أهل الحل والعقد

3

إعداد الدكتور خالد احمد الشنتوت

هل قرارات أهل الحل والعقد ملزمة ؟

وبعبارة أخرى هل الشورى ملزمة أم معلمة فقط ؟

تقضى الأمور في مجالس أهل الحل والعقد بغالبية الآراء في عامة الأحوال، فإذا تَمَّ التوصل إلى رأي، فهل يصبح هذا الرأي ملزماً لرئيس الدولة ؟ بمعنى : هل الشورى وكل ما يدور في فلكها من أهل الحل والعقد وقراراتهم : ملزمة أم غير ملزمة؟

مدار الحديث والكتابات التي تناولت مدى إلزامية قرارات أهل الحل والعقد تحت هذا المسمى أو تحت مسمى إلزامية الشورى، الآية الكريمة في سورة آل عمران "وَشَاوِرْهُمْ فِيْ الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله…" [آل عمران: 159]. فيرى البعض أن هذا الخطاب للرسول ولأمته، وأن الشورى ملزمة للرئيس ولأمته، وأن الشورى ملزمة لرئيس الدولة، ورأى البعض الآخر أن قوله: " فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ…" ترُدُّ القرار النهائي للرسول صلى الله عليه وسلم وبالتبعية لولاة الأمر من بعده من للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين ومن تبعهم. وسنتناول حجج كِلا الرأيين.

1- الشــــورى ملـزمـة :

يرى أصحاب الرأي الأول أن الشورى فرض على أهل الحكم والسلطة، دل على ذلك فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) وفعل الصحابة (رضي الله عنهم)، وأن رئيس الدولة الذي يُعْرَض عنه يتعين على الأمة خلعه حتى قال ابن عطية: والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف عليه، وقد مدح الله المؤمنين بقوله: " وَأَمْرُهُمْ شُوْرَى بَيْنَهُمْ".

وهذا رأي لا خلاف عليه، فلم ينكر أحد أن الشورى واجبة، إنما ثار الجدل حول "ما بعد الشورى" أي ما يعرف في النظم السياسية المعاصرة بـ "اتخاذ القرار".

وأبو الأعلى المودودي يرى أن قاعدة "وأمرهم شورى بينهم" تتطلب خمسة أمور:

1 - أن ينال الناس الحرية الكاملة في التعبير عن آرائهم.

2 - أن مسئولية تصريف شئون المجتمع لا بد وأن تُلْقَى على كاهل من يتم تعيينه واختياره برضا الناس الحقيقي.

3 - أن يختار للتشاور مع القائد أولئك الذين يحصلون على ثقة الشعب.

4 - أن يشير هؤلاء الممثلون بما يمليه عليهم علمهم وإيمانهم وضميرهم وأن ينالوا حرية الرأي كاملة تامة.

5 - وينتهي المودودي إلى أنه ينبغي التسليم بما يجمع عليه أهل الشورى أو أكثريتهم، أما أن يستمع ولي الأمر إلى آراء جميع أهل الشورى، ثم يختار ما يراه هو نفسه بحرية تامة، فإن الشورى في هذه الحالة تفقد معناها وقيمتها.

فالله لم يقل: تؤخذ آراؤهم ومشورتهم في أمورهم. وإنما قال: "وَأَمْرُهُمْ شُوْرَى بَيْنَهُمْ" يعني أن تسير أمورهم بتشاورهم فيما بينهم، وتطبيق هذا القول الإلهي لا يتم بأخذ الرأي فقط، وإنما من الضروري لتنفيذه وتطبيقه أن تجري الأمور وفق ما يتقرر بالإجماع أو بالأكثرية، مع إعادة التنبيه على أن الشورى محددة بحدود الدين.

 أي أنه لو أجمع الآن أهل الحل والعقد أو أكثرهم بالفعل على توضيح وتفسير نص شرعي، أو قياسي، أو اجتهاد أو استنباط أو إجراء أو مصلحة في مسألة ما ، فلا بد من أن يصير إجماعهم حجة ويُعترف به قانونًا.

2- الشورى معلمة ( غير ملزمة ) :

أما الرأي الثاني فيرى أصحابه أن التشاور أمر، وإصدار القرار وإبرامه أمر آخر، وذلك راجع إلى فردية القيادة في الإسلام، وواقع الرأي الذي تجري فيه المشورة.

فإذا كان الرأي موضع القرار أمرًا من أمور التشريع يؤخذ بالرأي الأقوى دليلاً، إلا أن الذي يجعل من الرأي الأقوى دليلاً قانونًا ينفذ على المسلمين إنما هو رئيس الدولة وحده، والدليل على ذلك ما حدث في صلح الحديبية لما عارض المسلمون ما أبرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش، فاتبع الوحي وضرب برأيهم عُرض الحائط، وكذلك ما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين عزم على قتال المرتدين، فقد حكم بالدليل الراجح عنده برغم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان عنده دليل.

[ وأرد على هؤلاء بأن يوم الحديبية وحـي من الله لامجال فيه للشورى ، وقد دل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب : يابن الخطاب إني رسول الله ولست أعصيه [ أي أن الله أمرني ] ، وهو ناصري ولن يضيعني أبداً .  قال عمر أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال : بلى ، فأخبرتك أنا نأتيه هذا العام ؟ قال : لا ، قال : فإنك آتيه ومطوف بـه ] ـ الرحيق المختوم  ص 301ـ       

الشورى ملزمة والاستشارة معلمة :

وقد حسم هذا الخلاف الدكتور توفيق الشاوي جزاه الله خيراً في كتابه ( الشورى والاستشارة ) ، وخلاصته أن الشورى في الأمور العامة التي تصدر عن أهل الحل العقد ( المجلس النيابي ) أو ( أهل الشورى أو أهل الحل والعقد ) ملــزمــة ، أي يخضع لقرارها رئيس الدولة ، وكذلك الأعضاء المخالفين أو ( الأقلية ) عليها الخضوع لقرار الأكثرية ...

أما الاستشارة فهي مايقدمه الخبراء لرئيس الدولة ، كل في تخصصه ، حيث يوضح الأمور لرئيس الدولة ، ومن ثم للرئيس الحق في العمل بهذه الاستشارة أو عدم العمل بها ، فهي نصيحة مقدمة من خبير واحد ، وليست من مجلس الشورى ، كمن يستشير شخصاً في شأن خاص ، فالمستشار مؤتمن ويجب عليه أن يقدم النصيحة واضحة جلية ، والمستشير حـر في العمل بهذه النصيحة أو عدم العمل بها . وإذن الاستشارة معلمة ( غير ملزمة ) ، أما الشورى فهي ملزمة ...