قانون التغيير الرباني

د. خالد أحمد الشنتوت *

[email protected]

نشرت أخبار الشرق موضوعاً للأخت هبة الله عنوانه ( رجال آمنوا بقضيتهم ) ذكرت فيه عدداً من ثورات العالم التي كتب لها النجاح ، وكأنها عزت سبب النجاح إلى القائد ، فذكرت مانديلا ، وماو تسي تونغ ، وكاسترو ، وغيرهم من قادة الثروات ....

وملاحظتي على الفكرة أن الكاتبة تعطي معظم الدور في نجاح الثورة للقائد ، ولاشك أن للقائد دور هام لكن ليس كل ذلك  ، وأخالفها في المبالغة بدور القائد ، فمهما كان القائد فذاً وعظيماً لايستطيع ذلك لولا مجموعة من الأفذاذ تحت قيادته ، يترجمون خططه إلى أعمال وأفعال ... لأن هذا قانون رباني ( سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً ) .

وأنطلق من قانون التغيير الرباني { إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } ، وكما شرح المفسرون أن في الآية تغييران الأول يقوم به القوم وهو تغيير الأنفس ، والثاني يأت به الله عزوجل وهو تغيير حال القوم ...

ولاشك أن القائد الفذ هبـة من الله ، يهبـه عزوجل لمن تأهل لذلك ، للشعب الذي صار فيه مجموعة كبيرة من الأفذاذ بحاجة لهذا القائد كي يحقق الله عزوجل قدره فيهم .... كي تتحقق ( سنة الله ) ...

وأمثلة التاريخ كثيرة وأولها سيدنا رسول الله أعظم قائد في التاريخ ، بل هو الإنسان الكامل ، ومع ذلك أعطاه الله عزوجل ( المدينة ) ليقيم فيها المجتمع المسلم الأول ، بعد أن صار عنده ثلــة من الأولين ( المهاجرين ) الذين صمدوا أمام كبرياء قريش ، وهاجروا مرتين إلى الحبشة ، وتحملوا في سبيل الله عزوجل العذاب والجوع في حصار الشعب بمكة المكرمة .... وكذلك ثلة من الأنصار الذين تبؤوا الدار والإيمان يحبون من هاجر إليهم ولايجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة ....

هذه الثلة من الأولين ( المهاجرون والأنصار ) هم الأفذاذ الذين ترجموا القرآن الكريم الذي أنزله الله على محمد  صلى الله عليه وسلم ( خطة القائد ) ترجموها إلى واقع عملي ملموس ...

كذلك من يقرأ كتاب الدكتور ماجد عرسان الكيلاني ( هكذا ظهر جيل صلاح الدين ) يفهم منه أن صلاح الدين الأيوبي يرحمه الله لـم يكن ليحقق ذلك النصر العظيم لولا الجيل الذي رباه العلماء ومنهم عبد القادر الجيلاني وأمثاله ، حتى صارت الساحات الشعبية تكتظ بالمتدربين على الفروسية والرمي والقتال في كل مكان ....

وهذا افهمه من ماقاله الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما سأله أحدهم لماذا لاتكون مثل عمر بن الخطاب فقال : (( لأن عمر كان خليفة علي وعلى أمثالي ، وأنا خليفة عليك وعلى أمثالك )) ...

وأذكر بالمناسبة حلقات فقه التغيير التي كتبها الدكتور خالد الأحمد ، التي كانت تركز على ضرورة تغيير أنفسنا ، وتخليصها من الأنانية وأولادها الفردية والإقليمية والعشائرية ....وحب الدنيا .... وتغيير الأنفس شرط ضروري لتغيير حال القوم ، وهذا قانون رباني ...

أي أننا إذا أردنا القائد الذي يقودنا نحو النصر ، يجب أن نغير أنفسنا ، نطهرها من الأنانية وأفراخها حب الدنيا والفردية ....وعندئذ نكون ثلة مؤمنة ، يقودنا القائد المؤمن إلى النصر ...وما النصر إلا من عند الله ...

اللهم وفقنا إلى ماتحبه وترضاه لنا ...

              

    *دكتوراه في التربية