المنافقون
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
لم أنخدع يوما في كلا م أي مستعمر متوحش ، مذ جاء السفاح الصليبي " نا بليون
بونابرت " إلى مصر غازيا ، وأعمل في أهلها القتل والذبح، ودمر بيوتهم ودورهم ، وربط
خيول جيشه في أزهرهم الشريف ، واستعان ببعض الطائفيين الخونة في الغدر بأهليهم
وجيرانهم وذويهم ، ثم خداعه المصريين بالقول : إنه مسلم ، وأتى لينقذهم من المماليك
الذين يظلمونهم ، وكان .. ما كان ؛ مما عرفه الناس ، من خسة الغازي ونذالته،
وإهانته لمصر والشام جميعا !
بعد مائتى عام جاء سفاح آخر اسمه " جورج بوش " الابن ، ليضحك على العرب والمسلمين ،
ويدعي أنه جاء ليحرر العراق من حكم الطاغية ، وينشر في أرجائه " الديمقراطية "
والحرية ، فذبح وقتل ونسف ودمر ونهب ، وكانت الحصيلة مليون عراقي شهيد على الأقل ،
عدا الجرحي والأرامل والمهجرين والذين يتضورون جوعا في كل مكان.. وما زالت المفرمة
الصليبية تعمل بلا كلل ولا ملل تذبح وتدمر حتى الساعة !
وما بين السفاح الأول والسفاح الثاني جاء سفاحون آخرون، وكانت وعود استعمارية وخداع
استعماري وقتل وتدمير وسفك دماء المسلمين في كل البقاع العربية والإسلامية تقريبا..
وما زال بعض العرب والمسلمين – كثير منهم – يثقون في السفاحين القتلة ويعتمدون
عليهم ، ويظنون بهم خيرا ، ويعتقدون أنهم سيحققون لهم ما يريدون بالوعود والتفاوض ،
والمباحثات إلى ما شاء الله .
لذا لم استغرب موقف الاستعمار الغربي بقيادة الولايات المتحدة من اهل غزة ومأساتهم
الدامية ، فقد وقفوا بدم بارد وقلب ميت بجوار القاتل اليهودي النازي ، وأيدوه
معنويا وماديا ، وهبوا لنصرته عسكريا بعد أن فشل سياسيا في مجزرته ا لنازية ،
ومحرقته الوحشية ، وتنادوا لإرغام الضحية على القبول بما لم يستطع القاتل أن يحققه
على أرض الواقع بالطائرات والدبابات.
حتى ذلك الذي يدعي أنه يقوم بدور إنساني تجاه الضحايا ، كشف عن وجهه الاستعماري
الصليبي البغيض، ووقف مع القتلة في خندق واحد! إن السيد " لوي ميشال " مبعوث
الاتحاد الأوربي للمساعدات الإنسانية ذهب إلى غزة , وفي قلب الرماد والدمار
والأشلاء أعلن بقلب بارد أن حماس حركة إرهابية تستخدم الإرهاب في تحقيق أهدافها ،
وأنها تتحمل مسئولية المجزرة التي قام بها الغزاة النازيون اليهود . وطالب حماس أن
تتحمل مسئوليتها وتعترف بالكيان النازي اليهودي حتى يمكن التحاور معها ! كان
الإعلام الغربي العنصري يروج للسيد ميشال بوصفه شديد الانتقاد للغزاة اليهود ..
تعرفون ما هو هذا الانتقاد الشديد ؟ إنه عدم التزام القتلة بالقانون في تأمين
الحماية الكافية للسكان المدنيين في أثناء الهجوم على قطاع غزة !
أي إن السيد " لوي ميشال " لا يرى في " الهجوم " ذاته مشكلة ولا مخالفة للقانون
الدولي ، بل إنه لا يري في جود الكيان الصهيوني أية مخالفة قانونية ، وهوالكيان
الذي لم تتحقق شرعيته حتي الآن لأنه لم ينفذ شرط الأمم المتحدة بعودة الشعب اللاجئ
إلى أرضه ودياره .
لا نعتقد بالطبع ان ينتقد السيد " لوي ميشال " الفتاوى اليهودية التي أصدرها
الحاخامات بدعوة الجنود اليهود الغزاة لقتل المدنيين بلا شفقة ولا رحمة . مع أن
هؤلاء المدنيين ضحايا للآلة العسكرية الدموية الصهونية ، وتشردوا على مدى ستين عاما
أو يزيد بلا ذنب ولا جريرة ؛ اللهم إلا لأنهم من فلسطين وشعبها البائس المسكين !
وإذا كان هذا موقف رجل المساعدات الإنسانية في الاتحاد الأوربي ، أي الرجل المحايد
كما يفترض ، فلك أن تتصور مواقف السادة السياسيين الغربيين ، وبعيدا عن موقف جورج
بوش ووزيرة خارجيته المنصرفين؛ فموقفهما لا يحتاج إلى إيضاح أو بيان ،ويكفي أنهما
في أثناء المجزرة زودا الكيان النازي الدموي بأحدث الأسلحة الفتاكة والغازات
المسببة للسرطان ، ومنعا مجلس الأمن من اتخاذ قرار حاسم يوقف العدوان ؛ فضلا عن
ردعة ومعاقبته !
السيد توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق . ومبعوث الرباعية الدولية للسلام
(!) في الشرق الأوسط ، حمل مسئولية الحرب لحماس دون أن يهتز له جفن بسبب الضحايا
وما جرى لهم ، ولم يفه بكلمة واحدة عن الغزاة المجرمين ، ولم يقل لهم توقفوا !
السيدة إنجيلا ميركل مستشار المانيا ، سارت على الدرب ذاته ، بل كانت أكثر تعصبا
ونفاقا، وأدانت الضحية بكل قوة ، والتمست العذر للقاتل السفااح !
اما السيد " بان كي مون " أمين عام الأمم المتحدة ، فتبنى المواقف الاستعمارية
الصليبية ذاتها ، وأدان الصواريخ ( العبثية !) التي تنطلق من غزة ، ودعا إلى وقف
العنف في غزة ، على أساس ان هناك طرفين متكافئين يقتتلان ، وأحدهما ( حماس ) يتحمل
المسئولية كاملة لدى السيد مون . وعندما ذهب إلى غزة ، لم يبق هناك إلا لحظات قليلة
، شاهد فيها مؤسسات الأمم المتحدة التي دمرهاالصهاينة القتلة ، ولم يكلف نفسه عناء
دخول الأحياء المدمرة ، والموتى الذين تتناثر جثثهم وأشلاؤهم في الطرقات وبين
الركام والرماد !
المنافقون الغربيون الاستعماريون ، يؤكدون بسلوكهم وأقوالهم مع مطلع كل يوم أن
الكيان الصهيوني ، حاملة طائرات استعمارية ثابتة ، يستخدمونها بطريقتهم الخاصة
لحماية المصالح الاستعمارية الغربية وضرب المقاومة العربية الإسلامية ، سواء كانت
دولة أو حركة تحرير . وأن كل ما يقال عن سعيهم من أجل السلام هو مجرد لغو لا قيمة
له ، وثرثرة لا فائدة منها ؛ بدليل مرور أكثر من ثمانين عاما مذ تفاقمت مشكلة
العدوان النازي اليهودي في فلسطين حتى اليوم ، دون أن تتقدم الأمور إلى الأمام
ولوخطوة واحدة ، بل تتراجع كل يوم وتسوء أكثرمن ذي قبل !
كيف نفسر مسارعة فرنسا بعد وقف القتال بإرسال فرقاطة حربية لحصار غزة بحرا ؛ بحجة
منع تهريب السلاح ؟ إن فرنسا لم تقل للقتلة كفوا عن القتل ، وهي تملك أن تقول وتفعل
، وكان رئيسها يلعب دور العراب في منع العرب من اتخاذ أي موقف ولو كلامي ضد العدو
في القمم التي انعقدت عشية وقف الحرب ، بل إنه جلس مع قادة الغرب في القدس يشرب نخب
العدوان اليهودي ويبحث كيفية انتزاع مكاسب سياسية لليهود النازيين الغزاة لم
يستطيعوا الحصول عليها بالدم !
هل يمكن أن نفسر موقف شبكة الإذاعة البريطانية والسكاي نيوز في رفض نشر إعلان يدعو
إلى التبرع لضحايا العدوان النازي اليهودي ؟ وأي حياد يتبجح به هؤلاء المنافقون ؟
والضحية ينزف ويموت ؟
لا شك أن النفاق الغربي الاستعماري ؛ يؤكد مع مطلع كل يوم ضرورة ان تضرب بسيفك لا
بسيفهم ، وأن تعتمد على قوتك وليس على قوتهم ، وان تقيم مستقبلك وفقا لمصالحك
ومعتقداتك وقدراتك ، وألاتثق في في منافق مهما بدا لك معسول كلامه مقنعا ومنطقيا ..
فالثعلب لا يجوز أن يؤم الغابة في الصلاة !