مقال في عصمة النبي محمد

مقال في عصمة النبي محمد "ص"

اعتمادا على مرجعية العقد الفئوي والنص القرآني

د. حمزة رستناوي

[email protected]

هناك ثلاث احتمالات  ممكنة حول موضوع عصمة النبي محمد "ص"

هي التالية:

** *الاحتمال الأول : أن النبي غير معصوم مطلقا و هو يخطأ و يصيب كغيره من البشر, و هذا الاحتمال يمكن نفيه اعتمادا على دليلين:

* دليل عقلي: كون النبي هو المُبلِّغ عن رب العالمين بالوحي , و بالتالي إيماننا بكون القرآن الكريم كلام الله و كتاب صحيح , يعتمد على صدق النبي في تبليغه  المسلمين و البشر لهذا القرآن,فالاعتقاد بعدم عصمة النبي محمد على الإطلاق يتعارض مع النبوة,  و يتعارض مع الاعتراف بالقرآن كتاب سماوي و لذلك يمكن  نفي هذا الاحتمال

* دليل نقلي  من النص القرآني:

 يقول تعالى : " و النجم إذا هوى ,ما ضل صاحبكم و ما غوى, و ما ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى" سورة النجم

 ***الاحتمال الثاني: أن النبي معصوم عن الخطأ مطلقا , و كل ما يقوم به في حياته هو تسيير إلهي  بالعصمة,

و هذا الاحتمال يتم نفيه بناء على أدلة نقلية من القرآن الكريم

لنشاهد هذه الآيات القرآنية:

(1) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التحريم : 1)

(2) (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ,وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة : 67)

(3) (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا. مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا) (الأحزاب : 37 - 38)

 (4)  (عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَن جَاءهُ الْأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى. وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى.

وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى. وَهُوَ يَخْشَى. فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى) (عبس : 1 - 10)

و لنتابع أقوال المفسرين  حول مناسبة النزول للآيات الأخيرة:

*يقول الطبري في تفسيره

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: { عَبَسَ وَتَوَّلى أنْ جاءَهُ الأعْمَى } قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عُتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب، وكان يتصدّى لهم كثيراً، ويَعرِض عليهم أن يؤمنوا، فأقبل إليه رجل أعمى، يقال له عبد الله بن أم مكتوم، يمشي وهو يناجيهم، فجعل عبد الله يستقرىء النبيّ صلى الله عليه وسلم آية من القرآن، وقال: يا رسول الله، عَلِّمني مما علَّمك الله، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعَبَس في وجهه وتوّلى، وكرِه كلامه، وأقبل على الآخرين فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ ينقلب إلى أهله، أمسك الله بعض بصره، ثم خَفَق برأسه، ثم أنزل الله: { عَبَسَ وَتَولَّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذّكْرَى } ، فلما نزل فيه أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلَّمه، وقال له: " ما حاجَتُك، هَلْ تُرِيدُ مِنْ شَيْءٍ؟ " وإذا ذهب من عنده قال له: " » هَلْ لَكَ حاجَةٌ فِي شَيْءٍ؟« " وذلك لما أنزل الله:

{ أمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فأنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَما عَلَيْكَ ألاَّ يَزَّكَّى }

* يقول ابن كثير في تفسيره

ذكر غير واحد من المفسرين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوماً يخاطب بعض عظماء قريش، وقد طمع في إسلامه، فبينما هو يخاطبه ويناجيه، إذ أقبل ابن أم مكتوم، وكان ممن أسلم قديماً، فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه، وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل؛ طمعاً ورغبة في هدايته، وعبس في وجه ابن أم مكتوم، وأعرض عنه، وأقبل على الآخر، فأنزل الله تعالى: { عَبَسَ وَتَوَلَّى … }

* يقول الشوكاني في تفسيره

وقد أجمع المفسرون على أن سبب نزول الآية: أن قوماً من أشراف قريش كانوا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد طمع في إسلامهم، فأقبل عبد الله بن أمّ مكتوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع عليه ابن أمّ مكتوم كلامه، فأعرض عنه فنزلت، وسيأتي في آخر البحث بيان هذا إن شاء الله.

* يقول الزمخشري في تفسيره

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أمّ مكتوم - وأمّ مكتوم أمّ أبيه، واسمه عبد الله بن شريح بن مالك ابن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي -وعنده صناديد قريش: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل بن هشام. والعباس ابن عبد المطلب، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة، يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم - فقال: يا رسول اللَّه، أقرئني وعلمني مما علمك الله، وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه، وعبس وأعرض عنه، فنزلت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه ويقول إذا رآه: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي، ويقول له: هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين؛ وقال أنس: رأيته يوم القادسية وعليه درع وله راية سوداء

* وورد في تفسير الجلالين" عَبَسَ " النَّبِيّ : كَلَحَ وَجْهه " وَتَوَلَّى " أَعْرَضَ لِأَجْلِ " أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى " عَبْد اللَّه بْن أُمّ مَكْتُوم فَقَطَعَهُ عَمَّا هُوَ مَشْغُول بِهِ مِمَّنْ يَرْجُو إِسْلَامه مِنْ أَشْرَاف قُرَيْش الَّذِينَ هُوَ حَرِيص عَلَى إِسْلَامهمْ , وَلَمْ يَدْرِ الْأَعْمَى أَنَّهُ مَشْغُول بِذَلِكَ فَنَادَاهُ : عَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَك اللَّه , فَانْصَرَفَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْته فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ بِمَا نَزَلَ فِي هَذِهِ السُّورَة , فَكَانَ بَعْد ذَلِكَ يَقُول لَهُ إِذَا جَاءَ : " مَرْحَبًا بِمَنْ عَاتَبَنِي فِيهِ رَبِّي " وَيَبْسُط لَهُ رِدَاءَهُ"

 فالتفاسير السابقة تجمع على أن  المُخَاطَبَ في تلك الآيات هو النبي محمد "ص"

و الآيات الكريمة الأربعة السابقة بما فيها "عبس و تولى..."  تحمل معاني "اللوم" و" التوجيه" للنبي  و هي صريحة الدلالة  من خلال ضمير المخاطب المقترن بصفة رسول أو نبي أو ما يدل على شخص المخاطب

*** الاحتمال الثالث: هو أن النبي محمد "ص" معصوم عصمة خاصة فيما يتعلق بتبليغ القرآن و الوحي , و هو الاحتمال الوحيد الصحيح بعد أن قمنا بنفي الاحتمالين الأوليين بناء على أدلة عقلية و نقلية, و هو مصداق للآيات الكريمة الواردة في بداية سورة النجم وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى, مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى, وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى, إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى, عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى, ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى"

و لنقرأ ما ورد في تفسير هذه الآيات في تفسير الجلالين:  " "وَالنَّجْم" الثُّرَيَّا "إذَا هَوَى" غَابَ, "مَا ضَلَّ صَاحِبكُمْ" مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنْ طَرِيق الْهِدَايَة "وَمَا غَوَى" مَا لَابَسَ الْغَيّ وَهُوَ جَهْل مِنْ اعْتِقَاد فَاسِد, "وَمَا يَنْطِق" بِمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ "عَنِ الْهَوَى" هَوَى نَفْسه, "إنْ" مَا "هُوَ إلَّا وَحْي يُوحَى" إلَيْهِ, "عَلَّمَهُ" إيَّاهُ مَلَك

"ذُو مِرَّة" قُوَّة وَشِدَّة أَوْ مَنْظَر حَسَن أَيْ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام "فَاسْتَوَى" اسْتَقَرَّ"

**

السؤال الذي يطرح نفسه  :هل بشرية النبي و عدم عصمته المطلقة تنقص من أهميته و عظمته أو العكس صحيح

أقول : ثم إن أخلاق النبي كانت موضع ثناء رب العالمين في أكثر من موضع في القرآن الكريم لنلاحظ هذه الشهادات القرآنية :

-{ وإنك لعلى خلق عظيم } [القلم: 4] وقوله

- { ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك } [آل عمران: 159]

أقول كذلك  :عظمة النبي في بشريته و أنه يصيب و يخطأ فيما عدا التبليغ , طبعا ليس المقصود بالخطأ الغلط , و كان النبي   يشاور أصحابه في قراراته و كان لا يجد حرجا ً في مراجعة قراراته و قصة " الحباب بن المنذر" و اختيار المسلمين لموضع القتال قبل بدأ غزوة بدر يؤيد ذلك و إليكم هذه القصة كما وردت في سيرة ابن هشام :

[مشورة الحباب على رسول الله صلى الله عليه وسلم]

قال ابن إسحاق : فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا : أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم ، فننزله ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أشرت بالرأي . فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ثم أمر بالقلب فغورت وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية إنتهى

و كذلك قصة أسرى بدر , و مصيرهم بين الفداء و القتل ,حيث جاءت الآية القرآنية موافقة لرأي عمر في قتلهم  : ًمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

و رد في تفسير ابن كثير : قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن هَاشِم عَنْ حُمَيْد عَنْ أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ اِسْتَشَارَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس فِي الْأُسَارَى يَوْم بَدْر فَقَالَ " إِنَّ اللَّه قَدْ أَمْكَنَكُمْ مِنْهُمْ " فَقَامَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه اِضْرِبْ أَعْنَاقهمْ فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَادَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ اللَّه قَدْ أَمْكَنَكُمْ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا هُمْ إِخْوَانكُمْ بِالْأَمْسِ " فَقَامَ عُمَر فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه اِضْرِبْ أَعْنَاقهمْ فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِلنَّاسِ مِثْل ذَلِكَ فَقَامَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه نَرَى أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُمْ وَأَنْ تَقْبَل مِنْهُمْ الْفِدَاء قَالَ فَذَهَبَ عَنْ وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْغَمّ فَعَفَا عَنْهُمْ وَقَبِلَ مِنْهُمْ الْفِدَاء .

وورد في تفسير الجلالين"  وَنَزَلَ لَمَّا أَخَذُوا الْفِدَاء مِنْ أَسْرَى بَدْر "مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُون" بِالتَّاءِ وَالْيَاء "لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِن فِي الْأَرْض" يُبَالِغ فِي قَتْل الْكُفَّار "تُرِيدُونَ" أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ "عَرَض الدُّنْيَا" حُطَامهَا بِأَخْذِ الْفِدَاء "وَاَللَّه يُرِيد" لَكُمْ "الْآخِرَة" أَيْ ثَوَابهَا بِقَتْلِهِمْ "وَاَللَّه عَزِيز حَكِيم" وَهَذَا مَنْسُوخ بِقَوْلِهِ "فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء"

فالملائكة وحدهم  من المخلوقات معصومون بالمطلق مخصوصون  للتسبيح و تنفيذ أوامر رب العالمين و عندما خلق الله آدم أمر الملائكة بالسجود له"  وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ"البقرة 34,فهو بشر يصيب و يخطأ

 

و كذلك كان المشركون في مكه يطالبون النبي بالخوارق فكان النبي يؤكد لهم على بشريته و أن الهداية تتوسط البشر ببشر آخرين.يقول الله تعالى:

{قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا{ الكهف 111

 و سأورد بعض ما ورد في التفاسير حول هذه الآية :

*  تفسير جامع البيان في تفسير القرآن للطبري

يقول تعالـى ذكره: قل لهؤلاء الـمشركين يا مـحمد: إنـما أنا بشر مثلكم من بنـي آدم لا علـم لـي إلا ما علـمنـي الله وإن الله يوحي إلـيّ أن معبودكم الذي يجب علـيكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا معبود واحد لا ثانـي له ولا شريك

يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المعرضين عن آيات الله من قومك: أيها القوم ما أنا إلا بشر من بني آدم مثلكم في الجنس والصورة والهيئة لست بمَلك يُوحَى إليَّ يوحي الله إليّ أن لا معبود لكم تصلح عبادته إلا معبود واحد.

 تفسير مفاتيح الغيب للرازي

واعلم أنه تعالى لما بين كمال كلام الله أمر محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يسلك طريقة التواضع فقال: {قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَىَّ } أي لا امتياز بيني وبينكم في شيء من الصفات إلا أن الله تعالى أوحى إلي أنه لا إله إلا الله الواحد الأحد الصمد،

ولما حكى الله عنهم هذه الشبهة أمر محمداً صلى الله عليه وسلم أن يجيب عن هذه الشبهة بقوله {قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَىَّ } وبيان هذا الجواب كأنه يقول إني لا أقدر أن أحملكم على الإيمان جبراً وقهراً فإني بشر مثلكم ولا امتياز بيني وبينكم إلا بمجرد أن الله عزّ وجلّ أوحى إليّ وما أوحى إليكم فأنا أبلغ هذا الوحي إليكم، ثم بعد ذلك إن شرفكم الله بالتوحيد والتوفيق قبلتموه، وإن خذلكم بالحرمان رددتموه، وذلك لا يتعلق بنبوتي ورسالتي.

 *  تفسير زاد المسير في علم التفسير لإبن الجوزي

قوله تعالى: قل إنما أنا بشر مثلكم قال ابن عباس: علم الله تعالى رسوله التواضع لئلا يزهى على خلقه فأمره أن يقر على نفسه بأنه آدمي كغيره إلا أنه أُكرم بالوحي.

, و هناك الكثير من الآيات القرآنية تفيد في تأكيد بشرية الرسول  مثل "ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً} الفرقان 7)

و كذلك هذه الآية " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ" "فصلت 6"

*** الخلاصة : باستقراء سيرة النبي القرآنية و هي أدق مصدر للسيرة,  نجد أن النبي الكريم بشر يتمتع بصفات أخلاقية عالية, و أقول بشرية تحتها سطرين فالبشر يصيبون و يخطئون

و لكن المهمة الاستثنائية التي وكل بها ,ألزمته بصفة العصمة فيما يخص تبليغ الوحي و النبوة,فما لا يتم الواجب به هو واجب عقلا , و تم دعم وجهة النظر التي قدمتها بأدلة نقليه قرآنية

*** إن التسليم ببشرية النبي أراها نقطة فائقة الحيوية- مضمن مرجعية العقد الفئوي الإسلامي-  و هي نقطة تعرضت تعرَّضت عبر التاريخ  للنقد و الهجوم من قبل فريقين :

* الأول :منكري النبوات عامة, و كذلك من أتباع الديانات الطبيعية و أتباع الأنبياء الآخرين كاليهود و المسيحيين الذين ينكرون نبوة محمد بن عبد الله

الثاني: الذين يقدسون النبي محمد,   و يألهونه,  و يدَّعون وجود صفات إلهية في شخصيته ,كالقائلين بالحقيقة المحمدية من المتصوفة , و بعض فرق الشيعة الامامية ,حيث يضفون  قداسة إضافية على سلالة على بن أبي طالب أيضا, وكذلك قد يكون الدافع لهكذا تصور يحمل شبهة تأليهية للنبي الحب الأعمى  و لكنه حب جاهلين.

              

* شاعر وكاتب سوري