إيلات من منظور عربي تاريخي
إيلات من منظور عربي تاريخي
هي أم الرشراش المصرية
عاصم نبوي
إيلات من منظور عربى تاريخى هي أم الرشراش منطقة مصرية علي الحدود الفلسطينية المصرية, وذلك وفقا للفرمان العثماني الصادر عام 1906م الذي يرسم هذه الحدود دوليا, وإذا ما نظرنا إلي خرائط السلام – سواء المصرية أو الصهيونية – فلن نجد ذكرا لمكان بهذا الاسم, ويرى بعض المتخصصين في قضايا الحدود أن أم الرشراش التي تحولت إلي “إيلات” هي إحدى خسائر كامب ديفيد الساداتية, استجابة لمطلب الكيان الصهيوني بالحصول على منفذ علي البحر الأحمر.. ولكن أسباب وتداعيات استيلاء الصهاينة علي منطقة أم الرشراش المصرية تفوق ذلك بكثير, وهي جزء هام من استراتيجية الصهاينة الشاملة العسكرية والسياسية والاقتصادية. أحداث ووقائع احتلال الصهاينة لأم الرشراش المصرية وتحويلها إلي “إيلات”, هي تكرار لمأساة تعرضت لها العديد من المدن والمناطق الفلسطينية في أحداث عام 1948م بدءا من انسحاب الحامية الأردنية التي كانت تحت إمرة قائد إنجليزي, وفي إطار تعليمات بعدم الصدام مع عصابات الصهاينة, مرورا بهجوم العصابات الصهيونية عليها بعد توقيع اتفاقية “رودس” لوقف إطلاق النار, والتي قضت بعدم تحرك أي من قوات الأطراف المختلفة في الصراع عن المواقع التي تتمركز فيها عند توقيع الاتفاقية, وحتى لا يفوت الحدث أي من تفاصيله الدرامية, فقد كان الكولونيل “إسحاق رابين” والذي أصبح رئيسا لوزراء الكيان الصهيوني, هو قائد عصابات الصهاينة المهاجمة لأم الرشراش, وتصل دراما الحدث ذروتها المتوقعة حينما تقتل عصابات الصهاينة المهاجمة - بقيادة “رجل السلام الصهيوني” كما وصفته إحدى الصحف المصرية, والذي بكى لمقتله أصحاب الفخامة والسعادة أمام عدسات التليفزيونات - تقتل جميع أفراد وضباط الشرطة المصرية وعددهم 350 شهيدا, بالرغم من أن العصابات الصهيونية وعلي رأسها “رابين” قد دخلوا إلي المدينة دون طلقة واحدة لالتزام قوة الشرطة المصرية بأوامر القيادة بوقف إطلاق النار, حدث هذا بعد أن اغتال الصهاينة اللورد برنادوت رئيس لجنة التحقيق الدولية في 17 سبتمبر 1948م, لأنه يشير في تقريره إلى بعض المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية, وإلي خروقات قرار وقف إطلاق النار, ثم انطلقت عصابات الصهاينة علي محورين:
الأول: يستهدف السيطرة علي المياه, وسمي بخط تقسيم المياه .. وذلك عبر السيطرة علي مناطق بيسان – أريحا – القدس. ·
الثاني: المسمى “مدن حفرة الانهدام” عبر طبريا – بيسان – أريحا – أم الرشراش.
وقد أطلقوا علي هذه العملية اسم عملية “عوفيدا”. وقد انتهت هذه العملية باحتلال صحراء النقب ثم أم الرشراش في 10/3/1949م, ونتج عنها سيطرة العصابات الصهيونية علي أراضي مصرية بمساحة تساوي 1.5 مساحة هضبة الجولان المحتلة في الشريط الحدودي بين مصر وفلسطين المحتلة.. وهي ترتبط بقرية أم الرشراش الأردنية وهي قرية يقطنها الصيادون, قاطعة مساحات من الشريط المجاور لصحراء النقب مع سيناء (مثلث رفح – أم الرشراش – رأس النقب). لماذا أم الرشراش؟! تتعدد الأسباب والنتائج التي تقف خلف استهداف واحتلال وتغيير اسم وهوية أم الرشراش, فهي بين جيوسياسية, وعسكرية, واقتصادية.. • فباحتلال أم الرشراش انقطع التواصل البري بين الدول العربية في شرق البحر الأحمر وغربه, وأصبح تحت السيطرة الصهيونية, ولا يحتاج الأمر إلي جهد كبير لمعرفة الآثار الاقتصادية والعسكرية والسياسية لوجود هذا العائق.
• القضاء علي فرضية أن البحر الأحمر “بحيرة عربية”, بكل ما لهذا من تداعيات علي الاستراتيجيات العسكرية لحماية الحدود البحرية شديدة الامتداد لمصر والعربية السعودية والسودان واليمن.
• طرح بديل لقناة السويس بمشروع قناة أم الرشراش “إيلات” إلي البحر الميت.
• ابتداع حق للكيان الصهيوني في مياه خليج العقبة, الذي كان خليجا مصريا سعوديا أردنيا خالصا, الأمر الذي يعطي الفرصة للكيان الصهيوني لخلق الأزمات مع أي من الدول المطلة علي الخليج, في أي وقت يريد.
• التمتع بمنفذ علي البحر الأحمر, لخدمة الأهداف الاستراتيجية للكيان الصهيوني في شرق ووسط القارة الأفريقية من ناحية, وللوصول بقواته البحرية, بما فيها غواصاته النووية, إلي العمق الجغرافي لمصر والعربية السعودية والسودان واليمن.
إن تغيير اسم أم الرشراش, وتركيبتها الديموجرافية, وتغيير هويتها هو جزء من قائمة طويلة من الجرائم المماثلة, ولكنها لا ترتكب كيفما اتفق, بل وفق رؤية وتخطيط استراتيجيين لخدمة مصالح العدو الصهيوني, وتأكيد عناصر قوته في الصراع. فالتسميات التي أطلقت علي المناطق الفلسطينية صممت لضرب هويتها بالأساس (كالضفة الغربية لنهر الأردن), لاحظ أن التسمية تربط هذه الأرض بالأردن, لا فلسطين, و(قطاع غزة) وهي تسمية لا تعني الانتماء إلي أي مكان, أما البلدات والأماكن التي أسقط الصهاينة أسمائها العربية تماما, ووصموها بأسماء صهيونية وهي كثيرة, فتدخل في رؤية أخرى للقضم والاستيعاب, سواء بالتهجير, أو الإخلاء وإقامة المستوطنات.. ففي الرملة تم هدم (10) مدينة وقرية وبناء مستوطنات مكانها, وفي حيفا (11) قرية ومدينة, وفي يافا (9), وفي القدس (10), وعكا (5), وفي غزة (11), وصفد (13), والخليل (3), وبيسان (2), وجنين (1), والمجموع 75 قرية ومدينة أزيلت وأقيم مكانها مستعمرات بأسماء مختلفة لتصبح قرية أبو الفضل مستعمرة (تليمة مناشية), وتصبح أم الرشراش المصرية (إيلات), والملاحظة التي يجب أن لا تفوتنا أن كل هذه المستعمرات الستة والسبعين بما فيهم أم الرشراش هي تحقيق لخطى الهجوم الاستراتيجي الذي بدأ بعد وقف إطلاق النار في العام 1948م, خط تقسيم المياه, وخط حفرة الانهدام.
وفي غيبة الرؤية الاستراتيجية, والإرادة السياسية, تأتي الذكرى السادسة والخمسين لاحتلال أم الرشراش المصرية, التي نسيها أو تناساها, أو تنكر لها صناع اتفاقيات “السلام”, فهل آن الأوان أن نتذكر ونتدبر ونتحرك.
في شهر فبراير الماضي، نشرت الصحف الصهيونية نبأ يقول أن الكيان الصهيوني هدد مصر بإسقاط طائراتها المدنية في حال دخولها المجال الجوي لميناء “إيلات”، وطلب من القاهرة منع طائراتها من التحليق فوق المنطقة التي اعتبرها محظورة، وقالت مصادر صهيونية إن: “طائرات الركاب المصرية تستعمل مجال العقبة الجوي المحاذي لـ “إيلات” لدخول الأراضي الأردنية، ولكنها أحياناً تدخل المجال الجوي “الإسرائيلي” خطأ، وأن “إسرائيل” لن تتردد في إسقاط أي طائرة مصرية تدخل المجال الجوي المحظور !! . ولأن خبراء السياسة والتاريخ يعلمون أن (إيلات) هذه هي في الأصل (قريـة أم الرشراش) المصرية التي احتلها الصهاينة يوم 10 مارس 1949، فقد أثار الخبر التساؤلات حول أسباب عدم تمسك مصر باستعادة ايلات حتى الان كما فعلت في طابا بالتحكيم، وهل معني ذلك أن القاهرة تنازلت عن إيلات للصهاينة نهائيا ؟! . واقع الحال يشير إلي أن مصر لم تطالب بإعادة إيلات لأسباب سياسية وتاريخية وجغرافية، أبرزها أن قرارات مجلس الأمن التي طالبت بإعادة الأرض العربية المحتلة، اهتمت كلها بالحديث عن إعادة الأرض المحتلة منذ 1967، وليس ما قبلها بعد نكبة 1948، كما أن واقعا جديدا طرأ هناك يصعب تغييره ولكن الوقائع تشير مع ذلك إلي أن القاهرة لا تزال تتطلع لاستعادة أم الرشراش باعتبارها أرضا مصرية، ولا تعترف بأنها أرض إسرائيلية .. فقد نشرت مصادر صحفية مصرية عام 2000 إن وزارة الخارجية المصرية بعثت باحتجاج رسمي إلى وزارة الخارجية البريطانية على ما جاء في وثائق بريطانية قديمة أفرج عنها من مزاعم تشير إلى إن مصر قد تنازلت خلال حكم الرئيس الأسبق عبد الناصر عن منطقة أم الرشراش ( ميناء إيلات الان) . وقالت مصر في ردها الرسمي أن ما ورد في أوراق حكومة هارولد ويلسن عن تنازل عبد الناصر عنها لـ”إسرائيل” حتى تحصل على منفذ بحري على خليج العقبة “محض افتراء وتشويه لسمعة الرئيس الراحل فضلا عن انه دعم واضح للجانب الاسرائيلى على حساب مصر”، وأوردت رسالة الاحتجاج المصرية نصوص لتصريحات عبد الناصر التي أكد فيها احتلال “إسرائيل” لأم الرشراش، إضافة لوثائق ومستندات قديمة تؤكد تبعيتها لمصر.
وكان الحديث عن ضرورة استعادة قرية أم الرشراش المصرية المعروفة الآن باسم “إيلات” التي لا تزال تحتلها “إسرائيل” منذ 56 عاماً، قد عاد بقوة عام 1999، ونقلت الصحف المصرية عن مصادر سياسية مصرية أن دراسات وافية قد أعدت بالفعل حول الوضع القانوني للمدينة تمهيداً لتصعيد الأمر بعدما تجاهل الصهاينة على مدار 17 عاماً طلباً مصرياً قيل أن الرئيس مبارك قدمه لـ”إسرائيل” عام 1982م لبحث مصير المدينة، فيما قالت مصادر في الخارجية المصرية إن ملف الحدود مغلق تماماً. وقد نشرت عدة صحف مصرية تقارير متعددة عن أم الرشراش في أوج النزاعات بين مصر وتل أبيب وتصاعد التوتر عقب استدعاء السفير المصري من هناك، أشارت فيها إلى أن مصر تستعد للمطالبة بها، ونشرت ذات الخبر صحيفة (إجيبشيان جازيت) المصرية الرسمية الناطقة باللغة الإنجليزية ما دعا الصحف “الإسرائيلية” حينئذ للتحرك ونشرت ما تعتزم مصر القيام به.
وقد كشفت إحدى هذه الصحف الصهيونية أن “إسرائيل” طالبت أمريكا بالتدخل، وأن السفارة الأمريكية بالقاهرة قد أجرت اتصالات بالخارجية المصرية لاستجلاء الأمر فأبلغها مصدر رسمي أن الخارجية لا تقف وراء الموضوع وهو ما فسر بأن ملف الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة مغلق، ولكن زاد الأمر غموضا حول حقيقة مطالبة مصر بها او التخلي عنها أن مصر احتجت عام 2000 على الوثائق البريطانية القديمة التي تزعم تنازل عبد الناصر عن أم الرشراش لـ”إسرائيل” ! وقد لوحظ في أعقاب التقارير التي تحدثت عن تدخل أمريكي لمعرفة حقيقة إثارة مصر لهذه القضية، أن مصر تراجعت عن مطالبة “إسرائيل” بإعادة قرية أم الرشراش المصرية التى يحتلها الصهاينة منذ 56 عاما (10 مارس 1949)، وتشير دراسات مصرية إلي أن قرية أم الرشراش كانت تدعى في الماضي (قرية الحجاج) حيث كان الحجاج المصريون المتجهون إلى الجزيرة العربية يستريحون فيها، ولكن “إسرائيل” احتلتها منذ عام 1949 ”، وهي منطقة حدودية مع فلسطين، وكان يقيم بها حوالي 350 فردا من جنود وضباط الشرطة المصرية حتى يوم 10 مارس 1949 عندما هاجمتها إحدى وحدات العصابات العسكرية الصهيونية وقتلت من فيها واحتلتها في عملية أطلق عليها عملية عوفيدا” وقد حدثت تلك المذبحة بعد ساعات من توقيع اتفاقية الهدنة بين مصر و”إسرائيل” في 24 فبراير1949 . وتعود تسمية المنطقة أم الرشراش إلى احدى القبائل العربية التي كانت تقيم بها، وهي منطقة استراتيجية تسيطر عليها وتحتلها “إسرائيل” وبدون مستندات تخص تلك المنطقة.
مؤتمرات للمطالبة باستعادة أم الرشراش
وقد سعت أطراف مصرية وجمعيات لعقد مؤتمرات للمطالبة باستعادة أم الرشراش وإثارة القضية للضغط علي الحكومة المصرية والصهاينة أيضا، حيث عقد مؤتمر في 9/9/1999 بفندق شبرد وبحضور عدد من العسكريين وخبراء الاستراتيجيات وأعضاء في مجلسي الشعب والشورى وقيادات من الأحزاب والنقابات والطلبة تحت عنوان (خطورة احتلال أم الرشراش على الأمن القومي العربي والاسلامى)، وسعت نفس الأطراف ومنها اللواء أركان حرب صلاح سليم – الخبير العسكري المصري - لإقامة المؤتمر الثاني لأم الرشراش بيد أنه لا يعرف نتائج هذه المؤتمرات.