قناةُ المجد .. وَمَسيرةُ عِقْد
الباحث / محمد عبد الكريم النعيمي - المدينة المنورة
"قد مَنَّ اللهُ علينا إذْ بَعَثَ الهادي أحمد".. شَدْوٌ جميلٌ لا يزال عالقاً في أذهان عُشَّاق المجد ومُتابعيها، بَشَّرَ ببزوغ نَجْمٍ جديد في فضاء الإعلام الإسلامي الوليد، وَبَعَثَ رُوحَ مُنافَسَةٍ ساميةٍ بَنَّاءَةٍ في هذا الميدان، بأدوات الإعلام الفضائيِّ الحديثةِ الجَذَّابة، وَبِرُؤيةٍ وسياسَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ مُستَقِلَّة، أَضَفَتْ إلى المَجد طابعاً خاصاً وطَعماً مميَّزاً ونَكهَةً فريدة، حافَظَتِ المَجدُ على أسرارِ هذا التميُّز، وَفَتَحَتْ به أبواباً كانتْ مُوصَدَةً أمامَ جُمهُورٍ لطالما اقْتَصَرَ نَظَرُهُ إلى الإعلام الفضائيِّ على زَاوِيَةٍ ضَيِّقَة، وَرَأَى فِيهِ سِلاحاً ذَا حَدٍّ وَحِيد، فَعُزِلَ بذلك عن مُواكَبَةِ الحياةِ المُعاصِرَة، وَاتُّخِذَ - أي هذا الجُمهورُ - مثلاً سَلْبِيّاً يَقْتاتُ به الذينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفاحشةُ في الذين آمَنُوا، والذين يَرَونَ في الدِّين - كُلِّ الدِّين - عائقاً أمام عَجَلَةِ التَّقدُّمِ والازدهار العلمي والفكري.
عِقْدٌ من الزمن، كَسَرَتْ فيه المجدُ هذا الزَّعْم، وَهَدَمَتْ خلاله هذا الوَهْم، وَأَثْبَتَتْ - بالدَّليل المُشاهَد والملموس - إمكانيَّةَ تقديم إعلامٍ نَقِيٍّ حتّى إلى درجة مبالغ فيها، وذلك لطبيعة الجُمهور المَعْنِيّ بالدرجة الأولى، ممَّا قد يَجعلُ الأَمرَ مُبَرَّراً طوالَ تلك الفترة.
ولكنَّ السُّؤالَ المَطرُوحَ بِشِدَّةٍ مع دخول المجد عِقدَها الثاني هو: أَلَمْ يَحِنِ الوَقتُ لتَقديمِ جرعاتٍ طفيفَةٍ من الموادِّ الإعلاميةِ التي تُساهِمُ في تَوسِيع الآفاق، وَتَطويرِ المَدارِك، وتَقَبُّلِ الآراءِ أو التَّعَرُّفِ بها على الأقلّ، ما دامت لا تمسُّ الثَّوابِتَ، ولا تَخدُشُ الأخلاق؟.
وليس المقصود بالجرعات ما يؤدي إلى تمييع رسالتها الإعلامية، وإنما المراد تقديم رؤية تطويرية مواكبة متنوعة، تُتيح للمشاهد إمكانيةَ بلورة آرائه الشخصية المنسجمة مع رسالة القناة في جَوٍّ من القناعة الراسخة، بعيداً عن أسلوب المباشرة العقيمة، والوصاية المُنَفِّرة، ودون الإغراق - كذلك - في إحصاء الملاحظات القابلة للنقاش والخلاف، والتي قد تؤدي إزالتُها إلى الإجهاز على روح البرامج، وتجريدها من الجانب الإنساني والواقعي.
ومن المنتظر كذلك من قناة المجد، النهوضُ بطرح القضايا السياسية والاجتماعية العادلة للشعوب العربية والإسلامية، ما لم يُؤَدِّ ذلك إلى مخالفة توجُّهات المؤسسات الرسمية الحكومية واعتباراتها السياسية، أو يؤدي إلى إحراجها، فحينها لا يُكَلِّف الله نفساً إلاّ وُسعها، ولا يُقصَدُ بتلك القضايا ما اتُّفقَ على عدالتها وَتَوَحَّدَ الموقفُ منها، كقضايا الاحتلال السافر مثلاً، وإنما المقصود قضايا شعوبٍ وفئات لا تقلُّ معاناتها كثيراً عن معاناة الشعوب المحتلة، من قتل وقمع وسجن وتعذيب وتشريد وفقر، مع فارق أنها شعوبٌ لا بواكي لها، وأنها لا تحظَى حتَّى بشكل من أشكال حقوق لاجئين مشرَّدين في منافي الغربة، ومع فارق غياب معاناتها عن وعي وإدراك المشاهد العربي والمسلم.
المنتظَر من قناة المجد في عقدها الثاني كثير، والأمل المعقود على دورها الرياديِّ كبير، والمشاهِد - في النهاية - ليس مَعنيّاً بتقويم تجربتها، بقدر ما هو مهتمٌّ بقدرتها على تشكيل وعيه، وجرأتها على طرح ومناقشة أولوياته.
* عضو رابطة أدباء الشام، ومراقب إعلامي بقناة المجد.