البيت المسلم
1
د. خالد أحمد الشنتوت
*الدعوة الإسلامية أو الصحوة الإسلامية أو الحركة الإسلامية ثلاثة مصطلحات متداخلة تشترك في معنى واحد وهو إيقاظ المسلمين من غفلتهم ، وحثهم على تطبيق الإسلام كله في حياتهم كلها .
ووسائل ذلك ثلاث حصراً وهي : التربية والإعلام والسياسة . ونحن مهتمون بالتربية التي تهتم بالأطفال أولاً ، وبالأخص أولاد الدعاة ؛ أكرر أولاد الدعاة ؛ لأن أعين الناس معلقة بهم وبأفعالهم وسلوكهم ...
والتربية وسيلة التغيير الأساسية لأنها تحافظ على فطرة الله التي فطر الناس عليها، أو تغير الأنفس من الجذور، وتقدم لنا الأفراد الصالحين الذين تتكون منهم الأسر المسلمة ، والتي تكون بدورها المجتمع المسلم ، فالتربية وسيلة إعداد وتكوين الفرد المسلم، الخطوة الأولى في التغيير المحمود .
وقرأت حلقات فقه التغيير للدكتور خالد الأحمد يرى فيها أن يبدأ التغيير من الفرد المسلم ، وطرح قضايا جيدة ، لكني أختلف معه في أن الفرد من الناحية الواقعية لايوجد ، فالفرد تصور ذهني في أذهاننا ، أما في الواقع نجد فرداً أباً أو فرداً زوجة أو فرداً ابناً أو ابنة ....
وربما أقبل مقولاته على أنها تغيير نفسـي ( سيكولوجي ) للفرد ، أما ما أرمي لـه في هذه الحلقات فهو التغيير الاجتماعي ، وهو ماندندن حوله منذ عقود ...
ويؤكد علماء الاجتماع أن الأسرة أسبق من الفرد، وآدم عليه السلام هو الفرد الوحيد الذي خلقه الله عزوجل من غير أسرة ، أما حواء عليها السلام فهي عضو في أسرة ، وكذلك أبناؤهم الأول فهم أعضاء في أسرة ، والأسرة أسبق منهم في الوجود ، من هنا أختلف مع الدكتور الفاضل خالد الأحمد وأرى أن الإصلاح يبدأ من الأسرة ، وليس من الفرد .
وهذا سبب تأليفي بضعة عشر كتيباً عن دور البيت في التربية، وتربية الأطفال ، وتربية البنات ، و..... وكتبي التسعة الأولى تدندن حول أهمية البيت ودوره في التربية ... وسوف ترون أنني أعتبر الأم هي محور الأسرة ، لذلك أوليت أهمية كبيرة لتربية البنات في البيت المسلم ، وبعبارة أكثر صراحة يبدأ الإصلاح من المرأة المسلمة ... وعندما نكوّن الأم المسلمة بكل مافي الكلمة من معاني ، عندئذ نكون قد غيرنا أنفسنا ، وبعد ذلك يغير الله أحوالنا إلى الأفضل ....
وسوف تجدون أنني أضع سبباً كبيراً من أسباب إخفاق التربية في العالم أجمع [ وهذا مجمع عليه لدى التربويين ] ، أضع سبباً كبيراً لذلك الإخفاق تخلي البيت عن دوره التربوي ، وبعبارة أكثر صراحة تخلي الأم عن دورها التربوي ، بعد أن طردها الحداثيون من وظيفتها التي فطرها الله لها ، وأخرجوها من ميدان عملها ألا وهو البيت ، أخرجوها إلى الشارع والمصنع ، بل الجيش والشرطة ....إلخ وكان ذلك تهديماً للبيت ، ومن ثم خسارة تربوية كبيرة ...
لذلك للبيت المسلم دور هام جداً في التربية ، لأنه يهتم بالأطفال ، وهم أفضل الشرائح التي نتوجـه لها بالتربية ، و( البيت والمدرسة والشارع والمجتمع هي ركائز التربية الأساسية ، لكن البيت هو المؤثر الأول وهو أقوى هذه الركائز جميعاً ؛ لأنه يتسلم الطفل من بداية مراحله فيبذر فيه بذوره ، ولأن الزمن الذي يقضيه الطفل في البيت أكثر مما يقضيه في أي مكان آخر ، ولأن الوالدين أكثر الناس تأثيراً في الطفل ) ـ محمد قطب ، منهج التربية الإسلامية (2/93) ــ
وبما أن الله كلف الوالدين بالمحافظة على فطرة الطفل من الانحراف كما جاء في الحديث الشريف ( مامن مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أوينصرانه أو يمجسانه ) ــ اللؤلؤ والمرجان رقم الحديث 1702ــ لذلك أعان الله عزوجل الوالدين على المحافظة على هذه الفطرة؛ فجعل الطفل في مرحلة ما قبل التمييز ينظر إلى أمه كأعظم أم في العالم ، ويرى أباه كأعظم أب في العالم ، أي أنه يتقبل منهم سلوكهم وقيمهم وما يبذرانه فيـه .
[ ومراحـل النمــو هي المهــد( 0- 2) ثم ما قبل التمييـز( 3- 6) ثم مــرحلة التمييــز( 7- 12) ثم المراهقة ( 13- 18) ثم الرشد ] .
ويغلب دور الأم دور الأب في تربية أطفال مرحلة المهد ومرحلة ما قبل التمييز ، لأنها أكثر التصاقاً بالبيت والطفل ( طبعاً في المجتمع المسلم ) ، ولأن عاطفتها أقوى من عاطفة الأب فهي أقرب إلى قلوب الأطفال ، ومن هنا نفهم أهمية اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين ، فقد أخرج الشــيخان عن أبي هـريرة t أن رسول الله r قال [ تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك ] ــ اللؤلؤ والمرجان رقم (928) . ثم يزيد دور الأب كلما نما الطفل، وفي المراهقة يصبح الأب الواعي صديقاً لولده ، بعبارة أخرى تقع معظم مسؤولية تربية الصبي على الأب ، والبنت على الأم عند ذلك ...
صفات البيت المسلم :
نقصد بالبيت الأب والأم وأولادهم دون الرشد الذين مازالوا تحت إشــرافهم ورعايتهم ( إعالتهم )، وللبيت المسلم شروط قبلية منها :
1- أن يتزوج المسلم و( المسلمة ) بهدف الذرية الصالحة ، فإنما الأعمال بالنيات [ إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ] ــ مسلم كتاب الوصية (3/1255) ــ ولاحظوا الرابط بين هذه الثلاثة هواستمرار الأجر والثواب حتى قيام الساعة ، فالعلم المنتفع به مثل كتاب البخـاري ومسلم وغيرهما يؤجران عليه حتى قيام الساعة ، وكذلك الصدقة الجارية ، وكذلك الولد الصالح ، وقال بعض العلماء يؤجر الوالدان من أعمال ولدهما الصالح وأولاده وأولادهم حتى قيام الساعة ، وذلك كي يستمر الأجر مثل العلم والصدقة ، والله أعلم ...إذن ما أعظم الولد الصالح !!! ومرحى للوالدين اللذين أنعم الله عليهما بولد فربياه واهتما بتربيته فكان ولداً صالحاً ، ومن أسباب ذلك أن تكون النية عند الزواج طلب الذرية الصالحة .
2- أن يتزوج المسلم ليعف نفسه ويشبع غريزته بالحلال . فيكون فرداً مسلماً في مجتمع مسلم ، يحافظ على الفضيلة والعفـة، فيبقى المجتمع نظيفاً خالياً من الأمراض الخلقية والاجتماعية .
3- البحث عن الشاب المتدين والفتاة ذات الدين :
1-- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قــال رسـول الله صلى الله عليه وســلم : ( إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض )([1]).
2- وعن سهل قال : مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما تقولون في هذا ؟ قالوا : حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع وإن قال أن يستمع قال ثم سكت . فمر رجل من فقراء المسلمين ، فقال : ما تقولون في هذا ؟ قالوا : حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع ، وإن قال أن لا يسمع . فقال رسول الله r : هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ) ([2]).
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال : ( تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، وجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )([3]).
4- وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجه رفعه : ( لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهنّ – أي يهلكنّ – ولا تزوجهنّ لأموالهنّ فعسى أموالهنّ أن تطغيهنّ ، ولكن تزجوهنّ على الدين ، ولأمة سوداء ذات دين أفضل) .
5- أن يبحث الرجل عن ذات الدين ، كما تقبل الفتاة من ترضى دينه وخلقه ، وهذه كلها من الشروط السابقة لإقامة البيت المسلم ... ومن المؤلم أننا نتكلم بهذه منذ عقود ، وقليل منا طبقها ، فعند البحث عن الزوجة يضعون شرط الجمال أولاً ، وصاروا اليوم يضعون شرط المال أولاً أو ثانياً ، ولا تقبل الفتاة إلا الرجل ذا المهنة التي تدر عليه أموالاً كثيرة ، وهذا هو الشرط الأول وأحياناً الوحيد مع الأسف ، وهذا الكلام عن الإسلاميين الذين نعيش بينهم منذ عقود طويلة ، إلا من رحم الله ... وهذه إحدى مشكلاتنا الكبيرة وهي أننا نقول ما لانفعل ، والبحث عن الزوجة يقع على عاتق الأم ، ومعظم الأمهات يبحثن عن جميلات لأولادهن ، ولايتنازلن عن شروط الجمال ، وقد يسكتن عن غيره من الشروط ... حتى أن ذوات الدين متوسطات الجمال يتأخرن في الزواج ، ويقبلن من هم أكبر منهن سناً قبل أن يفوتهن القطار ...
*دكتوراه في التربية
1- الترمذي رقم (1084) في كتاب النكاح ، وقال ابن الأثير في جامع الأصول : وهو حديث حسن .
1-صحيح البخاري ، رقم (5091) كتاب النكاح ، باب الأكفاء في الدين .
3-صحيح البخاري (5090) كتاب النكاح ، باب الأكفاء في الدين ، ومسلم (1466) في الرضاع ، وأبو داود (2047) في النكاح ، والنسائي (6/68) في النكاح .