تمكين اللغة

عبد اللطيف الحسيني

عبد اللطيف الحسيني

[email protected]

عبداللطيف الحسيني وغسان جان كير

"عصرُنا هذا عصرُ الضيق ، أكلنا ضيّق ، شرابنا ضيّق ، زيتنا ضيّق ، مسكننا ضيق ، مرتبنا ضيّق ، تفكيرُنا ضيق ، قبرُنا ضيق ،   

 افتحوا الكون ....... سيقتلنا الضيق ! .

نحن قبل فواز الساجر و بعده ..

 عشقنا اللغة العربيّة , وعشقتنا , منذ طفولتنا من خلال مدارسنا التي كانتْ لها قدرة تعليميّة عالية في تحبّبِ العربية وتعزيزها فينا , وللعلم :لا لغة أخرى تنافسُها إلا الانكليزية التي كانَ يفشلُ الطلابُ في إتقانها حتى يصلَ  إلى أقصاه ,

وعشقنا لها وصلَ إلى أننا لمْ نتعلم الكردية التي كان يستحيلُ تعلمُها وإتقانها , فما كانَ منا إلا العشقُ للعربية , قرأنا من خلالها الإنسانية بأكملها قبل أية قومية . كون هذه اللغة لغة ( طه حسين ) البصير  فبل أنْ تكونَ  لغة ( الحجّاج) الدمويّ .

وتعزيزنا لهذه اللغة , منبعُه ومصبُّه عدم تمويت اللغات الأخرى , وكانَ من الأجدى القضاءُ المحتمُّ على مصطلحات جلبها الفاسدون الذين ملأوا الأرضَ جَورا وقبحا عظيمَين .

مبتهجين وفرحين , كانَ السياحُ والزوارُ القادمون إلينا ينبهرون بالتنوّع والثراء اللغوي , يجدون محلا كُتبَ عليه ( يعرب ) وبجانبه محل آخر اسمُه ( ولات ), وفي وسطهما محلٌّ اسمه (شمعون ) ,وبجانبه محل (لالش ), كان السائحُ ذاك منبهرا بهذا التعاضد . الآن ندعو هذا السائحَ لزيارتنا التي ستجلبُ الويلات لتفكيره , حيث لن يجدَ إلا محلات عديدة لكن بأسماء واحدة , واحدة من حيث اللغة الواحدة , بعد أنْ قضيَ على ذاك التنوع والثراء اللغوي للمحالّ , فكيف الحالُ إذا تغيرتْ أسماءُ أطفالنا من  ( آلان وغارا )  إلى ( عبد اللطيف وغسان ) , وسيكون العجبُ في أقصاه لو قرأنا آية ( ومِن آياته اختلافُ ألسنتكم وألوانكم ) المرنة التي تعترفُ بالآخر ليكون شريكا وأخا في كلّ شيء ما دام أنه يدافعُ عن أجلّ الكائنات : الإنسان .

فالقرآنُ الكريم  هو كتابُ العربية الأول , حين نقولُ إنه الأولُ , أي أنه حجّة يتمّسكُ بها الكلّ , لغويا على الأقل , لن نأتي بأمثلة كثيرة أعجمية من القرآن الكريم , فقط : ( السجنجل , السجيل , الجهنم , الفردوس .....) هذه كلمات...  أمثلة على أنها اعترافٌ من الله بالتعدد والاختلاف . وقد درسنا العصرَ العربيّ الذهبي ( العصر العباسي ) فهو ذهبيٌّ لأنه خليطٌ عربيٌّ امتزجَ بالحضارات الأخرى .

يأتي عشقنا للعربية وهذا ليس منّة لأحد ٍ علينا , , تعلمناها وعشقناها من القرأن الكريم : (  بيانه وإعجازه اللغوي )  , ومن الكثير من الشعراء والكتاب الذين درسناهم ,(  المعري والجاحظ ) الذي حبّبَ الإيثار ونبذَ الأثرةَ عند المرء الذي كرّه الجاحظُ فيه البخلاءَ الذين نفهمهم الآن , وهم الذين يدخرون الصفراءَ والبيضاءَ ويكرمون علينا باستعارة أسماء تلوّثُ و تسممُّ أسماعنا وثقافتنا وبيئتنا وعاداتنا والأتي من أيامنا قبل القادم منها , كان من السهل القضاءُ على عباراتٍ ملأتْ حياتنا ولوثتها وسممتها , من تلك الكلمات : ( السرسي : وتعني العاطل عن العمل بالتركية ) وكلنا  (سرسري ) بهذا المعنى   . ولا بالمعنى الشائع , وإنْ أردتم : بتنا ( سرسية ) بالمعنى الشائع أيضا , فمَنْ لا عملَ له قد يرتكبُ بعضَ الموبقات , فيكونُ ( سرسريا ) . و من الممكن بسهولة القضاءُ على مفردات باتتْ فصيحة من كثرة تداولها في الدهاليز ثانيا و مواجهة أولا , القضاءُ المبرم على ( حكللي ل حكلك ) وتعني لمَنْ لا علمَ له بها , بل الكلُّ يعلمُ : اعطني شيئا لا أستحقه , أُعطيك أشياء لا تستحقها . هذه الجملة  باتتْ حكمة وحكرا على الفاسدين منا , باتتْ هي التي تسيّرُ الحياة , وللعلم أنها تقضي على مَنْ يعيشُ على هذه الأرض بحياء ووئام , سهلٌ  القضاءُ على مقولة ( امشِ الحيط للحيط , وقول يا ربي السترة ) التي تجعلُ الإنسانَ خانعا ...نائما ...مخمورا لا يفكرُ حتى بقوت يومه , فكيف بغده الأكثر  بؤساً ؟ .  

هذا المقالُ لم يُدرج في  ( رثاء عامودا ) . الكتاب الذي لن ولا ينتهي .