عن غزة سيكتب التاريخ

محمد أحمد الكردي*

[email protected]

سيكتب التاريخ أن شعباً صمد صموداً أسطورياً أمام آلة الحرب الصهيونية الأسطورية المجنونة في مساحة من الأرض لا تتجاوز 300كم2، محاصرة من البر والبحر والجوّ، وبإمكانات متواضعة، لا تقارن بما يمتلكه الإسرائيليون. فكيف لو اشتركت أقطار عربية بكل ما لديها من جيوش وأسلحة وإمكانات، واستغلت الفرصة وبادرت إلى تحرير أراضيها التي تحتلها إسرائيل ذاتها!!!

سيكتب التاريخ أن شعب غزة أبناء "الجبّارين" بحق، وأن اليهود المدجّجين بكل أنواع الأسلحة لم يستطيعوا التقدم شبراً واحداً في هذا القطاع المحاصر الصامد إلا على أشلاء من المدافعين الأبطال وعلى أكوام من الأنقاض، وأنهم سرعان ما كانوا ينسحبون تحت ضغط ضربات المقاومة الشريفة الملتحمة بالشعب التحاماً قلّ نظيره.

سيكتب التاريخ أن العدوان على قطاع غزة لم يكن من جانب الصهاينة فحسب، بل إن أطرافاً عربية عدة قد شجعت هؤلاء الصهاينة على عدوانهم؛ منهم بتبنّي المطالب الصهيونية بكل وقاحة وصفاقة، ومنهم بالدعم الخفيّ و الازدواجية السياسية، ومنهم بالصمت المريب والسلبية، ومنهم بالشماتة بالمقاومة وتحميلها مسؤولية ما حصل...

سيكتب التاريخ أن جهات عربية أعلنت صراحة أن المقاومة في غزة إنما تمثلها حركة حماس، وهي فصيل من جماعة الإخوان المسلمين، وأن هذه الجهات تكره الإخوان المسلمين، وتعارض قيام إمارة إسلامية على حدودها، ولذلك من الطبيعي أن تقف بجانب الطرف الآخر. ونسيت هذه الجهات أن البديل عن الإخوان المسلمين هم اليهود أعداء المسلمين والعرب إخواناً وغير إخوان!!!

وسيكتب التاريخ أن زعيم أكبر دولة عربية قد قال للرئيس الفرنسي ـ بكل وضوح ـ "يجب أن لا تخرج حماس من هذه المعركة منتصرة"!!!

وسيكتب التاريخ أن رجب طيب أردوغان وهوغو شافيز وجورج غالاوي يحملون بين جوانحهم الانتماء للعروبة أو الإسلام أكثر بكثير ممن يسمّون زعماء وقادة عرب!!

وسيكتب التاريخ أن أطرافاً أخرى محسوبة على شعوب مسلمة ألبست وقوفها إلى جانب إسرائيل لبوساً غير أخلاقي، عندما حاولت تمييع القضية وإعطاءها بعداً آخر، بأن فلسفت حقدها على أصحاب المشروع الإسلامي بقولها: إنها تتضامن مع حق الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي الوحيد" سلطة رام الله"، ولكنها تعارض مشروع حماس وتوجهاتها وأيديولوجيتها، وقد تناست هذه الأصوات النشاز أن وجود حماس في السلطة إنما هو نتيجة انتخاب ديمقراطي حرّ!!

سيكتب التاريخ أن العالم بأسره، باستثناء الفئات الضالة المشار إليها، صهيونية الهوى، قد تضامن مع أهل غزة، وثبت لديه بالدليل القاطع أن ما كانت تسوّقه الدعاية الصهيونية طوال السنوات الماضية إنما كان محض أكاذيب وافتراءات عن الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وأن هذا الكيان السرطاني الغاصب مجرد من أي قيمة أخلاقية أو إنسانية مهما تضاءلت.

سيكتب التاريخ أن منظمات حقوقية عربية وإسلامية ودولية هالها ما رأت من انتهاكات إسرائيلية فظيعة لحقوق الإنسان في غزة، تقشعرّ من هولها الأبدان، فبادرت وبتصميم وإرادة ـ وعلى نطاق العالم كله ـ إلى ضرورة رفع دعاوى قضائية ضد قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين لتقديمهم إلى محكمة الجنايات الدولية كمجرمي حرب دمويين، استخدموا الأسلحة المحرمة دولياً ضد المدنيين والقوة المفرطة ضد العزّل، لينالوا جزاءهم على جرائمهم ضد الإنسانية المسحوقة.

وسيكتب التاريخ أن أطرافاً إسلامية تمتلك الحسّ الديني والقومي والوطني، قد علّقت أنشطتها المعارضة لنظام حكمها الجائر، لتوحيد الجهود ومواجهة العدو المشترك، ولكن هذا النظام بدلاً من تقدير هذا الموقف الشجاع والحكيم، والمبادرة إلى المصالحة مع شعبه وتقوية الجبهة الداخلية، أمعن في غيّه وانتهاكاته الفظة لحقوق الإنسان، وكأن الأمر لايعنيه!!

سيكتب التاريخ أن الجماهير العربية والمسلمة قد انعدمت لديها الحدود والفواصل بين ما كان يسمى بدول الممانعة ودول الاعتدال، فقد أظهر الجميع عجزهم عن الارتقاء إلى مستوى الحدث، وتذرّع الجميع بـ" الحكمة والحنكة  وبعد النظر والنظرة الثاقبة".

سيكتب التاريخ أن بداية النهاية لما يسمى" إسرائيل" قد بدأت تلوح في الأفق لكل ذي بصيرة، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

سيكتب التاريخ بأحرف من نور جهاد أولئك الفتية، الذين آمنوا بربهم، وسطّروا أروع الملاحم في زمن الاستخذاء والاستجداء والانبطاح.

وسيصبّ التاريخ والأجيال الحاضرة والقادمة لعناتها على من لايستحق إلا اللعنات والرجم و...

              

* نائب المشرف على موقع www.syriakurds.com