سقوط الحضارة الجاهلية
سقوط الحضارة الجاهلية
عبد الله خليل شبيب
كل حضارة يبتدعها الإنسان حسب هواه غير مسترشد بوحي إلهي من رب العالمين الذي يحيط بكل شيء علما وهو أعلم من الإنسان بما يصلحه ويصلح له - ، حضارة جاهلية لأنها مبنية على معلومات وأهواء الإنسان.. والإنسان مهما اتسعت مداركه ومعلوماته .. يظل جاهلا –ولو نسبيا – أمام هذا الكون الهائل ..وما عرف من كنهه وأسراره إلا أقل القليل.. بل إنه ليجهل كثيرا من كنه نفسه التي بين جنبيه فما بالك بالروح التي هي من أمر الله ؟ !
.. ومهما حاول الإنسان أن يتبع هواه ..وقع في دركات الشقاء ..وتخبط تخبط عشواء !
ولا نحصر معنى الحضارة هنا في المنجزات والمستهلكات المادية والحياتية ..ولكن المعنى الأهم هو في الفكر والتصور الذي تنطلق منه الحضارة ..والأهداف التي تسعى إليها والقيم التي تحكمها وتسيرها ..ثم النتائج ( الإنسانية ) التي تفرزها ..إلخ
مناقضة الحضارة للوحي الإلهي سبب سقائها وشقاء أصحابها :
.. فكم حققت الحضارة الغربية – ومرادفاتها – للإنسان من راحة نفسية حقيقية وطمأنينة وسلام روحي وخلق قويم واحترام وتكريم للجنس البشري عامة ؟ – وليس فقط لجنس دون آخر – أو لبلد وشعب دون بلد وشعب آخرين .؟
بل هل حققت للغارقين في منجزاتها المادية راحة روحية ونفسية حقيقية ..أم أن كثيرا منهم يهرب من الشقاء النفسي والخواء الروحي ..وكثيرا ما يلجأ للانتحار ...كما يحصل في السويد وأكثر الدول المتقدمة تقنيا ومدنيا ؟!
كم حققت الحضارة الحالية من مساواة وتقارب للبشرية .. وقيمة للإنسان واحترام لإنسانيته؟..كما ينص الوحي الإلهي الذي تتناقض معه تلك الحضارة في كثير من منطلقاتها وأهدافها والذي يؤكد قيمة الإنسان عامة – دون تفريق لجنس أو دين أو لون أو لأي سبب ..والذي يبرز واضحا من مثل قول الله تعالى : " يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا .."
لو صرفت هذه الحضارة همها الذي توجهه للخراب والتآمر على الآخرين ومحاولة السيطرة عليهم ..والجهود والأموال الطائلة التي تنفقها في السلاح ..ثم ما يدمر ذلك السلاح – في أنحاء العالم .. لو أنفقت ذلك كله لمصلحة الإنسان – مطلق الإنسان – وليس الغربي والأبيض فقط .. ولغذائه ودوائه وسكنه ..لاختلفت الحياة على وجه البسيطة ! ولما وجدنا هذه المآسي الدامية في كل مكان ..
لو نظَرَتْ للإنسان – كإنسان مجرد – نظرة تكريم واحترام وتفضيل وجدارة بالانتفاع بخيرات الكون لكانت فعلا (حضارة إنسانية ) مثل تلك التي يبنيها الإسلام انطلاقا من مثل قول الله تعالى :" ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات ، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا "..
ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هذا الإنسان بنيان الله ..ملعون من هدم بنيانه )
بدون تمييز جنس عن جنس أو لون أو دين أو عقيدة أو بلد أو نسب ضيق أو غير ذلك !
.. ولكن الأمم – وحسب تجارب تاريخها الطويل – كلما تنكبت شرع الله وأعرضت عنه ..وعصت الأنبياء والرسل واتبعت الهوى ضلت وأضلت وشقيت وأشقت ..وهلكت وأهلكت !!
..." ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " !!
محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ، وأمان للخلق أجمعين :
..ولولا أن رسول الله محمدا – صلى الله عليه وسلم - رحمة وأمان للعالمين جميعا – مسلمهم وكافرهم – فتكريما له لأنه النبي الخاتم ورسالته عامة لكل البشر .. ولأنه سيد الأكوان صلى الله عليه وسلم ..جعله الله أحد الأمانين للبشرية ..ورفع الله به العذاب الشامل عن الأمم .." وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ..وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "..
فهو أمان ورحمة ونعمة حتى لأؤلئك الذين يتطاولون عليه ..ويتآمرون على دينه الصحيح الخاتم ..وعلى الأمة المنتسبة إليه ! ولوعرف [ الضالون الحاقدون ] قدره وفضله عليهم .. لقبلوا موضع قدميه ..
.. فلولاه صلى الله عليه وسلم ..لوقعت أكثر من واقعة كطوفان نوح وكواقعة عاد وثمود..إلخ !!
ولكن رحم الله البشرية بمحمد صلى الله عليه وسلم ..فرفع عنها الهلاك العام والفناء التام والمسخ والقذف والخسف ..وما حصل لكثير من الأمم السابقة التي ساق الله لنا نماذج من مصائرها في القرآن عبرة لمن يعتبر :" لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ..ما كان حديثا يُفترَى .."
تخبط الحضارة الغربية وأزماتها المتنوعة والمتلاحقة :
وهاهي الحضارات البشرية – والغربية ومرادفاتها أو مقلدوها الآن تتخبط ولا تخرج من أزمة إلا إلى أزمة ..وتغير قوانينها وتشريعاتها وتجاربها بين الحين والحين ..ولا تصل إلى سواحل الاستقرار والسعادة الظاهرة والباطنة .( مثال على التغيير : كان حكم شرب الخمر في أمريكا في فترة من الفترات = الإعدام ) !
الأزمة المالية العالمية [يهودية الصنع والاستثمار ] من أولها إلى آخرها :
وليست الأزمة المالية الأخيرة هي الظاهرة الوحيدة أو الدليل الوحيد على فشل الحضارة الغربية التي يكاد يكون تاريخها سلسلة من الأزمات المختلفة فكل حين نجد الغرائب والعجائب!
.. لقد اكتشفوا – أو كادوا يكتشفون – أن الربا هو سبب الأزمة الأخيرة .. وقد كاد أن يتحقق قول الله فيهم " يمحق الله الربا " .. وتهيأت لهم الظروف ليعودوا إلى رشدهم وإلى الحق وبرز لهم جليا أن النظم التي ترفض التعامل بالربا كانت أقل تأثرا بتلك الأزمة ..إلا بالقدر الذي تتعامل به مع نظمهم المالية !
..حتى [ بابا الفاتيكان ] نصحهم بالأخذ بالنظام الإسلامي الذي يحرم الربا ! " وأحل الله البيع وحرم الربا ".
...إن النظام الربوي – الذي أساطينه الكبار غالبا من اليهود .. قد مكنهم من [ سرقة العالم= جميع الشعوب ] وقد صرح رئيس وزراء فرنسا [ ميشال روكار ] : "أن ما جرى [ سرقة صريحة ] لأموال دول أخرى يصل إلى رتبة جريمة ضد الإنسانية .." !
.. وقد بدت نذر تلك [ الأزمة المؤامرة ] منذ أن كتب اليهوديان [ كسنجر وزميله الأكاديمي الاقتصادي ] مقالا يحذران فيه من فوائض أموال النفط حين ارتفع سعره ارتفاعا غير مسبوق ..ويحرضان على الاستيلاء عليها .. فكانت أول النذر سرقة اليهود لمليارات المودعين والمساهمين في بنك [ ليمان برذرز] وتحويلها لدولة اللصوصية العالمية اليهودية المحتلة لفلسطين !! ..ثم إعلان إفلاس ذلك البنك للتنصل من المسؤولية – حسب النظم الغربية!
.. وقد حذرنا وحذر غيرنا ..وأنذرنا ونصحنا .. ولكن ..لا حياة لمن تنادي !
لقد قلنا من قبل ..وقال خبراء ( أكاديميون ) كثير : ( إن في مقدمة أهداف تلك الأزمة المالية : الاستيلاء على الفوائض المالية لدول الخليج التي حققتها خلال الطفرة في أسعار النفط )!
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن .. لا حياة لمن تنادي !!
نصحتهمو نصحي بمنعرج اللوا فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغدِ
.. أي بعد فوات الأوان ..وبعد ضياع التريليونات – بما فيها الفوائض السالف ذكرها .. في دوامة [الأزمة المالية المفتعلة يهوديا ] .
.. ولم يحاسَب أحد ! ولم يعاقَب أحد ! بل لم يُسأل أحد ! ..مع أنها [ جريمة ضد الإنسانية ] ..كما وصفها المسؤول الفرنسي الذي أوردنا قوله سابقا ! كيف لا وآثار تلك الجريمة لم تكد تخطيء أحدا في جميع العالم إلا من رحم الله ! ربما كان ذلك [ السكوت عن الجريمة والجناة ..وخرس الخبراء الغربيين المطلعين خشية من تهمة [ اللاسامية ] التي أصبحت سيفا مصلتا على رقاب الغربيين والأمريكان .. وحصانة لليهود وجرائمهم أيا كانت وأينما كانوا ..ومهما فعلوا !!
والسقوط الأخلاقي الغربي أيضا :
.. لسنا بحاجة للاستشهاد والتذكير [ بأبو غريب وغوانتانامو وباغرام وجانجي والسجون السرية الأمريكية عبر القارات وفي قطع البحار ..والتعذيب الممنهج والرسمي والموصى عليه وبالوكالة عن المخابرات الأمريكية وتحت إشرافها في بعض البلدان والمراكز المتخلفة والتابعة !..إلخ] لنثبت أن هذه الحضارة ..ماهي إلا [ كومة من القاذورات والقذارات ] !!!...
... فنحن في العالم العربي والإسلامي والثالث ...نشاهد من عشرات السنين ..بل من مئات السنين..مُثلا عملية على تلك الحضارة الأخلاقية ..ربما قبل أن يقتل الصليبيون الأوربيون عشرات الألوف في ساحة الأقصى بعد أن وعدوهم بالأمان ..أو ما فعل القوط حين أعطوا معاهدة لحاكم غرناطة [ أبو عبدالله الصغير ] من 36 بندا .. يعدونه بكل الأمان والسلامة والحقوق والحرية..ثم حين استسلم مزقوها ولم ينفذوا بندا منها واحدا ! وفتكوا بالمسلمين شر فتك وحرقوا كثيرا منهم – في ساحات الكنائس والأديرة - وهم أحياء .وهم يتفرجون عليهم كما يتفرجون على مسرحية مسلية !!!
..ولا نريد أن نُذَكِّر بما فعله الفاتحون الغربيون والمكتشفون للعالم الجديد في الذين أسموهم (الهنود الحمر ) أهل البلاد الأصليين ..من فظائع وبشائع تقشعر لها الأبدان مما وثقه بعض مؤرخيهم وبعض شهود العيان !!ومنهم رجال دين مصاحبون للحملات!
.. وما سبق ذلك ولحقه من نماذج [ وحشية الحضارة الغربية ]!
.. فبعد عصر النهضة وفي عصر التنوير ..كانت حركة [ الاستعمار ] ..وما أدراك ما الاستعمار وتاريخه الأسود الملطخ [بجرائم الرجل الأبيض ]!!
.. ففي الجزائر فقط قتل الفرنسيون (أكثر من 9 ملايين مسلم ) وربما أكثر – حين تتكشف كل الحقائق ..أو تُعرَف وقائع كانت مجهولة ! خلال 132 سنة من استعمارهم لها ..كما توصل لذلك باحثون ومؤرخون وأكاديميون فرنسيون وجزائريون منهم المؤرخ ( محمد قنطاري ) .. فقد ارتكب الفرنسيون مئات بل آلاف جرائم الإبادة الجماعية لمجتمعات وقرى كاملة .. وكمثل واحد ..ما جرى في محافظة الأغواط في 4 /12/1852 حيث قتلوا في واقعة واحدة أكثر من [2500] جزائري ..أكثرهم من الأطفال والنساء!!..حيث كانوا يضعون المدنيين العزل في أكياس ويحرقونهم أحياء !! كما شهد المؤرخون المحققون !!
.. وغير ذلك من مآس وجرائم استعمارية – وما بعد الاستعمارية – [ بتوجيههم وأوامرهم ] من فنون قتل وتعذيب وتنكيل وتجويع وإهانات واستئثار وظلم [ وإخفاء ] لا زالت تئن تحت وطأتها كثير من الشعوب ! (5/4/09)
حضارة الجريمة والفوضى الجنسية والانحلال ..تؤذن بالزوال:
.. أما السقوط الأخلاقي الفردي وشبه الجماعي فيما يتعلق بشؤون المرأة والجنس والسلوك الفردي ..فحدث ولا حرج !
.. لقد تركت القوانين الغربية الإنسان [ فلتان ] كالحيوان الهائم الهائج ..يأكل القوي فيه الضعيف ..ويتهارج فيه الناس كتهارج الحُمُر–كما ورد بالنص في بعض الأحاديث الشريفة !
..ونظرة إلى واقعهم ..وإلى أفلامهم وأعمالهم... تكفي ..
..فلا يكاد يكون هنالك حد ولا حرام ولا حلال ..مادام هناك تراض وشراء وبيع لكل شيء حتى للإنسان وحرماته !.. المهم أن يبقى الساسة وأحزابهم – ومن وراءهم من القوى الخفية = غالبا يهود – يتمتعون بالنفوذ والسلطة والقرار !
.. لا نريد أن نضرب مثلا بالشواذ ووقاحتهم وسن التشريعات الوضعية لحمايتهم وتشجيعهم وإعانتهم ! فذلك مشهود في كثير من النظم الأوروبية بحجة حماية الحريات الفردية ..بينما تضيق تلك الحريات والقوانين والحضارات ..عن قطعة منديل ( تختار) المرأة المسلمة أن تغطي به رأسها فتسن التشريعات في بعض الدول الأوروبية [والتابعة العمياء المأمورة ] لمحاربة ( الحشمة والتستر ) بحجة منع الرموزالدينية ..وما أشبه ذلك !
..وللعجب فإن صيحات لتقليد ذلك قد ظهرت في بعض البلدان العربية والإسلامية !
.. لم يكتف المتحضرون الغربيون بتحويل الإنسان إلى [ حيوان بهيمي ] بل انطمست لدى كثير منهم الحدود والمعالم بين الحلال والحرام ..حتى أصبحوا كالحيوانات بل هم أضل " أم تحسب أن أكثرهم يسعون أو يعقلون ؟ إن هم إلا كالأنعام ..بل أضل سبيلا "( الفرقان :44) صدق الله .
.. لقد شاع فيهم حتى زناالمحارم .؟.وما يكتشف كل يوم أكثر بكثير من المخفي ( والمخفي أعظم ) كما يقال !!
.. لقد سمع الجميع بذلك العجوز النمساوي [ 77سنة ] الذي يحتجز ابنته من نحو 35 سنة ..ويعاشرها كالزوجة ..وقد ولدت منه عدة أطفال ..وبعده ذلك الإيطالي الذي نهج نفس النهج ..بل وشجع ولده على ذلك حتى اتبع سلوكه ..وحين هربت أخته عنده من جرائم أبيها الذي يعتدي على عرضها ..قام الابن بتكرار الجريمة مع شقيقته !!..وهو يفعل في بناته كذلك كما أوصاه وعلمه أبوه!!!..وكذلك البوليفي ..وغيرهم ...فكأنهم عادوا إلى عهد الجاهلية البهيمية ..وأمثال المذهب المانوي الفارسي ..الذي كان يبيح ذلك ويفضله ..وقد احتج أحدهم على ذلك وبرره بمثل قوله..عن البنت :
فكيف تحل لذاك الغريـــب وليسـت تحل لهـذا الأبِ؟!
أليس النبات لمن ربه ورباه في الزمن الأجدبِ ؟!
.. قاتلهم الله أنى يؤفكون !
هذه هي الحضارة [ الساقطة من كل النواحي ] والتي ينبهر بها بعض الجهلاء وأصحاب الهوى ممن أعماهم الله وختم على سمعهم وعلى أبصارهم وعلى قلوبهم .." أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ..وأضله الله على علم ، وختم على سمعه وقلبه ، وجعل على بصره غشاوة ؟ فمن يهديه من بعد الله ؟ أفلا تَذَكَّرون ؟"! ( الجاثية 23)
لا يشفي مآسي البشرية إلا ( بلسم ) الإسلام الصحيح الوسط المعتدل :
.. إن هذه الحضارة ( المتداعية ) ... لا تقوم ولا تدوم .. إلا بلمحات عدل وخير هنا وهناك .. ثم لعدم وجود البديل المؤهل .. ليملأ الفراغ ..كما هي سنة الله في خلقه ..
وإلى أن يستيقظ المسلمون ..ويعرفوا دينهم حقا ..وقيمته وعدالته .. وأنه المؤهل ليصلح البشرية ويداوي كل عللها وليرث الأرض ومن عليها .. ليقوموا على صراطه المستقيم ..ويطبقوا ذلك عمليا وبعقول متفتحة لا بعقليات متحجرة منغلقة لا تكاد تتجاوز مرأى أنوفها .. .. إلخ .. حينها يؤذن الله بزوال الظلام الشامل الذي يظنون – ويدعون أنه نور - ..ويشرق نور الحق الحقيقي والعدل الرباني الذي تنعم البشرية في ظله بالرخاء والأمان والعدل والسلام ..كما ورد في كثير من البشارات .." هوالذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ..وكفى بالله شهيدا " ..( الفتح : 28).