الجيش الأخلاقي والقتل البارد !
أ.د. حلمي محمد القاعود
قال المجرم النازي اليهودي " إيهود باراك " وزير القتل في الحكومة الصهيونية : إن الجيش الصهيوني أكبر جيش أخلاقي في العالم . ثم نفى عنه صفة الوحشية وتجاوز آداب الحرب وقوانينها الدولية .
كانت بعض الصحف النازية اليهودية قد نشرت مؤخراً ، تحقيقات ومقالات عن وحشية القتلة الصهاينة في قطاع غزة ، وأبرزت ما فعله الغزاة النازيون من خلال أقوال الجنود والضباط الصهاينة الذين شاركوا في المذبحة التي جرت في ديسمبر 2008/ يناير 2009م ، مما حرّك بعض الجمعيات الحقوقية في الكيان النازي اليهودي لتطالب بالتحقيق في جرائم الحرب ، وهو ما لم يعجب المجرم باراك ، فأعلن تصريحه السابق .
وإذا كان الغزاة النازيون اليهود يحاولون الظهور أمام العالم بمظهر متحضر حتى في حروبهم الإجرامية ، فإن هذا يدل من ناحية على قدراتهم الإعلامية في تسويق الجريمة المركبة وتحويلها إلى أمر مقبول وطبيعي ، وهو الاحتلال النازي اليهودي لفلسطين ، ومن ناحية أخرى يشير إلى قصور العرب في خدمة قضاياهم من خلال المستوى الدعائي وهو أرخص المستويات نضالاً وتضحية .. فصارت الدنيا تنتظر ما يصدر عن العدو للإلمام بطرف بسيط من فظائعه وجرائمه الكبرى ..
ومن المؤكد أن تقديم أحاديث لجنود وضباط في الجيش الصهيوني حول مذبحة غزة يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد ، فهو محاولة لإطفاء جذوة الضمير التي تشتعل لدى بعض هؤلاء الجنود والضباط بالتنفيس عما يؤرق ضمائرهم بحكم إنسانيتهم الفطرية – ومعظمهم قريب من مرحلة الشباب المبكر – والتنفيس أيضاً عما يجول بخاطر بعض المنظمات الصهيونية التي تعمل في مجال حقوق الإنسان ..
ثم إن نشر أحاديث الجنود والضباط من خلال الصحافة – مع تغيير أسماء المتحدثين وصفات الوحدات المقاتلة وأماكن الأحداث - يقدم صورة وردية للعالم حول ديمقراطية الكيان النازي اليهودي المزعومة ، وتؤكد للناس أن الأمور كلها في هذا الكيان مفتوحة وشفافة ، ولا شيء يخفى على أحد مثلما يحدث على الجانب الآخر ( العربي ) .
كذلك فإن تسويق الخيار الديني للجيش الصهيوني يمثل أمراً واقعاً يتحتم على العالم قبوله ، مع أنه خيار وحشي عنصري يستند إلى الخرافة والزعم أن الله أعاد اليهود الغزاة إلى أرضهم بعد أربعة آلاف سنة ، وينصرهم دائماً على أعدائهم من الفلسطينيين والعرب الذين يمنعونهم من تحرير دولتهم الموعودة في التوراة من النيل إلى الفرات .
لقد نشر " عاموس هرئيل " المراسل العسكري لصحيفة " ها آرتس " الصهيونية في جريدته يوم 20/3/2009م ، ملخص حوار دار في الكلية التحضيرية العسكرية " إسحق رابين " بأورانيم ، بين رئيسها " دانى زامير " نائب قائد كتيبة في وحدة احتياط مختارة ، وبعض المقاتلين والضباط من خريجي الكلية الذين شاركوا في مذبحة غزة وذلك مساء السبت 13/2/2009م .
يقول هرئيل : نتيجة الحوار هي الأولى من نوعها ، غزة من الداخل كما رآها المقاتلون .
في البداية تحدث زامير ، ووصف العملية أنها قتالية استثنائية في تاريخ الجيش ، حددت ووضعت فواصل جديدة من حيث الشفرة الأخلاقية التي تنظم عمل الجيش في الدولة الصهيونية . ويقول إن العملية تسببت في دمار كبير في صفوف المدنيين ، ويسوغ ذلك الدمار بأنه أمر لا يمكن تجنّبه ، ويرى أن العملية نجحت في مواجهة صواريخ القسام ، ويمكن أن تتكرر بحجم أكبر في السنوات القادمة ، لأن مشكلة غزة لم تُحلّ !
ثم يورد " هرئيل " عدداً من الشهادات لجنود وضباط يتحدثون عن مهماتهم ويتحدثون ببساطة شديدة عن قتل المدنيين الفلسطينيين بعد طردهم من بيوتهم والتمركز فيها ، وإطلاق النار منها تنفيذا لتعليمات رؤسائهم والكتابة على الجدران " الموت للعرب " وعبارات أخرى مماثلة ، وأخذ صورة العائلة والبصق عليها ، وإحراق كل شيء يذكر بالأسرة الموجودة هناك . يروى أحدهم :
" أحد ضباطنا قائد سرية : شاهد امرأة تمرق من أمامه بمحور ما ، عجوز متقدمة في السنّ . هي سارت مسافة بعيدة بما يكفى ، ولكنها في مدى الإصابة . إن كانت مشبوهة أو غير مشبوهة لا أحد يعرف ذلك . في آخر المطاف طلب من أشخاص أن يصعدوا للسطح حتى يقوموا بقتلها بالرصاص . لقد شعرت من وصف هذه الحكاية بأن هذا قتل بدم بارد ! "
ويقول جندي آخر :
" الأسرة داخل البيت كان هناك رشاش فوق السطح . الجندي المسئول عن الرشاش شاهد امرأة وأطفالاً يقتربون منه من وراء الخطوط حيث قالوا له وفق الأوامر إن عليه ألا يسمح لأحد بالاقتراب من هناك فقام بدوره بإطلاق النار عليهم مباشرة ، وأنا لا أعرف إن كان قد أطلق النار على الأرجل أو شيئاً كهذا ، على أية حال هو قام بقتلهم في آخر المطاف ! " .
ويصف " رام " ؛ وهو اسم مستعار لأحد الجنود ، الحرب بأنها دينية ! ويقول : قبل دخولنا جمع رمزي هوبنيش كل الفصيل وتلا صلاة الخروج إلى المعركة . كان هناك حاخام الكتيبة الذي دخل هو الآخر إلى غزة ومرّ بيننا مربّتاً الأكتاف ومشجعاً وصلى مع الناس . أيضاً عندما كنا في الداخل أرسلوا إلينا كتيبات فيها ابتهال وصلوات . وأعتقد أنه كان بإمكاننا أن نملأ غرفة كاملة بالابتهالات والأدعية التي أرسلوها إلينا .
كانت هناك فجوة هائلة – كما يروى رام – بين ما أصدره سلاح التوجيه وبين ما أصدرته الحاخامية العسكرية . .
سلاح التوجيه أصدر سجلاً للقائد يتضمن شيئا ما حول تاريخ القتال الصهيوني في غزة منذ 1948 حتى اليوم .
الحاخامية العسكرية أدخلت الكثير من الكراسات والمقالات وكلها ذات رسالة واضحة جدا . نحن شعب وصل إلى البلاد بأعجوبة ، والله هو الذي أعادنا إليها . الآن يتوجب أن نخوض القتال حتى نطرد غير اليهود من الغرباء الذين يعرقلون احتلالنا لبلادنا المقدسة ! " .
وإني أسأل : ما رأى السادة التقدميين والمستنيرين والعلمانيين في مصر والبلاد العربية في هذه الحرب الدينية وفقاً للوصف اليهودي النازي ، وهم يطالبون حماس أن تتخلى عن الإسلام حتى لا تكون غزة إمارة دينية ؟
في التحقيق الصحفي الذي نشره عاموس هرئيل كثير من الحكايات ، ليس أبسطها أو أقلها ما يرويه بعض الطيارين عن قصف الأماكن التي كانت تحدد له في غزة ، ثم يعود إلى سريره الدافئ دون أن يهتم بإصابة الهدف أو عدم إصابته !
إن زامير في نهاية التحقيق يتساءل : لماذا نقتل أناساً من المؤكد أنهم مدنيون ؟ ثم يقول : " لتستخدموا عقولكم ولتكونوا آدميين " .. وليته يتوجه بسؤاله وقوله إلى وزير القتل الصهيوني " إيهود باراك " الذي يفاخر بأن جيشه أكبر الجيوش الأخلاقية في العالم !
وأتمنى أن يأتي اليوم الذي يشعر فيه الجندي الصهيوني النازي أن أرض فلسطين لن تكون كلأ مستباحاً يمرح فيه بمدافعه وطائراته وصواريخه دون أن يعترضه أحد !
حاشية :
التغييرات الصحفية التي جرت مؤخرا أثبتت أن الأشاوس والنشامي من أبواق السلطة تم الرضا عنهم بعد أن أثبتوا ولاءهم للسلطة البوليسية الفاشية ، من خلال هجومهم الرخيص على الإسلام والحركة الإسلامية ، والولاء التام للعصابات الصهيونية في فلسطين المحتلة ، والترويج للبلطجة الأميركية في أرض الإسلام .. يستوي في ذلك أتباع الحرس الجديد أو الحرس القديم .. ويا ما نشوف !