الحداثة صراع مع الذائقة و القضايا الوطنية
الحداثة صراع مع الذائقة و القضايا الوطنية
شعر: رمضان عمر
/ نابلس / فلسطينقد يبدو من خلال العنوان الجدلي أنني أحمل – مسبقا- تصورا رفضيا لمصطلح الحداثة ؛ واضعا إياه في دائرة الآخر البعيد ضمن رؤية ايديلوجية صارمة.. تزن الأمور ضمن فلسفة فكرية بحتة ، ليس لها علاقة بالأدب وفنونه.
أقول ،بداية، ليست عندي أية حساسية لكلمة حداثة بمفهومها التقليدي الو
اعد المستقبلي او المتجدد..
ولربما كنت – لو أن الأمر قد اقتصر على هذه الدالة- من أوائل المرحبين بهذا
المصطلح
فالحداثة من خلال معناها القاموسي - بمفهومها التقليدي البريء أمر بدهي ،
وسنة تاريخية ثابتة، مرافقة لمصطلحات العصرنة والتناسبات الزمنية المنسجمة
مع طبائع الذوق لدى الأجيال المتعاقبة.
لكن ، هل الحداثة ، كما يطرحها منظرو الحداثة، تدل على هذا المذهب السطحي
المتواضع؟ .. وهل لنا أن نقف على هذا التصور السطحي لمفهومٍ شكل ظاهرة
علنية… لها قراصنتها وأرباب عملها؟ .. أم أن النقد باعتباره استجابة نوعية
لطبيعة النص المكتوب سيبحث عن علائق النص كما فرضها النص ذاته.. وهنا أقول
: لعل الثاني هو الأنسب في الدرس الأدبي ؛ .. فثمة حاجة لتتبع كافة
الفضاءات المحيطة بالنص؛ من علاقات سياسية او فكرية او ايديلوجية .. - ان
وجدت- .. علها تسمح بدراسة اكثر عمقا وأكثر مصداقية .
وتكون الحاجة لهذا النوع من التتبع النقدي اشد الحاحا ، ان كنا بصدد ظاهرة
أعلن عنها منظروها أنها ثورة تغييرية ، وقفزة نوعية تتجاوز ( العدمية
التقليدية) وتستجيب لمتطلبات الحياة الحديثة في صراعاتها الثقافية
والسياسية والاقتصادية .
الحداثة التي نحن بصددها في هذا البحث، ابعد ما تكون من الدلالة التقليدية
المباشرة لما يمكن ان تدل عليه كلمة الحداثة مجردة؛ومن هنا فإن ما سنذهب
اليه ابعد بكثير مما تدل عليه هذه الكلمة المتواضعة.. ونذهب الى ما ذهبت
اليه الناقدة الاسلامية سهيلة زين العابدين
حماد (*) التي ترى :"ان الحداثة الموجودة على السـاحة العربية ليست قائمة
على التجديد والتحديث والتطوير وإنَّما هي قائمة على إلغاء كل ما له علاقة
بالإسلام ديناً وعقيدة، ولغة وتاريخاً وتراثاً ، إنَّها تستهدف اجتثاث جذور
الإنسان العربي المسلم وجعله تابعاً للآخر لا هوية له ولا قرار، تائهاً
ضائعاً ، وهذه حال الحداثيين العرب" .
هذا النص المنقول من باحثة اسلامية الاصول والتوجه لن يكون ذا قيمة ما لم
تكن له انعكاسات في نصوص الحداثيين انفسهم وأراءهم النقدية
فهل صحيح ان الحداثة في أدبنا العربي يقصد بها معاداة الإسلام ولغته ،
ومخطط لها من قبل أعدائنا، وهل هي كما كشفت الكاتبة البريطانية "فرانسيس
ستوز سوندرز" في كتابها "من يدفع التكاليف" أن الإصدارات الحداثية ممولة من
قبل المخابرات الأمريكية؟؟.
ولإثبات أو نفي هذا الزعم يكفي ان نتتبع اعترافات أصحاب النص الحداثي والفكر الحداثي؛ لنصل الى دلالات بعينها حول الدلالة الحداثية والتصور الحداثي، وعلاقته بموضوع البحث ( الذائقة الشعرية وموضوعات الشعر الوطني) .
1- النص الحداثي لغة وأسلوبا
يبدو أن جزءا كبيرا مما يكتب ويوضع ظلما تحت خانة الشعر أصبح يكتب لتحقيق هدف واحد، ألا يقرأه أحد.. تلك هي أول طريفة تفجؤك وانت تتناول النصوص الحداثية من مشرق العروبة الى مغربها . وما تزال صيحة الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش التي أطلقها في بداية الثمانينات ترن في الآذان''أنقذونا من هذا الشعر!''، وكان ذلك في بداية الموجة المتهتكة التي ابتلي بها الشعر العربي الحديث، أما الآن فقد''طمى السيل حتى غاصت الركب'' كم قال إبراهيم اليازجي، وأصبح الأمر يقتضي صرخة جماعية مدوية لإنقاذ شعرنا العربي من الفراغ ومن تطفل قليلي الموهبة وقليلي الأدب معا.
والأغرب من هذا الاستتاج الحتمي في طبيعة الشعر الحداثي المعمم الذي تخفى اسراره على دهاقنة اللغة والبلاغة .. ولا تستصيغه اذن واعية الا بعد ان تكدس فيها الصمم ولفها الطمم. أقول : الأغرب في هذا أن أصحاب هذا النمط الشعري الذي سأقرئك شيئا منه ولن اثقل عليك بكثير غثه .. لا ينفكون يتناولون النصوص الشعرية القديمة بالسلخ والقدح والتقزيم ؛ زاعمين بأن الحداثة ثورة على القديم،والقديم شر بكليته ووباء يجب التخلص منه ودثره . ولا يتوقف أمثال أدونيس الذي فعل كل ما لا يتصوره العقل للحصول على نوبل عن سب الكبار بل يتطاول على القرآن الكريم والدين الإسلامي معتبرا أن الشعر الحداثي جواب على ما لم يسبق إليه الأولون ، ثم يقول في ''زمن الشعر'' إن القصيدة الحديثة تتطلب من القارئ أن يرتقي إليها لا أن تنزل هي إلى القارئ، وقد بقينا هاهنا، لا نزلت القصيدة ولا صعدنا ولا الرجل سكت هو وقبيله. فبأي شيء يبشر ادنيس وزبانيته ، وما الشيء الفوقي الذي يريدنا ان نصعد اليه .. اقرأ معي هذه الابيات لرمز من رموز الحداثة وانظر الى ( الصرح الادونسي العجيب) الذي يدعوننا ان نعرج اليه:
الطواويس والريشة الذهبية تلمع في
شمس عاصفة تتقلب بين هدوء من الصحو
والغابة المظلمة/
معي الماعز الجبلي المرنة في القوس
نسر السماوات، والذهب المطر، العنبر
المتورد بالدهشة اشتعلت فوق صفحته النار من
شرر ونبال وريش الصقور.
اهذا هوالنمط الشعري العلوي الذي يسبح الحداثيون بحمده
لقد (قام الشعر عند العرب مقام العلم، بل كان يمثل دور الراصد لكل حالات
المجتمع والحياة، وقد تعددت وسائل تلقي العربي لمختلف أنواعه. ومن أبرزها
القصيدة القديمة... فهل يطلب منا ادونيس وصحبه ان نخلع ربقة العلم من
عقولنا ونعود الى اتون الجاهلية الجهلاء بغيها وجحيمها لنصبح حداثين إن
المطلع على تراثنا الشعري القديم يلفت نظرة وجود علاقة واضحة بين...
الوسائل والنص الشعري القديم، وهذا ما انطلقت به مجموعة من النصوص التي
أوردتها المصنفات النقدية والدواوين الشعرية سواء على لسان المبدع (الشاعر
حينما كان يقرأ نصه على المتلقي أو يطلب منه أن يقرأ نص غيره، أو على لسان
المتلقي حين كان يرغب في سماع أبيات تنشد أو تغني بين يديه، أو حين يطلب أن
ينشده أحد أياها أو يغنيها في لحن جميل.
ان هذه العلاقة الحضارية بين النص المصوغ والفهم العملاق في واحة الابداع العربي في عصور الابداع الذهبية هي التي حفظت للذائقة الشعرية مكانتها وللمستوى النقدي مكانته وظل الشعر بخصوصيته الموسيقية ودفقاته الشاعرية يشكل نمطية نصية تغاير النصوص الاخرى حتى لو كانت من الناحية الفنية لا يستهان بها كالخطبة والمقامة.. وحتى حينما يقدم لنا أصحاب هذا النهج قصائد تبدو من خلال عنوانها أو من خلال النص الاضافي الذي يقترحه الكاتب – قصائد وطنية تأتي ممجوجة سمجة لا تناسب روح القضية ولا تنسجم مع طبيعة النص الجهادي المقاوم ، ولك ان تقرأ ان شئت قصيدة أدونيس ( ابو الحداثة العربي)( أفصحي أيتها الجمجمة -تحية للموت الفلسطيني)صحي، أنت أيتها الجمجمة *
تحية للموت الفلسطيني
أدونيس
شَحْمُ هذي السّماءِ كثيفٌ، وأزرارُها
تتفكّكُ في غابةٍ مِن شظايا.
أذرعٌ يتخاصمُ فُولاذُها وَإسمنتُها،
والعناصِرُ مخبولة تتخبّطُ ـ ما هَذهِ اللغةُ المُبهمهْ!
أفصحي أنتِ، يا هذهِ الجُمجمهْ.
شاشة لقياس التوحش عندَ الملائكِ، بَعدَ
السقوطِ إلي عالَم يدبُ علي بطنِهِ.
لازوردُ السماءِ وطينُ البَشرْ
مَسرَحٌ لهباءِ الصورْ .
للغُبارِ الذي سنسميهِ ضوءا وللصورةِ الآدميّهْ
لَبستْ أنجمُ اللهِ في ليلها البَدويّ
سَراويلَ أعراسِها :
عَضَلُ الأرضِ مُستنفرٌ
والغرائزُ في نشوَةٍ كوكبية.
** ** **
نصفُ ثَورٍ ونصفُ حِصانٍ
يَرضعانِ معًا ثَدي تُفاحةٍ
ـ (ربما ذكّرت بعضَهم
بغواية حوّاء) ـ حواءُ مُذاكَ في رِحْلةٍ
لم تعدْ بعد منها. سياجٌ
لعل السيد ادونيس قد توقع قبل ان يكتب هذه القصيدة ان الشعب الفلسطيني قد اعيته كل محاولات التضليل السياسية ولم يبق له سوى هذا النص السحري من ابي الحداثة ليكون النص كما اراده الفلسطينيون املا فوريا( كن فيكون) أية ذائقة ممجوجة، واية عبثية ساقطة يطالبنا بها هذا النص السيرايلي زاعما ان الانتصار لقضايا الأمة والاشادة بالذات نوع من العدمية والتضليل.. أهذا هو ما يبشر به أصحاب الحداثة . ان ادونيس الذي يرفض هو وأصحابه على الشعب المذبوح ان يطالب بحقه في وضح النهر ؛ فيعبث بنصوصه الممسوخة هو نفسه ادونيس الصريح الواضح في عدائه لحريات الشعوب المسلمة… ومساندة الظلم العلماني الاجرامي ، ولك ان تستمع اليه وهو يحدثنا عن خطر الحجاب مهددا المسلمين ومنذرا .. بل داعيا الغرب بان لا يتسامح مع هذا الاجرام الاصولي:
"لا بد من ان يعرف المسلمون الذين يتمسكون بالحجاب أن تمسكهم هذا يعني انهم
لا يحترمون مشاعر الناس الذين يعيشون معهم في وطن واحد، ولا يؤمنون بقيمهم،
وانهم ينتهكون اصول حياتهم، ويسخرون من قوانينهم التي ناضلوا طويلا من اجل
إرسائها، ويرفضون المبادئ الديمقراطية الجمهورية في البلاد التي تحتضنهم
وتوفر لهم العمل والحرية. ان عليهم ان يدركوا ان مثل هذا التمسك يتخطى
الانتهاك الى نوع من السلوك يتيح لكثير من الغربيين ان يروا فيه شكلا آخر
من اشكال الغزو...(ان انصار الحجاب هم) أقلية سياسية ، وعلى المسلمين
والغربيين ان يتعاملوا معهم ، لا بوصفهم ممثلين للدين، وإنما بوصفهم مجرد
حزب سياسي... (ان الحجاب ) خرق للانتماء الواحد أو الهوية الواحدة
المشتركة، رمز لإرادة الانفصال. لرفض الاندماج. توكيد على الهوية الخاصة
المغايرة، داخل الهوية العامة الموحدة. وفي هذا ما يمثل تحديا للشعور
العام، وللذوق العام، وللثقافة العامة، وللأخلاقية العامة...انه(الحجاب)
تجاوز الى شكل إعتدائي على الآخر، يتمثل في عدم احترام آرائه وافكاره
ومشاعره. إضافة الى الاستهتار بالمبادئ والقوانين العامة المدنية، وبالجهود
والتضحيات الكبرى التي قدمت من اجل تحقيقها... (ان الحجاب) ليس خرقا لقانون
الآخر وثقافته، وإنما قبل ذلك، امتهان للذات، وشكل آخر من الحياة لكن في
احضان الموت... التأويل الديني الذي يقول بفرض الحجاب على المرأة المسلمة
التي تعيش في مجتمع علماني يفصل بين الدين والسياسة، ويساوي بين الرجل
والمرأة، حقوقا وواجبات، إنما يكشف عن عقل لا يحجب المرأة وحدها، إنما يحجب
كذلك الانسان والمجتمع والحياة. ويحجب العقل. انه تأويل يمنح الحق لكثيرين
في الغرب ان يروا فيه عملا لتقويض الاسس التي ارساها نضال الغرب في سبيل
الحرية والعلمانية والمساواة. وأن يروا فيه مطالبة بإلغاء دور المرأة في
الحياة العامة، الاجتماعية والثقافية والسياسية، يتناقض كليا مع مبادئ
الحياة المدنية في اوربا والغرب. إنه، الى ذلك ، تأويل يعمل ، في التحليل
الاخير، على تحويل الإنسان والدين معا، الى مجرد أدوات في خدمة آلة سلطوية
يديرها طغيان اعمى.))....
هذا هو ادونيس العرب الحداثي وهذه هي اراؤه وهذا هو منهجه وأرضيته التي
يصوغ من خلالها قصائده
ان مشكلة الشاعر ادونيس ومعه الغالبية الساحقة من العلمانيين والحداثيين العرب، انهم ينطلقون من مفاهيم للديمقراطية والعلمانية قائمة على التبسيطية والثنائية المتطرفة التي تقسم الوجود الى (خير مطلق وشر مطلق) أي ان الذي معي تماما هو(الخير) والمختلف معي بأي مقدار لا بد ان يكون هو(الشر) !! اكبر تعبير عن هذه التبسيطية التلميذية في طروحات ادونيس انه اعتبر(الديمقراطية الفرنسية) هي المقياس المطلق للديمقراطيات الغربية ولعموم مفهوم الديمقراطية.
القصيدة الحداثية والوطن
لا أنكر أننا نعيش في عصر غريب بُددت فيه البدهيات وقلبت الموازين وولدت الأمةُ ربتها ، وصار الدفاع عن الثوابت جريمة نكراء يجرَّم عليها البسطاء ويقذفون من علٍ بكل مدمر سليط .
والوطن العربي كساكنيه.. يئن تحت وطأة التغريب ، ولا معين له ..
ونحن نعلم ان مجرد ذكر الوطن في دوائر البحث والاستشهاد سيوقعنا تحت ضغط
التأثير القمعي الموجه.. الذي يرى في الولاءات القومية والعربية والاسلامية
نمطية ارهابية تستحق قطع الشأفة والتطهير الفكري والغسيل الثقافي .
نواجه هذا بشدة من اعداء عُرفوا صراحة بأنهم الاخر المفترض في معركة الحضارة الازلية( كاليهود والامريكان) .. ولكننا نفاجأ –أحيانا- حين يكون حامل لواء الانكار والمطاردة لفلسفة الانتماء الطبيعية في وطن مهدد بالذوبان هم أرباب العقول الثقافية العلمانية.
صحيح ان الدعوة الى الذوبان ونكران الذات والتقليد المطلق وتطليق الوطن
والدين- في المنطقة العربية- قد بدأ حييا ولا يمثل الا القلة القليلة من
الكل الجمعي الثقافي المدرك لقيمة الوطن الباحث عن الحقيقة في دائراة الانا
بما لها وما عليها ، الا ان تعالي الاصوات من خفافيش الظلام في تزامن مريب
مع هجمة عسكرية ثقافية فكرية اجرامية شاملة على الكل الاسلامي تحمل بعض
الدلالات وتطرح جملة من التساؤلات .
ويبدو ان خلافنا مع العلمانيين في دائرة الثقافة قد تجذر الى حد الانفلات
.. ويبدو اننا سنشهد معركة حامية الوطيس بين الأنا الاسلامية المحافظة على
الهوية الثقافية والسياسية العربية والاسلامية ، وبين الآخر التابع( للهو)
الغربي في كل افكاره وتصوراته.
ولعلنا من خلال هذا التصور الشامل لطبيعة الصراع الثقافي بين أدبيات الفكر
الإسلامي وإحداثيات الاستغراب الثقافي في الجانب الآخر نقف حذرين أمام بعض
القراءات النقدية؛ فالترحيب الشامل الذي تهلل له الناقدة الفلسطينية سلمى
الجيوسي في كتابها (الأدب الفلسطيني المعاصر) لشعراء ما بعد الثمانينات
ينبئ عن طبيعة هذا التمايز ( الفكري ) بين ما تراه الناقدة وما نراه نحن؛
فهي ترى أن مرحلة الثمانينات هى مرحلة التخلص من الخصائص السلبية التي اتصل
بها شعر السبعينات لينتقل الشعر إلى مرحلة التحرر من النزعات التقليدية
السائدة وبروز شعراء مزودين بأدوات حداثية مثل خيري منصور ومريد البرغوثي
وأحمد دحبور .
وقد يغري السامع بعض التعليل الذي ذكرته الناقدة في تفضيل هؤلاء على غيرهم
؛ فهي تذكر أن فرسانها الفحول إنما تميزوا بفضل تطليقهم الكامل للصرخات
العالية المعبرة على الاحتجاج المأساوي وعبارات الغضب ، والقدح والتبجح
ليحل محلها صوت مهذب مدني في لهجة متحضرة هذه اللياقة التصويرية التي تبدو
وكأنها منهج نقدي متوازن ،تطرح حقيقة بعض الاسئلة العميقة حول دلالة
اللياقة والتطور في قاموس هؤلاء النقاد .
ونخن هنا بحاجة الى هذه المعرفة الدقيقة بهذه المصطلحات حينما نطبق بعض تلك
الدلالات أو الظلالات على كتاب الناقدة نفسها فنجد أنها قد ذكرت اسم
اسرائيل وأرض إسرائيل وشعراء اسرائيل( تعني شعراء الداخل درويش وسميح
وتوفيق وغيرهم) معترفة بالتغيير السياسي المفروض، راضية بهذا المزج العفوي.
ولعمري كيف يكون شاعرا فلسطينيا تحت هذا المسمى العجيب . إن هذا التهاون في
القضايا الوطنية والاستخفاف بدلالات الانتماء للدين والعقيدة والثوابت تحت
مسميات اللياقة والحضارة لهو أمر مريب مشين ، إن أولئك الذين يهربون من
واقعهم المأساوي تاركين ورائهم حقائق التاريخ تحت مسميات التأقلم الواقعي
والحداثة الحضارية لهم أشد خطرا على الوطنية من أعدائها المعروفين ، إنهم
يحاولون من خلال الكلمة الهادئة ومصطلحات اللياقة والحداثة والابتعاد عن
العاطفة أن ينسخوا كل ذاكرة ويكرسوا الواقع الاستعماري الجديد؛ وإلا كيف
يمكن لإنسان احتلت أرضه وهج شعبه ر وشرد ، ثم حين يكتب عن تاريخ أرضه
وثقافة شعبه يصف العدو بالوصف الذي أراده العدو ؛ فيقول في أكثر من موقع
شعراء إسرائيل والشعراء في إسرائيل هل تريد الجيوسي منا أن نذعن للمطلب
الصهيوني الغاشم ونستحيب للأمر الذي اراده العدو فنزعم : بأن حقنا التاريخي
سيسقط بالتقادم أم أنها تخشى لو أنها ذكرت فلسطين بمسماها الحقيقي، فقالت:
شعراء فلسطين في الارض المحتلة، ستخرج عن لياقتها وتصبح غوغائية ظلامية أم
يريد منا السيد مريد البرغوثي أن ننسى آلامنا المتكدسة لا لشيء سوى أننا
-عندها- نصبح في نظر العالمين أمة حضارية تحترم الأولويات وتعزف عن الباهت
والممضوغ ، لذلك ينكر على الشعر الوطني أن يلتف حول الذات الفردية
والجماعية ويعتبر ذلك منزلقا خطيرا في مستنقع المثالية .وشاعرنا الحداثي لا
يحب أن يرى الوطن صنما تقدم له آيات المديح ولا تروقه الوشاحات الغنائية
التي تمجد الحجر والبندقية والانتفاضة .
قد نتفق مع الشاعر بأن الوطن فيه من يخطئ ومن يصيب، من يقسو ومن يحلم، لكن
الوطن من خلال بعده الرمزي لا يجوز أن يجلد أو يحاكم فهو فوق النص
لاعتبارات لا تطرح على بساط البحث من خلال عبارات الصح والخطأ والأروع
والأجمل … إننا لا نستطيع أن نطالب قبائل الهوتو بالتخلي عن أوطانهم
واستبدالها بشلالات نياجارا لأن الثانية في عرف الحضاريين هي الأجمل إن
الوطن بقعة جغرافية تمتد فيها ذاكرة انسانية بحتة تمثل الأنا التاريخي
الأنا القومية الأنا المتسلسلة في شكلها الحضاري الممتد .
هذه الأنا تعالج داخليا ضمن برامج الإصلاح أو ثورات التحرير . هذه الذاكرة
القصيرة في تحديد علاقات النص بالوطن وادعاءات التجرد تحت مسميات الحداثة
واللياقة هي التي جعلت علاقة الحداثي بالوطن علاقة نفور واستخفاف وبدت
رغباته الخاصة التائهة تحمله إلى عالم وهمي لا قرار له؛ فلا عقيدة تربطه
ولا ذاكرة تحضنه إذا لم يبقى له سوى التيه والضياع والهذيان . ومن هنا كان
اختيار الشاعر مريد البرغوثي للغة التجسيد ، اللغة المادية المحسوسة
والنفور من اللغة الشاعرية المعبرة عن الخلجات والمشاعر استجابة حتمية
للمنطلق المادي الذي استبدله بالاسلام والعقيدة.
الحواشي
(*) رئيس لجنة الأديبات الإسلاميات في رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
من مقالة بعنوان ، أكلوني البراغيث! – بقلم ذ. إدريس الكنبوري ، التجديد ، العدد 804
في مقال (كيف تلقى العرب القدامى الشعر؟) لـ(د. أدريس بووانوا
أنظر سلمى الخضراء الجيوسي موسعة الأدب الفلسطيني المعاصر ص 80
أنظر مجلة الكرمل الثقافية مريد البرغوثي صيف 1998ص 298
انظر المرجع السابق ، ص298
انظر المرجع السابق ، ص306