غزة الإنسان تبكي
غزة الإنسان تبكي !!
ريما عبد القادر - غزة
كثير من الناس يظنون أن غزة لا تمتلك قلباً ليحزن، أوعيناً لتدمع !! والبعض الأخر يظن أنها مجردة من الإحساس من شدة صلابتها، أو بالأصح صمودها.
كثير ما كان يدور سؤال في ذهن كل من جاء إلى قطاع غزة ويرى صمودها، هل غزة تمتلك قلب مثلنا ينبض بالحياة ؟!. عجباً لحالها !! كل ما يحدث في مساحتها الصغيرة لمليون ونصف المليون إنسان داخلها، وترفض الانكسار أو حتى الوقوف على سلم التنازل الذي يظن الواهمون أنه سلم النجاة.
عنوان هذا المقال كان إجابة لجزء من السؤال بأن غزة إنسان ..نعم إنسان له قلب ينبض بالحياة، وتتدفق به الدماء، وبالوقت ذاته له عين تبكي.
نعم تبكي حينما تودع أحبتها، وتعتصر ألماً لفراقهم .. وتبكي حينما يهدم منزلها على أطفالها، وتلملم أشلائهم، وتأخذ من رائحة دمائهم أنفاس لشهيقها.. كيف لا وهي إنسان؟؟!
نعم تبكي حينما ترى بناظريها دبابات الاحتلال الإسرائيلي تمزق أجساد أطفالها..نعم تبكي حينما تجرف أرضها وتقتل شجرة الزيتون..والبرتقال.
نعم تبكي حينما تهدم بيوت الله تعالى على أرضها..نعم تبكي حينما تصرخ والعالم يصم مسامعه أمام صراخها التي فطرت بها جدران قصورهم...تبكي حينما تحاصر في دواء وغذاء طفلها، وتغلق معابرها أمام علاجه، وينظر العالم إليها بأنها عدد لا إنسان.
قد يستغرب البعض لهذا البكاء !! لكن هذه هي الحقيقة..فكيف لا تكون حقيقة وهي إنسان؟!، إنسان يرفض الانكسار، يبكي بالليل وينهض بالصباح ، تبتر قدميه ويسير إلى عمله، يكسر قلمه ويكتب بدمه، يهدم بيته ويستتر بركامه.
هذه أيضاً حقيقية اخرى قد لا يعلمها الكثير، ويتعجب لحالها الأكثر!! بأن غزة لن تموت وإن كانت صواريخ الاحتلال خرقت جسدها، وأغلق القريب قبل الغريب معابرها، وصمت العالم أمام معاناتها، ومع ذلك تعشق الحرية وتعلن الصمود.
وقد يسأل البعض من أين هذا الصمود ؟؟! والأكثر عجباً في ذهن البعض صمود الأطفال وخير دليل على ذلك الطفلة ألماضة السموني التي فقدت أو بالأدق أبيدت جذور عائلتها ومع ذلك وقفت ليس بصمود فحسب بل أكثر من ذلك حينما أكدت على تماسكها بكل حبة رمل على أرض غزة أرض العزة. والأجمل من ذلك أنها تحمل الأمل في سنوات عمرها الصغيرة بأن تصبح طبيبة لتعالج المصابين بعد أن عجزت التصدي لصواريخ الاحتلال التي سقطت على عائلتها.
وحينما يأتي وفد لقطاع غزة كان يحفظ بعض الكلمات من أجل أن يواسي أم شهيد، أو طفل يتيم، أو جريح بترت قدميه..لكنه يصمت أمام صمودهم ويقر في النهاية بأنه هو من يحتاج للمساندة.
فكثير حينما يفكر سكان قطاع غزة لحالهم حيث لا كهرباء ..لا ماء...لا وقود ..لا غاز ..لا حبة دواء ..لا ..لا ..لا، وتجاور لا... حصار ومجزرة، وبعدها مباشرة يقولون الحمدلله، حمد ليس بمجرد كلمات بل بيقين والاستسلام لله عزوجل.
نعم الله تعالى هو مصدر صمودنا ..الله عزوجل هو مصدر عزتنا ..الله سبحانه وتعالى هو مصدر صبرنا وقوتنا.
فإن تم حصار حبة الدواء فالله تعالى هو مصدر الشفاء، وإن تم حصار الماء فالله تعالى هو المسقي، وإن تم حصار الطعام فالله تعالى هو المطعم، وإن تم قطع الرواتب فالله هو الرزاق.والآن هل عرف الجميع سبب صمود غزة وعزتها ؟؟!.
والله من يعيش بغزة هو من يدرك حقيقة هذا الشيء فالطفل في غزة يفقد والده ويذهب للمدرسة، و الأم تعتصر ألماً لرحيل نجلها وتخفي دمعها، وتدعو الرحمن بصبراً جميل يبرد ألم الفراق، وتهدم البيوت فتبسط الركام فراش لأصحابها، تهدم الجامعات فيشق من دمارها نور لإعمارها.
والآن من يبكي على من غزة تبكي على العالم، أو العالم يبكي على غزة؟؟! إن كانت غزة تبكي فهي حقيقة فهي إنسان يمتلك قلب يحزن، ويفرح، وعين تبكي ..نعم تبكي فغزة إنسان.
"رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي بالمغفرة والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"