خطوات التغيير العشرة

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

قبل أن نخوض في بحر التغيير ، ما رأيك أولاً في أن نتعرف على الخطوات التى تؤهلنا للتعبير ، من تغيير الحالة النفسية ، فكما قالوا : التخلية قبل التحلية ، وإزالة الرواسب هى الخطوة التى تسبق الغرس ، فالأرض تمهد لتستقبل البذرة ، التى تنمو بعون الله ورعايته , ثم جهد الإنسان ومهارته وتغلبه على الصعوبات , ومقدرته على صناعة بيئة صالحة .

 وما خطوات التغيير العشرة إلا ممارسة هذه الأشياء ، فما هى خطوات التهيئة الأولى؟  والتى نطلق عليها :  في ( مشروع التغيير ) : تهيئة الحالة النفسية ، التى ستحمل أمانة التغيير ، وتنفذ أكبر مشروع في حياة الإنسان .

ما قبل الخطوات : تغيير الحالة النفسية

أولاً : اعترف

كم هم هؤلاء الذين يظنون أنهم لا يخطئون وإن كان الخطأ ظاهراًً ، تراهم يرمون بالمسئولية على غيرهم ، حتى يقنعوا أنفسهم بأنهم بعيدون عن الخطأ ، وبالتالى تتراكم أخطاؤهم دون أن يدروا ليصبحوا وجهاً لوجه أمام كارثة نفسية ، لا يعلم مداها إلا الله تعالى .

إن لحظة الاعتراف بالخطأ تحمى صاحبها ، وتبصره بطريق العلاج ، وتوطد صلته بالناس ، وتجعله في راحة نفسية لم تكن يتوقعها ، ليس العيب في الخطأ فكل ابن آدم خطاء ، ولكن العيب في عدم رؤية الخطأ والاعتراف به ، ولنا قدوة في أول خطأ لأبينا آدم عليه السلام وأمنا حواء عليها السلام :

 { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } الأعراف / 23 .  

فالاعتراف بالخطأ لابد أن يصحبه الألم والندم ، الذي يدفع الإنسان نحو الطاعة , وليس الألم والندم الذي يدفع إلى المعصية أو المزيد منها , أو الإحباط واليأس , والانعزال النفسى ، فقد بدأت حياة جديدة على الأرض لزوجين ، بدأت منهما أول أسرة على كوكبنا ، بفضل الاعتراف بالخطأ , وإظهار مرارة الألم ، يقول تعالى : { وتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه } البقرة / 37 .

وهكذا انطلقت أول حياة عى أرضنا .

ثانيا : تحمّل

ما سر قوة الإنسان ؟

هل تنبع من أسباب خارج ذاته ، أم أنها تنبع من عميق كيانه ؟

ليس الأمر محير ، بل هو واضح جداً ، القوة الحقيقية تنبع من داخل أنفسنا ، وليس بعون من البشر ، وإنما بعون من الله الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه ، ولذلك فحينما نستعين بقوة من الله ، فنحن الأقوياء بالله ، ولكن بإصرارنا وعزمنا وهمتنا .

وخطوات هذا الإصرار واضحة لاستعادة عافيتنا وقوتنا وهى :

1- أنت الذي تتحمل المسئولية كاملة عما يعتريك من ضيق وألم .

2- أنت الذي تكتشف سر ما أنت فيه من ألم فأنت سبب الداء .

3- أنت الذي عنده الدواء مع كل ما تشعر به من ضيق وتبرم .

ووفق هذه الخطوات فأنت مَنْ يقوى على تصريف أمورك ...

 فلماذا التبريرات ؟

ولماذا تستعين بأسباب خارج نفسك ؟

ثالثاً :  تحرّر

فمن التبريرات تصنع أنت تعاستك ، فماذا بعد أن اقتنعنا بأن كل واحد منا مسئول عن تصرفاته وسلوكه ؟  وهذا هو سر القوة ، وكل ما عدا ذلك فهو ضعف يعترى الإنسان ، مثل :

دعنى أنا غارق في التفكير ، حالتى ضعيفة نفسياً وهذا حقى في أن أشعر بذلك ، حالتى خطيرة ولا يهتم بي أحد ، لا يفهم أحد مقدار مشاكلى التى لا تعد ولا تحصي .

 لماذا لا تتحرر من هذه الأوهام ؟ بماذا ؟ بشيء واحد :

 واجه التحديات والمشكلات ، ولا تلجأ إلى هذه الأوهام فإنها تدمرك

 عش الواقع ، حلل ما أنت فيه ، ثم قم بتجميع أفكارك

 وتريث واهدأ وقدّم العقل في ترتيب التنفيذ

 بالله عليك ماذا خسرت ؟!!

رابعاً : لا تشكو

من أسهل ما يمكن في حياتنا ، أن نقول لمن أمامنا : ( أنت السبب ) ، سواء كان ذلك في أعمالنا أومع زوجاتنا أو مع أولادنا ، ونحسب بذلك أننا قد حصلنا على حكم بالبراءة من جريمتنا !، إن إلقاء اللوم على الآخرين ، هو إدانة لنا وليس نجاحاً ، فالتفكير بايجابية ، هو ما يجعلنا نطرح عن تفكيرنا كل يسىء إلى أنفسنا وذواتنا ، لتكون نقطة انطلاق ،إننا إن لم نكن نملك هذه النظرة الإيجابية ضيعنا أوقاتنا في الشكوى ، نشكو أنفسنا ودنيانا وأعمالنا وبيوتنا إلى الناس ، حتى ندمن ذلك ، ونظن أننا قمنا بحل المشكلات ، وأن الشكوى قد أزالت الصعاب .

وبعد :

سرْ على بركة الله

انظر بعمق بعيداً

اتجه إلى الله بالدعاء

اتخذ قرارك بالتغيير

التغيير نحو الأفضل

ولا تيأس من رحمة الله

خطوات التغيير العشرة

1-      أنت مَنْ تستطيع التغيير

{ لقد كان لـكم في رسـول الله أسـوة حسـنة لمـن كان يرجـو الله والـيوم الآخر وذكرالله كثيراً } الأحزاب / 21 .

فهذا فرد غيرّ وجه العالم بمفرده ، لنا فيه أسوة ، والذي يأمرنا هو الله تعالى ، لحكمة يعلمها الله ، وهى أن في استطاعة كل منا التغيير ، فأنت مَنْ يستطيع التغيير ، وفي قدرتك أن تغير ، يقول تعالى :

{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } الرعد / 11 .

وهذه سنة التغيير ، قائمة علينا ، والخبير بنا تعالى هوالذي خلق ذلك في استطاعتنا ، فلماذا التوانى ؟

2- أنت قادر على صنع التغيير

يقول تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } الذاريات / 56 .

فالله سهّل لنا العمل في الحياة ، وكيف ننطلق فيها ، بتعرفنا على الهدف والغاية ، فالعاقل له في كل خطوة هدف محدد ، وبرنامجنا في الحياة هو السعى وعمارتها ، واكتشاف الجمال في مخلوقات الله ، وهذا هو الإيمان العميق الذي يدفع الإنسان إلى صناعة التغيير .

3- أنت محاسب على كل قول أو فعل

يقول تعالى : { وقفوهم إنهم مسئولون } الصافات / 24 .

فلا مسئولية بدون حساب ، وأنت مكلف ، وكل تكليف ، يعقبه حساب ، والسائل هو الأعلى تعالى ، الذي لم يخلقنا هملاً ، يقول تعالى : { أيحسب الإنسان أن يترك سدى }القيامة / 36 .

فكل قول أو فـعـل أو حـركة ، هى مـسئوليتـك أنت ، يقـول تـعالى :

{ ولا تـزر وازرة  وزر أخـرى }  فاطر / 18

 فلا يتحمل أحد مسئولية غيره ، فكل خطوة ، وكل كلمة ، وكل جملة ، وكل شيء ، له قدر ومكان في هذا الوجود ، هذا ما يجب أن نفهمه , ونحن في مشروع التغيير .

 4- أن تؤمن بالتغيير والالتزام به

لو كان التغيير كلاماً وخطباً ومطالبات لكان الأمر هيناً وسهلاً ، ولكن التغيير هو التزام وسلوك ، لا يتحقق في الواقع إلا إذا كان الإيمان به عميقاً في داخلنا ، والقناعة به كاملة ، حتى يكون هو أعصابنا التى تلتهب ، وأنفاسنا التى تؤكد على وجودنا في الحياة ، والالتزام به يعنى :

ـ تقوية الصلة بالله واستمداد عونه

ـ الاطلاع الدائم والتدريب المستمر

ـ الفاعلية المنضبطة الحكيمة العملية

ـ الثقة بالنفس ومحاسبتها

ـ الاستفادة بالوقت وفرص الأقدار

5- الذاتية والمسئولية الفردية :

كل جهد نابع من النفس دون إجبار أو متابعة ؛ هو ما يعرف بالذاتية ، وأولى المسئوليات في الذاتية ، مسئوليتك عن نفسك ، سواء في أعمال فردية أو في أعمال جماعية ، فإيمانك بالتغيير هو التزام وعهد مع نفسك ، وإن تخلى عنه الآخرون ، وإن حاصرتك الضغوط فكل ذلك لا يعفيك عن المسئولية الذاتية ، فمن يعلم ما فى داخلك مثلك ؟ عيوبها ومداخلها وقصورها وضعفها ، هو أنت ، وأنت القادر على التعامل معها ، فمن العيب أن تقول :

ماذا أفعل ، لا أستطيع بمفردى ، أريد مساعدة ، إننى منتظر التكليف من الإدارة ، اعطونى تصريحاً وانظروا ماذا أفعل ؟ .

6-  لا تشغل بالك بفرعيات التنفيذ :

التغيير هو معرفتك بالهدف :

 لماذا تغير ، وما الذي تغيره ؟

فإن كان هذا الأمر واضحاً ، فاطمئن تماماً أن وسائل وطرق التغيير ، ستأتى بين يديك ، وليس معنى ذلك ألا تفكر فيها وتستعد لها ، وإنما هى من المتغيرات وفق الأحوال المتقلبة والمتغيرة , حتلى لا تنشغل بطريقة أو وسيلة عن الهدف ، ولا تنشغل بفرع عن الأصل ، هذا التداخل هو الذي يؤخر قرارنا أحياناً ، وإن ضاعت الكليات سبحنا في فرعيات , تؤخر ما نصبو إليه ، فيجب الانتباه إلى هذا القيد الخفى .

7-  ابدأ بالمتاح ولا تكن مثالياً :

البعض ينتظر حتى تتوفر الإمكانات ، ثم يقول :

 الآن انطلق ، اللحظة أغير

 ومن يضمن توفر الإمكانات ؟

ومن يضمن الانتظار ؟

احسب المتوفر لديك ، ورتب المتاح الآن ، وابدأ واجتهد ، فالمثالية قد تؤخر التغيير بلا داعى ، وليس معنى ذلك أننا لا نسعى لتحقيق الأمور المتميزة المثالية في حياتنا ، ولكن لن نصل إليها ، إلا بالعمل , والحركة إليها , والاجتهاد في الوصول لها ، لأنها عزيزة تنتظر من يأتى إليها .

ولذلك لا تقل :

ـ ما زلت مبتدئاً

ـ الأمر الآن فوضي

ـ الأحوال على مالا يرام

8- امتلك الوعى والكياسة :

هل في استطاعة أحد أن يغير شيئاً لا يعرفه ؟

هل في استطاعة أحد أن يغير شيئاً لا علم له به ؟

إن أصل التغيير هو المعرفة ، هو العلم به ، هو الوعى به ، هو الإدراك لمعانيه ، بشيء من الفهم والكياسة ووالذكاء ، وهذا هو طريق التغيير .

لقد اشترط بعضهم الوعى والكياسة قبل البدء في عملية التغيير ، فإنها أولى خطوات التنفيذ ، وبداية طريق الممارسة .

9-  احلم وتخيل ومارس :

بعد الوعى وبعد المعرفة ، وبعد الانطلاق في طريق التغيير ، أنت بحاجة إلى طاقة وزاد مستمر ، احلم وتخيل وتأمل واترك العنان لعقلك ، ثم حول الأحلام إلى واقع ، والأفكار إلى تطبيق .

 بالممارسة والعمل والانشغال ، وهى دائرة لا تنتهى ، أنت مشغول بالأمر في عاطفتك وبدنك ووقتك وأحوالك وأعصابك ، فستأتيك الأفكار تترى عليك ، وستجد الأحلام تتساقط على عقلك ، فبادر وأسرع بإحيائها في الواقع ، وامنحها روح الحياة ، هنالك تشعر بنشوة المولود الجديد ، وحركة الجسد الذي كان بالأمس جماداً لا حراك فيه .

10ـ تغير أنت أولاً

لضمان النجاح في مشروع التغيير ، في أى جانب من جوانب حياتك اليومية ، هو أنت ، لقد بدأت الخطوات من حيث أنت ، وكذلك تنتهى من حيث أنت ، لاتطلب من الآخرين أن يتغيروا ، تغيّر أنت أولاً  فسرعان ما يتغيرون .

 التزم ، اصدق ، اجتهد ، حاول , اصعد ، ارتق ، تفاعل ، شارك ، اقتحم ، غامر ، بادر ، ابتسم ، ... ، ... ، ... حتما سترى الوجود متغيراً كما تشاء .