إحذروا ريح الظربان
فؤاد وجاني
في تنورة تكاد تغطي عورتيها ، وصدرية لاتحجب سوى الحلمتين فمابالك بالثديين ، دخلت المقهى فتاة في مقتبل العمر ، واستوت على الكرسي ، ووضعت رجلا على رجل ، وأشعلت السيجارة الفرنسية النكهة ، ونادت على النادل بطرف السبابة ، وطلبت قهوة سوداء دون سكر ، وقد كشفت عن لحم ساقيها بل تعدتهما الى الفخذين . المصيبة الكبرى أن عيون النسور الذكورية كانت تدور تتلقف جسدها العاري من كل مكان ، حتى كاد يخشى على المقل من الحول من شدة الدوران . والطامة العظمى أنها لم تكن في أنوثة بلقيس ملكة سبأ ، بل كانت تشبه شيطانة دميمة في جلد إنسية خليعة ، بل وكانت من البنات المسترجلات . لو كان الملك سليمان بيننا لعاقب الساقين ببترهما ، ولأقام الحد على النسور البشرية بنتف ريشها أو خلع عيونها أو تشميسها كما كان يفعل مع أسراب الهدهد حتى لاتقوى على التحليق في الأجساد وأجوائها والطيران في الشهوات وسمائها.
ولو كان المشهد هذا بساحل ميامي بفلوريدا أو مقصف جامعة أمريكية أو إحدى شوارع موسكو أو ساحة من ساحات باريس أو ببيت شعري من مجون خيال أبي نواس ، لحسبناه عارضا طبيعيا ، ولعددناه حادثا بديهيا ، ولماخططناه في مقال يدويا . لكن المشهد كان في دولة أول فصل من فصول دستورها يحتوي كلمتي "إسلامية وعربية" ، قد مرغتهما الساقين المذكورتين أعلاه في التراب بل ووأدتهما أدناه ، بينما هاماناتنا وفراعنتنا والماسكون بزمام قروننا ، مشغولون بحلق شواربهم وتعديل ربطات أعناقهم ، كان الله في أعوانهم من كثرة المسؤوليات .
تركت المقهى مهرولا كمن يخشى على أنفاسه من رائحة الفسو ، وأنا التواق لرؤية أسراب من الشريفات الطاهرات والمحجبات المنقبات ، القادم من بلاد أمريكا حيث النساء العاريات يلقبن بالظربان ، وماأدراك مادويبة الظربان ، إنها حيوان صغير في حجم الجرو ، منتنة الريحة كثيرة الفسو ، لاتفسو فسوة أو فسوتين حتى يكاد يُغشى عليك مرة وقد يُخشى عليك من الموت مرتيْن . وخفت أن أمزق ثوبي كما كانت العرب تفعل قديما إذا فسا فيه الظربان لدوام رائحته وعدم زوالها .
حسبت أنه بهربي من المقهى ، أكون قد سلمت من نتن الظربان ، لكن رائحة الخبث عمت كل مكان وشملت كل زمان ، ولم أك أعلم بأن الكثير من النساء في بلدان العربان ، بلاد الحشمة سابقا وهل تذكرون الحشمة بل عساكم تتحسرون ، قد أصبحن أفسى من الظرابين .
فهنا بأمريكا ماتكاد الواحدة من بعضهن تصل الى سن المراهقة حتى تحذو حذو أيقونة الدلال "بريتني سبيرس" ، فتختزل قيمتها النسوية في جاذبيتها الجنسية ، وتثبت مدى قدرتها على إغراء أكبر عدد من النسور الذكور ، أما مقياس النجاح عند بعضهن فيتعدى مقياس ريشتر المفتوح للزلازل في اللجوء الى نوبات الفساد وهزات الفراش . ولتجدن الظربانة منهن تلهث باحثة عن نقطة الوصل (أو الهوكاب بلغة الفرنجيات او لهجة العجميات) المنتهية بقضاء الحاجة عشيقة الإختراع . ولتجدن في قواميس بعضهن كل كلمات الدعارة ومفردات العهارة باستثناء الحب العذري والتزام آداب العذارة .
وما أن تصل الظربانة الى سن العشرين حتى تكون قد تخرجت من جامعة الشرف على يد أكبر عدد من أشباه الذكور . فتُطَلق قبل زواجها رداء البراءة والسحر والعفاف طلاقا بائنا يزيد عن الثلاث ، فتكسو الصلابة روحها ، ويفرغ من حلاوة الحب فؤادها ، فتلجأ إلى الحانات الخمرية والنوادي الليلية لتنادي بجسدها : هل من مشتر لبضاعة نافذة الصلاحية ؟
وتستمر في التقدم في العمر مهووسة بثقافة الرشاقة وفقدان الوزن حفاظا على أداة الإثارة الجنسية ، ويزداد تعطشها للإباحية وانغماسها في نار الملذات حتى تصل درجة تفقد فيها رونق الأنثوية ، وتكسب فيها خلق العدوانية . فتصبح ملكية عامة يدوسها البادي والعادي ، وتغدو كائنة مبتذلة غير صالحة للأمومة أو الزواج أو الإحترام ألبتة . وإن أصابها الحظ وحالفها البخت ، تزوجت من أحد المغفلين وأنجبا دزينة من النسور والظرابين .
والحق يقال ، أن تعداد الظربان في أمريكا في عد تنازلي وأرقام العفيفات والمحصنات والمحجبات في رقم تصاعدي ، بعد أن وصل الفحش قمة الحضيض ،
هذا هو النظام العالمي الجديد ، عالم العملة الأخلاقية الموحدة والفساد الروحي الموحد . بالأمس كنا نستورد بضاعة ثقافة العاريات ، واليوم ننتجها ، وغدا سوف نصدر سلعة من جنس ثالث . هذا كل ماتبقى من حضارتنا العربية في زمان نحن فيه أحوج الى استقامة المرأة ، التي ليست نصف المجتمع بل المجتمع كله .
ختاما ، أيها الغيورات والغيورون على أعراضهم وحقوقهم وحرياتهم ودورهم النبيل في الحياة ، لن تقوم لكم قائمة والمرأة منكسرة أمام ريح التفسخ العاتية ، لا شرع يحميها فيحميكم ، ولا تقليد يقيها فيقيكم . تيار العهر الى حيكم قادم وبدياركم نازل وماهو عنها براحل ، فماا أيسر الغرق في يم الإغواء فتغمركم البلايا وتتعذر عليكم سبل النجاة ، لكن ما أطهر السباحة ضد التيار فتشملكم الرحمة وتسهل عليكم مسالك الحضارة .
حفظنا الله وإياكم من فسو الظربان ، ووقاكم ووقانا شر الإمعة ، وأدام عليكم وعلينا حجة الدين وسلطة العقل ، وحصنكم وإيانا برفعة النفس وعفاف الأبدان .