قصتي مع تراث باكثير (11)
قصتي مع تراث باكثير (11)
علي أحمد باكثير |
الدكتور محمد أبو بكر حميد |
رأي الدكتور صلاح السحار
كنت قد أحسست أن الأستاذ صلاح السحار له رأي آخر يختلف عن ما اتفقت عليه اللجنة، وأن أدبه الجم قد منعه من التصريح فرأيت أن أزوره منفرداً بمكتبة مصر لأستطلع رأيه، وبالفعل زرت الرجل ففتح لي قلبه بصدق وقال لي:إنه يخشى أن لا يتم شيء بعد سفري من القاهرة، وأن الأمر يحتاج إلى تفرغ ومزيد من الوقت والمال وأن الحياة المزاحمة في القاهرة لا تكف عن الإشغال والمشاغل،وستبتلع كل فكرة إضافة إلى أن متاعب استخراج الترخيص بإنشاء جمعية أمر ليس بالسهل إذ يقتضي كثيراً من الإجراءات والمتابعات وغيرها وقد تطول ووضع الجدوى الاقتصادية في الاعتبار، ثم اقترح أن تكون بدلاً عن هذا كله جائزة سنوية باسم الأديبين يعلن عنها سنوياً لأفضل بحث أكاديمي (ماجستير أو دكتوراه) أو كتاب قيم يصدر عن هذين الأديبين معاً أو كلٍ على حدة ثم إذا توسعت موارد هذه الجائزة المالية تستطيع أن تتوسع في إضافة أسماء إسلامية أخرى، ووعد الرجل بأن يقوم بوضع ميزانية لهذه الجائزة وأرسلها لي، وبدعوة بعض الأقلام للإعلان عنها في الصفحات الأدبية المصرية بناءً على علاقاته كصاحب دار نشر.
وإذا ما تم بالفعل إشهار هذه الجائزة فإن الظلم الذي وقع على باكثير في آخر سنوات حياته وفي العشرين سنة الأخيرة بعد وفاته من خلال إهمال النقد له سيبدأ يرتفع، وبالمثل ستبدأ يد الإنصاف تمتد لزميله وشهيد عصره المرحوم عبد الحميد جودة السحار وهما ليسا أول من ظلم لأنهما كتبا تحت راية القرآن ولن يكونا آخر من يظلم، فللقرآن شهداء في كل عصر ولعل باكثير والسحار من أول شهداء الإتجاه الإسلامي في الأدب الذي بدأنا اليوم نجني ثماره ونسير على دربهما ونطوره بالتزام أكثر.
وآن للراية الإسلامية في الأدب أن ترتفع بعد أن رأينا الرايات الملونة والمُبقَّعة تسقط أمامنا وتخسر في رهان الحياة.
دور مشهود لمكتبة مصر
ولقد كان لكل من الأستاذ سعيد جودة السحار والدكتور صلاح عبد الحميد السحار اللذين يمثلان اليوم مكتبة مصر- دور مشهود في إحياء تراث باكثير بعد وفاته، فلقد كانت مكتبة مصر ومطبعتها من أول من نشر أعمال باكثير بل هي المكتبة الوحيدة التي احتضنت معظم أعماله في حياته وكان طبيعياً أن لا تخذله بعد مماته، ولقد كانت لمسة وفاء رائعة أن تبادر مكتبة مصر بإعادة طبع كتب باكثير جميعاً وتقديمها للقراء في ثوب جديد وإن كنا نأمل أن يمتد توزيع مكتبته إلى كل أجزاء العالم العربي، فالدور الذي تقوم به مكتبة مصر في طبع كتب جيل باكثير هو " أداء رسالة ومأساة وفاء " وهو ما قاله لي الأستاذ سعيد السحار وأنا أزوره في مكتبه بدار مصر للطباعة وأنا أشكر له اهتمامه بنشر أدب الأدباء المظلومين.
ولقد سارعت " مكتبة مصر " بنشر خمس من المسرحيات الجديدة التي عثرت عليها بين أوراق باكثير بمنزل الأستاذ العمودي الأمين على تراثه وهي:
"قضية أهل الربع" و"مأساة زينب"، "أحلام نابليون"، و"حرب البسوس" و"الوطن الأكبر". ولا تزال لدينا بعض المسرحيات والأعمال الأخرى التي تركها الأديب الراحل قيد التحقيق والإعداد للنشر، ولقد أحسنت "مكتبة مصر" صنعاً حين ذيلت كل عمل من أعمال باكثير التي أعيدت طباعتها بكلمة الوفاء التالية التي لا يفي بحثها الآن ننشرها كاملة:
كلمة سعيد السحار
"وفاءً لذكرى متعدد المواهب، الروائي، المسرحي، الشاعر، الأديب، الفنان علي أحمد باكثير..
وحفاظاً على تراثه الغزير ذي القيمة من الاندثار والضياع..
وخدمة للمكتبة العربية التي أثراها ـ آنفاً ـ بفيض من تآليفه الرائعة في مختلف فنون الأدب: الرواية، والقصة، والمسرحية، والمسرحية الغنائية.
رأت " مكتبة مصر ـ سعيد جوده السحار وشركاه " التي كان لها شرف تقديم جل إنتاجه للقراء ابتداءً من سنة 1943م، فأمتعت به أبناء الجيل الماضي.
أن تعيد طبع أعماله جميعاً ونشرها في ثوب جديد، وفي قطع موحد، حتى تتيح الفرصة لأبناء هذا الجيل والأجيال القادمة للتمتع ـ كذلك ـ بإنتاجه البارع الرفيع.
وتعتقد " مكتبة مصر" أن الأستاذ الراحل علي أحمد باكثير، برغم ما بلغه من مكانة مرموقة بين أدباء العربية، لم ينل بعد كل ما يستحقه من التقدير الذي يؤهله لأن يكون في القمة بين جميع الكتاب المعاصرين.
ذلك لأنه ـ وصديقه الراحل عبد الحميد جوده السحار ـ كانا هدفاً لحملات ظالمة أحياناً، ولإهمال متعمد أحياناً أخرى، من بعض من كانوا يتحكمون في النقد في الصحف والمجلات في تلك الأيام، أيام غياب الحرية، وتحكم الماركسيين في أقدار الكتاب؛ فقد وجهت إلى كل منهما تهمة أنه " يؤمن بالغيبيات " وأنه " غير تقدمي "، كأنما الإيمان بالله والتمسك بالقيم الروحية يحطان من قدر الكاتب ويزريان بأدبه.
وأن هدف " مكتبة باكثير" من إعادة نشر مؤلفاته، وتقريبها من أيدي القراء، هو أن تساعد على أن يوضع علي أحمد باكثير في المرتبة التي يستحقها بين كبار كتاب العربية، وأن تعرف مؤلفاته الروائية والمسرحية طريقها إلى المكتبة العالمية.
وبالله التوفيق