قصتي مع تراث باكثير (7)

د.محمد أبو بكر حميد

قصتي مع تراث باكثير (7)

علي أحمد باكثير

الدكتور محمد أبو بكر حميد

بين أوراق باكثير الخاصة:

ابتداءً من يوم 26 يوليو 1990م فتح لي الأستاذ عمر العمودي بيته للتعرف على محتويات مكتبة الأديب الراحل من أوراق خاصة وملفات ومخطوطات أدبية فما إن جئت في صباح ذلك اليوم حتى وجدت ركن صالون بيته قد امتلأ بأكداس الورق من كراريس وملفات لم تمسها يد منذ وفاة باكثير، وقال الأستاذ العمودي..

نحن لا نفهم في هذه الأوراق ولم تدع لي مشاغل الحيلة ومشاكلها وقتاً لتفحصها فانقضت زهرة العمر على ذلك المنوال.

 وصمت لحظة نظر خلالها بحزن إلى الأوراق أمامنا وقال:

 كنت أتمنى أن أخدمه بنفسي ولكن هذا من حظك وأظن هذا الانتظار الطويل كان من أجلك لتأتي بعد أكثر من عشرين عاماً من وفاة الرجل وتعيده إلى الحياة من بعثك لكتبه وأوراقه. فليوفقك الله . ولا تحسب أن هذا كل ما عندي، فهناك لا يزال الكثير مثلها تنتظرك ولا تفكر في مغادرة القاهرة قبل أسبوعين من الآن، لأنك ستحتاج أن تكون معنا كل يوم إلى الليل.

وبالفعل شمرت عن ساعدي وبدأت العمل منذ ذلك اليوم، وأشهد أني لقيت من عمر العمودي وأسرته الفاضلة كل ترحيب وكرم ورحابة صدر فأشعروني أنني في بيتي وبين أهلي وأزالوا عني كل حرج، فكنت أواصل العمل هناك من الصباح إلى آخر الليل أحياناً ما عدا وقت الغداء الذي أجتمع فيه إليهم ويدور فيه حديث ذكرياتهم مع الأديب الراحل.. الذي كان حديث الوفاء.. حديثاً شهياً لا يكاد ينقطع طوال أيام زياراتي لهم.

دقة وحرص وانضباط

وأمضيت ما يقرب من عشرين يوماً أتردد على منزل الأستاذ عمر العمودي ليل نهار وأغرق لساعات طويلة بين أكوام الورق التي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من ستين عاماً، وقد وجدت أن الأديب الراحل قد حرص على الأوراق والوثائق التي تعين الباحث على دراسة حياته، حتى الأوراق التي نلقيها عادة في سلة المهملات بعد أن ينتهي دورها وجدت أن باكثير يرحمه الله يحتفظ بها كملاحظة يكتبها لنفسه عن موعد يريد تذكره أو تعليق في سطور قليلة حول شيء معين، ومن حسن حظنا أن الأستاذ عمر عثمان العمودي قد حافظ على كل ورقة من هذه الأوراق التي تركها أستاذه، ولا شك أن الكثير من هذه الأوراق قد أماطت اللثام عن الكثير من المراحل الغامضة في حياة أديبنا الراحل وكل هذا يدل على دقة باكثير وحرصه وانضباطه.

ويمكن القول الآن أن موروث باكثير ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية..

الأول مادة أدبية جاهزة للنشر.

والثاني مادة تتعلق بحياته الشخصية تعين الباحث على الكتابة عنه.

والثالثة متعلقاته ولوازمه الشخصية تعين على إنشاء متحف له.

مسرحيات تنتظر النشر

وأهم من هذه المواد الجاهزة للنشر، أنني وجدت حوالي عشر مسرحيات مطبوعة على الآلة الكاتبة وجاهزة للطبع والنشر وهي كالآتي:

ـ الوطن الأكبر: وهي مسرحية شعرية، وأهميتها تتمثل في الناحية الفنية، لأنها مكتوبة بالشعر الحر الذي هجره باكثير في المسرح منذ كتابه " أخناتون ونفرتيتي " سنة 1940م وعودة باكثير إلى كتابة المسرح بالشعر الحر تمثل انعطافاً فنياً جديداً بدأه في آخر أيامه وهي بحاجة إلى وقوف الدارسين عندها وخاصة أنه لم يجدد شيئاً في مضمونها الذي هو نفس مضمون وقصة مسرحية " إبراهيم باشا " وهي من مسرحياته الأولى، وهذا يؤكد أن إعادة الكتابة بالشعر الحر كان منعطفاً جديداً في مفاهيم باكثير وناحية فنية مهمة، وهي تعتبر المسرحية الثانية بعد " أخناتون ونفرتيتي " التي كتبها باكثير بالشعر الحر.

ـ قضية أهل الربع: مسرحية اجتماعية مستمدة حوادثها من الحياة المصرية المعاصرة وما استجد فيها من مشكلات في أواخر الستينات.

ـ مأساة زينب وأحلام نابليون: جزآن من ثلاثية تصور كفاح الشعب المصري ضد المستعمر الفرنسي نشر الجزء الأول منها في حياة المؤلف بعنوان " الدودة والثعبان " ويمكن أن تنشر كل مسرحية مستقلة لأن كل جزء متكامل في أحداثه وبنائه الفني.

ـ حرب البسوس: مسرحية سياسية رمزية كتبها في أعقاب هزيمتنا المنكرة في سنة 1967م.

ـ حزام العفة: مسرحية سياسية فكاهية يحمل فيها على الرئيس التونسي السابق حبيب بورقيبة الذي تنكر للمبادئ التي كان يدعو لها بعد أن تولى مقعد الحكم في تونس وهي تمثل أيضاً خيبة أمل باكثير الشخصية في هذا الرجل الذي كان صديقاً له وكثيراً ما لجأ إلى بيته أيام تشرده في مصر ثم أدار ظهره للرجال والمبادئ بعد أن أصبح رئيساً!

ـ شلبية: مسرحية اجتماعية من الحياة المصرية المعاصرة وهي المسرحية الوحيدة التي وجدتها مكتوبة بالعامية المصرية في كل نسخها، ومن الواضح أنها كانت معدة للتمثيل المحلي.

ـ عرائس وعرسان: مسرحية اجتماعية من الحياة المصرية المعاصرة وهي معدة من نسختين، نسخة في قالب مسرحي والأخرى في قالب إذاعي جاهز ومقسم إلى حلقات.

ـ فاوست الجديد: مسرحية مأساوية مستوحاة من الأسطورة الأوروبية المعروفة التي اشتهرت بها مسرحية جوته ومن قبله مارلو الإنجليزي ومسرحية باكثير تمثل صياغة جديدة لهذه الأسطورة بصورة تتفق مع التصور الإسلامي.

ـ عاشق حضرموت: مسرحية شعرية مستوحاة من تراث القصص الشعبي الحضرمي ذات الأصول الواقعية وبطلها الشاعر الشعبي الحضرمي ابن زامل الذي أحب فتاة حتى الموت في قالب مأساوي أشبه بقصص قيس ولبنى وروميو وجوليت ومن الواضح أنها مستوحاة من رحلته الأخيرة إلى حضرموت سنة 1968م وقد وجدت في مذكراته تسجيل للخطوط العريضة لقصة الشاعر ابن زامل كما سمعه من الرواة.

ـ الشاعر والربيع: وهو عنوان مسرحية شعرية قصيرة تضم مسرحيات شعرية قصيرة.