نقل الأزمات الشخصية، إلى العمل العامّ
وتأثيراته على البلاد والعباد !
عبد الله القحطاني
تحدّثنا كتب التاريخ ، أن نسبة كبيرة ، من كوارث الدول والمجتمعات والشعوب .. ناجمة عن أزمات شخصية ، خاصّة بأفراد معيّنين ، لهم مواقع معيّنة ، في دولهم ، أو مجتمعاتهم !
ولن نتحدّث ، هنا ، عن الأزمات الصغيرة ، التي تنقَل من قرد إلى أسرته .. فهذا قائم مستمرّ ، كل يوم ، بل كل ساعة ! فارتباط الأفراد ، داخل الأسرة الواحدة ، يجعل كلاّ منهم ، مؤثّراً بكل منهم ، ومتأثّراً به ، سلباً وإيجاباً ! وكل أزمة ، لدى كل فرد في الأسرة ، تنتقل ، حكماً ، إلى الأسرة كلها ، وتؤثّر بكل فرد فيها ، بنسب متفاوتة ، حسب طبيعة كل منهم ، وطبيعة موقعه في الأسرة !
الحديث ، هنا ، منصبّ ، بجملته ، على تأثير الأزمات الفردية ، في الحياة العامّة ، كلها ، للدولة ، والشعب ! ولعلّ الأمثلة توضح المقصود ، بجلاء ، في هذه السطور..
أمثلة :
1) في العصور القديمة :
· تروي كتب التاريخ ، أن الحرب القديمة ، بين اليونان وطروادة ، إنّما كان باعثها الأول ، أزمة عاطفية ، لدى شابّ خطف فتاة أحبّها .. فكان ذلك سبباً ، في إشعال حرب طاحنة ، بين الدولتين ، خلّدها الشاعر هوميروس ، في ملحمته المعروفة باسم: الإلياذة !
· وقصّة أنطونيو وكيلو باترا ، الناجمة عن أزمة عاطفية بين الشخصين ، معروفة في كتب التاريخ ، وتاريخ الأدب .. ومعروف ماسبّبته للدول المرتبطة بالشخصين ، من حروب ومآس ! وقد كتبت فيها كتب كثيرة ، وألّفت مسرحيات ، معروفة متداولة !
· وحرب البسوس ، معروفة ، كذلك ! وهي التي كان سببها ناقة ، عقَرها كليب ، فقتله ابن عمّه جسّاس ، الذي كانت البسوس ، صاحبة الناقة ، في جواره ! فثارت الحرب بين أبناء العمّ ، واستمرّت سنين طويلة ، أهلكت الحرث والنسل .. وكان الزير سالم الملقّب : بالمهلهِل .. بطلَها الأبرز ، وهو أخو كليب القتيل !
· وحرب داحس والغبراء ، التي كان سببها ، سباقاً بين حصان وفرس ، لرجلين ، أحدهما من بني عبس ، والآخر من بني ذبيان .. هذه الحرب معروفة ، كذلك ، في كتب التاريخ ، وتاريخ الأدب العربي !
· ومعركة عمّورية ، كان سببها الأول ، والمباشر، إهانة امرأة عربية في ديار الروم ، من قبل رجل رومي.. صرخت : وامعتصماه! فجهّز الخليفة العباسي ، المعتصم بالله ، جيشاً صخماً ، غزا به مدينة عمّورية ، التي كانت أمنع مدن الروم ، في ذلك الحين ، حسب ماذكر المؤرّخون !
2) في العصر الحديث :
* احتلال فرنسا للجزائر ، كان سببه الرئيس ، المعلن ، أزمة شخصية ، لمندوب فرنسا ، الذي أهانه أحد رجال الحكم في الجزائر ! وإن كان المؤرخون ، يفترضون أن هذه الحادثة ، لم تكن إلاّ ذريعة ، تذرّعت بها فرنسا ، لاحتلال الجزائر، وكانت تنوي احتلالها ، حتى دون هذه الحادثة !
* أزمة الفهم الديني ، لدى الرئيس الأمريكي السابق ، جورج بوش الابن ، وما امترج بها من حقد وجهل .. جرى استغلالها ، من بعض القوى الأمريكية الداخلية ، ومن دول أخرى ، كإسرائيل وإيران ، ومن بعض القوى العراقية .. لدفع بوش ، بقوّة ، لاحتلال العراق ، باختلاق ذرائع وهمية ، تبيّن زيفها ، فيما بعد ، باعتراف إدارة بوش نفسها !
* ولو استعرضنا كثيراً ممّا يجري ، اليوم ، في الساحات السياسة ، على مستوى العالم .. لرأينا أن نسبة ضخمة من الأحداث ، التي قامت ، وتقوم كل يوم .. سببها أزمات شخصية ، لدى أفراد ، تحرّكهم باتجاهات معيّنة ، فيسلكون سلوكات معيّنة ، تهزّ مجتمعاتهم داخلياً ، وتسبّب لها الأذى القادم من الخارج !
ومن الأزمات التي تدفع الأفراد ، في مواقعهم المختلفة ، إلى التصرّفات المؤذية لمجتمعاتهم :
ـ الأزمات النفسية ، المتعلقة بأهواء النفوس : كالحقد ، والحبّ ، ونزعة الانتقام ، ونزعة التسلّط ..!
ـ الأزمات المالية : كالحاجة ، والفقر ، والخسائر الكبيرة في تجارة أو صناعة .. ونحو ذلك !
ـ أزمات الفهم : كالاجتهادات الخاصّة ، والتفسيرات الخاصّة لبعض النصوص المقدّسة ، وغيرها ، والتي تسبّب اندفاعات جامحة ، تشعل حرائق في كل مكان ، وتشمل بتداعياتها ، مساحات واسعة ، من الدول والشعوب !