بين مولانا جلال الدين الرومي وشمس التبريزي
صلاح رشيد /مصر
من الشيخ .. ومن المريد؟
- حكايات من الوجد الصوفي ومزاوجة الشريعة والحقيقة !
- تداخل الأستاذ والتلميذ حالة من الإفادة العلمية والروحية بين الاثنين!
تحيط علاقة مولانا جلال الدين الرومي بشمس الدين التبريزي أسيجة من الغموض وعدم الدقة، والمبالغة ، والانتقاص من قدرالتبريزي من جانب بعض تلامذة الرومي، الذين راعهم تغير أحوال شيخهم وانعزاله عنهم بعد لقائه بالتبريزي! حتى إنهم خاضوا في شمس سباً وتطاولاً وهجوماً مقذعاً، ووصفوه بمجهول النسب! والنتيجة أن فر الرجل من مدينة (قونيه) التركية إلى مدينة دمشق . وشقّ الأمر على الرومي، وتأثر كثيراً بغياب شيخه وصاحبه، وأرسل في أثره ابنه وبعض تلاميذه، للبحث عنه، والعودة به من جديد؛ لكي تسعد روح الرومي برؤية أستاذه شمس التبريزي والتملي منه!
الأستاذ والتلميذ
وهنا يثور سؤال: من من الاثنين: (شمس والرومي) كان الشيخ والتلميذ؟ وهل العلاقة بينهما على نفس الوتيرة والدرجة من علاقة موسى الكليم عليه السلام بالخضر، خاصة أن الرومي بحث عن صاحبه ثلاث مرات بعد فقده !
يؤكد العلامة الراحل الدكتور حسين مجيب المصري رائد الدراسات الشرقية وآدابها فى العالم الإسلامى:" أن شمساً كالخضر فى الولاية والإمامة، وأن الرومي اتخذ سمت موسى الكليم عليه السلام فى دعوته ودروسه وطريقته فى التغيير النفسي لمريديه وأتباعه؛ باتباع الطرائق الروحية ونظرية الحب الإلهى فى الإصلاح والتطوير"!
بين الشريعة والحقيقة
ويرى الدكتور السعيد جمال الدين فى كتابة الجديد (قصائد مختارة من ديوان شمس تبريزلجلال الدين الرومي) أن هناك تفسيراً أولياً يميل إلى أن :"التحول الذى طرأ على جلال الدين بعد لقائه بشمس 00وكأنه نقلة دفعت جلال الدين من حوزة (علوم الشريعة )التى أتقنها وبرع فيها، إلى مجال جديد عليه تماماً ،لم يكن يدرى عنه شيئاً، وهو(علوم الحقيقة)التى تلقّى دروسها الأولى على يد شمس الدين "! لكنه لا يأخذ بهذا التفسيرالذى "يتجاهل كل الحقائق المعروفة من حياة جلال الدين الذى تربى فى بيئة تحفل بالحياة الروحية ، واستطاع بعد أن أتمّ تعليمه، وانتهى من رحلته لطلب العلم ببلاد الشام أن يجمع فى نفسه بين شخصية العالم الفقيه، وشخصية الشيخ الصوفي 00 والتفّ حوله طلاب العلوم الدينية ، كما تبعه المريدون من أصحاب الطريق الصوفي ،فلا يصح إذن أن يقال إن جلال الدين ما تعرّف على التصوف ولا استشرف بهجة الحياة الروحية ،إلا بعد أن التقى بشمس الدين التبريزى "!
ويزيد المؤلف توضيحاً لهذه المسألة، فيقول: "إن الإجابة عن هذا السؤال ،إنما ترتبط بالمبدأ الأصيل الذى وقف جلال الدين الرومي جهده على بيانه وإعلانه، وهو العشق ، الذى يجتمع فيه الشيخ والمريد سواء بسواء ، ويصبحان رجلاً واحداً، بعد أن سلكا طريقاً واحداً ، واتجها سوياً نحو غاية واحدة ، فيصبح الشيخ مريداً، والمريد شيخاً أو يصبحان شخصاً واحداً بعد أن توحّدت فيهما الإرادة والغاية ".
وقد عبّر شمس الدين التبريزى فى كتابه (المقالات )عن هذا المعنى نفسه حين عدّ جلال الدين شيخاً له، وصرّح بأنه حصّل منه من الفوائد ، مالم يُحصّل من شيوخه الأقدمين، كما يقول الدكتور جمال الدين .
ويقول الرومي عن شيخه التبريزي، وعن علاقته به، ما ترجمه الدكتور جمال الدين نثراً:
من جهة تبريز أضاءت شمس الحق، فهتفت بها :
نورك بالكل متصل ،ومنفصل أيضاً.
ويقول الرومي أيضاً فى ديوانه شمس تبريز، ما ترجمته نثراً: نحن عشاق رءوسنا تدور ولعاً بدمشق، قد وهبنا الروح ،وأوثقنا القلب حباً لدمشق، من الروم نسعى دفعة ثالثة صوب الشام من طرة فاحمة كالليل، نحن طوع لدمشق لوأن سيدنا شمس الحق التبريزى هناك فنحن إذن عبيد لدمشق، وأي عبيد نحن لدمشق !
فحب جلال الدين لدمشق ، إنما هو حب لأستاذه وشيخه شمس الدين التبريزى المقيم بدمشق ،بعد أن طرده من "قونيه" بعض مريدي الرومي المتشددين، وهو موقف عارضه الرومي بشدة ! ونلاحظ كيف أثّر التبريزى فى الرومى ،وهو تأثير أحدثه أيضاً جمال الدين الأفغاني فى مريده الشيخ محمد عبده فى العصر الحديث، لكن الإمام محمد عبده خالفه فى وسائل التطبيق المعتمدة على التربية والتدرج ،وهو ما لا نجده بين الرومي والتبريزي !
ويذهب المؤلف إلى القول بأنه "مهما يكن من أمر، فإن شمس تبريز قد أطلع جلال الدين على جانب من مباهج الحياة الروحية ، لم يكن يدرى عنه شيئاً، ولم يتركه شمس إلا بعد أن اطمأن إلى أنه يمضى وحده قدماً فى الطريق الصحيح ، الذى يسير هو نفسه فيه، والذى يسير عليه الأولياء والعرفاء فى موكب واحد ،فى الطريق البيّن اللاحب إلى الحق تعالى". من هنا، كان التبريزى قائد الركب ،والمحرك الأول لموكب المحبين فى طريق الحب الإلهى، يتقدّمهم جلال الدين الرومي ،الذى تعلّق بأفكار وأسرار شمس الساحرة ،على النفس والبدن ، كما أن الرومي قرّب شمساً من العوام، وجعل طريقته يتعاطاها الجميع، بشرط الحب والزهد ! صدر الكتاب هذا العام ،ضمن مكتبة الأسرة عن الهيئة المصرية للكتاب، في 267 صفحة من القطع المتوسط ، مع التعليق والشرح من المترجم .