الديمقراطية المستحيلة
الديمقراطية المستحيلة
عبد الله خليل شبيب
الديمقراطية نظام غربي يوناني الأصل معناه ) حكم الشعب بالشعب وللشعب ) ..وقد اختارته دول الغرب واستقرت عليه نظمها السياسية وغيرها ..بعد أن مرت بتطورات تاريخية هائلة وبكثير من المآسي والآلام والحروب ! ووجدتها الأنسب لوضعها ولعلاقات شعوبها .
وفي الديمقراطية بعض ملامح مشابهة لنظم إسلامية أساسية كالشورى والعدل والمساواة ..إلخ مما جعل البعض يظنها نظاما إسلاميا أو كالإسلامي ..وشتان بين شرع الله وشرع البشر.
.. حيث أن البشر كثيرا ما " يضلون بأهوائهم" ويشرعون الباطل والفساد .. كما هو واضح في بعض القوانين والتشريعات الغربية التي أباحت كثيرا من المحرمات والموبقات وألوان الفساد حيث أباح كثير منها الشذوذ الجنسي واللواط ..والزنا والخمر والربا وغيرها ..وتسللت كذلك قوانين شاذة وعنصرية ..كقانون[ اللاسامية وتقديس أكذوبة الهولوكوست ] اللذين دسهما اليهود في قوانين الضالين وفرضوهما في أوروبا وأمريكا !
وكذلك كثير من قوانين الأسرة وما يتعلق بالمرأة وغير ذلك .
.. وحتى اختيار ممثلي الشعب ..مع أنه يتم بحرية كاملة وبعدم التدخل من السلطات والمخابرات والأحزاب أو الأسر الحاكمة أو أية جهات اخرى ..ولكنه مشوب بكثير من العيوب .. حيث يلعب سلطانا المال والإعلام وغيرها أحيانا- دورا هائلا في تزوير الحقائق وتزييف إرادة الشعوب ..وبما أن هذين السلطانين- في الغالب – تحت سطوة اليهود ..في أمريكا وأوروبا ...ولذا نجد نظما [ ديمقراطية ] تختلف أحيانا مع توجهات بعض شعوبها .. وتقر العدوان والإجرام والذبح وقتل وتمزيق الأطفال والنساء والآمنين ..وسفك دماء الأخرين ..كما رأينا في مواقف [النظم الأوروبية والأمريكية الديمقراطية المتحضرة ]- مؤخرا في ملحمة غزة - من ذبح الأبرياء وقصفهم في بيوتهم وتدميرها فوق رؤوسهم ..وتدمير المساكن والدوائر والمعابد والمدارس والمشافي ..وقصف سيارات الإسعاف والدفاع المدني ..ومنع وصول المسعفين وغيرهم للجرحى والقتلى ..وقتل الأسرى عمدا ..وترك الجرحى ينزفون حتى الموت ومنع إسعافهم بل الإجهاز عليهم وقتل الأطفال والطفلات وتربكهم نهبا للكلاب تنهشهم !! في مشاهد وحشية نادرا ما حصلت في التاريخ .. وتغاضت النظم الديمقراطية الأوروبية والأميكيةالشمالية عن ذلك كله ..بل وأيده أكثرها ضمنا أو علنا ..وبكل برود وصفاقة وانعدام أدنى إحساس إنساني بل إنهم يمارسون قتل الآمنين وغير المحاربين وقصف العائلات في بيوتها وتجمعاتها– بشكل شبه يومي في أفغانستان والعراق .. ويرسلون من دسائسهم وجواسسيسهم وخبرائهم ..من يفسدون بين مكونات الشعوب الأخرى ويحرشونها على بعضها حتى تقوم بذبح بعضها البعض نيابة عنهم..كما حصل في البلدين المذكورين ..ويحصل في غيرهما كفلسطين والصومال والسودان ومالي باكستان والصومال وسيريلانكا وغيرها .
.. لقد رأينا كيف أبرز النظام الرأسمالي الديمقراطي بالدعاية وإنفاق الملايين لتزوير الإرادات الشعبية – بشكل شبه جماعي وغير مباشر ..كيف أبرز إنسانا غبيا مثل – المودع بالأحذية - [ غير المأسوف عليه جورج دبليو بوش ] ووضعه على رأس هرم أكبر وأعتى دولة ..حتى كان ألعوبة سهلة في يد مصاصي الدماء ومشعلي الحروب من الصهاينة الذين أوصلتهم المؤامرة اليهودية الخفية إلى مناصب حساسة ومستشارين في البيت الأبيض أمثال ريتشارد بيرل وبول وولفيتز ومارتن أنديك وديميس روس وغيرهم .. فسولوا له زج قوات أمريكا في حروب لا ناقة لها فيها ولا جمل – وبمبررات واهية وكاذبة ..اعترف الغبي بنفسه بكذبها آخر عهده -..مما ورط الويلات المتحدة - في أفغانستان والعراق ..وجرت معها معظم قوات الصليب الأوروبية وحلف الأطلسي وغيرها من التابعة والذيول !!
... والذي يبدو من مثل تلك الظواهر أن القوم يرون أن الديمقراطية والحريات والرفاهية والتقدم والطيبات .. حكر لهم وملك لهم وحدهم .. لا يقبلون أن يشاركهم غيرهم فيها ..خصوصا إن كان ذلك الغير من الآخرين ..ممن يعدونهم متخلفين ..وشعوبا يجب أن تظل تحت نيرهم- مباشرة أو بشكل غير مباشر – ليواصلوا امتصاص خيراتها ومواردها .. والمحافظة على تفرقها وتمزقها وفساد أوضاعها مما يتيح لهم دوام التدخل والإفساد والابتزاز والنهب !!
وعلى الخصوص إذا كان هؤلاء الآخرون عربا ومسلمين..وإذا كان لديهم شيء من مقومات الثروة والنهضة ..فكل المسموح لهم أن يستوردوا بعض منجزات الحضارة الغربية ويتمتعوا بها ..وتكون بلادهم سوقا لمنتجاتها ..تأخذ منهم بها ما أعطتهم من[ فتات] ثمنا لبعض مواردهم وخيراتهم !
..ومن هنا نرى أن الغرب يرى أن( النهوض والتقدم الحقيقي ) وما يلابسه من نهضة تصنيعية ووحدة فكرية وعقدية واجتماعية واقتصادية .. وما يمكن – لو صدقت النوايا ووجد الإخلاص والحرص على المصلحة - أن يتحقق من اكتفاء ذاتي .. بل وفوائض هائلة تكفي لإشباع ملايين الفقراء في أفريقيا وآسيا ..إلخ ..كل ذلك ..وأمثاله يراه الغرب محرما علينا – نحن العرب والمسلمين – بشكل خاص..بل وحتى ما يسمى العالم الثالث بشكل عام !!..ولا يجود علينا إلا بالقليل مما وصل إليه ..ويحرم علينا الكثير ..وخصوصا في مجال السلاح والتكنولوجيا المعقدة وعلوم الذرة والفضاء وما إليها ! ويستشيط غضبا إذا حاول أحد من دولنا تخطي الخطوط الحمراء ... ورفع رأسه إلى مستوى رؤوس [ السادة المتحضرين المتفوقين ]!!
لقد حاولت الولايات المتحدة .. أوائل عهد الراحل بوش الصغير أن تلعب لعبة [ تصدير الديمقراطية ] لعوالمنا .. ثم ظهر أنها تريد [ديمقراطية معينة مبرمجة حسب مصالحها ] لا يتاح من خلالها للإسلاميين ومعارضي سياستها وذيلها الصهيوني ..- الوصول إلى أية مكاسب ..ولو من خلال صناديق الاقتراع ..ولو كانوا ممثلين حقيقيين للشعب ..!! وحينما فلتت الأمور من أيديهم – كما حصل في غزة – من حيث لم يحتسبوا– أذاقوا الديمقراطية وممارسيها أشد العذاب والحصار والحرب ثم شنوا عليهم مذابح همجية ..جراء الديمقراطية والخيار الحر والتمسك بالوطن والكرامة والحرية ورفض العدوان والاحتلال والإذلال وتبديد الحقوق والظلم السافر ..إلخ!!!
فانكفأت أمريكا وانقلبت – ليس فقط إلى التراجع عن [ نشر الديمقراطية ] بل إلى تعزيز القمع ..وإيجاد المزيد منه – كما فعلت في الضفة باستعباد ما يسمى بالسلطة ..وإيجاد حكومة شاذة غير شرعية ليس لها غطاء شرعي ولا ثقة من أحد إلا من دايتون الذي عينها هو وشركاؤه اليهود والذيول!..كغطاء لدكتاتورية قمعية عفنة يرأسها [ دكتاتور أمريكي اسمه كيث دايتون ] يسلط – بالدولار والشيكل واليورو- عملاء وعبيدا – كان بعضهم – وربما لا يزال يدعي أنه فلسطيني ومناضل !.. فسلطهم دايتون ليجلدوا شعب فلسطين ويسجنوا أحراره ومقاوميه ويجردوهم من السلاح وإمكانات الصمود ..ويزجوا بكثير منهم في سجون دايتون الديمقراطي المتحضر ] ليخضعوا [لتعذيب ديمقراطي ممنهج رهيب] يموت كثير منهم بسببه !! فلا تتحرك شعرة في جسم الجاسوس الإرهابي دايتون وشركائه الأمريكان واليهود – في القيادة العليا المهيمنة على السلطة والمنظمة والحكومة الكرتونية غير الشرعية والعاجزة ..وما يتبع ذلك من منظمات مكونة للسلطة والمنظمة والتي كانت تعتبر نفسها طليعة الكفاح ..فإذا بها طليعة قمع الشعب ومحاربة مقاوميه ..وحراسةالعدو [ ومنجزاته ] المستمرة على أرضنا ووطننا !!
.. هذا ..لون فقط من ألوان [العبقرية الديمقراطية الأمريكية] التي اعتادت سحق الشعوب وكبتها وتدمير مصالحها وتسويد الفاسدين فيها عليها ..واستعمال الدكتاتوريات الفاسدة لحراسة تخلفها وعبوديتها وفسادها وتخلفها ..كما كانت تفعل –حينا في أمريكا اللاتينية –التي تحرر أكثرها من نير طغيانها ودكتاتورييها الفاسدين القتلة ..وجاءت الآن لتطبق [ مهاراتها القمعية الإفسادية ] في فلسطين وغيرها من بلادالعرب والمسلمين التي لم تسلم أيضا من نظم دكتاتورية وحزبية وفردية فاسدة وانقلابات عسكرية كانت الويلات المتحدة وراء أكثرها غالبا !!
...وفي نفس السياق نرى أن الممارسة الديمقراطية بالطريقة الغربية في بلادنا المنكوبة .. ستؤدي إلى ظهور ممثلين حقيقيين للشعوب ...قد يكون أغلبهم – من الإسلاميين - غير المرغوب فيهم بل المرفوضين أمريكيا وصهيونيا – وكذلك أنصارهم- وبالتأكيد –سيكونون – في مجملهم- ضدالمشروع الصهيوني وعدوانه ... ومع الشعب الفلسطيني وحقوقه وعودته إلى كامل أرضه ووطنه..مما يعني هدم كل خطط ومكائد المتآمرين ..ومنجزاتهم التي بنوها خلال عشرات السنين .. وحيث أن كثيرا من الأوضاع الراهنة .. قد تندرج تحت تلك الإنجازات – ولو مرحليا إلى حين بلوغ [المشروع الصهيوني الاستعماري التآمري] غايته .. ومن غاياته المحققة حتى الآن منع عودة دولة الخلافة ومنع قيام حكم إسلامي وطني صحيح بأي حال – وإن كانت بعض الأوضاع موقوتة [ كقناطر ] يعبر عليها للوصول إلى مراحل متقدمة ثم يتم التخلص منها ومن رموزها .. – بشكل أو بآخر .. فإن عناكب المخططين في أوكارهم يحرصون ..من تلك الأوكار على رصد الأمور بحذر ودقة شديدين ...محاولين منع إفلات أي من الخيوط من أيديهم..وقد ركزوا الأمور كلها – تقريبا في أيديهم – إلا ما ندر مما شذ فأحدث لهم ولمشروعهم بعض [ الصداع ] وفي حلوقهم بعض [الشجى] فهم يحاولون التخلص منه بكل الوسائل الممكنة وغيرالمشروعة ؟..كما حاولوا ويحاولون في جنوب فلسطين وشمالها !!
.. وما دامت الأوضاع - بمجملها – مرصودة معدودة ..أومعدة سلفا لمهمات محددة .. فلا بد من تعزيزها بمقدار أدائها لتلك المهممات .. مع المرونة الكافية لعدم الانفجارالكامل أوالانكشاف الشامل ..!!..وعليه فإن أية [ ديمقراطية ] حقيقة حتى على النمط والمقياس الغربي ..قد تؤدي إلى أوضاع طبيعية تعني [انفلات الأمور والخيوط] أو بعضها أو معظمها من أيدي عناكب المخططين .. ولذا فإن أية ممارسة ديمقراطية حقيقية ..محرمة ومحظورة .وخطرة على منجزات العناكب إياها !.. وإن كان فلا بد فلا بأس من [ لعبة خطرة ] يسمح فيها بتنفيس محدود مؤقت لبعض التيارات أوالحريات .. ولكن إذا كان الأمر سيصل لحد سيطرة (رافضي المشروع الصهيوني من أساسه والمتمسكين بكرامة وحرية الوطن والمواطن بكل معنى الكلمة) .. فهنا الخطوط الحمراء ..وهنا تكون الديمقراطيات المبرنمجة .ويلجأ لمختلف الوسائل للحيلولة دون ذلك ..ولو اضطر الأمر إلى اللجوء إلى التزوير المباشرالمفضوح ..كما يحصل كثيرا !!