رسائل الإصلاح

(12)

الجهاد في سبيل الله

2- مراتبه وأنواعه

د. موسى الإبراهيم

[email protected]

قال الله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.

لقد سبق أن تكلمنا عن مكانة الجهاد في سبيل الله وفضله وآثاره في عزة الإسلام والمسلمين ورفع شأنهم ونتكلم اليوم إن شاء الله عن مراتب الجهاد وأنواعه وأحكامه حسب أحوال الأمة الإسلامية والواقع الذي تعيشه. ومن هذا المنطلق فللجهاد مراتب ودرجات وأول درجاته:

1-   الجهاد بالقلب. وذلك بأن يكون قلب المسلم متشبعاً بالإيمان بالله عز وجل وعامراً بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم والجهاد في سبيه وقد امتلأ هذا القلب بفضائل الإسلام ولم يبق فيه متسع لغير ذلك.

هذا القلب عندما يرى منكراً وظلماً أو معصيةً لله أياً كان نوعها يشمئز ويغضب وتظهر آثار ذلك الإنكار على وجه صاحبه وتلك أدنى درجات الجهاد ومراتبه فمن لا ينكر المنكر بقلبه ومن لا يغضب لله عندما تنتهك حرماته فليس عنده شيء من الإيمان فقد جاء في الأثر أن الله عز وجل أمر جبريل عليه السلام أن يخسف الأرض بقرية ظالمة ممن كان قبلنا فقال جبريل عليه السلام: أي رب إن فيهم فلاناً الذي لم يعصك قط فقال الله تعالى: ((به فابدأ فإن وجهه لم يتمعر فيّ قط)).

2-   الجهاد باللسان. ويأتي بعد جهاد القلب وإنكاره الجهاد باللسان بحيث يقوم المسلم بالدعوة إلى الله تعالى ونصرة الحق بلسانه وبيانه ولا يخاف في الله لومة لائم.

 ومجالات الجهاد باللسان كثيرة جداً ومنه:

أ- الدعوة إلى الله تعالى ببيان حقائق الإسلام وشرائعه وفضائله.

ب- ومنها نشر العلم النافع بين الناس.

ج- ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعلى درجات الأمر والنهي أن يقف المسلم في وجه الحاكم الظالم ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله".

3-   الجهاد بالقلم: إن القلم أحد اللسانين كما قيل والجهاد به له مجال كبير وخصوصاً في هذه الأيام التي تطورت فيها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وتقدمت دور النشر والطباعة وكثرت الدوريات والصحف السيّارة وصارت الجريدة تطبع في آن واحد في قارات مختلفة متباعدة عبر الأقمار الصناعية المتطورة فأصبحت الكلمة تكتب في المساء وتشرق الشمس وقد وزعت هذه الكلمة على أصقاع واسعة من الأرض وصارت بتناول الملايين من الناس. في هذا الوقت يعظم دور القلم وخطره فمن نذر قلمه لبيان الحق والدفاع عنه وكشف الباطل وزيفه فقد وفق إلى درجة عالية من درجات الجهاد في سبيل الله تعالى.

4-   الجهاد بالمال: ولقد قيل قديماً: إن المال عصب الحياة. وكل عمل مهما قل شأنه لا بد له من تكاليف مادية حتى ينهض ويتم ويتكامل والجهاد في سبيل الله من أعظم أمور الحياة وأخطرها شأناً وللمال فيه أكبر الأثر وأقواه. لذلك نجد القرآن الكريم دائماً يقرن بين الجهاد بالنفس الجهاد بالمال والرسول صلى الله عله وسلم يقول: " من جهز غازياً فقد غزا ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا".

فالمعركة لها أثقالها وتكاليفها وأسر المجاهدين والمرابطين والشهداء لها احتياجاتها وتكاليفها كذلك وعندما يعلم المسلم أنه يوم يخرج للجهاد فإن أسرته وأبناءه مكفيون محميون ولن يتعرضوا لجوع ولا عطش ولا فاقة ولا هوان فإن هذا مما يزيده شجاعةً واستبسالاً وإقداماً. ومن رزق أن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله فذلك أعظم للجهاد وأعلاه ومن قعدت به نفسه عن الجهاد فلا أقل من أن يبذل المال لعون المجاهدين ورفع معنوياتهم.

5-   وأعلى مراتب الجهاد القتال في سبيل الله قتال أعداء الإسلام في ميادين الوغى وساحات النزال قال تعالى: ((كتب عليكم القتال وهو كره لهم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل".

وقد استنكر الله تعالى على القاعدين عن القتال في سبيله قعودهم وتخلفهم فقال سبحانه: ((وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً)). ولقد قطع الله عز وجل أعذار المخلفين من المنافقين وبين كذبهم وجبنهم فقال تعالى: ((ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين)).

كما قد بين الله تعالى أن المؤمنين لا يستأذنون للجهاد في سبيل الله وإنما يهبون إليه ويضعون أنفسهم وأموالهم تحت تصرف قيادتهم الإسلامية دون تردد ولا ضعف فقال تعالى: ((لا يستأذنك اللذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والله عليم بالمتقين.إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون)).

نعم يا إخوة هكذا كانت حياة سلفنا الصالح كلها جهاد وحركة جهاد بالقلب واللسان جهاد بالقلم والمال جهاد باليد والسنان وقد قطفوا ثمار تلك الحياة سعادة وعزاً ونصراً في الدنيا وكرامة عند الله وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين في الدار الآخرة.

أيها الإخوة: إن أردنا حياة كريمة أبية فهذا هو الطريق ولا طريق غيره وإن النفوس التي تطلب الموت توهب لها الحياة ولم يسجل التاريخ في دوراته المختلفة كلها مكانة لأمة استمرأت الذل والهوان ورضيت بالدون وتخلت عن القيم العالية ورسول الله صلى الله عليه

وسلم يقول: "إن الله يحب معالي الأمور ويبغض سفسافها". ويقول: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير استعن بالله ولا تعجز".

فالحياة الكريمة غالية الثمن ولن توهب للعجزة الجبناء.

أيها الإخوة:

تعالوا نقل للصعب أهلاً فإننا           شباب ألفنا الصعب والمسلك الوعرا
شباب إذا نامت عيون فإننا                  بكرنا بكور الطير نستقبل الفجرا
شباب نزلنا حومة المجد كلنا                ومن يغتدي للنصر ينتزع النصرا
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم