المعلم أولاً وأخيراً
د. بلال كمال رشيد
ما كان للمعلم أن يكون موضوعَ إنشاءٍ وهو الذي يُنشيءُ أُمّة ، ما كان له أن يكون موضوعَ رأيٍّ ووجهة نظر آنيّة وهو مَوْضع احترامٍ وتبجيلٍ دائمٍ ، ما كان له أن يكون موضوع خلافٍ واختلافٍ وهو الذي يَحترمُ الآراءَ المختلفةَ ويقف عندها مناقشاً ومقارناً ومقارباً لينتهي إلى رأيِّ إجماعٍ لا إلى رأيِّ نزاع ، وما كان له أن يُطالب بحقٍ منزوعٍ وهو أَولى بأن يُعطى ويُكرم ما أشرقتْ شمس وفُتِح بابُ مدرسةٍ أو جامعةٍ أو كتاب .
من أَولى من المعلم بالتكريم ؟؟!!
وهو الذي علّم كلَّ ذي علمٍ ،وكلَّ ذي مهنة، بل كلَّ من لهج بالحياة ، فصادقَ الصغيرَ والكبيرَ ، وكان الأب والأم والباني والصانع والمدير ، اهتم بنا عقلاً وجسماً وروحاً ، كبرنا أمام عينيه وعلى يديه ، و نِلنا أسبابَ الحياة والغنى ، وبقي هو حيث هو ، يُمارس الدور نفسه ، يُعلم جيلاً وجيلاً ، في مكانٍ محدودٍ ومع راتبٍ قاصرٍ معدود ، يُواجه غلاء الحياة وغربةَ من علّم ، وتتطور الحياة وتعلو
كلَّ المهن على مهنته ، ونُشددُ حين نُشدد على مهمته ، فماذا قدمنا له وقد نال الهمُّ منْ هِمتهِ ؟؟
كانت مهنةُ المعلم من أجلِّ المهن وأفضلها عندما كان المجتمع أُمياً ، أو ليس الأَولى أنْ يتقدم دور المعلم وأهل العلم عندما يصبح المجتمع متعلماً ؟؟!!
كيف نتباهى بأننا قضينا على الأُميّة ، وبأننا مجتمع متعلم مثقف ، والمعلم والعالِم خلف الصفوف ينظرون إلى الأبناء نظرة اعتزاز وتباهٍ بهم ، أفلا ينظر الأبناءُ إلى آبائهم نظرة اعتزازٍ وتعزيز ؟؟!!
في اليابان –وما أدراك ما اليابان – يُحكى بأن راتب المعلم فيها من أعلى الرواتب ، فكانت نهضتها التي ما أنكرها مُنكِرٌ ، فكان المعلم هو الأساس وهو كذلك إن ربطنا الأسبابَ بالنتائج ، فراحةُ المعلم راحةٌ للمجتمع كلّه ، وقوةُ المعلم ورُقيّه عنوانُ المجتمعِ أبداً .
دعمُ المعلم أَولى من دعم التلفاز وتغذية الضرائب المتعددة الأخرى ، المعلم أفضلُ استثمار لكلِّ بيتٍ ولكلِّ الدولة ، ولو كان الأمر كذلك لوجدنا الرغبة في المهن التعليمية ، ولكن الأمر على غير ذلك فكان العزوف عن المهن التعليمية ، ولم يَعُدْ أحدٌ يطرقُ بابَها إلا عاجزٌ أو عابسٌ أو بائسٌ فكيف لهذا أن ينهلَ عِلماً ؟؟ وأنّى له أن يُعطي إنْ رغبَ في العطاء ؟!!
كيف للطلبة والأبناء أن يتجرأوا ويُحاربوا الآباء المعلمين على لقمة العيشِ وكرامته ؟!
كيف لهم أن ينظروا إلى بعض المعلمين الكسالى ويُعمموا على بقية المعلمين ؟! والفساد والخمول موجودٌ في كلِّ القطاعات ، كيف يُنادون بتحسين رواتبهم ويشكون الغلاء ويستكثرون ذلك على المعلمين ؟؟!!
المعلم منّا وفينا ، هو أُستاذنا جميعاً ، وعلينا أن نسعى جميعاً إلى راحته مادياً ونفسياً ومعنوياً ، بذلك نُكرم أنفسنا ، ونُكرم أبناءنا ، ونُكرم دولتنا ونتقدم ، فمنْ نَشَدَ القوةَ وسعى إليها وجدها في قوة المعلم وتحصيل الطالب وتكاثف المجتمع ، المعلم هو القائد والرائد ، وهو النائب الدائم ، وهو المبتدأ والمنتهى ، وهو أَولى الأولويات ، فلنُعدْ النظرَ إليه لا بالتبجبيل والكلام الجميل ، لِنُعدْ له مكانته التي يستحق ، هو أهل العطاء وهو يستحق عطاءَ تكريمٍ لا عطاءَ استجداء .
المعلمُ مَعْلَمُ الدولة وعنوانها ، وجديرٌ بالدولة وبكلٍّ المؤسسات والشركات أنْ تعمل على تعزيز شأنه ، وتحقيق شؤونه ، وهو الأب الأعلى والأغلى الذي يستحق كرمَ الأبناءِ لا جحود الأبناء.