الاكتئاب الزائر المخادع

د. محمد عبد القادر الشواف

[email protected]

رشَّحه عددٌ من علماء النفس؛ ليكون مرض القرن الحادي والعشرين؛ إذ يصاب به كل عام أكثر من مليون شخص في العالم[1]؛ بسبب ظروف مُتنوعة، كثير منها استجد بعد تشابك العلاقات، وتداخلات النظام الاقتصادي، والانفجار المتعاكس في التواصل والمعلومات مع بداية النظام العالمي الجديد؛ حيث تحوَّل العالم إلى قرية كبيرة وصغيرة في آن واحد.

وهذا مما أسهم في ازدياد الحياة الاجتماعية تعقيدًا، وازداد معها عددُ المصابين بالاكتئاب، ومع ذلك فإن السيطرة على أكثر أنواعه ممكنة بإذن الله، خاصَّة لو تم الاكتشاف المبكر للحالة، وتفهم المريض أبعاد المشكلة ووقف الأهل إلى جانبه؛ فتعاوُن الأهل له الدَّور الأكبر في إعطاء المريض جرعات الأمان والحب والحنان والعاطفة الصادقة؛ مما يساعده على أن يعودَ لطبيعته، ويمارس حياته العملية والأسرية والاجتماعية على أكمل وجه، وتعود له الابتسامة المشرقة، والاكتئاب مرض كيمياوي يَحدث بسبب انخفاض الأحماض الأمينية في بعض مراكز المخ[2]، وإذا لم نعمل على تطويقه بالكشف المبكر وسُرعة العلاج، فقد يتطور ويشكل خُطُورة على حياة الإنسان دون أن يشعر؛ لأن الاكتئابَ مُخادع ومخاتل.

كيف يداهم حياتنا هذا الزائر المتلون؟ وكيف نتغلب عليه ونتجاوز محنته؟ 

تابع معنا - أخي القارئ - لتتعرف على المزيد حول هذا الموضوع، الذي ينغِّص حياة الكثيرين:

عندما نشعر بأعراض مرضية، نسارع لزيارة الطبيب، ونأخذ العلاج اللاَّزم وتمر الأمور على أحسن حال، وأكثر الناس يعتنون بصحتهم الجسمية، ويهتمون بالرعاية الصحية لأفراد أسرهم، لكن للأسف القليل منهم يهتمون بالصحة النفسيَّة؛ مع أن النفسَ تتألم كما يتألم الجسد، والنَّفس "عواطف الإنسان وتفكيره وإدراكه وسلوكه وإرادته"[3]، وهذه تحتاج إلى رعاية ومتابعة؛ فعندما يشعر المرء بأيِّ خلل في التلاؤم مع من حوله، أو تُراوده أفكار غريبة، أو شعور خاص، عليه أنْ يسارعَ إلى التعرف على السبب، وأن يراجع الطبيب الذي يقدم له المشورة اللازمة.

 الحزن والاكتئاب:

كل إنسان يمر بمواقف تجعله يحزن، كفقد عزيز أو التعرض لكارثة اقتصادية، أو مشكلة طارئة، ثم ما يلبث أن يتجاوزها ويتلاشى حزنه، ويعود لممارسة حياته الطبيعيَّة؛ لأن الحزن المتواصل لن يحل المشكلة، ولن يغير من واقع الحال، أمَّا إذا استمر الحزن مدة طويلة، فإنه يتحول إلى حالة مرضية تُسمَّى "الاكتئاب"[4].

أسباب الاكتئاب: 

يُرجع بعضُ علماء النفس سببَ الاكتئاب الأساسي إلى فُقدان الحب، ويرون أنَّ انقطاع علاقة وثيقة متبادلة من الحب هي أساس حالات الاكتئاب[5]، إلاَّ أنه لا يُمكن اعتبار هذا الكلام دقيقًا؛ لأن هناك جملة من الأسباب رُبَّما تتضافر جميعها أو بعضها لتساعد على ظهوره، وأهمها:  

1- وراثية: يمكن أن يرث المريضُ الاستعداد للمرض، ولا يرث المرض نفسه؛ فيظهر المرض إذا تعرض الإنسان لصدمة أو ظروف موجبة لظهور الاكتئاب.

2- بيئية وأسرية: تؤثر البيئة والأسرة التي يعيش فيها المرء على نفسيته سلبًا أو إيجابًا؛ فالخلافات الزوجيَّة، ومظاهر العنف في الأسرة، أو الانحرافات السلوكيَّة، تؤثر في نفس الزوجين أو الأبناء، وربَّما أدت إلى ظهور الاكتئاب.

3- الأمراض العضوية والأدوية: تُخلِّف بعضُ الأمراض العضوية التي يصاب بها الإنسان آثارًا جانبية، قد تُؤدي للاكتئاب، مثل: نقص هرمونات الغدة الدرقية، وأحيانًا يتعرض المريض للاكتئاب؛ بسبب إصابته بمرض يتوهم أنه خطير، ورُبَّما يكون له تأثير كبير في حياته، كما أن بعض الأدوية قد تؤدي للاكتئاب، مثل: أدوية الشلل الرعاشي وبعض أدوية الضَّغط والكورتيزون وغيرها، وكذلك الحبوب المنشطة.

4- الصدمات: على الإنسان أن يعوِّد نفسه على الرضا بقضاء الله - تعالى - ويتعود تقبل الأمر الواقع؛ ليكونَ أكثر حصانة ضد الصدمات الاقتصادية أو العاطفية أو الاجتماعية، ورُبَّما كانت الصدمات العاطفية هي السبب في زيادة نسبة إصابة النساء بالاكتئاب؛ قياسًا على الرجال، وعلى أيَّة حال، فإنَّ فريقًا من علماء النفس يَرَوْنَ أن السبب الحقيقي للاكتئاب غير معروف على وجه الدِّقة، كما أن الاكتئاب بحد ذاته، قد يُؤدي إلى أمراض عضوية؛ فقد أثبت الطبُّ الحديث أن للاكتئاب تأثيرًا عضويًّا على الإنسان، ويجعله أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الجسدية، وقد قام الباحثون بإجراء تجاربَ على بعض المرضى؛ حيث أظهرت النتائج تأثُّر الجهاز المناعي عند الإنسان المكتئب.

أعراض الاكتئاب:

قد لا يدرك المريض من الوهلة الأولى أنَّه مُصاب بالاكتئاب؛ لأنَّ أعراضَ المرض متداخلة، وقد تَختلط بأعراض الأمراض العضوية أحيانًا، ورُبَّما جاء الاكتئاب في صورة أعراض جسدية، فيتوهم المريض أن مرضه عضوي[6]، وأحيانًا يشعر الإنسان بضعف الشهية ونحول الجسم، فيقوم بمراجعة الطبيب لأخذ بعض الفيتامينات، ورُبَّما يكتشف الطبيب أنه يعاني الاكتئاب، علمًا بأن نقص الغذاء والفيتامينات قد يؤدي إلى الاكتئاب أيضًا.

ويمكن أن نجمل أعراض الاكتئاب بما يلي:

شعور بالحزن والملل والتشاؤم، والتفكير بالموت بشكل مبالغ فيه، مع ضعف التركيز والذَّاكرة، والعزلة والكسل، وربَّما الغضب السريع[7]، واضطراب النوم، وإذا لم يراجع المريضُ الطبيبَ النفسي، فقد يتطور الأمر، ويبدأ المريض بالتفكير بالانتحار، وعلى كل حال فالطبيب النفسي هو الذي يحسم الأمر، ويكون خير معين للمريض على تجاوز محنته، وهنا تأتي مشكلة نظرة أكثر شرائح المجتمع إلى مُراجعة الطبيب النفسي، فهي بكل أسف سلبية في أكثر مُجتمعاتنا، ويرى بعضُ الناس أن مراجعة الطبيب النفسي كارثة تهدد سمعة العائلة، مع أن الأمر سهل ويسير، وفي المجتمعات المتقدمة نرى أحدَ الزوجين لو اختلف مع شريك حياته يُراجع الطبيب النفسي؛ ليتأكد من عدم وجود اضطرابات نفسية لديه أدَّت إلى ذلك الخلاف، فعلينا أن نكون أكثر واقعية، ونسأل أنفسنا السؤال التالي: ما الفرق بين مرض الجسم ومرض النفس؟ وهل رعاية النفس تقل أهمية عن رعاية الجسم؟

كم من آلام نفسية، واضطرابات في حياة الإنسان تحولت إلى ابتسامات وسعادة، وتلاؤم مع المجتمع بعد مُراجعة الطبيب النفسي الذي يتعامَلُ مع المريض بسرِّية تامة، ويكون له نعم الناصح والمستشار والمعين على تجاوز تلك المحنة، كما أنه يُمكن لمن يراجع الطبيب النفسي أن يفتح ملفًّا لديه دون إعطاء الاسم الصريح.

أطفالنا والاكتئاب:

تربية الأطفال مسؤولية وأمانة يشترك في أدائها الزَّوجان، ولا ينبغي أن نترك الاكتئاب يقتحم عالم البراءة، ويصل إلى أطفالنا، ولا شَكَّ أن الوالدين يتحمَّلان المسؤولية في ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر؛ لأنَّ أكثر إصابات الأطفال لن تخرج عن الأسباب التالية: 

1- المشاكل العائلية والعنف بين الزوجين، أو الانحراف السلوكي لأحدهما.

2- قدوم مولود جديد يُؤدي إلى إيقاظ الغَيْرة عند الطفل إذا لم يتفهم الأبوان المشكلة، ويُحاولان تَجنيب الأطفال دواعيَ الغَيْرة قدر الإمكان.

3- فقد أحد الأبوين بالطلاق أو الموت - لا قدَّر الله - وهنا يحتاج الطفل إلى مزيد من الرعاية والحنان؛ لتعويضه عما فاته قدر المستطاع.

4- مشاكل المدرسة، وأصدقاء السوء، وهذه المشاكل تتطور وتتراكم؛ بسبب إهمال الأهل لمتابعة الابن، وعدم زيارة المدرسة على فترات للاطمئنان على سلوكه ودراسته.

5- تعرض الطفل للعنف، أو الانحراف السلوكي القسري "الاغتصاب"، وهنا يحتاج الطفل إلى مزيد من العناية، والرِّعاية؛ لمساعدته على تجاوز هذه المشكلة، وبراعة الطبيب أهم ركن في عملية علاج الطفل، فهو يساعد الأهلَ على تفهم المشكلة، والوصول بالمريض إلى بر الأمان بإذن الله، ولا ينبغي إهمال إصابات الأطفال بالاكتئاب؛ "لأن الحالة إذا تطورت، فربما تُؤدي بالطفل إلى الانتحار"[8]، كما أنَّ بعض الأطفال يُحاولون إخفاء حالة الاكتئاب لديهم؛ بسبب خوفهم من الطبيب المعالج[9]، أو الحذر من التعامُل معه؛ ولذلك لا بد من التلطف مع الطفل، واستعمال التدرُّج لإقناعه بمراجعة الطبيب، وربَّما يفيدُ في هذه الحالة، أن يُقَدَّم الطبيب على أنه صديق للأسرة؛ حيثُ يقوم بالزيارة الأولى للبيت لتجاوز حاجز الخوف عند الطفل.

المراهقة والاكتئاب:

قد لا يظهر الاكتئابُ عند المراهق أو المراهقة بأعراضه الحقيقيَّة، وقد يكون مقنَّعًا؛ فيظهر على شكل شعور بالملل الدائم الذي لا يُطاق، تتخلله فترات من العصبية (النرفزة) أو اضطراب الشهية أو النوم، مع صعوبة التركيز[10]، دور الأبوين مهم جدًّا في هذه المرحلة العمريَّة الحسَّاسة؛ فبث الشعور بالثقة وإعطاء الاحترام اللازم للمراهق، ومنحه الدفء العاطفي والحنان، والتعامل معه كصديق مخلص، كل هذا سيؤدي إلى تجاوُز هذه المشكلة؛ بتوفيق الله - تعالى - وربَّما قبل الوصول إلى الطبيب.

الاكتئاب الموسمي:

بعض الناس يرتبط اضطراب المزاج لديهم بأحد فُصُول السنة، وتغيرات البيئة، واختلاف المناخ، وبعضهم يتعرضون للاكتئاب في الشتاء، ثم ما يلبثون أن يعودوا إلى حالتهم الطبيعية مع قدوم فصل الربيع.

كبار السن والاكتئاب:

ربَّما يُمثل المسنون أكثرَ الفئات العمرية تعرضًا لحالات الاكتئاب؛ بسبب التقاعد وانفصال الأولاد، وتراجُع الحالة الصحية، وعدم القُدرة على المشاركة في الأنشطة الاجتماعيَّة، والعزلة[11]، كما أنَّ هناك سببًا مهمًّا، وهو فُقدان الشعور بالاهتمام؛ إذ تنطفئ الأضواء عن الشخص عند إحالته للتقاعُد في بعض المجتمعات، ويكف الهاتفُ عن الرَّنين، وربَّما ينشغل كثير من الأصدقاء عنه، وهذا يشكل صدمة غير متوقعة، وخاصَّة من الذين أحسن إليهم وخدمهم؛ فقد يتعرض المسن للإصابة بالاكتئاب لهذا السبب.

ولا بد أن يكون دور الأبناء في هذه الحالة إيجابيًّا، فيجب أن يولوه العناية، ويمنحوه كثيرًا من الاحترام والتقدير؛ حتى لا يتفاقم الأمر، ويبدأ التفكير بالانتحار.

يقابل هذه الحالة بالنسبة للمرأة اكتئاب سن اليأس، وهو أمر معروف لدى بعض النساء، ويفضل مراجعة الطبيب النفسي؛ للتأكد من الحالة وإعطاء العلاج اللازم.

اكتئاب ما بعد الولادة:

يحدث هذا النوع من الاكتئاب عند بعض النساء بعد الولادة، وأحيانًا خلال فترة الحمل، ولا بد من مراجعة الطبيب، وعدم تناول العقاقير الطبية إلا من خلال الإشراف المباشر له؛ إذ لا ينصح بتناول الأدوية إلا في حالات خاصة جدًّا يقدِّرها الطبيب المختص.

كما يَجب الانتباه هنا لحالات الاكتئاب الطارئة التي تسبق الدَّورة الشهرية عند المرأة؛ لأن عدم تفهم هذا الظرف الطارئ قد يؤدي إلى خلافات بين الزوجين ليس للمرأة ذنب مباشر فيها، ومع تفهُّم الزوج للأمر، ومُراعاة الحالة النفسية لزوجته، في تلك الأيام التي تسبق الدورة الشهرية، سيؤدي ذلك إلى تلاؤم نفسي أكبر، وتجاوز لكثير من المشكلات الزوجية.

علاقة الاكتئاب بالصداع النصفي:

توصَّل بعض الباحثين إلى وجود علاقة بين الصُّداع النصفي والاكتئاب؛ حيث لاحظوا إمكانية تعرض مريض الاكتئاب للصداع النصفي؛ لكنَّهم لم يستطيعوا الجزم بذلك على سبيل اليقين، كما أنهم لم يستطيعوا أن يعرفوا أيَّهما يتسبب في الآخر، أو بمعنى آخر: هل الاكتئاب يؤدي للصداع النصفي، أو الصداع النصفي يؤدي للاكتئاب؟

وعلى أي حال يحسن التنبه لهذا الأمر خلال فترة العلاج.

علاج الاكتئاب:

هناك أساسيَّات في التعامُل مع المريض النَّفسي لا بد من مُراعاتها؛ لأهميتها ولأنَّها تسهم في الشفاء بشكل كبير بإذن الله؛ فالمرض قدر من الله - تعالى - على المريض، وهو بحاجة إلى من يقف بجانبه في مِحنته، وعادة يحتفظ المريض في مثل هذا المرض الطارئ، بالشكر والعرفان والوفاء لمن وقفوا معه، وقدروا ظروفه الخاصَّة، ولن ينسى مكافأتهم، بعد تَماثُله للشفاء، وعودة المياه إلى مجاريها.

ومما يحسن ذكره هنا أنَّ المريض النفسي يعترف بمرضه غالبًا، ويُحاول البحث عن مخرجٍ من أزمته، ووسيلةٍ لتخفيف مُعاناته، ويكون متعاونًا في أكثر أحواله، عكس المريض العقلي الذي لا يعترف بالمرض، ويتهم غيره به.

خطوات يجب اتباعها لمساعدة المريض على تجاوز المحنة:

1- علينا أن نتفهَّم مشكلة المريض، ونلجأ إلى الطبيب لتشخيص الحالة؛ لأنَّ تحديد نوع المرض يحلُّ نصف المشكلة، والطبيب وحدَه هو الذي يقرر نوع الحالة؛ فقد تتداخل أعراض الأمراض النفسيَّة، وقد يتوهم المريض أو أهله بوجود مرض، ولكن الطبيب يرى عكس ذلك تمامًا، وسوف يفرق الطبيب بين الأعراض المصاحبة للمرض، كالصداع وآلام الظهر أو عسر الهضم[12]، وبين الشكوى الحقيقية للمريض، ويستطيع بأسلوبه المقنع أن يوضحَ للمريض أنَّ شكواه بسبب الاكتئاب، وليس لديه مرض عضوي.

2- سيقوم الطبيب بإعطاء العلاج اللازم، وغالبًا ما يبدأ المريض في التحسن بعد أسبوعين من العلاج، متجاوزًا مرحلةَ الشَّكوى من الأعراض الجانبيَّة البسيطة للعلاج كجفاف الحلق، و(زغللة) العينين، والإمساك، وغيرها، ولا تلبث هذه الأعراضُ أن تزول شيئًا فشيئًا، والفائدة التي يَجنيها المريض أهم من هذه الأعراض البسيطة، ويجب أن يفهمَ المريضُ وأهله أن أكثرَ أدوية الاكتئاب لا تسبب الإدمان، ويُمكن للمريض إيقافها عندما يقرِّر الطبيب ذلك، ومما يؤسف له أنَّ بعضَ الناس يخوِّفون المريض من الدواء، فيتركه دون علم الطبيب، وتبدأ حالته في الانتكاس والتراجُع، ويبدو لي أن أهم ما في الأمر هنا أن يكونَ الطبيب موثوقًا في دينه وعلمه.

3- يَحتاج المريض في هذه المرحلة إلى مزيد من الاهتمام وزرع الثِّقة، والترفق به، وعدم تعنيفه، وجرحه بالكلام، أو تعييره بمرضه. 

والموقف الإيجابي تجاه المريض مِمَّن حوله، سيكون له أكبر الأثر في شفائه بإذن الله، كما تظهر أهمية الثقافة الطبية للأهل، ومعرفة أبعاد المرض، وأهمية العلاج منه، مع اتِّباع توجيهات الطبيب في كيفية التعامل مع المريض.

أنواع العلاج:

1- الأدوية: يقوم الطبيبُ بتحديد نوع الدواء والجرعة، ومن الخطأ استعمال الأدوية التي ترد في المجلاَّت والصُّحف، والتي عادة ما تذكر على سبيل المثال، أما تحديد نوع الدواء فمرتبط بقرار الطبيب النَّفسي، وقد يختلف من مريض لآخر، وعلى الأهل أن ينتبهوا للمريض، فقد يلجأ أحيانًا لأخذ جرعات كبيرة من الدَّواء، كما لا ينبغي اتِّخاذ موقف سلبي من الدواء دون الرُّجوع للطبيب؛ فلكل مريض وضعه الخاص، والطبيب هو الذي يقرر إمكانية تغيير الدواء أو إيقافه.

فائدة:

الشعير يعالج الاكتئاب: 

وجد بعض الأطباء أنَّ للشعير فائدة ملحوظة لدى بعض مرضى الاكتئاب، وهذا مصداق حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "عن عائشة - رضي الله عنها - كانت تأمر بالتلبينة للمريض وللمحزون على الهالك، وكانت تقول: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن التلبينة تَجُمُّ فؤاد المريض، وتذهب ببعض الحَزَن))"؛ صحيح البخاري.

2- الحوار والنصيحة: بعض الأطباء يقومون بمعالجة المريض بالحوار والنَّصيحة والمناقشة، من خلال جلسات مُنتظمة يعقدها الطبيب مع المريض، ويُعطيه الفُرصة كاملة؛ ليعبر عن مشاعره، ويحدد مخاوفه ومعاناته؛ حيث من خلال حديثه يستطيع الطبيب أن يحدد الأفكار السلبيَّة لدى المريض، ويقوم بمعالجتها بناء على ذلك، ويبث الطبيب الطمأنينة في نفس المريض، ويظهر التعاطُف التام معه، ويذكره بأهمية الإيمان بالقضاء والقَدَر، وأن ما يحصل له لا يكاد يذكر؛ قياسًا على ما يعانيه مرضى آخرون، كما يزرع الأمل في نفس المريض ويشجعه على مُمارسة عمله، وأن يعيشَ حياته الطبيعية، مع الاهتمام بالترويح عن النفس، والقيام ببعض النزهات والسفر، وغالبًا ما تكون هذه الطريقة مترافقة مع الدواء، وقد يملك المريض الجرأة، فيشتكي من بعض الانعكاسات السَّلبية للمرض، وأهمها الضَّعف الجنسي، الذي هو حالة طارئة سرعان ما تزول عند انتهاء العلاج.

3- الجلسات الكهربائية والمغناطيسية: يرى كثيرٌ من الأطباء أنَّ العلاج بالكهرباء قد أفاد عددًا كبيرًا من المرضى بشكل جيد، والطبيب الاستشاري وحدَه هو الذي يقرر إمكانية علاج المريض بالكهرباء، ويشترط لعلاج كبار السن سلامة القلب والعظام، وما زال بعض الأطباء لا يشجعون على هذا النوع من العلاج، مع أنَّه سهل وميسر، وتأثيره أسرع من الأدوية.

كما أكد باحثون على نجاح أسلوب جديد لعلاج الاكتئاب، وذلك بتوجيه دفقات من الطاقة المغناطيسية للجمجمة، وسيكون ذلك بمثابة توجُّه جديد لعلاج الاكتئاب، خاصة في بعض الحالات التي أخفقت معها الأدوية التقليدية.

العلاج عبر (الإنترنت):

وهذه بُشرى إلى الذين ما زالوا يتحرَّجون من مراجعة الطبيب النفسي، فقد صار بالإمكان تلقي العلاج عبر (الإنترنت)، دون الحاجة لمراجعة العيادة، ولعل من إيجابيَّات هذه الطريقة أن المريض يُمكن أن يكونَ أكثر جرأة وصراحة؛ بسبب التخاطب عن بعد، ولكن ينبغي الحذر؛ لكي لا يقع المريض فريسة لبعض المواقع التِّجارية، أو مَن يتَّخذون هذه الطريقة وسيلة لابتزاز الناس.

وخلال فترة العلاج بجميع أنواعه، يجب أن ينتبه الأهل إلى بعض الأمور التي يطلبها مريض الاكتئاب، كإجراء عمليات التجميل؛ حيث لا يجوز أن يتمَّ ذلك إلا بمشورة الطبيب النفسي؛ لأنه رُبَّما يرى المريض أنَّ العملية لم تعجبه، ويطلب من الطبيب إجراء عملية أخرى، أو يطلب من الطبيب أن يتحمَّل نفقات العملية السابقة.

الاكتئاب والأمراض الأخرى:

قد يترافق الاكتئاب مع أمراض أخرى، وتشخيص الطبيب هو الذي يحدد تلك التداخلات، وقد يتناوب الاكتئاب مع الهوس (mania )، وهناك علامات للهوس يُمكن لأهل المريض ملاحظتها، وأهمها:

1- كثرة الكلام.

2- الأرق. 

3- الانشراح الزائد بلا مبرر. 

4- العصبية لأتفه الأسباب.  

5- المبالغة في الملبس والتزيُّن، مع الإسراف.  

6- كثرة الخروج والحركة.  

7- الغرور الزائد.  

8- التصرفات المحرجة.  

9- النقد اللاذع، والتعليق غير اللائق.  

10- النشاط الجنسي الزائد[13].

مسؤولية مريض الاكتئاب:

يتحمَّل مريض الاكتئاب مسؤولية تصرُّفاته، فهو يَمر بحالة طارئة، سحابة صيف ما تلبث أن تزول بإذن الله، إلا في بعض حالات الاكتئاب الشَّديد، الذي يُسمى: "الاكتئاب الذهاني"؛ حيث يرى الأطباء أنَّ التكليف مرفوع عنه[14]، ومما يؤسف له أن المريض قد يسعى لقتل نفسه أو غيره في هذه الحالة.

التحدي والأمل الباسم:

عزيزي القارئ، أنت جزء من الثروة الإنسانيَّة، لك موقعك ودورك وأهميتك، أهلك وزوجتك وأولادك وأصدقاؤك ومحبوك بحاجة ماسة إليك، يسعدون لسعادتك، ويَحزنون لحزنك، فابتسم للصِّعاب، واصبر وتحمَّل من أجل غيرك على أقل تقدير، واعلم أن صحَّتك وراحتك النفسية أهم من مال الدنيا.

إنَّ لذَّة الحياة بالكفاح والبذل، بعد تحقيق رضا الله - تعالى - والحياة عُسر ويُسر، ولن يغلبَ عسر يُسرين، كل ما هنالك أن عليك بذلَ وُسعِك؛ لتكون الأحسن دائمًا، أعد ترتيب أوراقك، ولا تلتفت إلى الوراء، تخيَّر أصدقاءك، ووطد علاقاتك مع من تثق بهم، واختر إنسانًا ترتاح له، وتجاذب معه أطرافَ الحديث، بثَّه همومك، وحَدِّثه عما يشغل بالك؛ فالتفريغ مهم، ويُساعدك على تحقيق الرَّاحة النفسية، ابتعد عن الأجواء المشحونة، واخرج لعملك مبكرًا؛ حتى لا تضطرَّ لأن تسرع بسيارتك أو يزعجك أحد، اذهب بنزهة مع زوجتك وأولادك، أو رحلة ترويحية، كما لا تنسَ أن تُمارس رياضتك المفضلة، اكتب مذكراتك وتخيَّر المواقف الحلوة، والذكريات الجميلة، وتحدث عنها، ألقِ خلفَ ظهرك الهموم والذكريات المحزنة، وكن متفائلاً دائمًا:

أَلاَ  إِنَّمَا  بِشْرُ  الْحَيَاةِ  تَفَاؤُلٌ        تَفَاءَلْ تَعِشْ فِي زُمْرَةِ السُّعَدَاءِ

َجنب رُؤية المسلسلات الدرامية المحزنة، أو مُشاهدة الأخبار التي تحتوي على مشاهد الكوارث والعُنف، اقرأ القرآن الكريم، وتدبَّر آياته، وعليك بحسن التوكُّل على الله، ومارس هواية مُفيدة، واقرأ القصص المفيدة المبشِّرة، وأسهم في المشاريع الخيرية ومُساعدة المحتاجين، كن بارًّا بوالديك، وأحسن إلى أهلك وجيرانك، وصل أرحامك؛ فَلِصلة الرَّحم والإحسان إليهم أسرارٌ عجيبة، ولا تنسَ الصدقة؛ فإنها تُطفئ غضب الرب - سبحانه - وفيها دواء وشفاء بإذن الله، وقم بنشاطات اجتماعية، وأعمال خيرية، تجعلك تشعر بأنَّك تقدم الكثير للمجتمع من حولك.

اضبط نظامَك الغذائي، وحاولْ أن تنام مبكرًا؛ لتأخذَ القسط المطلوب من النَّوم، وتنهض إلى صلاتك وعملك نشيطًا، طيب النفس.

وتذكر دائمًا أن القناعة كنز لا يَفنى.

أخيرًا:

علينا أن نتخطى حاجز الخوف، ونتجاوز عقدة الحرج في مراجعة الطبيب النفسي عند الشعور بأيِّ أعراض تدُلُّ على عدم التوافق والانسجام مع النفس، أو مع الآخرين من حولنا، فكثير من الناس عادت لهم الابتسامة الحلوة، ونهضوا من كبوتهم، واستقرت حياتهم في العمل، وفي محيط الأسرة بعد مراجعة الطبيب، والالتزام بتوجيهاته، ومن يطرق باب السعادة، تبتسم له الحياة.

عناوين مصاحبة للموضوع:

- تعاون الأهل له الدَّور الأكبر في مساعدة المريض على تجاوز المشكلة.

- تشخيص المرض خطوة مهمة نحو الشفاء. 

- يجب أن تتغير النظرة إلى الطبيب النفسي.

- الاكتشاف المبكر للمرض يساعد على الشفاء.

- إذا استمر الحزن مدَّةً طويلة، فإنه يتحول إلى مرض الاكتئاب.

- الخلافات الزوجية تُعرض الأبناء للإصابة بالاكتئاب. 

- الصدمات العاطفية تجعل النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.

- نقص الغذاء في الجسم قد يؤدي إلى الاكتئاب. 

- بعض الناس يتعرضون للاكتئاب الموسمي. 

- المسنُّون أكثر عرضة للاكتئاب بعد سن التقاعد. 

- يجب الانتباه لاكتئاب ما بعد الولادة. 

- التوقف عن أخذ الدواء دون الرجوع للطبيب يُؤدي إلى انتكاس المريض. 

- العلاج عبر (الإنترنت) يُعطي فرصة أكبر للصراحة مع الطبيب. 

- العلاج بالجلسات الكهربائية أفاد عددًا كبيرًا من المرضى.

- مَن يطرق باب السعادة، تبتسم له الحياة. 

- مريض الاكتئاب مسؤول عن تصرفاته.

- أدوية الاكتئاب لا تسبب الإدمان.

- الطب الحديث:

الاكتئاب يضعف الجهاز المناعي عند الإنسان.

              

[1]   "منظمة الصحة العالمية"، الاضطرابات الاكتئابية في الثقافات المختلفة، صـ1.

[2]   د. عادل صادق، "في بيتنا مريض نفسي"، ص121.

[3]   المرجع السابق، ص14.

[4[4]   د. عبدالله الخاطر، الحزن والاكتئاب في ضوء الكتاب والسنة، ص15.

[5]   "المؤتمر الدولي السادس لمركز الإرشاد النفسي"، جامعة عين شمس، ص1056.

[6]   د. عادل صادق، مرجع سابق، ص193.

[7]   د. حسان المالح، "الطب النفسي والحياة"، ص 43.

[8]   د. عادل صادق، مرجع سابق، ص89.

[9]   هنري شابرول ، "المراهقة والاكتئاب"، ص25.

[10]   المرجع السابق، ص 11.

[11]   "المؤتمر الدولي السادس"، مرجع سابق، ص1058.

[12]   د. حسان المالح، مرجع سابق، ص85.

[13]   د. عادل صادق، مرجع سابق، ص 122.

[14]   د. عبدالله الخاطر، مرجع سابق، ص21.