سقوط الأقنعة الإسرائيلية في حرب غزة
جميل السلحوت
واضح أن القادة الاسرائيليين مصدومون من نتائج حربهم الأخيرة على قطاع غزة، فهم اعتادوا على شنّ حروب استباقية متى وأينما شاؤوا، ويديرونها على أراضي غيرهم وبعيدا عن مواطنيهم، ولا تكلفهم خسائر تذكر، ومن خلال هذه الحروب كانوا يخرجون من أزماتهم السياسية والاقتصادية، فأصبحت هذه الحروب عقيدة سياسية وعسكرية عند القادة الاسرائيليين معتمدين على تفوقهم العسكري، وخذلان الأنظمة العربية في مواجهتهم، وتسويق سياساتهم بطاحونة اعلام هائلة تغطي العالم، ليظهروا أمام العالم كضحايا وليس كمعتدين. ويساعدهم في ذلك الموقف الأمريكي الداعم لهم بلا حدود.
غير أن اسرائيل صدمت بحربها على لبنان عام 2006 عندما واجهتها القوة الصاروخية للمقاومة اللبنانية والتي طالت مدنا وتجمعات سكنية اسرائيلية، وأوقعت خسائر فادحة بآلة الحرب الاسرائيلية.
لكن حرب اسرائيل الشاملة الأخيرة والتي شنتها على قطاع غزة في 7 تموز الماضي، سارت على غير ما يتمناه قادة اسرائيل العسكريون والسياسيون، وقلبت الكثير من الخطط والنظريات العسكرية والسياسية الاسرائيلية، فرغم الاستعمال المفرط لأسلحة الدمار الاسرائيلية والتي استعملت فيها مختلف الأسلحة التدميرية، ورغم تعمدّهم استهداف المدنيين ودور العبادة والمدارس والمستشفيات وبيوت السكن الآمنة، والصحفيين والمكاتب الصحفية، لالحاق أكبر عدد من الاصابات بالمواطنين، إلا أنهم فشلوا في القضاء على المقاومة، أو الخلاص من أسلحتها. كما أعلنوا في بداية وأثناء الحرب.
وهذه الحرب قلبت السحر على الساحر، فرغم الخسائر الفلسطينية الفادحة في الأرواح وفي الممتلكات، ورغم التفوق العسكري الاسرائيلي الهائل، إلا أن أسلحة المقاومة طالت المدن الاسرائيلية كاملة، وأجبرت ملايين الاسرائيليين الى اللجوء للملاجئ، أو النزوح من أماكن سكناهم كما حصل مع سكان جنوب اسرائيل، وأصبح هؤلاء في قلب المعركة بعد أن كانوا يشاهدون حروب اسرائيل السابقة على شاشة التلفاز لأنها تدور بعيدا عنهم.
وقد أثبتت هذه الحرب بطلان الأكاذيب الاسرائيلية حول جدار التوسع الاحتلالي، والذي تسميه اسرائيل"جدار الأمن" فهذا الجدار لم ولن يحقق الأمن لأحد، ولن يجلب إلا المزيد من الأحقاد وتأجيج الصراع.
واسرائيل باستهدافها المتعمد للمدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ، واستهدافها للمنشآت المدنية أسقطت عنها ورقة التوت الأخيرة التي كانت تغطي عورتها، فقد نقلت الفضائيات المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين وممتلكاتهم الى العالم أجمع، ولم تعد الدعاية الاسرائيلية المضللة تخفى على أحد، مما دفع بعض دول أمريكا اللاتينية الى سحب سفرائها من اسرائيل، وخرج الملايين في مختلف أرجاء المعمورة متضامنين مع الضحايا الفلسطينيين ومستنكرين عدوانية اسرائيل. ووجدت اسرائيل نفسها في عزلة دولية ما كانت تفكر بها.
كما أن صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وصمود المقاومة عرّى بعض الأنظمة العربية التي جاءت نتائج الحرب على غير ما تتمناه، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية الى الضغط على اسرائيل لوقف الحرب لحفظ ماء وجه حلفاء أمريكا العرب.
لقد غيرت هذه الحرب مفاهيم كثيرة نأمل أن تستغلها الدبلوماسية الفلسطينية والعربية للوصول الى حلّ عادل ودائم للصراع الذي طال أمده، وقد أثبت الوفد الفلسطيني المفاوض في القاهرة جدارته وفهمه للموقف لتحقيق الأهداف المرحلية كفك الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة.
من كل ماسبق، هل هناك بعد من يريد قول (كلمة حق) في الرجل؟