ما لكم كيف تحكمون
ما لكم كيف تحكمون!
علي الأحمد
فجأة يكتشف إعلاميو العار العرب مدى انتمائهم الروحي العميق للعقيدة الإسلامية السنية وخشيتهم على مصير العالم السني من التمدّد الشيعي الإيراني..
دع عنك ما هم عاكفون عليه من كؤوس الخمر وكتب الحكمة الأميركية والصهيونية المقدسة، وخلواتهم التعبدية في الحانات والنوادي الليلية، وصيحاتهم المنكرة في كل حين ضد كل ما هو إسلامي يفضلون وصفه "بالإسلاموّية" تهزيئا وتبخيسا، وضد كل ما هو عروبي يفضلون وصفه "بالقومجية" تهزيئا وتبخيسا، وضد كل ما هو عدالة اجتماعية يفضلون وصفه بالاشتراكية الغاربة الملوثة بذاكرة القمع البوليسي والحكم الشمولي، وضدّ كل ما هو مقاومة للظلم والاحتلال، يفضلون جمعه في سلة واحدة مع الإرهاب والتطرف اللذين يحيلونهما إلى أسباب ثقافية عقدية، بدلا من السياسات الظالمة التي وظفوا أنفسهم لخدمتها وتسويقها.
ودع عنك تلويثهم المنهجي المتعمد لمعاني الجهاد –ذروة سنام الإسلام– حتى صارت كلمة "جهاديين" مرادفة باستعمالهم للإرهابيين.
دع عنك هذا كله، فإذا حمي الوطيس ووقع الاختبار ذكروا عقيدتهم السنية واستدعوا حميتهم الدينية السنية وصاحوا صيحتهم المنكرة: أصرفوا وجوهكم عن إسرائيل والولايات المتحدة إلى العدو الإيراني الشيعي، فهو الخطر الأعظم، وواجهوه بكل ما استطعتم، حتى لو كانت إسرائيل من وسائل الدفع والاستطاعة. واجهوه أينما ثقفتموه: في لبنان (حزب الله)، وفي فلسطين المغتصبة والمحتلة (حماس). وكل ذلك نصرة لدين الله!
ولا بأس في هذا السياق أن نضلل الناس بالقول إن حماس منظمة شيعية لمجرد أنها تتلّقى المعونة من إيران، بينما يعلم القاصي والداني أن حماس سنية خالصة لا تحيد عن سنيتها.
ولا أدري إذا كان يمكن تصنيف "شافيز" الفنزويلي المسيحي اليساري في خانة التشيع، طالما أنه ينحاز إلى محور الممانعة وإلى المقاومة الفلسطينية المحسوبة على إيران الشيعية!
ولكن أفيدونا أيها الإعلاميون العقلانيون الواقعيون المدرجون في قائمة العار الصهيونية، لماذا تطلقون صيحاتكم المنكرة ضد التمدد الإيراني الشيعي من خلال حزب الله والمقاومة الفلسطينية، ولا تطلقون مثلها ضد القوى العراقية الحاكمة الجديدة التي لا يخفى ارتباطها التاريخي والعقدي والسياسي بإيران!
لا، والذي بعث محمدا بالحق، ما أنتم بسنة ولا بشيعة، ولا بمسلمين ولا بعرب، ولا حتى بليبراليين مخلصين يؤمنون حقا بالديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع التي جاءت بحماس، فقد نجم نفاقكم في هذا الشأن حتى لا يخفى على أحد. بل أنتم صهاينة وحسب: نعم صهاينة عرب، ولا يوجه ردود فعلكم إلا ثلاثة عناوين:
- كره الإسلام والإسلاميين، حتى لو جاءت بهم صناديق الاقتراع. وإلا لماذا أعلنتم العداء ضد حماس منذ لحظة انتخابها، وقبل ما أطلق عليه "انقلابها في غزة"!؟
- بغض مفاهيم المقاومة والجهاد بإطلاق، حتى لو كان ذلك استجابة لتحدي الاحتلال والاغتصاب والقتل الجماعي.
- الولاء المطلق للبرنامج الأميركي في المنطقة حتى لو كان ضد حكوماتكم وأوطانكم.
وقد نضيف إلى بعض هؤلاء أو جلهم كراهة معلنة أو مضمرة ضد الشعب الفلسطيني المزعج الذي لا يرضى أن يموت بصمت، والذي تحرج ركلاته سياسات الإذعان والاستسلام، وتحرج قضيته العلاقات المقدسة مع الولايات المتحدة وتعرضها للاهتزاز. فمن يوالي سياسات الولايات المتحدة لا يمكن أن يحتفظ بالوقت نفسه بعقيدة العداء ضد المشروع الصهيوني والاحتلال، الذي هو ربيب الإمبريالية الأميركية ووكيلها المتقدم وحليفها الإستراتيجي.
لا نطلب من هؤلاء إلا أن تكون لهم الجرأة الأدبية فلا يموهون دواعي مواقفهم المعلنة لأنّها لا تنطلي على أحد، ليعلنوا بصوت واضح صريح: أنهم يميلون حيث تميل أميركا (وبالنتيجة إسرائيل) فيعادون من يعادونهما ويصادقون من يصادقهما. فهم معروفون بأعيانهم وعقائدهم السياسية الفعلية وبغضهم للإسلام على الجملة، سوءا أكان في إطار سني أم شيعي.
أما أنظمة الاعتدال فإننا نعتقد أنها مدينة لحماس بالشكر والامتنان. فقد أطاحت بوصولها إلى الحكم عبر الانتخابات الحرة النزيهة بأجندة التحول الديمقراطي بالمنطقة التي كانوا منها يفرقون، كلما لوحت بها الولايات المتحدة، قبل أن تكتشف هذه أن العملية الديمقراطية بالمنطقة هي أسوأ ما يمكن أن يحدث لها ولحلفائها فاطّرحتها وراء ظهرها، وكفى الله تلك الأنظمة الديمقراطية.