انتصار غزّة... واندحار الغُزاة
د. بلال كمال رشيد
كامرأةٍ حامل تلد بعد آلام حمل ومخاض ولادة ، كطالبٍ محب للتميز والتفوق كدَّ وتعب وسهر الليالي مجداً ومجتهداً استعداداً لكلِّ امتحان ، كمريضٍ عانى من مرضٍ فصابر واصطبر وقاوم الألم ، كانت غزّة ولودةً ودودةً وهي تلد هذا النصر بعد ذاك المخاض ، و نجحت في الامتحان الصعب بتفوق وامتياز ، وانتصرت على المرض وانتزعت الخوف المزمن الخبيث الذي سيطر على الأمة شطراً من الزمن ، وأبادت وهم القوة الحديدية ، فقابلتْ الحديد بالحديد، وبقوة نفسٍ، و رباطة جأشٍ، فقهرت عدواً ،وأعزت أمّة، وحافظت على طهارة أرض من تدنيس يهود ، ورفضت شروط عدو ، وفرضت أساسيات حياة وعز وكرامة.
قد يستكثر بعض العرب- للأسف- ويستنكر شعار : (وانتصرت غزّة ) وهو يُعدد الشهداء والجرحى والضحايا وما حصدته آلة التدمير فلا يرى علامة نصر ولا دليل قوة ، وهؤلاء هم المحيطون بنا ، المحبطون لنا ،الصاغرون الذين ارتضوا الذلَّ والرضوخ ، وهم إلى الأعداء أقرب من الأصدقاء ، بل هم العدو الأقرب وهم يكسرون ويحطمون مجدايف مراكب النصر .
تنتصر غزّة و تهبُّ من ألمٍ إلى فرحٍ ، تتغلب على جراحها وهي ترى النصر شاخصاً على أرضها وفي سمائها وعلى بحرها ، تفرح غزّة وتختلط دموع الحزن والفرح ، ويصدح الحق في فضائها ، يلتئم الجرح، وتلهج الألسنة بالحمد والشكر؛ لأن غزة بقيت على قيد الحياة والعزة والكرامة ، لأنها نجحت ونجت ولم تجنح إلى استسلام ، ولم تَرضَ بالدنيّة ولم تُرضِ الأعداء وأصدقاء الأعداء باتباع ملتهم ، فرحت غزّة وخرجت بصوتٍ واحدٍ يُكبّر ويهلل ، وابتهج الأحرار في العالم بنصرها ، فرحت غزّة وتكلمت ، وخنس العدو ولم يملك رداً ولا جواباً، فمنْ المنتصر اليوم ؟؟!!
ما أصدقَ تلك المرأة التي خرجتْ لتقول : ( يهدمون سنبني ، يقتلون سنُخلّف ونلد ، وسنحيا بالمقاومة ، وسنُعيد الأقصى )
ما أدناك يا أقصى وما أقربك !!
وما أطهرَ دمَ ذلك الرجل وقد نالتْ منه القذائف ما نالتْ ، فغسلته الدماءُ وخرَّ ساجداً لله !!
ما أكبرَ ذلك الطفل الذي فقد أهله جميعاً، و رفع شارة النصر وتحدى ووعد بالثأر!!
نعم نعجبُ ونتعجبُ من بسالة أهل غزّة ، نعجب من هذه القوة، وهذا العزم، وهذا اليقين ، نعجب من وحدتهم واتحادهم واتفاقهم على المقاومة ، فما سمعنا كلمةَ عتابٍ واحدةٍ، ولم نرَ علامةَ غضبٍ على المقاومة ، بل كان العتب والغمز واللمز من خارج غزّة ، ومن بعض العرب الذين كانوا وبالاً على العرب كافة .
منْ لمْ يُصدق انتصار غزّة من أهل غزّة وأحبابها فليسمع إلى صمت الأعداء وإلى صوتهم ، ليسمع ما قالوا ، وليقرأ ما سطروا ، فإذا اجتمع أهلُ غزّة على كلمة النصر ، فقد تفرقتْ كلمةُ الأعداء ، وبانتْ عوراتهم ، وتباينتْ مواقفهم ، ليقرأ هؤلاء العرب نصر غزّة في هزيمة الأعداء .
انتصرتْ غزّة واندحر الغُزاة ، وستُفتح منافذُ الحياة لأهلها ، سيخلف الشهيدَ مجاهدٌ ، ستلتئم الجراح ، ستُبنى غزّة ، وستفتح غزّة حدودها للأقصى ، ولن يضيعَ حقٌ وراءه مطالب ، ولن يخيبَ أملٌ دافعهُ عمل ، ولن يُخلفَ الله وعده ، سيرونه بعيداً ، وسنراه قريباً قريباً ، ولنعش فرح الأمّة بانتصار غزّة واندحار الغُزاة.