الجامعات العراقية والمسلك التراجيدي للمعرفة

د.محمد سالم سعد الله

الجامعات العراقية والمسلك التراجيدي للمعرفة

د.محمد سالم سعد الله

أستاذ الفلسفة والمنطق والفقه الحضاري / جامعة الموصل

[email protected]

يتجه الوعي المؤسساتي إلى تنظيم خبراته وفقا لأجندة علمية دأب على رسمها ثلة من المختصين والمبدعين في حقول مختلفة منهجها تحديد الركائز الأولى في تنظيم المسيرة العلمية وغرضها إيجاد السبل الكفيلة بدفع النتاج المعرفي وهدفها تحويل الظاهرة إلى تعليل وتفعيل السلوكيات عن طريق التحليل وإذا كان المشروع المؤسساتي للجامعة ينطلق من الثوابت السابقة فإن دور الجامعة لن يؤطر بصيغ مدونة ومثالية لا تجد لها صدى إلا في فضاء الكتابة فدور الجامعة دور بنائي أولا من خلال بناء الهرم العلمي القائم بمهمة النهوض بالمجتمع ولها دور تفاعلي ثانيا من خلال الدخول في فعاليات المجتمع ومؤسساته فضلا عن دورها الريادي في صياغة عقول متفتحة تدعو إلى احتضان المعرفة وتطوير العلم وبناء قيم الإنسان وفقا لمبادىء الحرية التي من المفترض أن يكون متمتعا بها .

إن القناعة بدور الجامعة ـ بوصفها إمبراطورية علمية شعارها العلم للجميع ـ الريادي في قيادة المجتمع وبناء أسسه المعرفية والعلمية تقود إلى مفهوم تحقيق الفكر التنويري وتسند لنفسها مهمة إيجاد الحلول للمشاكل القائمة ثم تحفيز البنية النفسية للأفراد عن طريق المشاركة في الجهد المبذول فيها .

لقد آلت الجامعة العراقية على نفسها ـ ومنذ تأسيسها ـ أن تجعل العالم المتسع برامج واقعية محققة في أروقتها مبتدئة بتحقيق غايتها من تحرير العقل ، ومنطلقة من البراءة من كل فعالية تسهم في تأخير مسيرتها ، وقد كانت النتيجة كوادر علمية مفعمة بالحيوية ، وتخصصات شتى أسهمت بشكل أو بآخر في دفع عجلة الحركة العلمية العالمية إلى الأمام .

إن للجامعة العراقية دورا قياديا ومهما الآن نظرا للظروف التي يمر بها بلدنا الحبيب ، ولكي تنهض الجامعة بدورها القيادي كما كانت بالأمس ، عليها أن تعيد ترتيب أولوياتها ومحاولة رسم الأطر التي تسهم في استحضار العقل وعدم القول بتغييبه فضلا عن سعيها في ضم الاصالة والحداثة ، قيم الموروث وقيم المعاصرة ، ومد جسور الحوار العلمي والبناء بين الماضي والحاضر ، وتسهم في الإنتاج العلمي العالمي الذي يأخذ بمتطلبات المصلحة العقلية والسياسية والاقتصادية ، بوصفها المعبِّر الحقيقي عن الوعي الاجتماعي والشعبي والثقافي السائد ، وهي الجسر الأساسي في تحقيق الإصلاح في المجتمع المدني .    

ويمكننا رسم بعض الخطوط العريضة التي تضمن نوعا من فاعلية العمل في سبيل التطوير والتحديث والانفتاح والتواصل والتكوين وترتيب النظام الهيكلي والتنظيمي للجامعات العراقية ، وهي على النحو آلاتي :

المسلك الأول : بناء الترتيب الداخلي .

المسلك الثاني : بناء الترتيب الخارجي .

*  تتضمن خطوات البناء الداخلي ما يأتي :

1.  هيكلة الكليات والأقسام بما يتيح فرصة للنهوض بها ، ويتأتى ذلك عن طريق تعيين أساتذة يتمتعون بكفاءة علمية وأخلاقية وسمعة طيبة ورصيد أكاديمي ممن يشار إليهم بالبنان .

2.    تطوير الكليات والأقسام عن طريق تحفيزها بحثّ المنتسبين لها بالاشتغال بالجانب البحثي كلّ حسب تخصصه .

3.  دعم المشاريع العلمية الجادة والرصينة ، التي تمتلك حقّ البقاء في ساحة العمل الأكاديمي المعرفي ومكافأة أصحابها وتشجيعهم .

4.    متابعة العناصر الفاسدة أو غير العلمية ومحاولة توجيه إنذار لهم أولاً ، ثم الطرد أو الفصل ثانياً . 

5.  إعلاء شأن بعض الأقسام التي تُركت مهمشة في المرحلة الماضية لعدم اتساقها مع الجانب الفكري السابق ، ومحاولة إعادة الكوادر التدريسية فيها كأقسام الفلسفة وقسم الاجتماع أو الدراسات الاجتماعية وأقسام اللغة العربية .

6.  العمل على فتح أقسام جديدة تكون الحاجة إليها ملحة في جامعاتنا العراقية ، ووجودها أو إقامتها يعد ضرورة علمية وعالمية ، كأقسام اللغات المختلفة : الألماني والعبري والأسباني والروسي والصيني ، وتوفير الكوادر المناسبة لذلك .

7.  العمل على تنظيم مسابقات إبداعية ذات جوائز مالية مغرية للأبحاث الرصينة ، تشمل الأساتذة أصحاب الرُتب العلمية : ( مدرس ، أستاذ مساعد ، أستاذ ) ، وإقامة حفل كبير بمناسبة ذلك . 

8.  إقامة مسابقات إبداعية لطلبة الجامعة في شتى التخصصات ، على أن يمتاز الفائز بميزات قيّمة إداريا أو مستقبليا ، فضلا عن جوائز مالية مغرية .

9.  الإعلاء من شأن مقاعد الدراسات العليا ، وقبول طلبة الدراسات العليا ، وفقا لشروط علمية صارمة تعمل على غربلة المتقدمين لتبقي الجيد وتطرح غير ذلك .

10.  إقامة خطة رصينة للتعامل مع الشباب المتعين في مختلف نواحي الجامعة ، الذين وقفت خلفهم جهات متعددة غير علمية ، وكانت السبب في تعيينهم ليس لمؤهلاتهم العلمية ، وإنما تلبية لنوازعهم الشخصية ، ونقترح إجراء اختبارات علمية صارمة كما يحصل في الجامعات العالمية ، وتكون الاختبارات خالية من ( المجاملات والوساطات ) ، والمعيّن الذي لا يستطيع اجتيازها يُبعد عن وظيفته .

11.  تطوير المكتبات بشكل فوري وضروري ، والعمل على فتح قنوات علمية للاشتراك في دور النشر والمجلات المُحكّمة العلمية ، وفي جميع التخصصات ، ومحاولة رفد المكتبة الأكاديمية العراقية بكلّ ما هو جديد ومفيد .

12.  الاهتمام بحدائق الجامعات ، وتحويلها من المستنقعات الكئيبة إلى جنان تستمع بها الأنظار ، وتفرح برؤيتها القلوب .

13.   حثّ الطلبة والمنتسبين للجامعة على مراعاة الجوانب الخُلقية والعرفية ، والابتعاد عن تداول كلّ ما يخلُّ بالآداب داخل الحرم الجامعي ، وعدم حمل الأسلحة واللآلات الجارحة .

14.   حثّ الأساتذة الأفاضل على رعاية الجانب النفسي للطلبة بشكل عام ، ونصحهم برفع الجانب العلمي لديهم .

15.   إقامة المواسم العلمية في كلّ كلية ، وفقا لنظام معين تضعه الجامعة على طول شهور السنة ، إذ يُحدد موسم علمي لكلّ كلية في شهر معين من السنة ، وعلى هذا تكون الجامعة العراقية في مواسم علمية متواصلة وعلى مدار السنة كلّها ، وصرف الأموال المناسبة لذلك .

16.   إنشاء أو استحداث مراكز للبحوث وللدراسات الاستراتيجية ، تضم جميع الأقسام العلمية والإنسانية ـ أو على الأقل ـ التعاون مع المراكز البحثية الموجودة خارج الجامعة .

17.   إعادة مسار الإشراف العلمي إلى رصانته وجدّته ، وتطبيق المنهج العلمي الصارم ، الذي وضع الحدود الثابتة والدقيقة لميزات الإشراف العلمي ، لأنه ببساطة وسيلة ناجعة للارتقاء بمستوى الفكر ، وتطوير إمكانياته التربوية والعلمية .

*  أما على صعيد البناء الخارجي فالخطوات المقترحة هي :

1.     إقامة جسور الودّ والمحبة ، والتعاون العلمي والأكاديمي مع الجامعات كافة : العربية والإسلامية والعالمية .

2.     عمل ندوات ومؤتمرات بالتعاون مع بعض الجامعات الرصينة .

3.     عقد اتفاقات بالتبادل العلمي مع الجامعات كافة على صعيد الطالب والأستاذ .

4.     إنشاء صندوق خاص لدعم الطلبة الأوائل على الكليات والأقسام ، وإيفادهم إلى خارج القطر للدراسة .

5.  صرف المبالغ المناسبة لعقد التحالفات مع دور النشر العربية والعالمية ومراكز البحوث والدراسات ، إما للشراء أو الاشتراك في الإصدارات الحديثة .

6.     محاولة بناء خط علمي افتراضي للربط بين الجامعات العراقية والجامعات العالمية عن طريق شبكة معلوماتية متسعة .

7.  تأسيس جامعة عراقية افتراضية يكون التدريس فيها والدرس عن طريق الشبكة العالمية للمعلومات ( الانترنيت ) وتُمنح فيها الشهادات والألقاب .

8.  التعريف بالأطاريح العلمية المنجزة في الجامعة عن طريق الإبلاغ عنها ، وإيصالها لكلّ الجامعات عن طريق عمل الفهارس العامة ، والمتخصصة كلّ في ميدانها .

9.  انطلاقا من حوارية الفكر ، ومشاعية المعرفة ، على الجامعات العراقية التواصل مع جميع الجامعات العالمية ، انطلاقا من اتزان العلم ، واختلاف الآراء ، وثقة الأنا ، وعلمية الآخر.

10.  محاولة إيصال جميع نتاجات الجامعات العالمية بطرق معينة ومعروفة إلى جميع أساتذة الجامعات العراقية ، حتى تتحقق الغاية في تطوير الجهد العلمي وتعزيز الثقة بالنفس .