ذكريات في إدلب!!
يحيى بشير حاج يحيى
تبعد مدينة إدلب عن مدينتي جسر الشغورالتي ولدت ونشأت فيها أقل من خمسين كيلا ً ، وهي مركز المحافظة التي نتبع لها إدارياً .
وذكرياتي فيها مُرّة وحلوة !؟
أما المرة فهي تتعلق بأمرين : استدعاء من المخابرات العسكرية والسياسية ؛ للتحقيق بسبب خطبة أو كلمة أو قصيدة ينتهي الأمر بالتهديد مرة وبالحجز لأسبوع وقد يمتد إلى شهر !
أو مراجعة مديرية التربية احتجاجاً على نقل تعسفي ، لأن الرفاق يصرون على إبعادي مع عدد من المدرسين إلى القرى ، وإعطاء مكاني لأحد الرفاق ولو كان في السنة الأولى في الجامعة !؟
فأذهب لأشتكي إلى نقابة المعلمين ، ويقتنع النقيب ، ولكنه لا يتمكن من فعل أي شيء ، لأن الرفاق في الحزب قرروا ذلك !؟ أعود إلى موجه المادة الذي يعلم أنني خدمت فترتين في الريف ، ومن حقي أن أكون في بلدتي ، فيقتنع ويصدر قرار النقل ، وأعود لأفاجأ أن القرار بنسخه السبع قد اختفى !؟
أنتقل بعد صراع مع الرفاق إلى المرحلة الثانوية للتدريس فيها مع الأستاذ إبراهيم عاصي والأستاذ جميل جانودي ! فيقف الرفيق أمين السر ، ويرفض استلام التعيين ، ويأتي في اليوم التالي وقدسافرإلى إدلب و أحضر تعيينات لنا في الإعدادية !؟
ألقي كلمة في ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأشير فيها إلى تفاهة الإلحاد والملحدين ، فينقلها الرفاق إلى مايسمى بالأمن العسكري ، ويفسرونها على أنهم هم المقصودون ! فيحجزني النقيب آنذاك عدنان مخلوف وهو نصيري أسبوعاً ، وأنا أعاني من آلام في الكلية ، وأنتقل إلى مستشفى إدلب الوطني ، في الطابق السفلي ، وهو أشبه بالسجن ولكنه أقل سوءاً من المنفردة !؟
ويتم تبديل الحرس من الشرطة يومياً، لغاية في أنفسهم ، ومع ذلك فقد كانوا متعاطفين ، وقد عرض عليّ أحدهم الذهاب إلى بيتي ، والعودة صباحاً ! ولكني خشيت عليه من العيون والمتربصين ! فجلس يحدثني طوال الليل عن أنواع السجناء الذين مروا على هذالمكان ، ويقسم إنه لم ير مثل ثبات وشجاعة الموقوفين من الإسلاميين وشباب الإخوان ، ويضرب مثلاً بالأخوين الأستاذ يونس قرط وهو من كبار مدرسي الرياضيات في المحافظة ، والصيدلي علاء الدين سيد عيسى !! وقد رآهما وهما يُعذٓبان بالتناوب ، فكانا يملكان نسخة من القرآن يتناوبان القراءة فيها ! يذهب أحدهما للتعذيب ، فيمسك الآخر بكتاب الله يتلو ، حتى يعود !!
وأما الذكريات الحلوة في إدلب فقد كنا نفد إليها لأسبوع أوأكثر لتصحيح أوراق امتحانات الشهادة الإعدادية ، حيث نلقى أحبابنا وأساتذتنا ومشايخنا : سليم الخطيب ، الشيخ خيرو الخطيب ، أحمد قطيع ، محمد سعيد مبيض ، الدكتور إبراهيم عبادي ، محمد عبدالفتاح ، عبد الله النزال !!! وغيرهم !
ونُدعى إلى ريفها على طعام الغداء فيوم في آفس عند الأخ عبد الكريم عطار ، ويوم في مرديخ عند الأخ عبد السلام شبيب ، ويوم في تفتناز عند الأحباب من آل غزال ، ويوم في سراقب عند الإخوة عبدالله عبود وابراهيم الحاج علي وأيام في أريحا في سفوح الأربعين !
سقى الله تلك الأ يام ، ورحم الله اولئك الإخوة الأحباب ، وقد فقدنا كثيراً منهم .
وليعذرني مٓن تورّط بقراءتي إذا كانت تتحدث عن ذكريات خاصة ، ولكنها بالنسبة لي جزء من حياتي ! وهل الذكريات إلا جزء من الحياة !