ضحايا سياسات وزارات التربية والتعليم

ضحايا سياسات

وزارات التربية والتعليم..!

صالح خريسات

كلما جرى الحديث عن تراجع التعليم في الوطن العربي ، خيل إليّ أن التعليم فيما سبق من الزمان، كان على أحسن حال، في البلاد العربية، وهذا غير صحيح على إطلاقه .بدليل، أن نسبة لا تقل عن خمسين بالمئة من الطلاب الذكور، والإناث على حد سواء ، كانوا يتركون المدرسة، قبل الانتهاء من المرحلة الإلزامية ، مفضلين- وهم في سن الطفولة –العمل الشاق، على كل أسباب التعليم ومغرياته.

وفيما يبدو، فإن وزارات التربية والتعليم ،في البلاد العربية،  كانت آنذاك قاصرة عن أداء رسالتها، أو تعزيز فكرة استيعاب هؤلاء الطلاب، ومداراتهم، فلم تكن هناك وسيلة توعية واحدة ،أو إرشاد تربوي، يضيء للطلاب عتمة الطريق، ويحبب إليهم الدراسة، ويبصرهم بعواقب هذا الأمر في مستقبلهم.

كان بمقدور الوزارات مثلاً ، أن تخاطب كل فئة من الناس بالمستوى المفهوم لديها، مستعملة في ذلك طريق الاتصال المناسب، فبالنسبة للفئة المتفشية فيها الأمية، والتي لا يقرأ أفرادها ولا يكتبون مثلاً ، كان من الممكن أن تصل إلى هؤلاء بوساطة الراديو، أو التلفزيون، لتحثهم على عدم السماح لأبنائهم، وبناتهم، بترك المدرسة، مهما كانت الظروف والأسباب . وكان بمقدور الوزارة أيضاً، أن تلجأ إلى الاتصال المباشر، من خلال تنظيم ندوات، ولقاءات مفتوحة، لكل من يرغب من الآباء، والأمهات، بدون شروط، أو قيود معينة ، وتنظيم دورات تنشيطية ،ومكثفة، وعادية ،عن طريق مراكز خدمة المجتمع ، لتوعية الآباء، والأمهات، بخطورة ترك الأولاد لمدارسهم، وتشجيعهم على المثابرة، ورفع مستوى كفاءة تحصيل أبنائهم.

لكن الذي حدث، أن المعلم نفسه ، كان يدفع الطالب، في كثير من الأحيان، إلى ترك المدرسة، عندما كان يقرر بمفرده، أن هذا الطالب، أو ذاك، لا يصلح للتعليم ، فيستدعي والده، أو ولي أمره ، ويقول له بلهجة الآمر :" خذه معك إلى الحقل " فيدفعه قسراً، و تحت ضغط العامل النفسي، إلى ترك المدرسة .

وقد ثبت فيما بعد، أن السياسة التربوية الفاعلة ، كانت غائبة عن أذهان المسؤولين، و المدرسين، في وزارات التربية و التعليم ، وكانت الثقافة السائدة في المجتمعات المحلية المنغلقة ، أن التعليم يحتاج إلى قدرات خاصة ، وأن هذه الفئة من الطلاب ، لا تمتلك من العقل، ما يؤهلها للاستمرار في التعليم . لذلك وجدنا الأهل يسامحون أنفسهم، باتخاذ قرارهم الجائر، وموافقتهم على ترك أولادهم للمدرسة، ويعزون أنفسهم بعبارة المعلم " الولد لا يصلح " .

وكانت هناك صلاحية واسعة للمعلم، تسمح له بطرد الطالب من المدرسة ،عقاباً له، على أي فعل قد يراه غير مناسب . لكن هذه السياسة ثبت فشلها ، بدليل أن جل هؤلاء الطلاب ، الذين تركوا المدرسة نتيجة سطوة المعلم، و شراسته، و غياب السياسة التربوية الناجعة ، عادوا إلى مقاعد الدراسة الخاصة، وحققوا نتائج متفوقة، وهم الآن، في الصفوف الأولى من مقاعد المسؤولية .

معنى ذلك، أن القصور لم يكن في قدرات الطالب ، وإنما كان في السياسة التربوية، التي لم تساعد المعلم على تطوير نفسه، ولم تحبب الطالب للدراسة. خاصة وأن المعلمين، كانوا يمارسون وظيفتهم، بعد التخرج من الإعدادية، أو الثانوية ، ولم تكن هناك معاهد لتدريب هؤلاء المعلمين، وتأهيلهم لمثل هذه الوظيفة الكبيرة.

وفيما بعد، أنشأت الوزارات في الوطن العربي،  معاهد المعلمين، ولكن هذه المعاهد، لم تكن منفتحة على السياسة التربوية الناجعة، إذ عمدت الوزارة، إلى قبول من لم يقبل في الجامعات من الطلاب، من ذوي المعدلات المتدنية ، وألحقتهم بمعاهد المعلمين، ومنحتهم بعد سنتين شهادة الدبلوم .وزادت المشكلة تعقيداً، حين ظهر أن هؤلاء المعلمين، لم يكونوا مقتنعين بمهنة التعليم ، وإنما ألجأتهم ظروفهم الخاصة، المادية، والاجتماعية ، وتدني معدلاتهم في الثانوية العامة، إلى القبول بهذه المهنة ، وبخاصة أن رواتبهم ليست مغرية، ولا تكاد تكفي احتياجاتهم الخاصة .

وكما شهدنا هروب الطلاب من المدارس، في السنوات ما قبل إنشاء معاهد المعلمين، عدنا نشاهد هروب الشباب، أو عزوفهم عن مهنة التعليم .وأحسب أن هذه الأزمة ما زالت قائمة. وبالتأكيد، فقد كانت هناك بيئة أفضل من غيرها، بالنسبة إلى مستوى المعلمين، ومستوى التعليم ، ومستوى المدارس التي يتلقى فيها الطلاب تعليمهم، ونوعية هذا التعليم، والتحضير للدراسة الجامعية .

ويلاحظ المرء، أن معظم الذين تابعوا تحصيلهم العلمي، فيما سبق من الزمان، وتخرجوا في المدارس و الجامعات، كانوا من العائلات المتنورة، و من ذوي المسؤولين الكبار في أجهزة الدولة، و العائلات الثرية . وجميع هؤلاء، توافرت لهم وسائل توعية، و تثقيف، لم تتوافر لغيرهم من الطلاب، الذين ظلمهم الزمان ، وكانوا ضحايا سياسات وزارات التربية والتعليم، وغياب الوعي المجتمعي .