خطوات التقاء

صالح خريسات

لا أدري لماذا نحتاج بين الحين والآخر، إلى التوكيد بأننا كمسلمين، نؤمن برسالة عيسى عليه السلام، على أنها رسالة إلهية، وأن دين التوحيد الأصلي، هو دين واحد، منذ رسالة أبينا إبراهيم عليه السلام، وتجددت الرسالة في موسى، وعيسى، ومحمد صلى الله علية وسلم . وهذه الرسالة لا زالت تعد تكريماً للإنسان، أينما كان، وكيفما كان .

ولا أدري أيضاً، لماذا نحتاج إلى التذكير، بأن الإسلام حريص على وحدة الإنسانية، وأن سور القرآن الكريم، زاخرة بالآيات التي تؤكد وحدة الحق سبحانه وتعالى، ووحدة رسالته للناس، ووحدة النبوات على تعاقبها، واختلاف زمانها .

إن القرآن الكريم حين يتحدث عن استخلاف الإنسـان في الأرض، فهو يتحدث عن الإنسـان بعمومة، بصرف النظر عن اختلاف اللغات، والأجناس. "يا أيها الناس "- كل الناس- إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا " "ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " " ولقد كرمنا بني آدم ". فلننظر إلى لفظتي" الإنسان" و "بني آدم" ونعلم أنهما إلى جانب لفظة "الناس" فإنها تشمل كل ما على الأرض من بني البشر، بصرف النظر عن المعتقد، والجنس، واللون، وغيرها.

ووفقاً لهذه الحكمة الإلهية، فإن خطواتنا الحضارية، هي خطوات التقاء ، أقصد الالتقاء الإنساني، دون تمييز، أو تفوق حضاري، ويجب أن نسعى إلى الترابط، والمودة،عملاً برسالة التوحيد، التي هي تحية وتكريم، لجميع البشر .

لقد كان المسجد في المدينة المنورة، أول قاعة التقى فيها النبي عليه السلام، بقادة العرب، وأحبار اليهود، ونصارى نجران، وأعطاهم عهده، وأفسح فيها مكاناً للمسلمين الوافدين، ، والمستضعفين والأرقاء، دون تفرقة بين لون، ولسان وعرق، وشهدت قاعة المسجد، المؤاخاة التاريخية، بين المهاجرين والأنصار، وربطت بين أهلها من الأوس والخزرج، ونظمت العلاقة بين جميع المتساكنين في المدينة .

كما أن الإسلام، لم يقطع صلة المسلمين، بالدنيا التي حولهم، ولا بالدنيا التي كانت قبلهم. فهذا النبي عليه السلام يقول لأصحابه، إن الناس معادن، كمعادن الذهب والفضة ، خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا، وهو يتحدث بكل الرضا والثناء، عن حلف شهده في الجاهلية، هو حلف الفضول ، لما انطوى عليه، من تعاهد على الحق، وتعاون على الخير. بل إن شعائر الإسلام، وشرائعه، لم تنفصل عن شعائر الناس، قبل البعثة، إلا ما كان تصحيحاً لعقيدة، أو تصويباً لخطأ.

وقد أقر الإسلام الكثير من مبادئ الحق،والعدل، والرحمة، مما كان قبل الإسلام ، أو هذبه، وشذبه، ووضعه، موضعه المناسب ، فأقام بذلك صرحاً هائلاً، من الأفكار، والعقائد، والنظم، دون قطيعة مع الماضي ، أو خصومة مع الحاضر، فكان ثورة اجتماعية، دعت إلى المساواة بين الشعوب والحضارات، وكان حب الله في الإسلام، لا ينفصل عن حب الناس، ولا يميز بينهم ، وهذا هو سر قوته ،..

جمهورية العراق