سياحي... بطعم سياسي
سياحي... بطعم سياسي!
صلاح حميدة
من يزور بلاد الأتراك هذه الأيام، كلنا مدعو لزيارته، وسؤاله عن أول خطوة خطاها في نلك البلاد حتى خرج من هناك، لم يكن الموقف الرسمي والشعبي التركي في معركة غزة غريباً فقط، بل كان مفاجئاً للكثيرين، فقد خرق الحاجز السميك الذي بناه يهود الدونمة المتأسلمون وغلاة العلمانية بين الشعب التركي وعمقه الحضاري.
تذهب إلى تلك البلاد وأنت متشجع إما للسياحة والترويح عن النفس، وإما للعمل والسياحة معاً، تطأ قدماك أرض المطار، تذهب إلى الشباك، يبادرك شاب صغير بملامح غربية باسماً،( هل أنت فلسطيني؟) (كيف غزة وأهلها؟)(نحن نحبكم أنتم وأردوجان)من المطار إلى أن تصل إلى أي مكان في تركيا، تشاهد شاشات بلازما ضخمة تعرض على مدار الساعة، أردوجان وهو يقرع بيريس في دافوس، كلما فتح هذا الموضوع، من سائق السيارة حتى مدير الشركة، يقول لك مباشرة عندنا في تركيا مثل يقول عن اليهود، أنهم كالعقرب الذي أراد أن يمر بنهر، فطلب من ثعلب( وهو هنا الزعماء العرب)أن يسمح له بالصعود على رقبته ويقطع به النهر، فتردد الثعلب من باب أن العقرب غدار، ولكن العقرب طمأنه، وعندما خاض به النهر ووصل الشاطىء لدغه لدغة قاتلة في رقبته، فسأله الثعلب عن وعده له، فقال له: الغدر والقتل طبع من طباعي ولا أستطيع أن أقاوم شهوة الغدر والقتل؟!).
تمضي إلى داخل تلك البلاد، تصل إلى الفندق، يبادرك الجميع في حالة من الإحتفاء الشديد( أنت فلسطيني؟) ثم يوصلونك إلى غرفتك في الفندق، بعد دقائق يأتيك مدير الفندق برفقة باقة ورد ومعه نادل يحمل وعاءً من الفواكه، يقول لك باسماً تشرفنا بنزولك في فندقنا، هذه الفواكة، وكل ما يوجد في ثلاجة غرفتك، بإمكانك أخذه مجاناً) ولا ينسى عند خروجه أن يبادرك بالقول نحن نحبكم).
تنزل للتسوق، أينما ذهبت، وتكلمت مع أي تاجر، مواطن، سائق، وعلم أنك فلسطيني، يطير بك فرحاً، يسألك ألف سؤال عن غزة وفلسطين، في المتاجر، الكل يتسابق ليعطيك بطاقة الأعمال الخاصة به، هواتفه، بريده الإلكتروني، ولا ينسون أن يعطوك أفضل الأسعار، وتدخل وتخرج باحتفاء شديد من الموجودين، وكلما دخل زبون إلى المحل عرفوك له بأنك فلسطيني من القدس ومن قرب المسجد الأقصى.
تذهب لقضاء أشغالك وتجارتك، يأخذك التجار والمدراء ألى أفخم المطاعم، لا يأكلون حتى تأكل، وإن أكلت يرفضون أن تتوقف عن ذلك، ويأتون بكل شيء، بدون مبالغة، كل شيء في المطعم، ويتمنون منك أن لا تكسفهم.
يأتيك نادل في المطعم يقول لك( والدي إمام مسجد، وكان يعلمني أن فلسطين لنا ولا بد من تحريرها، وسماني صلاح الدين حتى أحرر القدس، وبالمناسبة أنا كردي) يتحلق حولك كل موظفي المطعم، يريدون أن يأخذوا صورة برفقتك، حتى يطلب منهم صاحب المطعم أن يهتموا ببقية الزبائن، وعندما يعلم الزبائن من أنت يأتونك ويقبلونك، ويسألونك عن القدس والأقصى وغزة، ولا ينسى أي منهم شتم حكام العرب والإشادة بأردوجان.
يصر بعض من تعمل معهم بالتجارة من كبار مديري الشركات على استضافتك خصيصاً في بيوتهم ومع عائلاتهم، فأنت المميز كما يقولون، هذا فلان من فلسطين والقدس، يعرفون عائلاتهم عليك، يأتيك طفل صغير، يقول لك، كيف غزة؟ كيف القدس؟ ثم يقول من الواجب علينا أن نقاتل من أجل كل مسلم في العالم؟! فكيف بفلسطين؟!.
تقدم المحال التجارية والشركات هدايا للزبائن، فإذا تصادف وجود بعض الإسرائيليين، لا يخرجون الهدايا، إلا بعد خروجهم، ويخصونك بأفضل الهدايا.
عندما تذهب إلى تركيا لا بد من زيارتك لمسجد، في المسجد تجد أن مساجدهم لا يوجد فيها فراغ بالمرة، بل تفيض بالمصلين، تدخل إلى الداخل، ترى مدراء وموظفي الشركات والبنوك، يأتون للصلاة خلال ساعات العمل، يدخلون للوضوء، لا تجد أي منهم يمسح على الخفين! الكل يتوضأ ويخلع جرابيه بالرغم من أن الطقس بارد جداً(يأخذون بالعزيمة لا بالرخصة).
لا ينسى أي من مضيفيك أن يأخذك إلى قصر الخلافة في استنبول، وعندما تذهب إلى هناك، ترى عظمة الخلافة، وتجد الإعتزاز الكبير من الأتراك بهذا الإرث العظيم ورثوه من أجدادهم، ثم يذكرونك بمواقف الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني من القضية الفلسطينية، ويقولون لك نحن أحفاد العثمانيين).
أينما ذهبت، ترى النظام والترتيب، كل البضائع التي تراها، بضائع صنع في تركيا، زرع في تركيا، ما عدا استثناآت بسيطة، تجد اعتزازاً شديداً بالذات التركية والإرث العثماني، وبشعور عميق بالمسؤولية عن فلسطين والقدس والأقصى والفلسطينيين، لا يحدثونك إلا بلغتهم، وهذه دلائل تشير إلى أن هذا البلد يسير بخطى ثابته نحو نهضة حضارية شاملة، بعد زيارتك هذه تخرج من تركيا وأنت تقول أن تركيا خرجت من مرحلة الأتاتوركية إلى مرحلة الأردوجانية).