ) و ( ابن عربي ) -و بفضل الثاني على الأول طبعاً –هو إنموذج لهذا الفضاء السامي المنفتح نحو الآخر و نحو أسمى التساؤلات الكامنة في ضمير الكائن الإنساني مهما كانت ديانته ." ( 12)
إن الرسالات الإلهية و الفلسفات الوصفية تمتلك من المشترك العام ما يدعوا للتمسك بفضائل الأخلاق . و التنوع بين الشعوب يقتضي تعارفهم و تعاونهم لما فيه خير الإنسانية . و الحوار العالمي يجب أن يجتمع على الإتفاق على القواسم المشتركة التي تنادي بها جميع الأديان.
فازدهار أي حضارة يرتبط بمدى قدرتها على التفاعل مع الحضارات الأخرى و الإعتراف بها و تفهم ثقافة الشوب الأخرى .
حملات ضد العرب و الاسلام تعكر صفو الحوار
و لكن في الآونة الأخيرة اشتدت حملة على العرب و الإسلام مما عكر أجواء الحوار . فمثلاً بيتر غالبرت قال في كتابه ( نهاية العراق ) أن بوش في الأنبار يحاول بناء أمة لم تكن موجودة . فهل تناسى هذاالكاتب و بخبث تاريخ العراق و أهله في إطار تاريخ أمتنا العربية و الإسلامية . و لكن هنا السؤآل كيف يكون الحوار المتوازن و الهادف مع هؤلاء الذين يلغون انتمائنا و تاريخنا ووجودنا بغطرسة الجهل . فأمثال هؤلاء لا يجدي معهم لا حوار و لا موعظة . و لكن يرى المنصف المرزوقي ان هناك ثلاثة مستويات من الغرب : "غرب الأنظمة و هوقبيح , لنا الحق في مواجهته لأن غرب الاستعمار في السابق و غرب دعم الديكتاتوريات في الحاضر. و غرب القيم و التكنولوجيا و علينا ان نتعلم منه كما تعلم منا . و هناك غرب المجتمعات المدنية و هذا غرب حليف لنا و صديق و من الغباء وضعه في السلة ذاتها مع غرب الأنظمة ."(13)
فالحضارة مشرقة و عظيمة و في نمو مستمر و الأعظم منها هو الذكاء الإنساني الذي صنع الحضارة ,و هذا الذكاء الإنساني بأن يأخذ من ثقافات العالم المعاصر أصلح و أفضل ما فيها من قيم و أفكارر و مبادىء و آداب تتفق مع ثوابت أمتنا و تنسجم مع قيمها و يفتح باب الحوار لتعزز القيم بما فيها صالح الإنسانية جمعاء و للعيش بسلام .
و هكذا فثقافتنا جميلة و الأجمل منها الروح الشرقية العربية التي تحييها لما فيه خير الإنسانية جمعاء.
و الإستقرار الدولي هو نتيجة حتمية للتعايش السلمي كفكرة و كممارسة . و إذا أراد المجتمع الدولي الحفاظ على شرعية القانون الذي يحكم الأفراد و الجماعات و الحكومات فإن ضرورة العيش بسلام تفرض التعايش السلمي لما فيه مستقبل و خير البشرية .
كما يحتاج العالم إلى مزيد من الحوار من أجل التفاهم و لمنع وقوع الصدام بين الحضارات , و على هيئة الأمم المتحدة القيام بواجبها في مواجهة ثقافة الكراهية و الصدام التي تقوض الأمن و السلام العالمي و تهدد التعايش السلمي بين الشعوب .
فالحضارات في تفاعل و تلاقح مع بعضها البعض و لا تتحضر الشعوب إلا بفتح أبواب اللقاء بين الحضارات و الإستفادة من كل جديد بعد غربلته و صهره فيتدفق النور و يتوهج العالم بأسره .
المراجع
(1) خليل عماد الدين – مدخل إلى التاريخ و الحضارة الإسلامية – كوالالمبور . الجامعة الإسلامية العالمية ص 287
(2) حوار الحضارات – محمد سعيد ياقوت
(3) الميداني – عبد الرحمن حسن حبنكة . أسس الحضارة الإسلامية ووسائلها ص 13
(4) ( جريدة العرب الإسبوعي عدد 12/4/2008 – ص 25)
(5) مصطفى سباعي من روائع حضارتنا – بيروت المكتب الإسلامي ص . 52
(6) أبو زيد شلبي – تاريخ الحضارة الإسلامية و الفكر الإسلامي ص . 379
(7) سرة الحجرات
(8) (سورة الأنبياء 107 )
(9) رشدي فكار : نظرات إسلامية للإنسان و المجتمع خلال القرن الرابع عشر الهجري . ص 32
(10) حوار الحضارات لمحمد سعد ياقوت ص 12
(11) ( مجلة أخبار الأدب 4/يوليو 2004 عدد 573)
(12) ( مجلة أخبار الادب 4/يوليو 2004 عدد 573 )
(13) مجلة المعرفة – عدد 533 – شباط 2008 – مقالة بعنوان التثاقف عبر التباين الحضاري للدكتور خير الدين عبد الرحمن