إلى عُمْي البصائر والضمائر
إلى عُمْي البصائر والضمائر
أ.د/
جابر قميحةالذين ينظرون لحضارتنا نظرة إزراء ، واستهانة من العلمانيين ، ومن ساروا على درب أعداء الإسلام من المستشرقين والملاحدة ، إنما يفرزون هذه النظرات وهذه الاستهانات من عقدة أصبحت في أعماقهم متجذرة أصيلة ، هي عقدة النقص ، ومحاولة التعملق ، حرصا على الظهور والشهرة ، تماما كالذي يعتقد أنه عملاق كبير لأنه يبصق إلى أعلى ، وهو في ميزان الحق والعقل ضئيل قمي ء .
ويزداد أسفنا حينما نجد من هؤلاء تركيزا على حقوق المرأة ومكانتها ، والنظر إلى المرأة الغربية على أساس أنها نموذج حي للتقدم ، والتفتح الذهني ، والتفاعل مع المجتمع ، والإنتاج النافع ، ويطالبون بأن تتخلى المرأة الشرقية بصفة عامة ، والعربية بصفة خاصة عن سلبيتها ، وتحاول أن تخلع عن نفسها ما يسمونه التقاليد البالية ، والجمود الرجعي ، والتمسك بقيم ومبادئ مضى عليها قرون وقرون .
ومما يزيد من أسفنا أيضا أن أغلب من يحمل آثام هذه الدعوة من جنس النساء ، اللائي تحكمهن عقدة النقص :
فرأينا إحداهن وهي أميرة متشاعرة تتحدث عن بنات جنسها بقولها في جموع المستمعين :
نحن الدجاج المعلب نحن الدجاج المثلج .
وهي تعني أننا نحن النساء الشرقيات سجينات العادات العربية والإسلامية القاسية ، التي تمنعنا من التحرك والنهوض والتقدم كأننا دجاج محفوظ في العلب ، أو جمده التثليج . مع أن هذه السيدة المتشاعرة لا تقضي الصيف إلا في شواطئ أوربا ، والشتاء في المناطق الدافئة ، ويقول عنها من عرفها أنها في رحلات الاستجمام تبذر من الأموال في موسم واحد ما يكفي لإسعاد مئات الأسر لعشرات من السنين .
وواحدة أخرى تطالب في لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب بالأخذ بشهادة المرأة الواحدة بإطلاق، ومساواتها بالرجل، وتوريث الكتابية إذا مات زوجها المسلم.
وللأسف رأينا موقفا مخجلا للصحف القومية فقد طبلت وزمرت لهذه لسيدة واعتبرتها نموذجًا فذًا في التجديد والجرأة، ومن كلمات واحد منهم تحت عنوان: "شجاعة امرأة":
"... هي أستاذ في أصول الشريعة.. وأثق في أنها لم تطالب بهذه التعديلات إلا بعد دراسة فقهية عميقة، وأنها قادرة على الدفاع عن رأيها بالحجة.
لقد قررت هذه السيدة الشجاعة أن تزيل الحجاب عن العقل، وأن تستمسك أيضًا بصحيح الدين. وأن تعلن رأيها صراحة، وهي تعلم أن أي تغيير تشريعي في هذا الصدد سوف يحقق المساواة بين الرجل والمرأة، ويزيل كثيرًا من الالتباس حول صحيح الدين. وسوف يحسن صورة مصر دوليًا على صعيد المواطنة…”
" (جمال زايدة الأهرام 12 / 3 / 2008).
وتعلن هذه السيدة المتعالمة أن المرأة حرة.. تلبس الحجاب أو تخلعه. وتقول" نرى أحيانًا نساء محجبات، بل ومنقبات يجلسن في أوضاع مرفوضة مع رجال، فهل نجح هذا الرداء في أن يجعلهن يسلكن سلوكًا صحيحًا؟ الإجابة بالنفي بالتأكيد. "
لا يمنعها، المهم هو أنا، وليس ملابسي، فمن الممكن أن أكون محجبة، وسلوكياتي مشجعة وداعية لغير الالتزام ؟ "
إنه كلام انحط إلى مستوى السذاجة الفاضحة ، ونسأل : هل الحجاب هو السبب في السلوك الشائن ؟ ومن الفاضح أن تقول " المهم أنا وليس ملابسي " وأنا يأخذني الخجل والله أن أتعامل مع هذا المنطق الساقط ؟ ألا يمكن أن نقول " المهم أنا بشخصيتي وسلوكي ومظهري ". وإلا كان من حق أي امرأة أن تقول لا داعي للملابس مادمت أتعامل مع الآخرين بإنسانية ، وأبدي عمليا إخلاصي لوطني .
وتقول صاحبتنا : " المهم الحجاب النفسي لا الحجاب الحسي ؟
فالإسلام دين قلوب وضمائر ، ولا يهتم بالشكليات .
وهذا كذب على الله وإلا ما اشترط لصحة الصلاة الاتجاه إلى قبلة واحدة معروفة ، والوقوف في صفوف منتظمة ، بل إن كل قوانين العالم السماوية والمذاهب الأرضية توجب الاهتمام بالشكل والموضوع .
وأخرى تطالب بإلغاء تعدد الزوجات ، ووضع شروط عجيبة غريبة للطلاق..... إلخ .
**********
وحتى لا نكون ممن يسوق القول على عواهنه أقدم لهؤلاء المعجبات بالمرأة الغربية إلى درجة التعبد ...أقدم لهن بعض الإحصاءات عن المرأة في الغرب :
في تقريره السنوي الذي قام بإعداده فريق متخصص برصد أحوال المرأة في العالم الغربي، ذكر 'معهد المرأة' في أسبانيا مدريد، مجموعة من الإحصاءات المذهلة.
حقوق المرأة في أمريكا
وهذه إحصاءات تخص دولة الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها تمثل القمة والعتبة في ركب الحضارة والتطور بالمعيار المادي.
في عام 1980م [1.553000] حالة إجهاض، 30 % منها لدى نساء لم يتجاوزن العشرين عاماً من أعمارهن، وقالت الشرطة: إن الرقم الحقيقي ثلاثة أضعاف ذلك.
- وفي عام 1982 م [80%] من المتزوجات منذ 15 عاماً أصبحن مطلقات
- وفي عام 1984م . 8 ملايين امرأة يعشن وحدهن مع أطفالهن ودون أية مساعدة خارجية.
- وفي عام 1986م [27%] من المواطنين يعيشون على حساب النساء.
- وفي عام 1982م [65] حالة اغتصاب لكل 10 آلاف امرأة.
- وفي عام 1995م [82] ألف جريمة اغتصاب، 80% منها في محيط الأسرة والأصدقاء، بينما تقول الشرطة : إن الرقم الحقيقي 35 ضعفاً.
- وفي عام 1997م بحسب قول جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة : اغتصبت امرأة كل 3 ثوان، بينما ردت الجهات الرسمية بأن هذا الرقم مبالغ فيه في حين أن الرقم الحقيقي هو حالة اغتصاب كل 6 ثوان!
- وفي عام 1997م [ 6 ] ملايين امرأة عانين سوء المعاملة الجسدية والنفسية بسبب الرجال، 70% من الزوجات يعانين الضرب المبرح ، و4 آلاف يقتلن كل عام ضرباً على أيدي أزواجهن أو من يعيشون معهن.
- 74% من العجائز الفقراء هم من النساء، 85% من هؤلاء يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد.
- ومن 1979 إلى 1985 م: أجريت عمليات تعقيم جنسي للنساء اللواتي قدمن إلى أمريكا من أمريكا اللاتينية، والنساء اللاتي أصولهن من الهنود الحمر، وذلك دون علمهن.
- ومن عام 1980 إلى عام 1990م: كان بالولايات المتحدة ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء.
- وفي عام 1995م: بلغ دخل مؤسسات الدعارة وأجهزتها الإعلامية 2500 مليون دولار
يشار إلى أن هذا التقرير السنوي المسمى ب 'قاموس المرأة' صدر عن معهد الدراسات الدولية حول المرأة، ومقره مدريد، وهو معهد عالمي معترف به .
حقوق المرأة في أسبانيا :.
وهذه إحصاءات تخص دولة أسبانيا :
في عام 1989م كان متوسط الولادات 1.36 لكل امرأة.
- وفي عام 1992م كان متوسط الولادات 1.02، وهي أقل نسبة ولادات في العالم.
- وفي عام 1990م [ 93 %] من النساء الأسبانيات يستعملن حبوب منع الحمل ولمدة 15 عاماً متتالية في عمر كل منهن.
- وفي عام 1990م قدّم 130 ألف امرأة بلاغات بالاعتداء الجسدي والضرب المبرح من قبل الرجال الذين يعيشون معهن سواء كانوا أزواجاً أم أصدقاء .
- ويقول أحد المحامين: إن الشكاوى بالاعتداء الجسدي والضرب المبرح بلغت عام [1997م 54. ألف شكوى، وتقول الشرطة: إن الرقم الحقيقي عشرة أضعاف هذا العدد.
- وفي عام 1995م خضع مليون امرأة لأيدي جراحي التجميل، أي بمعدل امرأة من كل 5 نساء يعشن في مدريد وما حولها.
- كما أن هنالك بلاغًا يوميًّا عن قتل امرأة بأبشع الطرق على يد الرجل الذي تعيش معه.
وهناك خبيرة بريطانية كتبت في دراسة أن 70% من الرجال في بريطانيا وأمريكا خائنون .
تفيد معظم الدراسات التي أجريت في بريطانيا وأمريكا حول الخيانة الزوجية بأن نسبة الرجال "الخائنين" هي ضعف نسبة الفئة ذاتها لدى النساء. وتدور تلك النسبة حول 12 % للنساء و 22 % للرجال، لكن الباحثة النفسية د. غايل سالتز ترجح أن نسبة الخيانة بين الرجال قد تصل في الواقع إلى 70؟%، إذ أن التقديرات "المتواضعة" السابقة إنما هي نتاج اعترافات الرجال أنفسهم ، وليس من المعقول أن يعترف الرجال بما يقترفونه من خيانة. جاء ذلك في مقال كتبته سالتز في مجلة "توداي" ونشره موقع www.msn.com على شبكة الإنترنت.
ومن الناحية النفسية تتفاوت دوافع الرجل والمرأة في حالات الخيانة كما تقول سالتز، فالرجل يخون من أجل الجنس وليس العاطفة، وما الخيانة المتكررة التي تبدر من بعض الرجال إلا وسيلة الذكور على ما يبدو لإطالة القبض على لحظات النشوة المتبخرة التي يشعر بها في التجربة "الجنسية" الأولى.
وهناك عدد كبير من الرجال ممن يبدأون الخيانة الزوجية في مرحلة متقدمة نسبياً من العمر، وذلك عندما يتعاظم لديهم الشعور بالخسران والضعف نتيجة الاقتراب من خريف العمر. وفي هذه الحال، فإن الرجل يهرب من "تهمة" الضعف إلى تجربة جديدة مفعمة بالنشاط لعلها تقنعه قبل غيره بأنه ما زال قادرا على فعل شيء، وأنه ما زال يمتلك الشباب.
ومن الملاحظات التي تسردها سالتز في دراستها أن الخيانة الزوجية ليست ناجمة بالضرورة عن الزواج المضطرب، ومع ذلك، فإن الاضطراب الزوجي الذي يدوم لفترة طويلة أو لفترات متقطعة يعد حافزاً قوياًً لقيام أحد الزوجين بالتفكير بالخيانة
**********
ونحمد الله سبحانه وتعالى إذ جاء الواقع المطرد في مجتمعاتنا يكذب منطق الداعيات إلى انسلاخ المرأة من القيم الموروثة كالحجاب ، والدعوة إلى تحريم تعدد الزوجات ... الخ..
أقول حمدا لله فإن المحجبات المتصونات من الطالبات يكن دائما على قمة المتفوقين والمتفوقات . كما أن الحجاب بمفهومه الصحيح في اطراد دائم .
وأختم مقالي هذا بحقيقة أكيدة تتلخص في أن الفصل بين الدين والخلق سيظل فصلا صناعيا واهيا ، لأن الدين هو أقوى المصادر وأغناها بالقيم الخلقية . فالإحساس الديني هو أقوى الأحاسيس ، وسيظل أقواها وأعمقها لأنه يستمد بقاءه وقوته من الفطرة الإنسانية التى لا تموت ، وشعور التدين حتى في أبسط صوره يكسب الأخلاق بقاء وقوة ، ويربطها دائما بالذات الأزلية الخالدة . والذين يدعون إلى " الانسلاخ " وعلمانية الأخلاق ينسون حقيقتين :
الحقيقة الأولى : أن القيم الاجتماعية عرضة للتغيير والتقلب والهبوط والصعود ، تحت تأثير الأيديولوجيات الوضعية التى قد تعصف بكثير منها ، وقد تفرغ بعضها من مضامينه الحقيقية ، وقد تحول بعضها إلى النقيض ، ويصبح المجتمع أسير قائمة جديدة من القيم لها دعاتها وفلاسفتها التى يدعمونها بالحيثيات الوجيهة ، والتبريرات الطلية التى تطمس معالم الحقيقة .
والحقيقة الثانية : أن القيم الإسلامية ثابتة ، ولكنها غير جامدة ، مرنة ولكنها لا تقبل التميع تعرف السماخة ، ولكنها لا تقبل التهاون .
ولعل موقف النبي صلى الله عليه وسلم من حلف الفضول الجاهلي ، واختلاف موقفه مع مسيلمة الكذاب عن موقفه مع عيين بن حصن يوضح الفرق بين الثبات والأصالة ، وبين الجمود والتحجر ، والفرق بين المرونة والسماحة ، وبين التهاون والتفريط .
واعتناق الأخلاق الدينية زيادة على مسايرته للفطرة الإنسانية له ما يؤيده من الواقع العملي التاريخي . ففي تاريخنا الإسلامي المثل الأعلى ... بل المثل العليا ...محمد وصحبه ... نعم كل قيمة أخلاقية لها واقع عملي في سجل هؤلاء الأشراف ، وهذا السجل يعد " مرجعا عمليا " لمن أراد القدوة ، وطلب الأسوة ، واستشرف الاحتذاء .
وحتى لو سايرنا منطق الماديين والعلمانيين الذين يخضعون الأشياء لمقياس المنفعة ، أو معيار " المكاسب والمخاسر " ... حتى على هذا الاعتبار يبقى رصيدنا الخلقي الإسلامي " تجارة " لا تبور ولن تبور ، وتبقى حصيلة هذه التجارة فائقة دائنة أبدا ، لأن القيمة الخلقية فيها لا تنفصل ، بل تتلاحم بالقيمة الإيمانية ، فالصدق والجهاد والكرم والتضحية ، وكل المعاني الإنسانية لا يمكن أن يكون لها قيمة في عزلة عن الإيمان ، يقول الحق سبحانه وتعالى " ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) الصف 10 و 11 .
ونتيجة هذا التحلي ، وحصيلة هذا السلوك وذلك المسار هي أعظم النتائج في الآخرة ، وأثرى الثمرات في الدنيا : " يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) الصف 12 و 13 .
وإنه كما يقول الشهيد سيد قطب لربح ضخم هائل أن يعطى المؤمن الدنيا ، ويأخذ الآخرة ، فالذي يتجر بالدرهم فيكسب عشرة يغبطه كل من في السوق ، فكيف بمن يتجر في أيام قليلة ، فيكسب به خلودا ، لا يعلم له نهاية إلا ما شاء الله ، ومتاع غير مقطوع ولا ممنوع.