التقليد في العقيدتين الصوفية والصفوية
التقليد في العقيدتين
الصوفية والصفوية
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
ذكر محمد كرد علي" التقليد وما أدراك ما التقليد التقليد؟ إنه قيد الأحرار وسجن العقول وهادم الأفكار وعدو الشرائع ومبيد الأمم وجيش الاستعباد". (مجلة المقتبس 40/50). ووصف عبد المؤمن الاصفهاني المقلد بقوله" ما المقلد إلا جمل مخشوش، له عمل مغشوش، قصاراه لوح منقوش، يقتنع بظواهر الكلمات، ولا يعرف النور من الظلمات، يركض خيول الخيال، في ظلال الضلال، شغله نقل النقل، عن نخبة العقل، واقنعه رواية الرواية عن در الدراية، يروي في الدين عن شيخ هم، كمن بقود أعمى في ليل مدلهم". (اطباق الذهب).
يؤمن الصفويون والصوفيون بضرورة وجود المرجع والشيخ الذي يقلده الأتباع، وجعلوا من هؤلاء أوصياءا على المسلمين، يأمرون وينهون كيفما شاءوا. وأسبغوا عليهم جمهرة من الألقاب لم يحمل الرسول(ص) مثلها أو مايوازيها صفة وعددا. في الصفوية توجد مرتبة روح الله وآية الله وحجة الله، وعند الصوفية القطب والغوث. ثم وضعوا سلما بالمراتب كالاستاذ والمريد في التصوف والمرجع والمقلد في الامامية. والمريد والمقلد يمشون بتوجيهات أسيادهم دون أن يكون لهم حق المعارضة وحتى المناقشة! فإرادتهم مسلوبة، لإنهم يعلمونهم بأن طاعة الشيخ هي طاعة الله وغضبه هو غضب الله! فالمراجع والشيخ نوابا للربٌ. وأصبح للقطب والمرجع قدسية كبيرة عند العوام حيث تُلتمس منه البركة والمغفرة والرضا والشفاء والثواب. ولم تقتصر القدسية على الأحياء منهم فحسب بل الأموات أيضا! فالأئمة والأقطاب لهم قدسية مفرطة عند أتباعهم. فزيارة قبر الأئمة تعتبر بركة ورحمة، حتى الله جل جلاله يزور قبورهم كما يدعي الصفويون. كذلك يشد الرحال مئات الالوف من الناس لزيارة ضريح السيد البدوي والشاذلي ملتمسين البركة منهم . وفي الوقت الذي يقلد فيه أتباع المتصوفة الشيخ الكيلاني والرفاعي والنقشبندي والكسنزاني وغيرهم في العراق، يقلد المصريون السيد البدوي والشاذلي وغيرهم في مصر فإن أتباع الصفوية يقلدون المراجع العليا كالسيستاني والخامنئي والحائري وهم من إيران.
ولم يقتصر الأمر على الطاعة فحسب بل إمتد الى الشرك بالله من خلال القسم بالأئمة والشيوخ، وقد نهى الرسول(ص) عن الحلف بغير الله" من كان حالفا فليحلِف بالله او ليصمت". فالصفوين يقسمون بفاطمة الزهراء والأئمة. ويذكر السيد محمد الشيرازي في كتابه( العباس والعصمة الصغرى) عن مشاهداته في كربلاء شدة الخوف من القسم بالعباس" فبعضهم يهون عليه الحلف بالله سبحانه تعالى على الحلف بالعباس". وأتباع الصوفية يحلفون بالشيخ الكيلاني والسيد البدوي والمرسي ابو العباس والعدوي. يقول الكيلاني " من استغاث بي في كربة كشفت عنه. ومن ناداني في شدة فرجت عنه، ومن توسل بيٌ في حاجة قضيت له". (للمزيد راجع كتاب الطرق الصوفية وإنتشار البدع/ د. احمد عبد الكريم نجيب). وتطور الأمر الى إعتبار مخاليفم من المنحرفين، من ثم تكفير من يخالف توجهاتهم. يذكر محمد الرضوي" لو أن أدعياء الاسلام والسُّنّة أحبوا أهل البيت عليهم السلام لاتبعوهم ولما أخذوا أحكام دينهم عن المنحرفين عنهم كأبي حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل". (كذبوا على الشيعة/279). يذكر نعمة الله الجزائري" أقول هذا يكشف لك عن أمور كثيرة منها بطلان عبادة المخالفين وذلك انهم وإن صاموا وصلوا وحجوا وزكوا وأتوا من العبادات والطاعات وزادوا على غيرهم إلا انهم آتوا إلى الله تعالى من غير الأبواب التي أُمروا بالدخول منها... وقد جعلوا المذاهب الأربعة وسائط وأبواب بينهم وبين ربهم وأخذوا الأحكام عنهم وهم أخذوها عن القياسات والآراء والاجتهاد الذي نهى الله عن اخذ الأحكام عنها، وطعن عليهم من دخل في الدين منها". (قصص الأنبياء/347).
من الجدير بالإشارة إنه رغم وجود المذاهب المعروفة عند أهل السنة، لكنهم أصحابها لا يمثلون مرجعا وحيد لهم، فالليص بن سعد عاصر مالك وإعتبره الشافعي أفقه من مالك، وكان سفيان الثوري في العراق بفقه يوازي فقه أبي حنيفه وأعتبره الغزالي الفقيه الخامس، وكذلك في الشام برع الإمام الأوزاعي، علاوة على عطاء بن سعيد وطاووس ومطحوب والزهري والشعبي وإبن سيرين والعشرات غيرهم. وهؤلاء الفقهاء على خلاف أئمة الشيعة فعم لم يدعوا العصمة، وإمكا كانوا يؤمنون بأن من أفتى صوابا له أجرين، ومن أخطأ له أجر واحد، لذا تراهم يختلفون في العديد من المسائل، حتى ان مذهب الشافعي في العراق يختلف عن مذهبه في مصر. وعندما يرى الإمام بأن هناك رأيا فقهيا أرجح من رأيه، كان يتنازل عنه ويأخذ بالأصوب. وهذا ما عبر عنه الشافعي بقوله "إذا صح الحديث بخلاف قولي فاضربوا بقولي الحائط، وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فهي قولي". وكذلك قوله الرائع" رأيي صواب، يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ، يحتمل الصواب".
المثير في الأمر إن الأئمة من أهل السنة نهوا المسلمين عن تقليدهم، وهذا ما عبر عنه الشافعي بقوله حسبما أورده إبن القيم"مثل الذي يطلب العلم بلا حجة، كمثل حاطب ليل، يحمل حزمة حطب وفيه أفعى، تلدغه وهو لا يدري". وقول أبو حنيفه عن الأئمة" هم رجال ونحن رجال". كما ذكر الإمام أحمد"لا تقلدني ولا تقلد مالكًا ولا الثوري ولا الأوزاعي، وخذ من حيث هم أخذوا". وقال أبو يوسف: "لا يحل لأحد أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا". (اعلام الموقعين2/139). المصادر الرئيسة عند أهل السنة هي القرآن أولا وتليه السنة النبوية وأخيرا آراء الفقهاء المبنية على الحجة دون أن تكون ملزمة، لذلك غالبا ما ان يختم الفقهاء رأيهم الفقهي بعبارة(والله أعلم). تيمنا بما جاء في سورة النساء/59(( (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)).
قال الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام" لم يزل الناس يسألون من اتفق من العلماء من غير تقييد بمذهب". بل أن بعض العلماء حرم التقليد كإبن حزم "إن التقليد حرام، ولا يحل لأحد أن يأخذ قول أحد غير رسول الله(ص) بلا برهان"، وفقا لما جاء في سورة الأعراف/3 ((اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء)). وفي قول أحمد"لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوريّ وخذ من حيث أخذوا".
لكن الأمر يختلف عند المتصوفة والصفويين، كما نلاحظ.
الصفويون يعتبرون أئمتهم معصومين وهذا يعني بالنتيجة الأخذ بأرائهم رغم إن معظمها متناقضة! حيث يذك ر محمد رضا المظفر " عقيدتنا في المجتهد الجامع للشروط أنه نائب للإمام في حال غيبته، وهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للإمام في الفصل في القضايا، والحكومة بين الناس، والراد عليه راد على الله تعالى، وهو على حد الشرك بالله". ويذكر علي شريعتي" في التشيّع الصفوي فيتعين على المرء أن يكون تابعاً ومقلداً أعمى في جميع الأمور والمجالات !(الروحاني ) الذي يعيّن –عبر الفتاوى التي يصدرها على نحو دساتير مقتضبة وقاطعة – كل ما يتعلق بأفكار الناس وعقائدهم وأحاسيسهم وأمزجتهم وطبيعة حياتهم الفردية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية والتربوية". (التشيع العلوي والتشيع الصفوي). الأئمة عند الصفويين هم كالرسل بل أعظم مرتبة منهم مما يستوجب طاعتهم، ليس على البشر فحسب وإنما على كل الكائنات الحية والجماد والملائكة، ولم يستثنٌ من هذه القاعدة الشاذة سوى الذات الإلهية! "الأئمة كالرسل، قولهم قول الله، وأمرهم أمر الله وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، ولا ينطقون إلا عن الله وعن وحيه". (الاعتقادات لابن بابويه).فهم (كلمات الله)! كما في قوله تعالى في سورة يونس/46 ((لا تبديل لكلمات الله)). (للمزيد راجع تفسير القمي).
ويحدثنا الطبري(الصفوي وليس صاحب التأريخ الشهور)بأن" أن طاعة الأئمة مفروضة أيضاً على كل مخلوقات الله من الجن والأنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة" (كتاب دلائل النبوة)". ويزيد المجلسي في البحار" لم يخلق الله آدم وينفخ فيه من روحه إلا بولاية علي، ولا كلم الله موسى تكليما إلا بولاية علي. ولا أقام الله عيسى آية للعالمين إلا بالخضوع لعلي". ولم يوضح لنا لماذا الإمام علي دون غيره شُمل بهذا التخصيص الإلهي؟ ونُسب للإمام علي القول" أنا الواجب له من الله الطاعة.أنا سر الله المخزون أنا العالم بما كان وما يكون". (إحقاق الحق للمرعشي22/351) ويذكر القمي بأنه" من خالف الإمامية في شيء من أمور الدين كمن خالفهم في كل أمور الدين" (الاعتقادات لابن بابوية/116). وإن" طاعة الأئمة واجبة حتى الكائنات الجامدة من سموات وأراضي وكواكب". (بحار الأنوار25/341). ونسب الكليني للإمام الرضا القول" الناس عبيد لنا في الطاعة". كما ورد في( غيبة الطوسي/16 ومختصر البصائر/14) بأنه خلال المنازعة بين الإمامين زين العابدين وعمه محمد بن الحنفية على الإمامة اتفقا على أن يكون الحجر الأسود الحكم بينهما" فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله بلسان عربي فصيح قائل: اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي(ع) إلى علي بن الحسين بن علي، إبن فاطمة بنت رسول الله"! سبحان الله القاضي حجارة! ولا نعرف لماذا اشار الحجر الى أن أمه فاطمة التي لاحاجة لذكرها؟ والأدهى منها في النزاع على الإمامة بين زيد بن الحسن والباقر حيث كان الحكم بينهما هذه المرة(سكين ناطقة) " فقد وثبت من يد زيد على الأرض، ثم قالت: يا زيد أنت ظالم! محمد أحق بك وأولى". وحذرته بقوة" ولئن لن تكف لألين قتلك". (الاختصاص للشيخ المفيد/210). حجر يقاضي وسكينة إرهابية وقحة تهدد بالقتل! كأننا نرى الرسوم المتحركة وليس سيرة أئمة.
حول مصطلح التقليد عند الشيعة يذكر محمد مهدي شمس الدين" مصطلح تقليد ومصطلح مرجعية هذان المصطلحان وما يرادفهما ويناسبهما غير موجودين في أي نص شرعي، وإنما هما مستحدثان، وليس لهما أساس من حيث كونهما تعبيران يدلان على مؤسسة تقليد هي مؤسسة ومرجعية هي مرجعية التقليد، يعني مؤسسة من حيث كونهما اثنين لمؤسسة، ليس لهما من الأخبار والآثار فضلاً عن الكتاب والكريم علماً ولا أثراً. كل ما هو موجود بالنسبة لمادة قلّد خبر ضعيف لا قيمة له من الناحية الاستنباطية إطلاقاً، وهو المرسل الشهير عن أبي الحسن، عن أبي محمد الحسن العسكري (رض)، ومتداول على ألسنة الناس: من كان من الفقهاء صائناً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه. مادة قلّد موجود فقط بهذا النص، ولكن لا يعتمد عليه إطلاقاً. هذا تقليد، ومقلّد ومُقلّد لا أساس له. ومرجع لا أساس له". (المرجعية والتقليد عند الشيعة/ محاضرة ألقيت في ذكرى مقتل محمد باقر الصدر عام 1994).
وفيما يتعلق بالصوفية
يذكر السهروردي" لا بد للمريد من شيخ مرشد الى الحق يرشده، ويلقنه الذكر، ويلقي في روعه النور"،كتاب(عوارف المعارف). وزعم بعضهم أن" المعترض علي الشيخ متعرض لعطبه وهلاكه". (الغنية للجيلاني2/188). وقالوا" تكون مثل الميت بين يدي الغاسل، وقالوا: عقوق الأساتذة لا توبة له، وقالوا: من قال لأستاذه: لماذا؟ لا يفلح أبداً. وحال هؤلاء". (الاستغاثة في الرد على البكري1/426). قال ابن كثير" فالجهلة من الأحبار والرهبان ومشايخ الضلال يدخلون في هذا الذم". ( تفسير ابن كثير1/378). كما يذكر ذون النون المصري بأن" طاعة مريد شيخه فوق طاعته ربٌه" ( تذكرة الأولياء 1/171) فالشيخ أصبح أعلى منزلة من الله. ويذكر الشعراني" في أدب المريد مع شيخه فيلازمه ويصبر عليه ويحبه ويسلم له حاله ولا يعترض عليه، ولا يتزوج إلا بإذنه، ولا يكتمه شيئا ولا يقول له: لا" (كتاب الأنوار القدسية). ويضيف الكمشخانوي" من شرط المريد أن لا يكون بقلبه إعتراض على شيخه"( كتاب جامع الاصول/ الكمشخانوي/2). ويذكر الشعراني عن آداب المريدين بأن الشيخ" إذا مد يده لكم لتقبلوها، فقبلوا رجله".(الطبقات الكبرى/141). ويذكر الشيخ يوسف العجمي(الأنوار القدسية2/36) بأن" من أدب المريد أن يقف عند كلام شيخه ولا يأوله، وليفعل ما أمره به شيخه وإن ظهر أن شيخه أخطأ"! هل هذا أدب أم قلة أدب؟ اليس من الأجدى أن ينبه شيخه على خطئه بدلا من أن يتركه على عماه؟ وينقل شيخ الأزهر عبد الحليم محمود عن الشيخ الدردير قوله في أدب المريد" أن لا يعترض على أي شيء فعله شيخه ولو كان في ظاهره كفر، وإذا قال له وهو صائم أفطر! وجب عليه الفطر"! ( كتاب سيدي أحمد الدردير لشيخ الازهر عبد الحليم محمود/119).عجبا لشيخ الأزهر فهو يتجاهل قاعدة إيمانية صارمة تتمثل بحديث النبي(ص)" السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية. فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". (صحيح البخاري/2735). فإذا كان شيخ الأزهر يذكر القول بلا تعليق فلا عتب على الآخرين.
يذكر إبن عجيبة" نحن مطالبون بالتصديق للشيوخ في كل ما نطقوا به، فهم ورثة الأنبياء".( إيقاظ الهمم في شرح الحكم/27). ويذكر القشيري بأن الشيوخ قالوا" عقوق الأستاذين لا توبة عنها".( الرسالة القشيرية2/633). إذن الله تعالى يغفر للعبد ويقبل توبته والشيخ الصوفي لايقبلها! ولشهاب الدين السهروردي رأي أدهى" اذا دخل المريد الصادق تحت حكم الشيخ وصحبته وتأدب بأدبه، يسري من باطن الشيخ حال الى باطن المريد كسراج يقتبس من سراج، وكلام الشيخ يلقح باطن المريد". المسألة تحولت الى تلقيح! ومحذرا المريدين من مخالفة شيوخهم ومعارضتهم لأنه" السم القاتل للمريدين". (عواف المعارف/93). وينقل القشيري عن الشيخ عبد القادر الكيلاني القول" الواجب علي المريد ترك مخالفة شيخه في الظاهر، وترك الإعتراض عليه في الباطن، فصاحب العصيان بظاهره تارك لأدبه. وصاحب الإعتراض بسره متعرض لعطبه، بل يكون خصما على نفسه لشيخه".( الرسالة القشيرية2/732). أما تاج الدين السبكي فيحدثنا بسوء نتيجة عدم الطاعة" ما رأينا أحدا مبتلى بالإنكار إلا وكانت خاتمته خاتمة سوء".( الأنوار القدسية في بيان آداب العبودية1/126). ويوجه الشعراني المريدين" إلزم الأدب مع الذاكرين وغيرهم، فهو في الحقيقة أدب مع الله تعالى".( الطبقات الكبري1/188). ويذكر إبن عربي: ما حرمة الشيخ إلا حرمة الله فـقــم بـــها أدبــــــا لله بالله.
هــم الأدلاء والقربى تؤيدهم علـى الدلالــة تأييدا على الله
كالأنبياء تراهم في محاربهم لا يسألون مـن الله سـوى الله
فإن بدا منهم حــال تولٌهــهم عن الشريعة فأتركهم مع الله
فالكبريت الأحمر لا يرى حرجا من إتباعهم حتى لو ضلوا، لأن شأنهم مع الله. ولكن اليس الشرع يقول لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؟ أليس العقل هو حجة الله على عباده ويحاسبهم عليه؟ وقد تضن الذكر الحكيم إشارات واضحة حول ألا يعقلون؟ ألا يعلمون؟ لدينا عقل هو هبة من الله نميز به الخير عن الشر، والإيمان عن الضلال. فلا طاعة للشيوخ والأقطاب وآيات الله وحججه إن حادوا عن الطريق القويم هكذا علمنا الإسلام.
ومن الجدير بالذكر إن الطاعة العمياء لأتباع المراجع والمشايخ تعتبر أمضى سلاح بيد الطامعين لذا كان الإستعمار القديم يتحرك بشكل فعال على المراجع والمشايخ لكسب ودهم وإستمالتهم لصفهم، لأنهم يدركون جيدا مدى تأثيرهم المغناطيسي على أتباعهم سيما العوام، فكسب شيخ أو مرجع ديني لصف المحتل يضمن تجميد قوى وطنية تبلغ الآلاف واحيانا الملايين من المواطنين. وهذا ما حصل في العراق عندما جند الامريكان والانكليز السيد السيستاني لخدمة مشاريعهم الاستعمارية فتعطلت لغة الجهاد وأرتفع صوت التخاذل والاستسلام. وسنناقش هذا الموضع في مبحث مستقل بعنوان الجهاد في المنظور الصفوي والصوفي.
ويوضح الشعراني بأن محبة وطاعة الشيخ من قبل أتباعه تعني محبة الأشياء من أجله، او كرهها من أجله. وينطبق نفس الشيء على طاعة المراجع من قبل أتباعهم. فقد روجوا بأن منفعتهم منهم حتى لو أخطأوا أكبر من منفعة الفرد في صواب نفسه! كذلك يدعي بعض الشيوخ والمراجع بأنهم معصومون أو هم أعرف من غيرهم بشرع الله وسواء السبيل، وهذا يعني لا يجوز الخروج عن طاعتهم لأنها تعني الخروج عن طاعة الله! واصبحوا بذلك لا يقلون نفوذا عن القادة العسكرين أمام جنودهم!