إن الله شرع التدافع والقتال، ولم يشرعه
عمر حيمري
إلا لرد الظلم ، ودفع العدوان ، وتحقيق العبودية لله ، وتفويض الحكم له ، وإرجاع الأمر كله له وحده لا شريك له ، ولحماية العباد وحرية تعبد العباد ، والمحافظة على دور عبادتهم ، سواء مساجد كانت ،أو صوامع وبيع وصلوات . [ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ] ( سورة الحج آية 40 ) . انطلاقا من فهمي لهذه الآية ، أرى أن هدم الصوامع والبيع والصلوات جريمة ، لا تقل فظاعة وجرما عن هدم المساجد ومن ثم فهي تستدعي ويستوجب الجهاد لضمان حرية العبادة للمنقطعين لعبادة رب العالمين ، وإن استنصروا المسلمين في حرية العبادة والمحافظة على دور عبادتهم ، وطلبوا المساعدة لرد العدوان على دور عبادتهم والذود عنها ، والحيلولة دون إخراجهم من مساكنهم وتهجيرهم من بلدهم ، فعلى المسلمين الاستجابة لنصرتهم وضمان حرية العبادة لهم ، واستقرارهم . أما مضمون عبادتهم وموقفنا منها ومن تحريفها وتزييفها ، فنوكل ونفوض أمره إلى الله ، مع محاولة تبيان الحقيقة لهم بالتي هي أحسن :[ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ] ( سورة العنكبوت آية 46 ) ، دون أن نغفل التركيز على الحوار المبني على عقلنة الجدل ، وعلى المنطق ، وحسن التواصل ، بهدف تجاوز واقع الخلاف ، والاختلاف والتمسك بالمشترك المتشابه بيننا وبينهم ، وهو مبدأ التوحيد والرسالات السابقة ، من أجل الائتلاف والتفاهم والعمل على نشر الأمن والسلام بين الأديان والفرق الدينية ، ونبذ العنف والصراع الفكري والإيديولوجي الذي قد يؤدي إلى العنف المسلح ، عملا بالآية الكريمة [: [ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ] ( سورة آل عمران آية 64 ) ، وفيما عدا هذا ، لا نقول لهم ، ولا عنهم ، إلا ما قاله نبي الله سيدنا عيسى عليه وعلى رسولنا السلام على الرغم من أن قومه أشركوا من بعده ، كما أخبره علام الغيوب ، إذ اتخذوه وأمه إلهين من دون الله واتهموه بهتانا وكذبا وباطلا وظلما ، بأنه هو الذي دعا الناس إلى اتخاذه وأمه إلهين من دون الله ( والله يشهد إنهم لكاذبون ) . ومع ذلك ، لم يقل عنهم إلا حقا ، وصدقا ، وما يرضي ربه ، ولم يتجاوز حقهم في عدل الشهادة بما يعلم ، إذ أمره الله بالإدلاء بها ، ولم يتحامل على من ادعوا اتباعه كذبا وحرفوا وزوروا دعوته ، بل فوض أمرهم لحكم ربهم وخالقهم . [ وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيد ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ] [ سورة المائدة آية 116-117- 118 ). ويقول يوسف القرضاوي : ( إن قتال المسلمين هنا ليس دفاعا عن دينهم ومساجدهم فقط ، لكن عن الصوامع والبيع والصلوات من معابد اليهود والنصارى ) . وليس كما يفعل اليهود الآن الذين يهدمون دور العبادة بدون تمييز على رؤوس المنقطعين فيها لعبادة رب العلمين ، ويعيثون في الأرض فسادا ودمارا ، لم يسبقهم إليه أحد على مر التاريخ . لم تسلم من تخريبهم المساجد والكنائس . ولا المقابر الإسلامية والمسيحية سلمت من عدوانهم الهمجي ( حوالي 10 مقابر ما بين مسيحية وإسلامية دمرت وتناثرت رفاتها وعظامها . صرح وزير الأوقاف والشؤون الدنية يوسف أدعيس أن قرابة 230 مسجدا تم قصفهم بالطائرات ، دمرت منها كليا حوالي 150 مسجدا ، والباقي دمر تدميرا جزئيا ، زيادة على الكنائس والمدارس والمستشفيات ، وقتلوا خلال شهر أزيد من 2016 قتيل ، وأصابوا أزيد من 10000 جريحا ، وشردوا 218000 فلسطيني ، ودمروا تدميرا شبه كلي منازل غزة . ( يشير أحد التقارير أن حوالي 8,8 آلاف وحدة سكنية دمرت بشكل كامل وأن 7,9 آلاف أصيبت بأضرار كبيرة ، و39 ألفا أصيب بأضرار متوسطة إلى جانب 230 مدرسة وعدد من الجامعات و350 منشأة صناعية ناهيك عن المزارع والمباني العامة ... ) هذا الدمار وما سيتبعه من آثار تم في شهر فقط في حين أن مجموع الذين قتلوا من الجانبين في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم ، لم يتجاوز 1300 قتيلا . ) ساء عملهم هذا ، هم الفاسقون المعتدون الواجب مجاهدتهم وقتالهم وصدق الله العظيم إذ يقول : [ لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وهم المعتدون ] ( سورة التوبة آية 10).
إن الصراع بين الحق والباطل، والاختلال في القيم الإنسانية، والانهيار الأخلاقي والدعوة إلى الفاحشة، ونشر الفساد... يدعو إلى التدافع والقتال والحرب، حتى لا تكون فتنة ويتم الإصلاح ويعود الاعتدال، ويظهر الحق، ويزهق الباطل، وينتشر العدل، ويستقر الأمن، ويزول الخوف، وتسود الطمأنينة ويعبد الله بحرية... [ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ] ( سورة البقرة آية 193) وفيما عدا هذا ، يكون القتال جرما لا يوازيه جرم ولا ظلم إلا الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله بدون حق ، لأنه القتل من أجل القتل ، لا من أجل الإصلاح وإقامة العدل وهو الفساد بعينه . لقوله تعالى [ من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون ] ( سورة المائدة آية 23 ) .
إن الإسلام دين واقعي ، يرى فعلا ، أن الحرب قاسية ، مخربة ومكلفة ، وهي لا محالة مفروضة عليه يخوضها مكرها ، مرغما ، لا مختارا ولا راغبا فيها ، لدفع الظلم ، ومحاربة شر الأشرار ، وفساد المفسدين والمخربين ، ولا مفر منها ولا غنى عنها لضرورتها لاستقامة الدين والحياة ، ولذلك حدد لها الله أخلاقا ووضع لها قواعد ونواميس ، بها يتحقق النصر، لمن أخذ بها والتزم . ولقد اختار سبحانه وتعالى لمهمة التدافع من عباده الرسل والأنبياء وفضل بعضهم على بعض ، وكلفهم بمهمة تبليغ ما أنزل إليهم من ربهم على الوجه الأكمل ، وليبينوا للناس ما هم مختلفين فيه في الدين لإقامة الحجة عليهم لقوله تعالى : [ بالبينات وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ] ( سورة النحل آية 44) . وقوله :[ وما أنزلن عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يومنون ] ( سورة النحل 64 ) ، كما اختار من الأولياء والصالحين مجاهدين ومقاومين ، ليكونوا شهداء على الحق ، فاشترى منهم أنفسهم وأموالهم ، فباعوها له . وتم العقد بينهما على شرط المقاومة والقتال ، حتى الموت في سبيل الله دفاعا عن الحق وحرية المعتقد والتدين ، الذي عرفوه عن الرسل والأنبياء ، مقابل الجنة والقرب منه سبحانه وتعالى . وهذا نص وثيقة العقد الذي تم بين الله وعباده المؤمنين ، مسجل في التوراة والإنجيل ، كما هو مثبت وموثق في سورة التوبة : [ إن الله اشترى من المومنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ] ( سورة التوبة آية 111 ) وهذا النوع من البيع رغب فيه سبحانه وتعالى في نص آخر من سورة الصف مع الوعد بتأكيد النصر لمن التزم بشروطه وهي : الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله بالنفس والنفيس . [ يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ] ( سورة الصف أية 10- 11- 12 – 13 )
والجهاد نوعان جهاد أكبر وآخر أصغر ، كما ورد ( يتبع )