الجامعة الإسلامية عنقاء تلملم جراحها
د. كمال أحمد غنيم
رئيس نقابة العاملين
الجامعة الإسلامية - غزة
تنتهي الحرب الحاقدة، وينكشف الغبار، وتظهر ملامح المحرقة المعاصرة على أوسع نطاق من الوضوح والبشاعة، وتظهر وراء كل موت حكاية ومأساة، ووراء كل رقم من أرقام الضحايا قلوبا تنبض بألم إنساني مرير... وفي المقابل تظهر صور البطولة والإصرار على الحياة الكريمة مهما كان الثمن، وينتصر الدم على السيف على مسمع ومرأى من العالم.
تنتهي الحرب الحاقدة، لينكشف حجم الدمار الذي لحق بصرحنا الشامخ جامعتنا الإسلامية، وليس من رأى كمن سمع! لا تكاد توجد منطقة في الجامعة إلا وأصابها الضرر، إضافة إلى الدّمار الكامل الذي أصاب مبنيي المختبرات: مبنى البنك الإسلامي للتنمية لمختبرات العلوم، ومبنى تركي بن عبد العزيز لمختبرات الهندسة، والسحق الكامل لكافة الأجهزة العلمية الثمينة التي احتوى عليها المختبران، التي يزيد تقدير ثمنها عن مليون دينار بكثير، بالإضافة إلى انهيار أجزاء من مبنى طيبة في قسم الطلاب ومبنى عبد الكريم اللحيدان في قسم الطالبات، والأضرار البالغة التي مسّت مبنى المكتبة المركزية، ومبنى القدس، والمدينة المنوّرة، ومبنى الإدارة، ومبنى الحاسوب، والتعليم المستمر، وتحطّم معظم الأثاث الموجود في تلك المباني، والنوافذ والأبواب.
تنتهي الحرب الحاقدة، لتظهر ملامح الروح الحيّة التي اتسمت بها الجامعة الإسلامية منذ نشأتها في ظروف أشبه بالمستحيل، ومسيرتها الصاعدة المتحدية لكل العقبات... تتداعى الجامعة بهيئاتها المختلفة منذ اللحظة الأولى لانتهاء العدوان من أجل وضع جدول زمني قصير للنهوض من جديد، يتم توثيق مظاهر العدوان، وتتم إزالة الموجودات المدمرة، وإصلاح قدر كبير مما تمّ إعطابه، واستبدال الممكن مما تمّ تدميره، وجدولة الامتحانات من جديد وفق معطيات الواقع، والإعلان عن استئناف العمل، وتحديد مواعيد الامتحانات بشكل دقيق مع مراعاة الظرف العام وإعطاء الفرصة للطلبة والعاملين للملمة جراحهم الخاصة في بيوتهم وأحيائهم ومدنهم وقراهم ومخيماتهم، ودراسة كيفية تجاوز المحنة لدى جميع الأطراف. وتشرئب الأعناق لمستقبل أفضل بإذن الله، يبرأ فيه الجرح تماما كما برئ من محنة حريق الجامعة قبل ما يقارب عامين، حيث أُزيلت آثار الحريق بشكل سريع على الرغم من ظروف الحصار، وعادت حينئذٍ الجامعة إلى صورة أفضل مما كانت عليه. إنّ الضربة التي لا تميتنا تزيدنا قوة وعطاء وتحديا!
ونحن في نقابة العاملين نعد من تضرر من العاملين بالوقوف إلى جانبهم قدر ما نستطيع من إمكانات متاحة، سواء بالوقوف إلى جانب أسر الشهداء أو الجرحى أو من تهدّمت بيوتهم أو احترقت منازلهم وسياراتهم، فلا ضير بإذن الله.
كما نشدّ على يد مجلس أمناء الجامعة الذي أبدى من اللحظة الأولى روحا صلبة، تصر على إعادة البناء والتعمير، وتجاوز المحنة، والحرص على معنويات الطلبة والعاملين. وكلنا ثقة بقدرتهم على رأب الصدع، والأخذ بزمام الأمور إلى واقع أفضل يراعي طموحهم الدائم إلى تميّز الجامعة على كل صعيد.
كما نحيي مرة أخرى كل من وقف مع الجامعة في محنتها الجديدة، ومن أولئك اتحاد نقابات العاملين في الجامعات الفلسطينية الذي أخذ على عاتق العاملين في جامعات الوطن كلها تجهيز مختبر حاسوب جديد لطلبة الجامعة الإسلامية، والمساهمة في إعانة المنكوبين من أبناء الشعب الفلسطيني عبر مساعدات عينية، والتأكيد على المطالبة الحثيثة بمخصّصات الجامعة من مجلس التعليم العالي، التي تم حرمانها منها على مدار الشهور الماضية؛ بل والمطالبة بدعم الجامعة في محنتها، والمساهمة في إعادة بنائها. اللهم أعنّا لتحافظ الجامعة على ريادتها وتميزها بين أخواتها -الجامعات الفلسطينية- المتميزات.
اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا، اللهم لا تكلنا إلى عدو ملكته أمرنا ولا إلى قريب يتجهمنا، إن لم يكن بك علينا غضبُُ فلا نبالي، ولكنَّ عافَيَتَك أوسعُ لنا، نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزل بنا غضبك، أو يَحِلَّ علينا سخطُك، لك العتبى حتى ترضى... ولا حول ولا قوة إلا بك.