في عالم مجنون
عبد الله خليل شبيب
من نظر إلى منطقتنا هذه يتراءى له أن عالمنا هذا عالم مجنون!
كثير من الأحداث فيه تدخل تحت خانة اللامعقول ..أواللامنطقي!
فهل من المعقول أو المنطقي – أو حتى المصلحي ..تعذيب عشرات الآلاف حتى الموت – أوترك المسجونين يموتون جوعا؟ ..ولو أطلقوا عليهم الرصاص فأراحوهم لكان أفضل لهم!!
وهل من المعقول والمنطقي ..ما يفعله من يقال إنه إنسان بمن يفترض أنه أخوه الإنسان .. من بشاعة فظيعة في القتل والنحر والتعذيب والتمزيق والتدمير والإهانة وامتهان البشرية والإنسانية والآدمية التي كرمها الله ؟ .. ( ولقد كرمنا بني آدم)!!
وهل من المعقول او المنطقي ..أن يحاصَر الآلاف ومئات الآلاف .. في غزة وفي مخيم اليرموك ..وغيره من المخيمات والمناطق .. على مدى طويل يموت فيه الكثيرون من الحصار من المرض والجوع .. وغير ذلك ويُقنَص فيه من يحاول التحرك أو الخروج ..وحتى الأطفال قنصهم المحاصِرون من شبيحة مجرم الشام ..ومنهم أطفال وطفلات!! ..
في عصر ترتفع فيه عقيرة الذين يصنفون على أنهم متحضرون .. ترتفع أصواتهم بدعاوى حقوق الإنسان ..إلخ؟؟! ولو كانوا إنسانيين حقا لهبوا لإنقاذ الإنسان من براثن الظلم والإجرام الذي لاحد له!
وكثير من الأوضاع كمن ينتحر أو يطلق النار على رأسه!..
وإلا فكيف يهون لحاكم بلد ..المفترض أنه بنى كثيرا من أجهزتها وبناها التحتية وغيرها .. بعرق وكد السنين.. وبجهود مضنية .. ويعتبر شعبه كأسرته .. ومع ذلك ينقض على منشآت الوطن تدميرا وتخريبا ..وعلى المواطنين تنكيلا وإبادة ..وتعذيبا بدون أية رحمة أو شفقة .. وبحقد لم يعرف له التاريخ مثيلا!!.. لا ندري ..أمثل هؤلاء بشر.؟؟ أشك في ذلك شكا كبيرا !!
.. وكذلك كيف يطاوع مواطن أي أوامر بقتل إخوانه في الوطن والدين واللغة ؟ ..وكيف يهون عليه تدمير منازلهم ومنشآتهم وحتى مساجدهم ..وهو يدعي أنه مسلم ..إلا أن يكون المضللون من أصحاب العمائم الزائفة الجاهلة .. أقنعوه أن هؤلاء كفار ..ومعادون ..وقتلهم وسلبهم وتدميرهم حلال!!
فيكون كالمخدرين ..كما يحصل في العراق وغيرها !
.. وكيف كذلك يرتكب البعض جرائم القتل وغيرها ضد مظاهرات سلمية ..ولا يكتفي بذلك .. بل يريد أن يلصق تلك الجرائم بأناس أبرياء لا دخل لهم في الأمر!..مثلا كمقتل المدعوة شيماء الصباغ[ تركز الأمر عليها لأنها ليست إسلامية الانتماء] فكأن الإسلاميين دمهم حلال ومهدور [ كفتوى الخنزير المفتري على جمعة: اضرب بالمليان!] ..وقد سبق طمأنة القتلة – من أعلى قياداتهم- أنه لن يمسهم سوء ولن يلاحَقوا على قتلهم الأبرياء!!
وقد شهد كثير من زملاء( شيماء - القتيلة) ومن حضر الواقعة أنها سقطت برصاص الشرطة .. ومع ذلك يراد إلصاق الجريمة بالإخوان ..وقتل مزيد من الأبرياء بأحكام القضاء الفاسد والمسيس ..!
وقد قتل منهم الآلاف نساء ورجالا وأطفالا في أكثر من مجزرة ..وفي مجازر يومية ..وكأنه لم يحصل شيء !.. فكأنهم لا بواكي لهم!! وكأن عدالة السماء غائبة!!" فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا"
..وحصل كثيرا أن توجه تهم إلى بعض الناس .. ثم يثبت أنهم حين ارتكبت الجريمة التي اتهموا بها – زورا وتدليسا - أنهم كانوا في السجن !!
والثورات المضادة تنتقم من الثوار ..كما في ليبيا واليمن ..إلخ !!
في ليبيا جيش بقيادة عميل المخابرات الأمريكية[ حفتر] انضم له حثالات من مجرمي فلول القذافي الذين يخافون إن استقرت الأوضاع ..وطالب المجني عليهم بحقوقهم ..أن ينالهم العقاب العادل ..! وكذلك بعض المغامرين والحاقدين ..ودسائس المخابرات الأجنبية والمعادية ..ومن وراء أؤلئك جميعاً ..وعلى رأسهم الموساد اليهودي المجرم!
وقد تعددت الجبهات المسلحة .. ولا تدري من مع من وضد من؟!
وكلما حصل تجمع على سلاح كوّن جبهة مستقلة !! حتى كادت ليبيا تصبح [ ليبيات!]..ومن غرائب الدنيا أن هنالك حكومتين ومجلسين وإدارتين ..إلخ ..
وفي اليمن أوضاع أعجب وأغرب .. فئة من المواطنين المنزوين المهمشين .. انطلقوا فجأة كالوحوش يعيثون في اليمن فسادا .. فألغوا كل المؤسسات الرسمية من الرئاسة إلى الجيش وجميع دوائر الدولة ..وهدموا الدولة القائمة .. ومما ساعدهم على ذلك تواطؤ عدوهم السابق معهم [ علي صالح] الذي سبق أن قتل –خلال رئاسته- مؤسس حركتهم المتمردة .. وكأنما يريد ذلك [ اللص المخلوع ] أن ينتقم من الثوار ومن الثورة التي خلعته ..وحرمته من سرقاته الضخمة .. فقد ثبت أنه سرق من أموال اليمن واليمنيين [60 مليارا] أي بمعدل مليارين سنويا ..وكأنه يريد بحركاته الأخيرة أن يحاول توريث ابنه الرئاسة !
..لا بد أن يوضع اسم [ على عبدالله صالح] على رأس قائمة المطلوبين الخونة المدمرين لليمن ..ولا شك أن مثل هذه المواقف .. تكشف أنه كان يدير اليمن لصالحه وصالح عصابته ومن معه ..وليس كدولة ذات مؤسسات لجميع المواطنين ..وإلا لما سعى لهدم دولة جثم على صدرها عشرات السنين ..ولا شك أن هنالك مؤسسات ومنشآت بنيت في عهده ..ومع ذلك حرض على تدميرها وأشرف عليه .. مما يثبت أنه لا انتماء له إلا إلى مصالحه – ككثيرين آخرين من أمثاله !!
لقد كان واضحا أن مغامرة الحوثيين كان مقصدها الرئيسي لجم الحركة الإسلامية (حزب الإصلاح= المسمى اليمني للإخوان المسلمين )!
ولذا فقد تم غض الطرف عن تمدد الحوثيين .. وحتى استحسان البعض لذلك – مبدئيا- .. وربما لم يكن يخطر ببال البعض انهم سيتغولون بهذا الشكل .. وقد ساعدهم تسهيل أتباع صالح لهم الاستيلاء على بعض معدات الجيش وأسلحته وآلياته !.. ثم المدد الإيراني ..وحتى الروسي .. فزحفواعلى الجنوب ..على عدن ..وسيطرواعلى باب المندب .. وما زالوا يتشبثون بالرغم من تغيرالمواقف ..وضربهم بالطيران ..
وقد قلنا من قبل -: إنك إذا أطلقت كلبا على فريسة فإنك لا تستطيع أن تحدد له ما يأكل منها وما يدع ! بل قد يزداد قرما وتوحشا .. وينقض عليك .. خاصة وأن أوامره ليست بيدك بل بيد من تعتبره خصما لك!
ولذا فقد شن الحوثيون الحملات على حزب الإصلاح ..وخربوا كثيرا من منشآته التربوية والخيرية وغيرها..وحتى المساجد وهدموا بيوت بعض القادة !..واحتجزوا كثيرا من قادته وأفراده .. ليرضوا بعض الأطرف ..وليخففوا من وقع الهجمة عليهم ..وليزيحوا من طريقهم منافسا قويا رئيسا ومهما !!..إلخ !
.. لم يبق للجهة الإسلامية الوسطية الشاملة السلمية ( الإخوان المسلمين) هذا الاسم والكيان إلا في الأردن ..وكانت الجهات المعادية لهم – منذ صدرت الأوامر وتم إعلان الحرب عليهم ووصمهم بالإرهاب – زورا وبهتانا وعدوانا!- .. وفي كل بلد لهم أسلوب مختلف ..وفي الأردن وضعهم مختلف عن غيره .. حيث يعتبرهم البعض جزءا من النظام .. ! لأنهم لم يواجهوه يوما بأي نوع من العنف أو الإساءة ..وقد كان الراحل الملك حسين.. يتبادل معهم الاحترام ..ويعترف بفضلهم دائما .. ولذا كان من الصعب منابذتهم بالعداء مباشرة ..وبدون مقدمات !
..ولكن اشتراكهم في المعارضة ..بل وتزعمهم لها على مدى سنين ..والمطالبة بالإصلاحات الجدية والجذرية .. لا مجرد الترقيع والتخدير!..إلخ ..أزعجت بعض الجهات .. !
ولم يجد( المقاومون للإخوان) إلا أن يتصيدوا عبارة هنا وكلمة هناك .. لمحاولة التحرش بهم أو إيذائهم.. كما استغل تعليق بسيط في تغريدة قل من يراها ..كافيا لإدخال بعض أهم شخصياتهم..وأكثرهم [ مناكفة] الأستاذ زكي أبو ارشيد!..إلى السجن .. بتهمة ما !
ثم كان اعتقال وسجن آخرين لصلات لهم بحماس !!
وكأن القرارالمصري –الذي أُبطل فيما بعد [ بإرهابية حماس] معتبر هنا عمليا .. وإن كان لم يصدر – نظريا - ما يؤكده..!!
.. مع أن الإخوان في الأردن في وضع لا يحسدون عليه ..فهم تحت الضوء ..ولا يشكلون خطراعلى أحد ..ويرفضون العنف بكل أشكاله ..ويحافظون على السلمية ..ويحضون عليها !!
ولا شك أن من فضل الله على الأردن أنه واحة أمن وسط محيط ملتهب مضطرب !! مهما كانت الأسباب !
.. ومع ذلك – ولوضعهم الخاص وتاريخهم المعتدل- حار المخططون في كيفية التخلص منهم أو ضربهم أو إضعافهم..إلخ ..
وكانت المفاجأة المذهلة ..أنهم أُتُوا من مأمنهم.. فقد قامت بعض قيادات وأعضاء منهم – وعلى رأسهم الأستاذ عبدالمجيد الذنيبات [ مراقب عام منتخب للجماعة على مدى 12 عاما] قاموا بخطوات غريبة .. شكلت طعنة نجلاء للحركة الإسلامية ..وتحاول إن تدخلها في إشكالات ومتاهات شتى .. مما جعل الجماعة تحتار ماذا تفعل ..وكيف تتقي خطر أعضائها ؟
مما جعل لسان حال الجماعة كما يقال( اللهم احمني من أصدقائي! أما أعدائي فأنا كفيل بهم)..!
لقد أغنت تلك [التحركات – في وقت حرج غير مناسب!] أغنت الأعداء عن كثير .. ومهدت السبيل لما قد يكون الكائدون قد دبروا .. وقدمت لهم مساعدات جلى .. لا يستبعد أن تُرّد [ للمشاغبين] في [ هبات ومكرمات معينة] ..وإن كان هناك من يعتقد أن [ تحركات جماعة الذنيبات ] كانت بتنسيق وتعاون مع جهات رسمية أو غير رسمية .. أو حتى سرية ..وقد تصل الظنون إلى حد [ غير معقول ولا مقبول]!! ولكنا نحسن الظن بالقوم لسابقتهم وخلفيتهم الفكرية والدعوية والتربوية والثقافية والعقدية..وأنهم غير متهمين فهم من الراسخين في الجماعة ..ولا نظن أنهم يتواطأون على شر .. فالعبرة بالمقاصد ..التي لا يعلم حقيقتها إلا الله [ والراسخون في العلم]!..ونقول إن أعمالهم ربما كان دافعها المشاكسة ..أو التحدي ..أو الظنون السيئة ..وربما اعتبارات أخرى – لا تدخل – مطلقا تحت الإسلام والعمل له والغيرة عليه ..وقد يكون بعضها اعتبارات جاهلية نتنة!!
.. المهم أن الميدان خلي[ لحميدان]!.. وانشغال العصب الرئيسي للمعارضة والاحتجاجات.. دفع الحكومة للسير في طريق خطر ..واتخاذ قرارات مصيرية كالتعاقد مع الدولة الهودية على استيراد غاز لمدة [ 18عاما ] يمبلغ 18 مليار!! وكذلك مشروع قناة البحرين ..وكذلك السير في طريق بناء مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء .. في بلد لا تتوافر فيه عوامل وقاية جدية ..وفيه من الفساد والمفسدين ماهو مستعد لبيع الشعب والبلد ..مقابل حفنة – أو حفنات- من الدولارات !
حتى ما يسمى [ مجلس الأمة ] مع أنه من تشكيلة خاصة لا تزعج أحدا ! ..أغلبه رافض لتلك الخطوات الخطرة التي تربط الأردن بالعدو ربطا مصيريا .. وتصب في [ عصبه ] ما يقوي به آلته العدوانية ..والتي لا تستثني الأردن من مطامعها .. على المستوى البعيد – أو الوسيط ..على أبعد تقدير .. ويجعل الأردن تحت رحمة العدو .. في أي لحظة يتغير [أي مزاج]!
إضافة إلى أن الغاز متنازع عليه – على أبسط الفروض ..إن لم نقل – بل نؤكد أنه حقوق عربية .. بين لبنانية ومصرية وفلسطينية !!
..وإن كنا ننصح [ الأردن]بتأجيل الدفعة الكبرى من ذلك[الثمن] إلى نهاية العقد ..لأنه قد لا يجد من يدفع له!! هذا إذا تركه المعتدون سالما!!