الأوزان والأحجام موجودة
في كل ميدان من ميادين الحياة !
عبد الله القحطاني
لكل ميدان من ميادين الحياة ، أوزانه وأحجامه .. كما في الملاكمة والمصارعة !
في الاقتصاد أوزان ، تتفاوت في ضخامتها ، حتّى يصل بعضها إلى مرتبة (حوت) أو (ديناصور) !!
وفي السياسة ، كذلك ، على مستوى الأشخاص ، داخل الحزب .. وعلى مستوى الأحزاب ، داخل الدولة .. وعلى مستوى الدولة ، في محيطها الإقليمي ، وفي الميدان الدولي !
وعلى مستوى المكانة الاجتماعية ، داخل المدينة والقبيلة !
وعلى المستوى الثقافي ، والعلمي ، والفني ، والأدبي !
وكلها ـ في سائر الميادين ـ تتفاوت في الدرجات ، بين : هيّن ، وضئيل ، ومهمَـل .. وبين : رفيع ، وعظيم ، وكبير، وخطير، وجليل !
ونحسب هذا ، كله ، من بدهيات الفكر الإنساني ، ومسلّماته ، وممّا هو معلوم بالخبرة المتراكمة ، لدى عقلاء البشر، جميعاً !
ماقد يلتبس ، على كثير من الناس ، هو ما في الكلام ، من أوزان وأحجام !
بعض أنواع الكلام ، لا قيمة له ، ألبتّة ، إلاّ أنه مجرّد صوت .. وحجمه ، أو وزنه ، يأتي من ارتفاع نبرته ، أو انخفاضها !
وبعضها ، له قيمة محدودة ، في الأهمّية ، أو الجودة ، أو الرداءة !
وبعضها يستمدّ قيمته ، من قيمة صاحبه ؛ فإذا جُـرّد صاحبه ، من قيمته ، تلاشت قيمة الكلام ! وقيمةُ المتكلّم ، تأتي من أشياء كثيرة ، بعضها موقع في السلطة ، وبعضها موقع اجتماعي، وبعضها صفة معيّنة ، كالبلطجة ، التي تفرض صاحبَها ، على بعض الرهائن البريئة ، في ساعة معينة !
& وبعض أنواع الكلام ، يستمدّ قيمته ، من قيمة الشخص الذي يوجّه إليه ، كالشتيمة ، التي يلقيها شخص ما، في وجه رجل عظيم ، فتدخل تاريخ هذ الرجل العظيم ، دون أن تكتسب عظمة من عظمته !
وبعضها يستمد قيمته ، من الظرف المحيط به ، أو المناسبة التي يقال فيها ! فإذا انحسر الظرف ، أو المناسبة ، انحسرت قيمة الكلام ، أو وزنه ، أو حجمه !
وبعض الكلام ، هامّ بمعناه ، لكنه ساقط بأسلوبه ، أو بشخص قائله !
وبعض الكلام ، ساقط بلفظه ، أو بمعناه .. لكن له قيمة ، لدى بعض الناس ، لأن قائله ذو وزن أو حجم ، في محيطه .. فتدبّج المقالات ، في مدح الكلام وصاحبه ، نفاقاً وتزلّفاً !
وبعض الكلام ، يَستمدّ منه ، بعضُ الناس ، قيمة رفيعة ، كقصيدة عمرو بن كلثوم التغلبي، المعلّقة ، التي ظلّ بنو تغلب يردّدونها ، قروناً ، ومطلعها :
ألا هبّي بصحنِك فاصبَحينا ولا تبقي خمور الأندرينا
حتى قال فيهم أحد الشعراء :
ألهَى بني تغلبٍ عن كلّ مَكرمةٍ قصيدةٌ قالها عمرو بن كلثوم
وكذلك الشأن ، مع القصيدة التي قالها الأعشى ، يمدح فيها بني أنف الناقة ، والتي جعلتهم يشمخون بأنوفهم على الناس ، بعد أن كانوا يخجلون من اسم قبيلتهم ! ومنها هذا البيت :
قومٌ هم الأنفُ ، والأذنابُ غيرهمُ ومَن يسوّي بأنفِ الناقةِ الذنَبا !؟
كما أن بعض الكلام ، يجلب الإحساس بالذلّ والهوان ، لبعض الناس ، كبيت الشعر، الذي هجا فيه جرير، بني نمير ، فصار سبّة عليهم ، زمناً طويلاً :
فغضّ الطرفَ ، إنّكَ مِن نُمَيرٍ فلا كعْباً بلغتَ ، ولا كِلابا
وبعض الكلام ، يرفع صاحبَه ، عند الله ، وعند الناس !!
وبعض الكلام ، يخفض صاحبَه ، عند الله ، وعند الناس !
ولقد أفاض الشعراء ، في الحديث عن قيمة الكلام ، فقال بعضهم :
وربّ كلام تُستثار به الحرب !
وقال آخر: إنّ الكلام مِن الفؤاد ، وإنّما جُعِل اللسانُ على الفؤادِ دليلا
وقال آخر:
ووكائنْ تَرى مِن صامتٍ لكَ معجِبٍ زيادتُه ، أو نَقصُه ، في التكلّم
وقال رسول الله (ص) : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيراً ، أو فليصمت !
وربّما كان أخطر مافي الكلام ، أن أكثره يستمدّ قيمته ، من أفهام الناس وأهوائهم ! فقد يمجّد بعض الناس ، كلاماً ساقطاً ، اغتراراً بمنزله صاحبه ، أو اغتراراً بثناء أناس آخرين عليه ! وذلك ، كبعض النماذج المعروفة ، في عالم الشعر والأدب ، التي اكتسبت قيمتَها ، من الجرأة على مقدّسات الأمّة ! ثم ترسّخت هذه القيمة ، مع الزمن ، وتعزّزت ، حتّى صارت في عداد المعلوم ، (من الفهم !) ، بالضرورة ، في ميدان الأدب والثقافة !