حكم القانون .. وشريعة الانتقام
حكم القانون .. وشريعة الانتقام !
أ.د. حلمي محمد القاعود
أُصاب بالأسى والألم عندما أتأمل السلوك النازي اليهودي لحماية الغزاة داخل الكيان الغاصب ، وخارجه وأقارنه بما يحدث مع المواطن المصري داخل مصر وخارجها .
العدوّ النازي اليهودي يشنّ الحروب ويسفك الدماء ويقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ ، ويدمّر المساجد والبيوت والمؤسسات ، دون أن يبالى بأية عواقب ، والراية التي يرفعها هي حماية الغزاة ، كما يردّ بقوة ساحقة على من يخدش سكون المغتصبين ، ولو بلعبة البمب التي يلهو بها الأطفال ، وفى سبيل إنقاذ جندي واحد من القتلة ، يشنّ حرباً ضارية بالطائرات والدبّابات ، ويُقايض بمئات الأسرى لافتدائه وتحريره من يد المقاومة !
الوضع على الجانب المصري معكوس ، ومحزن ومؤلم ، لأن المواطن المصري مهما بلغ من علم وارتقت مكانته لا قيمة له في الداخل أو الخارج ، ما لم يكن من رجال السلطة الفاسدة وأعوانها ..
وعندما يُفاجأ الشعب المصري مثلاً أن " مجدي أحمد حسين " قُدم إلى محكمة عسكرية سجنته سنتين وغرّمته بمبلغ كبير؛ لأنه عبر الحدود إلى غزة من الفتحات التي أحدثها العدوّ باستباحته للسيادة المصرية ، في الوقت الذي يتم فيه تهريب صاحب العبّارة الغارقة بأكثر من ألف وثلاثمائة إنسان ، ويُحاكم غيابياً أمام محكمة جنح سفاجا بتهمة بسيطة يُبرّأ بعدها ، ويتم تهريب من استوردوا المبيدات المسرطنة القاتلة ، وتهريب لصوص المال العام الذين يطلق عليهم رجال القروض ، ويتم تبرئة الفاسدين في أكثر من مجال ، فإن الأسى والألم والغضب يخيم على النفوس والقلوب والضمائر الحية ، ليس في مصر وحدها بل في العالم كله ..
إن سرعة المحاكمة مع إصدار الحكم في أقل من أسبوع ضد رجل اسمه " مجدي أحمد حسين " ذهب للتضامن مع شعب غزة مثل آخرين كثيرين ؛ عبروا الفتحات والأسلاك وذهبوا وعادوا دون أن يستوقفهم أحد أو يلومهم أحد ، لأنهم ليسوا مجدي أحمد حسين صاحب الرأي والموقف والفكر ، هذه السرعة تثير في العقول والرؤوس آلاف العلامات المستفهمة ، والمستفسرة حول مصير هذا الوطن الذي ينتقى ويصطفى ويحاسب من يشاء ، ويترك ويتسامح ويتساهل مع من يشاء . !
هل هذا حكم القانون .. أم شريعة الانتقام ؟
ماذا يعنى التمييز العنصري بين المواطنين – أولاد الست وأولاد الجارية - في بلد يزعم أنه يعيش أزهى عصور الديمقراطية ولا يصادر رأيا ولا يكسر قلما ؟
إن آلاف الفاسدين والمجرمين الذين يحتكرون الصناعات والأقوات والبضائع ، وينهبون أموال الدولة وأراضيها ، ويعيثون في الأرض فساداً وإجراماً ، ولا يسائلهم أحد ، ولا يحاكمهم أحد، بل ويمارسون حياتهم المترفة التي تشبه ألف ليلة في قصورهم الفارهة ومرابعهم المثيرة ويستوردون أفخم الأطعمة الساخنة بالطائرات من بلاد الغرب ، ويخرجون ألسنتهم ، بل يرفعون أحذيتهم في وجه الملايين من الفقراء والمحرومين الذين يعيشون في قاع المدن والقرى ، لا يجدون الكفاف ، ولا يحصلون على الرغيف إلا بشق الأنفس ، وهؤلاء هم الذين تطبق عليهم الأحكام العسكرية والمدنية والاستبدادية . !
لقد صار معلوماً أن من يريد المشاركة في خدمة الوطن ، خارج النخب الفاسدة ، لابد أن يدفع ثمناً باهظاً يكلفه شبابه وأسرته ومستقبله ، فضلاً عن أحلامه وآماله بالنسبة لوطن جميل ورائع وقوى ومنتصر ..
لماذا يحاكم الإخوان المسلمون أمام المحاكم العسكرية ، وهم لم يسرقوا ولم ينهبوا ولم يغرقوا أبناء مصر الكادحين في عرض البحر، ولم يستوردوا أسمدة مسرطنة تفرى الأكباد والكلى والمسالك البولية ؟ ولم يبيعوا الدم الفاسد ، ولم ينصبوا على أغنياء زمن الفساد ، ولم يقترضوا الملايين والمليارات ويهربوا بها إلى لندن وباريس وسويسرا وأمريكا وكندا .. ولم يبيعوا امتحانات الثانوية ولم يتسببوا في حوادث القطارات والسيارات والمزلقانات والطرقات ، ولم يبيعوا مصانع البلد خردة ، ولم يُسقّعوا الأراضي المنهوبة ، ولم يتاجروا في المخدرات والأعضاء البشرية .؟!
لماذا يُحاكم أيمن نور ، وتشهر به الصحف الحكومية وتنال من عرضه في إسفاف رخيص وابتذال مشين ، مع أن غيره هو الذي يستحق المحاكمة على الفساد والنهب والإجرام ؟
لماذا يتم الانتقام من عبد الوهاب المسيرى بإلقائه في الصحراء وعدم علاجه على نفقة الدولة ، وهو علم من أعلامها تفاخر به الأجيال والأمم ؟
لماذا ؟ .. لماذا ؟ إلى مالا نهاية من الأسئلة التي يمكن طرحها وتحتاج إلى جواب حقيقي ..
أفهم أن يكون النظام غير راغب في المشاركة الحقيقية ، ولا يريد معارضة ولا مناقشة ، ويقتنع برأيه ورجاله وحدهم ، فلماذا يدعى الديمقراطية ؟ لماذا يطلب من الناس أن يتخلوا عن سلبيتهم ، ويقوموا بواجباتهم تجاه الوطن ، رأيا وشورى وفكرا ؟ هل يريد اصطياد المخالفين ، أو فرز المجتمع ؟
لا أرى أنه يحتاج إلى ذلك فلديه جهاز يعلم دبة النمل وملفات بكل من يشتم منه القدرة على التفكير ، وطالما كان الخيار الوحيد ؛ هوا لاحتكام إلى العصا الغليظة تشهرها السلطة في وجه كل معارض وصاحب رأى ، فمن باب أولى الإعلان بوضوح وصراحة أنه ليس في حاجة إلى مشاركة أو رأى أحد غير رجاله وأعوانه . عندئذ يلزم الناس بيوتهم ، ويغلقون أفواههم ، ويكسرون أقلامهم ، ويمزقون صحفهم .
إن الحياة السياسية الطبيعية تقتضي التوافق بين فرقاء الوطن على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم وعناصرهم .. والتوافق يعني توزيع الأدوار ليحصل الوطن على أكبر قدر من الفوائد داخليا وخارجيا ، ولكن لغة العصا كانت أقوى اللغات وأفصحها …! وكان المعارضون الذين يعملون خارج السيطرة الأمنية أول من تطبق عليهم شريعة الانتقام وليس حكم القانون.
في الكيان النازي اليهودي الغاصب على أرض فلسطين المحتلة ، يحاكمون الحكام ، ولا يتعرضون لشريعة الانتقام من جانب السلطة . السفاح النازي اليهودي "إيهود أولمرت" استدعى حتى الآن أربعة عشرة مرة للتحقيق أمام الشرطة قبل الانتخابات وبعدها ، ومع ذلك لم ينتقم – وهو رئيس السلطة – ممن حققوا معه أو يفصلهم أو يشهّر بهم ، ولكنه يُعامل قضائياً مثل أي غاصب في الكيان الاستعماري ؛ بل إنهم يسمحون للأسرى الفلسطينيين أن يستفيدوا بالقواعد القانونية من دفاع وإطلاع على الأوراق وتأجيل وطلب شهود وتدخل منظمات حقوق الإنسان ، وهو مالم يتوفر للمواطنين المصريين المدنيين الذين يحاكمون أمام المحاكم الاستثنائية والعسكرية .
إن شريعة الانتقام التي تعيش مصر تحت رحمتها لن تبنى وطنا قوياً متفوقاً منتصراً ، وهى كفيلة بتدمير البقية الباقية من تماسك الشعب وصلابته ، وتبشر بحزن عظيم ، نسأل الله العافية .
هامش:
صبيان الكنيسة في صحف التعري والسيراميك يشهّرون بصاحب محلات التوحيد والنور - الذي لا أعرفه – وفي المقابل يشيدون بقادة التمرد الطائفي الذين يستعدون لخلافة زعيم التمرد الحالي بعد رحيله . الذي أعرفه أن صاحب المحلات لم يقترض مليارات أو لم ينصب على اللصوص الكبار .. ولكنه وقع في الإثم الكبير حين أعلن عن إسلامه !!