ذكرياتي مع دعوة الإخوان المسلمين في المنزلة

ذكرياتي مع دعوة الإخوان المسلمين في المنزلة

( الحلقة الخامسة)

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

من جهود إخوان المنزلة

الأمر بالمعروف والتصدي للمنكر:

يقول أبو حامد الغزالي: "إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه، وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد".

وقد أخذ إخوان المنزلة أنفسهم بأداء هذه المهمة بقدر ما يستطيعون، ومن مظاهر ذلك:

أ – التصدي لحركة التنصير:

التي أرادت أن تتخذ من المنزلة وكرًا، مستغلة فقر الطبقة الدنيا معينًا ونصيرًا، وقد كسر إخوان المنزلة شوكة هذه الحركة، بل قصموها وقضوا عليها.

وقد كتب الإمام الشهيد عن هذه الجهود في مذكرات الدعوة والداعية.

وأنقل فيما يأتي ما سجله الإمام الشهيد عن هذا الموضوع في "مذكرات الدعوة والداعية"، (ص 196 – 204) وقد بدأت الأحداث سنة 1350ه.

كتب الإمام الشهيد:

لقد أبلى الإخوان المسلمون أحسن البلاء في حركة التبشير التي نجم قرنها في هذا العهد، وفيما يلي ما كتبته جماعة الإخوان بهذا الخصوص:

لا ندري أمن حسن الحظ، أم من سوئه أن كان بجوار مراكز جمعيات الإخوان المسلمين في القطر المصري مراكز للتبشير؟! ففي المحمودية، وفي المنزلة دقهلية، وفي الإسماعيلية، وفي بورسعيد، وفي أبي صوير، وفي القاهرة - مراكز نشيطة للتبشير، ودوائر نشيطة لجمعية الإخوان المسلمين كذلك، وكان طبيعيًا أن يحدث الاحتكاك بين الهيئتين، باعتبار أن إحداهما تدافع عن الإسلام، والثانية تعتدي عليه، إلا أن حضرات القائمين بالشؤون الإدارية في جمعيات الإخوان المسلمين اعتصموا بالحلم، واستمسكوا بالحكمة، وناضلوا بالتي هي أحسن، والتزموا دائمًا موقف المدافع لا المهاجم، واعتمدوا في خطتهم على دعامتين صامدتين، أولاهما: إفهام الشعب ما يستهدف له من الخطر بالاتصال بالإرساليات التبشيرية، وثانيتهما: الوسائل العملية من جنس وسائل المبشرين، وقد نجحت هذه الخطة، والحمد لله، نجاحًا باهرًا، وتمكنت الجمعية من القيام بواجبها، لا نقول: كل الواجب، ولكنه المستطاع وجهد المقل، ونسأل الله المعونة على استيفاء هذا النقص. وإننا بمناسبة الحركة التبشيرية القائمة، ننقل إلى حضرات القراء بعض الحوادث التي صادفتها الجمعية، والخطط التي سلكتها، نرمي بذلك إلى غرضين: أولهما بيان خطة قد تكون ناجحة، فتعمل بها الهيئات التي تريد خدمة الإسلام، وثانيهما تبشير الأمة بمدى ما وصلت إليه الجمعية من نجاح وتوفيق في حركتها السلمية ضد التبشير.

بين المنزلة دقهلية وبورسعيد

تقرير المنزلة عن حادث إنقاذ الجمعية فتاة حاولت مدرسة "السلام" بها تنصيرها، المرفوع إلى مكتب الإرشاد العام، بتاريخ: 18 من شوال 1351ه، أي منذ أربعة شهور:

حضرة صاحب الفضيلة أستاذنا المرشد العام،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعلى من معك من الإخوان المسلمين وبعد،

حررت لسيادتكم الخطاب رقم (1) واعدًا بموافاتكم بما يستجد، وهاكم تقريرًا عما حدث خلال هذه المدة، في الرابع والعشرين من رمضان، ورد على فضيلة الأستاذ نائب الدائرة  كتاب من (الحسيني أفندى محمد الويشي) أحد الإخوان المنتسبين في هذا التاريخ، والذي انضم إلى الجمعية مساء اليوم التالي، يشرح فيه شروع مدرسة "السلام البروتستانتية" بالمنزلة في تنصير إحدى بنات العائلات الفقيرة، ولولا فضل الله علينا، وعلى تلك العائلة المنكوبة في مرض عائلها، وقلة حيلة زوجه لأي من أنواع الكسب لنفذ غرض جمعية التبشير، بل بؤرة الفساد في الابنة القاصر بأسلوب نهاية في الخسة والدناءة، وهو عطفهم الزائد، وبرهم المستمر للعائلة البائسة متظاهرين في ذلك بنصرة الإنسانية، والإنسانية براء من أعمالهم التي يستفيد منها الشيطان.

بناءً على هذا الخطاب، دعي الإخوان إلى جلسة مستعجلة، فحضر من تمكنَّا من دعوته، واختير نفر قليل، وتشكلت في الحال لجنة يرأسها فضيلة النائب، وتوجهت إلى منزل العائلة، وحاولوا إقناعها فلم يفلحوا لشدة ما أصابهم من تغاضي المسلمين عن حالهم؟ لكن بعد مجهودات غير قليلة بعون الله وتوفيقه، تم الاتفاق مع والدي الفتاة على سحبها من المدرسة، وفعلاً توجه السيد أفندي نديم في يوم 25 رمضان مع والدها، وأفهما رئيسة المدرسة ما هو مطلوب، ورضخت للأمر الواقع الذي لم تعد له العدة. وأنقذت الفتاة، وقمنا بجمع المال لها.

وقد اعتزمنا بعون الله بقرار الجمعية التي تجتمع من يوم ورود الخطاب إلى الآن يوميًا للبحث في محاربة المدرسة، حتى تنزح من البلد غير مأسوف عليها، وضمن ما تقرر فتح مشغل باسم الجمعية لتلك الابنة، حيث إنها حازت شهادة الدراسة الابتدائية، واشتغلت معلمة في أول يناير بالمدرسة التبشيرية نفسها، وإغراء لأبويها أشاعت رئيسة المبشرات أنها قررت جنيهين للفتاة مرتبًا شهريًا يدفع لأهلها، بينما هي داخل المدرسة لا تكلف أبويها شيئًا من نفقات معيشتها، كل ذلك إغراء دنيء وتعمية على أهل الفتاة المسكينة التي لا تعرف ما ينتظرها من خطر تنحدر فيه من سيئ إلى أسوأ بتنشئتها تلك النشأة التي قطعت حبل اتصالها بأهلها بوجودها في تلك المدرسة المشؤومة، حتى أصبحت لا تسمع إلا بأذنهم، ولا ترى إلا بعينهم.

نهجت إدارة المدرسة هذا النهج مع الفتاة وأهلها توطئة لإتمام الجريمة النكراء، فعلم الإخوان بالدور السابق ذكره، وقاموا بما أسلفنا، واستخلصنا الفتاة وأهلها من التهلكة، بإذن الله الرحمن الرحيم، وفتحنا المشغل بعونه تعالى في يوم السبت التاسع من شوال بعد الإعلان عنه تحت اسم "مشغل جمعية الإخوان المسلمين"، فحضر من التلميذات في ذلك اليوم سبعون واحدة، وأخذ العدد في الارتفاع حتى بلغ ما يزيد على المئة تلميذة، بينهن من دخلت مجانًا، ومنهن من تدفع ثلاثة قروش شهريًا، وقليل منهن يدفعن عن الشهر الواحد أربعة قروش أو خمسة. كل ذلك تدعيم للمشغل الذي نحوطه جميعًا بقلوبنا.

وأملنا وطيد في النجاح بقوة الله، وجهاد أستاذنا الجليل الشيخ "مصطفي محمد الحديدي الطير" - نائب الإخوان. وما قمنا بفتح المشغل بهذه السرعة، وفي أول قيام الشعبة المباركة بفضل الله ورضاكم إلا حبًا في إنقاذها وأهلها من الهاوية.

ونزف إليكم الآن بكل الاغتباط أن المعلمات - وبينهن وفيقة - يصلين الخمس في أوقاتها، ويوالي فضيلة نائبنا تلقينهن أصول الدين القويم الحنيف في نهاية كل يوم بعد انتهاء الحصص.

عمر السيد غانم

كاتم السر بالمنزلة

الإخوان والتبشير

وقد علمت دائرة المنزلة من الآنسة (أفكار منصور) المنقذة، بوجود فتاة أخرى على وشك التنصير، مهربة من بورسعيد إلى مدرسة السلام بالمنزلة. فأرسلت إلى حضرة نائب الإخوان المسلمين ببورسعيد، وإلى مكتب الإرشاد بالخطاب الآتي بتاريخ 3  من شوال سنة 1351ه:

حضرة الأخ الفاضل نائب جمعية الإخوان ببورسعيد:

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعلى من معكم، وكل عام وحضرتكم وجميع الإخوان وآلهم وأحبابهم في يمن وسعادة وبعد،

قامت جمعيات التبشير في القطر المصري في السنين الأخيرة بحركات عنيفة ضد الإسلام، وما دل ذلك على أكثر من اليأس الذى استولى عليها من طول ما أمضت من وقت عظيم، وما بذلت من عناء جسيم، وما حزمت من حمر النعم دون جدوى، حيال ذلك الدين القويم المتين المحفوظ من صاحبه، جلت قدرته، غير أن استقامة المسلمين في بث تعاليم الإسلام وآدابه أطمعت أخيرًا هذه الجمعيات فينا؛ نظرًا لما وصلت إليه حالتنا الأخلاقية، وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت.

قامت مدرسة السلام البروتستانتية التبشيرية بالمنزلة بتنصير فتاة. وبفضل الله علينا أنقذناها، وشرعنا في عمل مدرسة ومشغل للبنات تعلمهن الديانة، وما تحتاج إليه الفتاة في منزل زوجها المسلم، وكيف تخرج رجالاً مسلمين وبنات مسلمات، وما ذلك إلا لمناهضة المدرسة، ولكون الفتاة التي أريد تنصيرها من عائلة فقيرة، وليس لها عائل، وبدلاً من أن تكون عالة على  الجمعية، فيكون الكسب مضاعفًا للجمعية.

وقد علمنا بوجود فتاة أخرى اسمها (أفكار)، ابنة زوجة "الريس حسين"، بمنشية البلح، بحي العرب، قسم خمسة بهذه المدرسة بالمنزلة، ولم ينقلوها إلى المدرسة إلا لكي يخفوا تنصيرها عن أهلها، وهم في غفلة، والفتاة طائشة، وعليه، نرجوكم القيام بحركة لإخراج هذه الفتاة، وانتشالها من بؤرة الفساد هذه، والله يتولى جزاءكم، وهو نعم المولى ونعم النصير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمر السيد غانم

كاتم السر بالمنزلة

ولم تكتف دائرة المنزلة المباركة بذلك، بل بحثت عن التلميذات البورسعيديات المهربات إلى المنزلة، حتى اهتدت إلى خمس منهن، فكتبت إلى مكتب الإرشاد العام بذلك، ليصلها بدائرة بورسعيد حتى تقوم بواجبها في عملية الإنقاذ. وهذا هو نص الخطاب:

حضرة صاحب الفضيلة، أستاذنا ومرشدنا الكبير:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومن معكم من الإخوان المسلمين وبعد،

فقد سبق ذكر أننا كتبنا للأخ نائب جمعية الإخوان ببورسعيد عن القيام بما يؤدي إلى إنقاذ الفتاة (أفكار منصور) الموجودة بمدرسة جمعية التبشير البروتستانتي (السلام) بالمنزلة، وقد تحرينا عن التلميذات البورسعيديات: أفكار منصور، سنها 13 سنة، أمها متزوجة من الأسطى "حسين علي" بمنشية البلح بقسم ثاني، بحي العرب، وناظلة أحمد الخولي، سنها 14 سنة (كان والدها صيادًا، وهو الآن مريض)، وسيدة عبده الريان، سنها 13سنة (يتيمة بدون عائلة)، وعطيات محمد زقزوق، سنها 7 سنوات، لا تعرف أمها إلا بعلامة وجهها. ذلك بيان بأسماء التلميذات البورسعيديات الموجودات بمدرسة المنزلة، وإنا حيال ذلك نلتمس من فضيلتكم التنبيه على الإخوان ببورسعيد وجميع الجهات التي بها فروع للجمعية المباركة، والتي يوجد بها مدارس كهذه؛ كي يتخذ كل ما في الوسع؛ لإنقاذ الفتيات المسلمات، حيث إن ذلك يجعلنا جميعًا نضع أيدينا على موضع الداء، فينفع الدواء، بإذن الله، وبهذه الوسيلة - إن شاء الله - سيكون القضاء المبرم على هذه المدارس (بؤر الفساد).

وتفضلوا ختامًا بقبول فائق الاحترام، وأشواق جميع من عندنا من الإخوان المسلمين. خصوصًا نائبنا فضيلة الأستاذ "مصطفى محمد الحديدي الطير"، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.            

عمر السيد غانم

كاتم السر بالمنزلة

وقد قام المكتب بهذه المهمة، فكتب إلى بورسعيد، وإلى فروع الجمعية، وأوفد فضيلة المرشد العام إلى بورسعد مرات بهذا الخصوص، وقد اهتمت دائرة بورسعيد بهذا الأمر اهتمامًا عظيمًا، واهتم معها كذلك الأهلون الكرام، حتى كان عن هذه الهمة كشف الستار عن الحوادث المريعة التي ذكرتها الجرائد، وتذكرها كل يوم، ويسرنا أن نعلن أن الحكومة قد تسلمت (نظلة الخولي، وعطيات زقزوق) المشار إليهما في خطاب المنزلة، والحقيقة أنهما وغيرهما كانا في مخبأ بالمنزلة، ونرجو أن يتحرى سعادة المحافظ الهمام عن بقية الفتيات حتى ينقذهن.

سكرتير مكتب الإرشاد العام

إنشاء لجان فرعية لجمعيات الإخوان المسلمين لتحذير الشعب من الوقوع في خداع المبشرين

علمنا أن من بين مقررات مجلس الشورى العام للإخوان تكوين لجان فرعية في كل دوائر الجمعية للعمل على تحذير الشعب من الوقوع في حبائل المبشرين بالطرق السلمية المشروعة، وإنا لنرجو التوفيق التام لهذه اللجان في مهمتها المقدسة.

صورة العريضة التي رفعها مجلس الشورى العام إلى جلالة الملك فؤاد:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،

إلى سدة صاحب الجلالة الملكية حامي حمى الدين، ونصير الإسلام والمسلمين، مليك مصر المفدى، يتقدم أعضاء مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين المجتمعون بمدينة الإسماعيلية بتاريخ: 22 من صفر سنة 1352ه، والممثلون لخمسة عشر فرعًا من فروع جمعية الإخوان المسلمين برفع أصدق آيات الولاء والإخلاص للعرش المفدى، ولجلالة المليك وسمو ولي عهده المحبوب، ويلجئون إلى جلالتكم، راجين حماية شعبكم المخلص الأمين من عدوان المبشرين الصارخ على عقائده وأبنائه وفلذات كبده بتكفيرهم، وتشريدهم، وإخفائهم، وتزويجهم من غير أبناء دينهم، الأمر الذي حظره الإسلام، وحرَّمه، وتوعد فاعليه أشد الوعيد، وقد جعلكم الله - تبارك وتعالى - حماة دينه، والقائمين بحراسة شريعته، والذائدين عن حياض سنة نبيه، والحريصين على آدابه وشعائره، والحامين من المعتدين عليه، والناشرين تعاليمه، والمعتنين بكتاب الله - تبارك وتعالى - أجزل العناية، وإن مصر زعيمة الشرق، ورعية الملك المسلم العادل لا تقبل أن تكون يومًا من الأيام مباءة تبشير، أو موطن تكفير، تستمد ذلك من غيرة مليكها وقوة إيمانها.

ولهذا لجأنا إلى سدتكم العلية، راجين أن يصدر أمر جلالتكم الكريم إلى حكومتكم الموفقة بالضرب على أيدى هذه الفئة، وإنقاذ الأمة من شرها، والوصول إلى هذه الغاية بكل وسيلة ممكنة، ونعتقد أن من الوسائل الناجحة:

1)    فرض الرقابة الشديدة على هذه المدارس والمعاهد، والدور التبشيرية، والطلبة والطالبات فيها؛ إذا ثبت اشتغالها بالتبشير.

2)            سحب الرخص من أي مستشفى أو مدرسة يثبت أنها تشتغل بالتبشير.

3)            إبعاد كل من يثبت للحكومة أنه يعمل على إفساد العقائد، وإخفاء البنين والبنات.

4)            الامتناع عن معونة هذه الجمعيات بتاتًا بالأرض أو المال.

5)    الاتصال بحضرات الوزراء المفوضين في مصر والخارج؛ حتى يساعدوا الحكومة في تنفيذ خطة الحزم، حفظًا للأمن، ومراعاة لحسن العلائق.

وإننا إن أدلينا بهذه الآراء، فنحن نعتقد أن حزم جلالة الملك المفدى وصائب رأيه السديد، وغيرته الدينية المعروفة.. كل أولئك كفيل برأب الصدع، وإسعاد الأمة، وإنقاذ الشعب من أيدي المعتدين، وإليكم يا صحابة الجلالة، أصدق آيات الولاء والإجلال من المخلصين لعرشكم المفدى.

حسن البنا (مرشد الإخوان المسلمين)، ومحمد أسعد الحكيم (سكرتير مكتب الإرشاد)، وعبد الرحمن الساعاتي (نائب القاهرة)، وأحمد السكري (نائب المحمودية)، وحامد عسكرية  (نائب شبراخيت) ومصطفي الطير (نائب المنزلة)، وعفيفي الشافعي (نائب الأربعين بالسويس) وعبد الفتاح فايد (نائب شبلنجة القليوبية)، ومحمد فرغلي عبد الله سليم (نائب أبو صوير)، وطه كراوية (سكرتير الأربعين)، وسليمان عويضة (عضو الأربعين)، وحافظ عبد الحميد (مراقب الإسماعيلية).

وقد رفعت مثل هذه الصورة إلى حضرات أصحاب المعالي: رئيس الوزراء بالنيابة، ووزير الداخلية، ووزير المعارف، ووزير الأوقاف، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الشيوخ.

فشعبة المنزلة كانت صاحبة السبق في فضح حركات التبشير، والتصدي لها، وملاحقتها، والتحذير منها.

ب - سلاح القُلة السحرية:

 وعلى الرغم من مرور أكثر من خمسة وستين عامًا على واقعة القلة، فإن أهل المنزلة ما زالوا يتناقلونها لطرافتها. وخلاصة ما حدث: أن مجموعة من الموظفين الفاسدين اتخذوا من قاعة واسعة - في الدور الأرضي - بين مساكن المواطنين وكرًا يجاهرون فيه بالسكر والعربدة طيلة الليل. ونبههم الإخوان إلى خطورة ما يفعلون؛ ولأنهم كانوا من أصحاب النفوذ استهانوا بتوجيهات الإخوان.. وأخذوا يعدون العدة لليلة السُكر الكبرى ليلة شم النسيم، فلجأ الإخوان إلى سلاح القُلة، فما هو هذا السلاح؟ إنها قلة كبيرة من الفخار ملأها منفذو العملية بقاذورات سائلة وجامدة، وسدوا فوهتها بقطعة من الخيش، وحملها الأخ "طه أبو موسى" - رحمه الله - وهو بطل من أبطال رفع الأثقال، ويصحبه الأخ "عبد الحميد الزهرة" الذي يصغره سنًا.

يقول الأخ عبد الحميد: تسللنا إلى الموقع قبل منتصف الليل، ولم تكن الشوارع مضاءة في تلك الأيام، وكان اعتماد الناس في الإضاءة على "الجاز" والكلوبات، فالبلد لم يكن قد عرف الكهرباء بعد.

يقول عبد الحميد: كانت القاعة غاصة بالفسقة الذين أصابتهم الخمر بهستيريا الصراخ والهذيان. وقف طه وأنا خلفه، وصوب على "الكلوب" الرئيس، وبأقصى قوته وجه القُلة إليه، فحطمته وتحطمت، وتناثرت عبوتها على السكارى، وملابسهم، فدفعهم الذعر والمفاجأة إلى الاندفاع إلى الخارج لا يلوون على شيء.

يقول الأخ عبد الحميد: وكان لابد أن نجري، ولكني رأيت طه مبرزًا عضلاته، معدًا قبضته، فنبهته إلى ضرورة مغادرة الشارع بأقصى سرعة، فلما ابتعدنا في أمان سألت طه عن سر وقفته هذه، فقال: والله لقد شعرت بأن الله قد منحني قوة عشرين رجلاً، ولو تصدى لي واحد من هؤلاء الفسقة لما غادرته إلا قتيلاً.

ومن أطرف ما حدث بعد ذلك أن كل واحد من "الضحايا" قصد دكان "تنظيف ومكوى"، فرفض صاحب المحل - عم أحمد أبو عسل زين الدين - وابناه خالد والسعيد - وكانا يقومان بإدارة المحل - رفضوا التعامل مع هذه الملابس الغارقة في النجاسة والخبث. ولم يعرف هؤلاء أن الأخوين من خيرة شباب الإخوان، وكانا من المشتركين في التخطيط لهجوم "القُلة".

واعتقد الإخوان أن طه أبو موسى، وعبد الحميد الزهرة نجحا في مهمتهما دون أن يعرفهما أحد، ولكن المفاجأة كانت في القبض على طه أبو موسى، والتحقيق معه بناء على بلاغ من جماعة الفساق بتهمة انتهاك حرمة المساكن ليلاً، والتخريب، والاعتداء على الآمنين.

وكانت قضية برَّأ فيها القاضي الأخ طه لعدم توافر الأدلة. ومن طرائف الصدف أن طفلة صغيرة هي التي دلت مجمع الفساق على "طه أبو موسى" لا بشخصه، ولكن بوصفه بأنه "راجل له ست صوابع في كل يد". وهذا صحيح؛ لأن طه هو الوحيد في المنزلة كلها المولود بست أصابع في كل كف، والإصبع الزائدة ملتصقة بالخنصر، وهي أصغر منه.

ج - محاربة الشذوذ الجنسي:

علمنا أن شخصًا وسيمًا في قرابة الخامسة والعشرين من عمره، مصابًا بالشذوذ الجنسي، كان يحضر في الليل إلى المنزلة من قريته التي تبعد عنا قرابة عشرين كيلو مترًا، ويغري الشباب المراهق، وخصوصًا الطلاب ليلوطوا به.

وشاع أمره في المنزلة، فوضعنا خطة لإنهاء فجوره. راقبناه، وهو يغادر "الأتوبيس" في محطة المنزلة، حيث كان في استقباله الطالب الفاسق (ع. ع).. ثم انضم إليهما - تظاهرًا - الأخ عبد العليم العبيدي، متظاهرًا بأنه مثل (ع. ع) يريد أن يحقق متعته الحرام، وسار الثلاثة، ونحن نتبعهم من بعيد إلى أن دخلوا فصلاً تحت الإنشاء في المدرسة الثانوية (ولم يكن لها سور آنذاك). فلما بدأ العمل التحضيري لعملية اللواط، وهمّ (ع. ع) بالتعامل معها وجَّه عبد العليم لكماته للثنائي. هرب (ع. ع)، ومع أول صرخة واستغاثة أسرعنا لمعاونة الأخ عبدالعليم، وضربنا "مريض الشذوذ" ضربًا لو وزع على كتيبة عسكرية لكفاها، وكانت المجموعة كلها من طلاب الإخوان بالمرحلة الثانوية، وهم بالتحديد: الرفاعي شبارة، طاهر عنين، أحمد العلمي، زيادة على كاتب هذه السطور.

وزحف (مريض الشذوذ)، وهو مثخن بالجراح، متورم الوجه، متهتك الملابس إلى الطريق الزراعي، فالتقطته "سيارة نقل" إلى قريته.

وشاع خبر هذه العملية في المنزلة كلها.. وترتب عليها نتيجتان:

الأولى: عدم حضور هذا الشاب إلى المنزلة مرة أخرى.

والثانية: إقلاع الشواذ في البلد عن نشاطهم خوفًا من فتوات الإخوان المسلمين، كما يقولون.

د - مولد القعقاع بن عمرو التميمي:

وهو الصحابي المجاهد الجليل، ويقال: إنه مدفون بمدينة المنزلة، وله مسجد ضخم باسمه فيها. من عشرات السنين رأيت أول احتفال بمولده، وكان احتفالاً ضخمًا، ضم عشرات من السرادقات، واتسع لعدد كبير من المنشدين، وقصده آلاف من بلاد الدقهلية وقرى المنزلة، وكان صورة مصغرة من مولد "السيد البدوي".

وفي أحد السرادقات، وقف منشد اسمه "أبو فَرْقلّة" يتغنى بمدح رسول الله e بكلمات خرافية، وأثناء الإنشاد كان يتقصع، ويرقص رقصات داعرة، ولم يستجب لبعض الإخوان الذين نبهوه إلى أن حركاته ورقصاته لا تتفق مع كرامة النبي e ووقاره، ولا مع ذكرى الصحابي الجليل، فما كان من الدكتور بيطري "عبده حمزة فراج" - عضو مجلس إدارة الشعبة – إلا أن اختار قرابة عشرة من قسم الطلبة، وكنا أيامها في المرحلة الثانوية، وقادنا إلى منصة "أبو فَرْقلّة"، مخترقًا بنا آلاف المشاهدين، والسامعين، وصاح بصوت رهيب "انزل يا ابن..." انزل وإلا..." لقد أسأت إلى الإسلام، والنبي e فولى الرجل هاربًا، وعاد في اليوم التالي لينشد في مدح النبي e بكلمات عاقلة متزنة، دون رقص وتقصع.

كان في شعبة المنزلة منهجان في التصدي للمنكر:

الأول: منهج الأستاذ محمد قاسم صقر: قائد الجوالة، وهو الرجل الثاني بعد رئيس المنطقة الأستاذ عبد الرحمن جبر، وهو  يرى أن المنكر - وخصوصًا إذا لم يكن ضاريًا - يجب أن يعالج في هدوء وحكمة واتزان. وقد حقق نجاحًا في كثير من الأحيان.

والثاني: منهج القوة والحسم: وهو منهج الأخ طبيب بيطري عبده حمزة فراج مسؤول الطب البيطري في مركز المنزلة.

وكان ذا بسطة في الجسم، وقوة خارقة، فهو يرى أن الشر يجب أن يضرب ابتداءً بقوة وحسم، وخصوصًا إذا كان أصحابه ممن أخذتهم العزة بالإثم، فإقناعهم صعب جدًّا، أو مستحيل.

فبالقوة استطاع أن يؤدب "أبو فَرْقلّة" في مولد القعقاع بن عمرو التميمي، وأشهر من ذلك يتلخص في الواقعة الآتية:

الجمالية قرية كبيرة تابعة لمركز المنزلة على بعد خمسة أميال، وسوقها الأسبوعية كانت يوم الثلاثاء، وأشهر جزار فيها اسمه "م .ج" وكان يلقب كذلك ب "فتوة الجمالية"، وقد رأيته مرة واحدة، وكأني أنظر إليه الساعة: "آدمي ضخم الرأس" يلتقي رأسه بجسده بعنق قصير غليظ، وهو عريض المنكبين، متوسط القامة "مدكوك" الجسد كأنه خلق من "كاوتشوك" شديد.

ذهب الأخ طبيب بيطري عبده حمزة إلى الجمالية يوم سوقها "للتفتيش" وفحص اللحم المعروض في دكاكين الجزارين، وكان نهاية مطافه "دكان محمد الجزار"، واكتشف الدكتور عبده أن اللحم المعروض غير صالح للاستعمال البشري، فأمر رجاله بمصادرة اللحم، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد محمد الجزار، الذي هب يصرخ في استهانة: سيب اللحمة مكانها، وإلا حخلي أهلك يخدوا عزاك. ورفع الساطور مهددًا. وتحول أخونا الطبيب إلى أسد كاسر، وأخذ يضرب الجزار ضربًا متلاحقًا، وكلما سقط الجزار على الأرض أنهضه الدكتور عبده إلى أن صار "دمه حميمه، ووجهه شوارع"، ( كما قال أحد المشاهدين). ولم يكتف بهذا، بل حمله على يديه ورفعه إلى أعلى كالذي يحمل "طاولة عيش" وسار به في الشارع الرئيس بالجمالية، والناس لا يصدقون عيونهم. وبذلك قضى على أسطورة الجزار، وبعدها استقام ولم يعد إلى الغش.

وقد يسألني القارئ: أي المنهجين أصح؟ وأنا أقول: إن الموازنة المطلقة خاطئة. فلكل واقعة ظروفها وملابساتها، والمهم اختيار أنسب التصرفات تجاهها. وقد يكون بين المنهجين تكامل، فيسلك الداعية المنهجين في موقف واحد تجاه ظاهرة واحدة.

النشاط الاجتماعي:

هذا عن التصدي للمنكر أما النشاط الاجتماعي لإخوان المنزلة فإن التاريخ يحفظه بكل فخر. وأستعرض في السطور الآتية صورًا من هذا النشاط:

في سنة 1947م أصيبت مصر بكارثة تتمثل في مرض "الكوليرا"، وسرت عدوى هذه الآفة إلى كل بلد في مصر، وفتكت بالآلاف.

ويقال: إن الكوليرا انطلقت من قرية "القرين" بمديرية الشرقية عن طريق "البلح"، وإن الإنجليز الذين كانوا يسيطرون على هذه المناطق ولهم معسكرات فيها، قاموا بتلقيح البلح بجرثومة الكوليرا حتى تشغل مصر عن قضية فلسطين، وعن مقاومة الاستعمار الإنجليزي في مصر.

وكان لنا - نحن الإخوان وخصوصًا قسم الطلاب - جهود تمثلت فيما يأتي:

1)    توعية أهل المنزلة بخطورة هذه الآفة، والحرص على النظافة، واستخدام المطهرات.. وقد رأيت بعض البقالين - من شدة الحذر - يضعون في مقدمة محلاتهم أواني فيها مواد مطهرة، ويطلبون من الزبائن، وضع العملة الفضية - ثمن ما يشترون - في هذه الأواني - لتطهر من العدوى المحتملة، وَقل الاختلاط، والمصافحة بالأيدي من شدة الحذر.

2)    توزعنا مجموعات على مداخل المنزلة كل يوم أحد، وهو يوم سوق المنزلة، إذ يقصدها الفلاحون من القرى المجاورة لبيع بضاعتهم في سوق البلد، فكنا نعدم ما يحملون من بلح؛ لأنه كان مظنة حمل العدوى، ونقلها.

3)    اتخذ المسؤولون شعبة الإخوان مركزًا لتطعيم الناس بالمصل الواقي من  الكوليرا، وقد استغرقت هذه العملية أكثر من أسبوع.

الأنشطة الرياضية:

1)    قيامنا بعقد مباريات في كرة القدم مع الشعب الأخرى، مثل شعبة المطرية، وشعبة الدراكسة، وشعبة منية النصر.

2)    كان في شعبة المنزلة أقوى فريق في الدقهلية لرفع الأثقال كان على رأسه الأخ طه أبو موسى (بطل عملية القُلة).

الرحلات والمعسكرات:

كانت من أهم الأنشطة الرياضية، والتربوبية والدعوية، وقد أشرت من قبل إلى رحلة استغرقت يومًا واحدًا إلى المنصورة سيرًا على الأقدام. أما أهم الرحلات فكانت إلى "الدهرة"، وهي شبه جزيرة بين بحيرة المنزلة، والبحر الأبيض المتوسط، بعرض قرابة ميل.

وبها قرية بيوتها كلها تقع على البحيرة، وسكانها جميعًا من الصيادين، وكنا نقيم معسكرًا تربويًّا كل عام لمدة عشرة أيام، ولا نحمل من المنزلة إلا الخبز، والأرز، والجبن. أما السمك فكان هو الضيف الدائم في كل وجبة، ونحصل عليه بإحدى الطريقتين الآتيتين أو هما معًا:

الطريقة الأولى: الصيد الذاتي "بالعس" إذ ينزل جماعة منا إلى البحيرة بعد صلاة الفجر إلى عمق لا يتجاوز مترًا، وعلى ظهر كل واحد مقطف صغير، ثم نقوم "بعس السمك" الذي يرقد في جحوره أي مد الأيدي إلى قاع الجحر، والإمساك بالسمك الذي كان غالبًا من البلطي ووضعه في المقطف، وبالممارسة تعلمنا أن الجحر إذا كان دافئًا يكون في عمقه سمك، وإلا فهو جحر خال. كما كنا نتفادى الإمساك بالكابوريا؛ لأن سلاحها هو العض الذي قد يدمي أصابعنا.

ونغادر البحيرة، ونجمع حصيلة صيدنا، ونكلف بيتًا من بيوت القرية بالقيام بعملية الشَّيِّ.

الطريقة الثانية: الحصول على السمك بالشراء: إذ كان يحلو لنا أحيانًا أن نتجه بعد صلاة الفجر إلى شاطئ البحر الأبيض لنرى الصيادين مجموعات، كل مجموعة أو (مآية) كما يطلقون عليها من عشرين صيادًا يقومون بمد الغزل على هيئة نصف دائرة مفتوحة ناحية الشاطئ، وكل صياد يمسك بجزء من الغزل يضمه إلى ما أمسك به بقية إخوانه، ويضيق نصف الحلقة شيئًا فشيئًاأصا

 إلى أن يتجمع الغزل كله بعضه إلى بعضه الآخر جامعًا ما حجزه من السمك.. (مع ملاحظة أن الصيادين يمسكون الغزل من أعلاه، أما أسافله فتنتهي بقطع من الرصاص تجعل الغزل –  بثقلها –  مدلى إلى ماء البحر دائمًا).

وتتجدد العملية عدة مرات إلى أن تجمع كل "مآية" حصيلة مرضية يشتريها تجار بورسعيد الواقفون بسيارات الجيب. ونقوم نحن بشراء بعض ما يصيدون. وبناءً على ما شاهدت أطرح الملاحظات الآتية:

1)    كان أغلب الصيد من سمك البوري، وكان الصيادون لا يجمعون إلا السمك "العِفِر" أي الكبير، أما السمك "الدِّوِر" أي الصغير، فيعيدونه للبحر مرة أخرى.

2)    كان أعدى أعداء الغزْل والشبك "أبو جلامبو" أي الكابوريا، إذ إنه يمزق خيوط الغزل بأسنانه الحادة. كما أنه مغرم بنهش سمك البوري من موضع التقاء الرأس بالبطن.

3)    بعد أن يبيع الصيادون حصيلة صيدهم للتجار المنتظرين يعودون إلى قريتهم الواقعة مباشرة على بحيرة المنزلة، وينشرون غزلهم، ويصلحون ما انقطع من خيوطه استعدادًا ليوم جديد.

ونعود نحن إلى معسكرنا بما اشتريناه ليشوى في أحد بيوت القرية.

نستكمل حديثنا عن رحلتنا إلى (الدهرة) ومعسكرنا فيها :

وأذكر ممن كان معنا في رحلة الدهرة: (عبد الحميد الزهرة، أحمد صالح العلمي، الحسنين فشير، محمد علي حسان، محمد هاشم حسان، علي علي حال، الشيخ سيد الضويني).

ومن الفوائد التي عادت علينا من هذه الرحلة:

1)    فوائد بدنية وصحية، وتجديد النشاط والحيوية، وبهذه الطاقات المتجددة يستطيع الداعية أن يؤدي رسالته في عزيمة قوية، وتقدم مطرد.

2)            التطبيق العملي المتواصل لبرامج الأسر، والكتائب، ومراجعة ما سبقت دراسته.

3)            التدريب على الصبر، وقوة التحمل، والاعتماد على النفس.

4)    اكتساب مزيد من المعرفة لأخلاق الصيادين، وطبيعة عملهم، ونجاحنا في عملية الصيد اليدوي للسمك بطريقة "العس"، أي إمساك السمك مباشرة باليد من جحوره التي اتخذها مرقدًا له في قاع البحيرة، وهو لا يبعد عن أيدينا في العمق أكثر من متر.

رحلة منعت مذبحة:

شعبة "دقهْلة" من الشعب المرموقة في مركز دمياط، وبين المنزلة وبينها قرابة أربعين ميلاً، وبناء على اتفاق سابق مع مسؤولي الشعبة، قمنا بقضاء يوم مع إخوانها، وجعلنا الدراجات وسيلة الرحلة هذه المرة. وتوجهنا بقرابة خمسين دراجة إلى شعبة "دقهْلة". رحب بنا إخوانها، وخصوصًا الأستاذ "محمود جحيش" - رئيس الشعبة.

وبعيد صلاة المغرب مباشرة، وقف الأستاذ "محمود جحيش"، وقال:

إن إخوانكم في شعبة "السِّرْو" - وهي تبعد عن دقهْلة ببضعة كيلو مترات يحتفلون الليلة بالمولد النبوي الشريف، وقد علمنا أن آل المليجي - أقارب إبراهيم عبد الهادي - وأتباعهم من بلطجية الزرقا - القرية المجاورة، وهي قلعة السعديين، وعبد الهادي - رئيس الوزراء بعد مقتل النقراشي - قد دبروا خطة لإفساد الحفل، والاعتداء على إخوان السرو.

ثم قال: والإعلان عن حضوركم الحفل قد يعني في مفهومهم أنكم جئتم مددًا لإخوان السرو، فيلقي في قلوب أعدائهم الرعب.

وكلمة السِّر - يا إخوان - هي "الله" .. ووصلنا إلى السِّرو.. وقبل دخولنا السرادق، أعلن مذيع الحفل في الميكروفون بصوت جهوري: والآن: وصل إخوان المنزلة، ودخلنا السرادق يتقدمنا الأخ فريد حسن الجميعي، بقامته المديدة، ووجهه المتجهم.

طرائف:

وثمة عدة طرائف جديرة بالتسجيل، ألخصها فيما يأتي:

1)    قال الأستاذ "محمود جحيش" قبيل توجهنا إلى حفل الإخوة في السرو: أيها الإخوان، إن كلمة السر هي "الله"، فقال الأخ أحمد العلمي بظرفه وظله الخفيف: يا أستاذنا الفاضل، افرض أن واحدًا من الإخوان - لا يعلم كلمة السر - "نزل فيّ ضرب"، وأنا أصرخ "الله .. الل ااه" ألا يمكن أن يعتقد أنني أستلذ ضربه لي، فيواصل ضربي، ويقول في نفسه: "إدي له" استجابة لرغبته؟

2)    كنا قرابة خمسين من إخوان المنزلة ما بين عامل وطالب. تركنا الدراجات خارج السرادق في حراسة عامل الصيانة، وتعمدنا أن ندخل السرادق موزعين على صفين منتظمين يتقدمهما الأخ فريد الجميعي الذي أعطاه الله بسطة في الجسم، طولاً وعرضًا وقوة، وقد وضع على رأسه "عصابة" كالقراصنة، وكان يرتدي قميصًا وبنطلونًا، وفوقهما جلباب بلدي، وكان فريد متجهم الوجه يقلب عينيه يمينًا ويسارًا كأنه يبحث عن ضحية بين البلطجية.

كل ذلك ومذيع المنصة يكرر بصوته القوي: "والآن وصل إخوان المنزلة.. مرحبًا يا إخوان المنزلة.. إخوان السرو يرحبون بإخوان المنزلة". وتعلو الهتافات: "الله أكبر ولله الحمد".

والمنزلة كانت آنذاك أشهر بلد في الدقهلية مشاغبة، وخصوصًا في مواجهة الحكومة.

3)    بعد انتهاء الحفل بسلام أطلقنا على فريد لقب "القرصان الإسلامي"؛ لأن هيئة وجهه والعصابة على رأسه تذكرنا بقراصنة السفن.

4)    سألت الأخ فريد بعد انتهاء الحفل بسلام عن سر ارتدائه الجلباب فوق القميص، والبنطلون، فأجاب قائلاً: لقد وضعت تحت الحزام قطعة من الخشب طولها قرابة عشرين سم، وعرضها قرابة 10 سم، وبالصدفة جاءت جلستي على المقعد المجاور لمقعد أحد البلطجية أعداء الإخوان، وتحسس جانبي الأيسر فاصطدمت يده بالشيء الجامد، فسألني في اضطراب: الله!! مسدس ده، ولا مدفع "ستن"؟ (والمدفع ستن كان أخف وأصغر مدفع رشاش في ذلك الوقت).

فقلت له: "معايا الاتنين".

فانسحب الرجل.. وهمس في آذان مجموعة معه، فتسللوا بعيدًا عن السرادق، واحدًا واحدًا.. وختم فريد أو (القرصان الإسلامي) كلامه بقوله: عندها تذكرت قول رسول الله e: "نصرت بالرعب مسيرة شهر".